محددات الحركة الأمريكية في شبه الجزيرة الكورية

نزيرة الأفندي

مجلة السياسة الدولية يوليو 2003 - العدد رقم 153

إن الخيارات الثلاثة المطروحة أمام‏'‏ واشنطن‏'‏ في مجال التعامل مع‏'‏ بيونج يانج‏',‏ تتمثل في العمل العسكري‏,‏ المفاوضات‏,‏ أو في ممارسة الضغوط الاقتصادية‏.‏ وحيث توجد قناعة أمريكية بأن هناك إختلافات جذرية بين‏'‏ بيونج يانج‏'‏ والعراق ممثلة في عدم نزوع الأخيرة إلي قيادة الأقليم‏,‏ مع إفتقارها إلي موارد الثروة الاستراتيجية‏,‏ ومعاناتها من العزلة الدولية‏,‏ نجد أن الطرح العسكري غير مطروح‏,‏ ويضاف إلي هذا وذلك‏,‏ أن التجربة العراقية لم تحقق ما كانت تصبو إليه‏'‏ واشنطن‏'‏ من تحويل‏'‏ العراق‏'‏ بعد إسقاط نظام‏'‏ صدام حسين‏',‏ إلي نموذج يحتذي به في مجال الديمقراطية والتنمية الاقتصادية‏,‏ وهو أمر تشير إليه التطورات منذ شهر أبريل‏2003,‏ ومن هنا كان الإعلان الصريح من جانب‏'‏ كولن باول‏'‏ وزير الخارجية الأمريكية و‏'‏ريتشارد ارميتاج‏'‏ نائبه عن عدم استعداد واشنطن لتوجيه ضربة عسكرية أو شن حرب علي كوريا الشمالية‏.‏

وإذا كانت‏'‏ واشنطن‏'‏ ترفض من ناحية أخري‏,‏ الخيار التفاوضي علي أساس ثنائي بينها وبين‏'‏ بيونج يانج‏'‏ وتؤكد علي ضرورة الدخول في مفاوضات متعددة الأطراف تتسع لتشمل كلا من‏'‏ اليابان‏'‏ و‏'‏كوريا الديمقراطية‏'‏ بالاضافة إلي‏'‏ الصين‏'‏ بل وقد تمتد إلي‏'‏ روسيا‏'.‏ كما أن هناك سابقة شهدها شهر أبريل الماضي‏-2003-‏ تمثلت في المفاوضات ثلاثية الأطراف التي عقدت في العاصمة الصينية‏'‏ بكين‏',‏ ويتوقع أن تعقد الجولة التالية في شهر أغسطس القادم‏.‏
فإن الخيار الخاص بالعقوبات الاقتصادية‏,‏ أو الحصار والضغوط الاقتصادية من خلال مبادرة‏'‏ مدريد‏'‏ واجتماع‏'‏ هاواي‏'‏ يعد الخيار الأمثل من وجهة نظر الإدارة الأمريكية بعيدا عن التصعيد من جانب الأصوات المتشددة فيها مثال‏'‏ ريتشارد بيرل‏'‏ الذي طالب بضرب المنشآت النووية لكوريا الشمالية‏,‏ وما يعنيه ذلك من تداعيات علي صعيد شبه الجزيرة الكورية ومنطقة شمال شرق آسيا بصفة عامة‏.‏

إلا أن هذا الخيار الوحيد المتاح أمام‏'‏ واشنطن‏'‏ لا يلقي التأييد المطلق بل تختلف الآراء حول كيفية تطبيقه عمليا‏,‏ بالاضافة إلي الخوف من ردود الأفعال التي يمكن أن تتخذ من جانب‏'‏ بيونج يانج‏'‏ إزاء هذا الخيار‏,‏ خاصة وأن طريق المفاوضات‏-‏ التي كان من المقرر له أن يستأنف في شهر أغسطس القادم‏-‏ أصبح محاطا بالمزيد من العقبات الناجمة عن إعلان‏'‏ واشنطن‏'‏ إعادة نشر قواتها المرابطة في‏'‏ كوريا الجنوبية‏',‏ بالاضافة إلي تطوير قوات الأخيرة وتخصيص‏11‏ مليار دولار لزيادة قدراتها القتالية ونشر صواريخ‏'‏ باتريوت‏'.,‏ وكذلك الاجراءات المتخذة من جانب اليابان في مجال دعم قدراتها الدفاعية‏.‏

ومن هنا تبدو أهمية وجهة النظر القائله بإن الإدارة الأمريكية تتجنب المخاطر الناجمة عن العمل العسكري والتنازلات الضرورية في مجال التفاوض الدبلوماسي‏..‏ وخطورة الوقوف ساكنة‏,‏ فكان قرار الملاحقة والمحاصرة الانتقائية بالرغم من التحفظات في مجال التطبيق العملي‏.‏

‏1-‏ فمن المعروف أن فرض عقوبات وحصار اقتصادي علي كوريا الشمالية يقتضي صدور قرار من مجلس الامن‏,‏ وهذا لم يحدث ولن تسمح به دول أخري في المنطقة وفي مقدمتها الصين‏.‏

