محددات الموقف الأمريكى من قضية الشرق الأوسط

محمود حمد

مجلة السياسة الدولية يوليو 2002 - العدد رقم 149

إن المصلحة الوطنية هى المحدد الأساسى للسياسة الخارجية. هذه المسلمة العلمية والموضوعية والتى تنطبق فى حالة الغالبية الأعظم من دول العالم لا تصدق فى الحالة الأمريكية. ففى قضايا معينة فى السياسة الخارجية الأمريكية فإن التوازن السياسى الداخلى - داخل الإدارة أو داخل النظام السياسى - وليست المصلحة الوطنية هى التى تحدد اتجاهات السياسة الخارجية الأمريكية تجاه منطقة أو دولة بعينها.

فالسياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، وكوبا، وأيرلندا وغيرها تجد محددها الرئيسى فى التفاعلات السياسية بين جماعات المصالح الفاعلة والمؤثرة على الساحة السياسية الأمريكية وليس فقط من خلال تحديد المصلحة الوطنية كما تراها النخبة الحاكمة، بل وأكثر من ذلك فكثيرا ما يؤدى التنافس السياسى بين جماعات الضغط المختلفة الى حدوث تناقضات واختلافات فى تحديد الوسائل والأهداف داخل مؤسسات النظام السياسى. فعادة ما ينشأ تباين فى وجهات النظر بين الإدارة والكونجرس، بل وبين العناصر القيادية داخل الإدارة - كوزارة الخارجية ووزارة الدفاع والمخابرات المركزية وغيرها.

وتحاول هذه الورقة أن تعرض بقدر من التحليل المتعمق لطبيعة الصراع السياسى الذى يحكم صنع السياسة الخارجية الأمريكية تجاه قضية الشرق الأوسط فى المرحلة الراهنة من إدارة الرئيس جورج ووكر بوش. فتثير هذه الورقة ابتداء إلى خريطة الصراع السياسى بين جماعات المصالح اليهودية والعربية، كما تعرج إلى استعراض موقف الهيئة التشريعية، ثم تحلل للخلافات السياسية بين الصقور والحمائم داخل الإدارة، وأخيرا تحاول أن تقدم رؤية لطبيعة السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط فى المستقبل المنظور.

لقد وعد بوش القيادات العربية التى تشاور وإياها بتقديم رؤيته للسلام، بعد أن أجمع القادة الذين زاروا العاصمة الأمريكية على أنه تفهم إصرارهم على أولوية الحل السلمى. إلا أن بوش وقع كغيره من الرؤساء الأمريكيين السابقين فى محظور الانتخابات الأمريكية، وحاجته إلى مراعاة الأصوات اليهودية وعدم استفزازها، بهدف ضمان الأكثرية لحزبه فى مجلسى الشيوخ والنواب، كجسر نحو الانتخابات الرئاسية بعد سنتين. وكالعادة سيكون على العرب والفلسطينيين انتظار الانتخابات الأمريكية ونتائجها، فسواء أعلن الرئيس الأمريكى رؤيته أم لم يفعل ستبقى مجريات الصراع الإسرائيلى - الفلسطينى على الأرض محكومة بعدم قدرة واشنطن على إحداث أى تغيير لدى إسرائيل فى شأن عملية السلام لأننا فى موسم انتخابات.

بل وعلى غير ما يظن الكثيرون فإن مطالبة العرب بوش بإخراج رؤيته إلى العلن قبل الانتخابات قد تكون فى غير صالح الطرف العربى، لأن بنودها وتوجهاتها ستخضع لمنطق استرضاء اللوبى اليهودى فى واشنطن وعدم إغضاب الناخبين اليهود، فيكون سقفها أدنى مما يأمل به العرب، وملزما للرئيس الأمريكى، بينما احتمالات تحسين المبادرة بعد الانتخابات قد تكون أفضل مما قبلها.

منقووول للفائدة .
AlexaLaw