العلاقات السعودية الروسية من الافتراق الى الاتفاق

محمد عز العرب

مجلة السياسة الدولية أكتوبر 2003 - العدد 154

تعد زيارة ولى العهد السعودى الأمير عبدالله بن عبدالعزيز الى موسكو فى مطلع سبتمبر الماضى ، محطة فاصلة فى العلاقات بين الدولتين ، فهى أول زيارة يقوم بها مسئول سعودى بهذا المستوى الرفيع الى موسكو منذ قيام العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين عام 1926، كما أن هذه الزيارة تأتى فى وقت تشهد فيه العلاقات السعودية الأمريكية بعض التوترات التى ظهرت واضحة منذ أحداث الحادى عشر من سبتمبر ، كما تأتى هذه الزيارة بعد الاطاحة بصدام حسين ، فى ظل أجواء العزلة التى تفرضها الولايات المتحدة على كل من سوريا وليبيا ، وهما الحليفان التقليديان لروسيا فى المنطقة ، وأيضاً فى ظل مسعى روسى حثيث للانفتاح على الشرق الأوسط والانضمام الى منظمة المؤتمر الاسلامى ولو بصفة مراقب ، وتحاول أن تحقق ذلك من خلال السعودية بمكانتها فى هذه المنظمة وفى العالم الاسلامى بصفة عامة.

وقد مرت العلاقات السعودية الروسية بثلاث مراحل رئيسية ، أولها هى مرحلة الاعتراف المتبادل: وتقع بين عامى 1926 ، 1935 ، وتميزت هذه المرحلة بفتور العلاقات الثنائية ، وانتهت بقطع العلاقة بين البلدين عام 1935 ، لتبدأ مرحلة القطيعة منذ ذلك الحين وحتى تفكك الاتحاد السوفيتى بنهاية الثمانينات.أما المرحلة الثالثة ، فقد بدأت فى بداية التسعينات مع زوال العاملين الذين تسببا فى توتر العلاقات على مدى العقود الخمسة الماضية -غزو أفغانستان والشيوعية- ، حيث قام الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودى بزيارة لموسكو والتقى بجورباتشوف ، وتبع ذلك استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ، وظلت العلاقات تسير بخطى بطيئة على امتداد عشر سنوات ، حتى عاودها النشاط مرة أخرى فى مايو الماضى.

وتسعى المملكة السعودية من خلال علاقتها بروسيا الاتحادية ، الى تعزيز علاقتها بواحدة من القوى الدولية الهامة ، بالاضافة الى الصين واليابان والاتحاد الأوربى ، وذلك فى اطار تحقيق نوع من التوازن فى العلاقات الدولية ، وعدم اقتصار العلاقات على قطب واحد ، فضلاً عن تنويع دوائر الحركة بالنسبة للسياسة الخارجية السعودية.كما تهدف السعودية من خلال تقوية علاقاتها بروسيا ، الى أن تتمكن من الاتصال المباشر مع الجالية الاسلامية فى موسكو ، والتى يربو عددها على 22 مليون نسمة ، بالاضافة الى الاستفادة من الخبرة السوفيتية علمياً وتقنياً وفتح مجالات جديدة للتعاون.والحصول على الدعم الروسى فى بعض القضايا العربية والاقليمية مثل المسألة العراقية ، والصراع الاسرائيلى الفلسطينى ، واستهداف ايران.

أما بالنسبة لروسيا فهى تسعى من خلال علاقتها مع السعودية الى تنشيط أو استعادة الدور الروسى فى المنطقة ، خاصة فى أعقاب الاطاحة بالنظام البعثى فى العراق ، وتدعيم نشاط الشركات الروسية فى العراق ، وخاصة فى مجال البترول.كما تسعى روسيا الى تنشيط تجارة السلاح الروسى الى المنطقة ، وفى هذا الاطار يكتسب سوق الشرق الأوسط أهمية خاصة بالنسبة لروسيا ، حيث كان الاتحاد السوفيتى أكبر مصدر للأسلحة الى الشرق الأوسط -3و27% من اجمالى صادرات السلاح للمنطقة- خلال الفترة من 1984 ـ 1989. كما تسعى روسيا للحصول على دعم السعودية ومؤازرتها للرغبة الروسية فى الانضمام الى منظمة المؤتمر الاسلامى ، ولو بصفة مراقب.كما تسعى روسيا للحصول على دعم المملكة للانضمام الى عضوية منظمة الدول المصدرة للبترول 'الأوبك'.

وقد تطرقت مباحثات ولى العهد السعودى مع الرئيس بوتين خلال الزيارة الأخيرة الى عدد من القضايا الهامة ، سياسياً ، وأمنياً ، واقتصادياً ، وثقافياً.ففى المجال السياسى ، كان الملفان الفلسطينى والعراقى على رأس الأجندة ، حيث خلص الطرفان الى ضرورة نشر قوات دولية فى منطقة النزاع الفلسطينى الاسرائيلى ، بموافقة الطرفين ، ورفضت موسكو فكرة 'فرض'عقوبات للضغط على اسرائيل.أما بالنسبة للعراق ، فقد أكد الطرفان على ضرورة سيادة العراق ووحدة أراضيه ، ووضع سقف زمنى لانهاء الاحتلال.وعلى الصعيد الأمنى ، تطرقت المباحثات الى قضية مكافحة الارهاب ، وأسفرت المباحثات عن تشكيل لجنة مشتركة للتنسيق والتعاون فى مجال مكافحة الارهاب.

وعلى الصعيد الاقتصادى ، حظى الملف النفطى بأولوية متقدمة فى مباحثات الجانبين. وقد أبرمت الدولتان اتفاقاً يقضى بدخول السعودية للاستثمار فى مشروعات روسية ، وأن تستفيد الرياض من الخبرة الروسية فى هذا المجال ، وقام الجانبان أيضاً بتوقيع عدد من الاتفاقيات للتعاون فى مجالات التجارة والصناعة.كما تطرقت مباحثات الطرفين الى سبل تطوير العلاقات الثقافية ، وتدعيم الاتصالات العلمية والأكاديمية ، وتوطيد برامج التبادل الثقافى.وهكذا أصبحت العلاقات السعودية الروسية مرشحة لمزيد من التعاون ، بعد زوال الأسباب التى باعدت بين البلدين فى الماضى ، وظهور العديد من القضايا محل الاهتمام المشترك ، وعلى رأسها النفط ، والارهاب.

منقووول للفائدة .
AlexaLaw