الاستراتيجية الجديدة لأمريكا في أفريقيا

خالد حنفي علي

مجلة السياسة الدولية يوليو 2003 - العدد رقم 153

كشفت حرب العراق عن استراتيجية أمريكية قوامها التوسع الخارجي في مناطق العالم المختلفة علي الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية لتحقيق الأمن القومي الأمريكي بمعناه الشامل وللهيمنة علي القوي الصاعدة في النظام الدولي سواء الاتحاد الأوروبي أو حتى القوي الأسيوية - الصين ، اليابان ، ..-

وبدت ملامح هذه الاستراتيجية في عدد من المحاور أبرزها توسيع انتشار القوات العسكرية الأمريكية علي مستوي العالم لضرب القوي المعادية بشكل وقائي و تأمين الاحتياجات الأمريكية من الطاقة ، وكذلك مكافحة الإرهاب .

وتحظي أفريقيا بأهمية أكبر في إطار الاستراتيجية الامريكية الجديدة فهي تملك معابر تجارية ومواني بحرية هامة علي المحيطين الهندي والأطلسي بما يجعلها منطقة هامة للولايات المتحدة تمارس فيها عمليات توسيع انتشارها العسكري عبر العالم .

كما أن وجود القوات الأمريكية في هذه المعابر يسهل لها التدخل السريع بقواتها إذا دعت الحاجة ضد أي اعتداء ، وربما الذهن الأمريكي لن ينسي ما حدث في عام 1998 حيث ضربت سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا. وكذلك استهداف مصالح حليفتها إسرائيل في كينيا في ديسمبر 2002 .

من جهة اخري زاد الحديث في الآونة الأخيرة عن الاكتشافات النفطية في أفريقيا ، وهو الأمر الذي يمثل للولايات المتحدة فرصة كبيرة في إطار استراتيجيتها في التعامل مع الاحتياجات النفطية كمسالة امن قومي وكذلك لاستخدام أفريقيا كمدخل للتنويع الجغرافي لواردتها النفطية .

ويقدر مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية - الاونكتاد - مجمل الاحتياطي النفطي لأفريقيا بـ80 مليار برميل أي ما نسبته 8 % من الاحتياطي العالمي الخام.
واستناد علي هذه القدرات النفطية الافريقية ، فتشير دراسة أجرتها المجموعة الوطنية لتطوير سياسة الطاقة في واشنطن ، إلي أن الولايات المتحدة سترفع واردتها النفطية من أفريقيا من 16 % إلي 25 % بحلول 2015. ـ

وتبدو أيضا هناك عدة منافع للولايات المتحدة من رفع ورادتها النفطية من أفريقيا وسيطرة شركاتها علي الاستثمار في هذا القطاع حيث أن سيطرة الولايات المتحدة على مخزونات النفط الأفريقية بجانب سيطرة علي نفط العراق يعني تحكمها في الاقتصاد العالمي واقتصاديات الدول المنافسة بشكل أكبر، فاليابان تستورد 98 في المائة من احتياجاتها النفطية، فيما تستورد أوروبا 52 في المائة من احتياجاتها النفطية ، وستزداد أهمية النفط في المستقبل إذا علمنا أن الاستهلاك العالمي للطاقة سيرتفع حتى عام 2020 بمعدل 59 في المائة.

من جهة اخري تعتبر القارة الأفريقية سوقا كبيرا يقدر بحوالي 700 مليون نسمة ، وتسعي الولايات المتحدة للاستفادة من هذه الأسواق خاصة وان هناك انخفاض في التبادل التجاري بين الولايات المتحدة و افريقيا .

ويشير تقرير لوزارة التجارة الأمريكية عام2002 أن تجارة الولايات المتحدة مع أفريقيا تمثل حوالى 1.8 % من إجمالى حجم تجارتها الخارجية، ونسبة إجمالى المنتجات الأمريكية فى السوق الأفريقية هى 9% فقط وهى تقل بكثير من مثيلتها القادمة من السوق الأوروبية التي تصل الى 32 % .

تحركات امريكية

وفي إطار هذه الأهمية لإفريقيا ، فان إدارة الرئيس الجمهوري جورج بوش تحركت لتطبيقها استراتيجية ذات البعد الإمبراطوري في أفريقيا ومن ابرز هذه التحركات تكثيف التواجد العسكري الأمريكي في مناطق أفريقيا المختلفة ، فعلي سبيل المثال ، شهدت منطقة القرن الإفريقي تحركات أمريكية مكثفة لتوسيع الوجود العسكري للولايات المتحدة فقد زار رامسفيلد كل من إريتريا وأثيوبيا وجيبوتي في ديسمبر 2002. وخرجت واشنطن من هذه الجولة بعدة مكاسب هامة منها موافقة الدول الأفريقية الثلاث علي السماح للطائرات الأمريكية بالتحليق فوق أراضيها ، وكذلك تقديم معلومات عسكرية، والسماح للبحرية الامريكية بحرية الحركة لضمان أمن البحر الاحمر من ناحية القرن الافريقي .

وعلي صعيد مسالة النفط فقد بدأت الولايات المتحدة تحركات مكثفة وعلي اصعدة مختلفة وابرزها العمل على منع الصراعات وإنهاء حروب التطهير العرقي في مناطق إنتاج النفط في افريقيا. ووفقا لذلك فليس مفاجئا أن صراعات معقدة ظلت عقودا مشتعلة بدا لها حل سياسي مثل أنجولا -انتهاء الصراع بين حركة يونيتا والحكومة في إبريل 2002- وكذلك التوصل لاتفاق بين فرقاء البحيرات العظمى.كما دعمت امريكا مفاوضات السلام في السودان في اوائل العام 2002.

ونتاج هذه التحركات النفطية ، فان شركات النفط الأميركية تستثمر حوالي 10 مليارات دولار في افريقيا خلال العام 2003 .

عوائق

لكن هناك عوائق قد تحول دون مضي الاستراتيجية الامريكية الجديدة في طريقها فهناك قوي دولية اخري تنظر للقارة الافريقية ايضا كمغنم لها وعلي راس هذه القوي فرنسا التي لها نفوذ في 20 دولة افريقية تخضع للفراكوفونية كما ان فرنسا ذاتها بدات في تعديل سياستها التي خسرت بسببها الكثير في افريقيا حيث الغت المشروطية السياسة للمعونات واستبدلتها بمشروطية المصلحة كما رفعت مساعداتها إلى أفريقيا الى ما يزيد عن 0.7% من دخلها القومى الإجمالى بدون ربطها بالديمقراطية.

كما ان هناك ازمات تخلق بيئة غير مستقرة في افريقيا مثل الديون والفقر والصراعات السياسية والعرقية يضاف الي ذلك الراي العام الإفريقي المناهض للولايات المتحدة في عدد كبير من دول القارة ، ويكفي الاشارة الي المظاهرات التي خرجت في كينيا وتنزانيا والكاميرون وغيرها لتعبر عن غضبها من الغزو الامريكي للعراق

منقووول للفائدة .
AlexaLaw