‏2-‏ وحتي بالنسبة بالملاحقة ومتابعة السفن وسفن النقل التابعة لكوريا الشمالية التي يشتبه فيها‏,‏ لابد من توافر اشتراطات معينة وظروف هامة ومحددة حتي يمكن التعرض لها في أعالي البحار وأن تكون السفن ذات أعلام‏..‏ فماذا يكون عليه الوضع في حالة عدم توافر ذلك؟ وإذا كانت الجهود التي بذلتها‏'‏ واشنطن‏'‏ ممثلة في صدور‏'‏ مبادرة مدريد‏'‏ تهدف إلي توفير اتفاق وتعاون دولي واسع النطاق‏.‏

‏3-‏ فهل ستتفق كل‏'‏ الدول‏'‏ خارج نطاق‏'‏ مبادرة مدريد‏'‏ علي اتخاذ هذه الاجراءات‏,‏ خاصة‏'‏ الصين‏'‏ وكوريا الجنوبية‏'‏ وعلي الرغم من التشدد النسبي في لغة التخاطب مع‏'‏ كوريا الشمالية‏'‏؟‏.‏ بل ويطرح في هذا الصدد التساؤل حول أسلوب ملاحقة وتفتيش الطائرات التابعة لكوريا الشمالية والتي تكون موضع شك فيما يتعلق بتهريب الأسلحة أو المواد النووية وكذلك المخدرات‏,‏ علي حد الاتهام الذي توجه الولايات المتحدة ودول‏'‏ مبادرة مدريد‏'‏؟‏.‏
إن اختيار الضغوط الاقتصادية كبديل عن الخيار العسكري أو المفاوضات الثنائية أو حتي الثلاثية‏,‏ يعكس من ناحية إزدواجية المعايير الأمريكية‏..‏ كما يعكس من ناحية أخري الثقل الذي تمثله القوي الإقليمية سواء علي صعيد شبة الجزيرة الكورية أو منطقة شمال شرق أسيا ككل‏.‏

فمن المتفق عليه أن كوريا الجنوبية بصفة أساسية‏,‏ تليها اليابان ثم الصين وإلي حد ما روسيا‏,‏ لا ترغب في اندلاع مواجهة عسكرية في المنطقة لما تعنيه من دمار وخسائر بشرية‏.‏
كما أن الصين لن تحبذ بأي حال من الأحوال‏,‏ أن يحدث سباق تسلح في المنطقة بين كوريا الشمالية من ناحية والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان من ناحية أخري‏.‏ وهو ما تشير إليه التحركات الأخيرة من جانب الدول الثلاث في مجال دعم قدراتها العسكرية‏.‏ ومن هنا سوف تنضم إلي كوريا الجنوبية واليابان في مجال دعم الحل السلمي عبر المفاوضات‏.‏

ومن المؤكد أن حملة التهديدات والتهديدات المضادة فيما بين‏'‏ بيونج يانج‏'‏ و‏'‏واشنطن‏'‏ تشكل مناخا غير موات علي صعيد شبة الجزيرة الكورية ومنطقة شمال شرق آسيا بصفة عامة‏,‏ وبما يهدد بحدوث حركة نزوح لروؤس الأموال المحلية وإرتداد الاستثمارات الأجنبية إلي الخارج‏,‏ ويؤدي إلي تعميق حدة الركود الذي تعاني منه‏'‏ اليابان‏'‏ بالفعل وتخشي التعرض له كوريا الجنوبية من ناحية‏,‏ وتوسيع نطاق الركود الذي يحيط بالاقتصاديين الأمريكي والألماني ليشمل العالم أجمع من ناحية أخري‏.‏

إن الحقائق المجردة تشير إلي أن تعاظم القدرة علي المناورة والتحدي من جانب كوريا الشمالية في مواجهة الولايات المتحدة لا يستند إلي قدراتها النووية المتعاظمة وكفي‏..‏ ولكنها تستند ايضا وبدرجة متوازية علي قوة تضامن الأطراف الإقليمية إزاء رفض الحل العسكري وحتي العقوبات الاقتصادية‏,‏ ولو بدت لهجة الحديث أكثر تشددا إزاء مطالبة‏'‏ بيونج يانج‏'‏ بالتخلي عن برنامجها النووي‏.‏

وأبرز مثال في هذا الصدد‏,‏ يتمثل في موقف‏'‏ كوريا الجنوبية‏'‏ فيما يتعلق‏'‏ بسيول‏'‏ وموقفها من التطورات الأخيرة‏,‏ وعلي الرغم من تصاعد لغة خطابها السياسي الموجة إلي كوريا الشمالية وخاصة خلال زيارة رئيسها‏'‏ روه موهيون‏'‏ لواشنطن في شهر مايو الماضي‏,‏ إلا أنها حريصة كل الحرص علي استمرار جهود الحل السلمي‏'‏ للأزمة النووية‏'‏ في شبة الجزيرة الكورية‏.‏ والمضي قدما في سياسة التقارب والتعاون الاقتصادي بين الكوريتين رغم أجواء الأزمة التي تخيم عليها‏.‏

منقووول للفائدة .
AlexaLaw