نموذج شارون في إدارة الصراع وانعكاساته المستقبلية

د. عماد جاد

مجلة السياسة الدولية يوليو 2002 - العدد رقم 149

عندما انتخب شارون رئيسا للوزراء في فبراير من عام 2000، وبأغلبية غير مسبوقة في الانتخابات الثلاث التي جرت حول منصب رئيس الوزراء في إسرائيل، اتجهت معظم التحليلات إلى التأكيد على أن شاورن سوف يرسي 'نموذجه الخاص' في التسوية، وهو نموذج سيمثل قطيعة مع ما كان يجري، وسيفرض في الوقت قيودا على من سيخلفه في المنصب يصعب عليه تجاوزها بمعنى العودة بالعملية إلى المسار الذي كان قائما قبل تولى شارون.

الواقع أن شارون كان له نموذجه الخاص لفي إدارة الصراع، وهو المعتمد بشكل أساسي على كسر إرادة المقاومة وفرض مل يريد من تسويات، تكون أقرب إلى إملاء صكوك الاستسلام. وأنه بعد كل ما جرى، فقد فشل شارون في فرض نموذجه، ولكن هذا الفشل لا يعني أن النموذج لن تكون له تأثيراته على مستقبل إدارة الصراع، وبالتحديد على سياسة من سيخلفه في مقعد رئيس الوزراء.

ويمكن القول أن فترة حكم شارون وتحديدا العام الأول منها كشفت بوضوح عن انتهاء عهد فرض الحلول بقوة السلاح، بل أن 'عملية الجدار الواقي' قد كشفت عن المخاطر الكامنة في الاعتماد على القوة المجردة مهما بلغت من تطور. فمن ناحية فقد لاقت القوات الإسرائيلية مقاومة شرسة وخسرت عشرات الجنود ما بين قتيل وجريح ولم تسيطر على مخيم جنين للاجئين إلا بعد أن سوت المخيم بالأرض. ومن ناحية ثانية فقد تعرضت إسرائيل بسبب ذلك إلى حملة دولية وضعتها في صورة الدولة التي تمارس أعمال التطهير العرقي والتي تستوجب التعرض لمحاكمة دولية ولم ينقذها من ذلك سوى الفيتو الأمريكي. ومن ناحية ثالثة فقد كان ثمن اقتحام مخيم جنين والسيطرة على المناطق الخاضعة للسلطة الوطنية صدور قرار من مجلس الأمن الدولي بقيام دولة فلسطينية مستقلة، القرار 1397، وهو الأول من نوعه منذ قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947، والذي كان ينص على دولتين يهودية وعربية. ومن ناحية رابعة، ورغم الجهود الأمريكية المكثفة والضغوط الشديدة، صدر قرار مجلس الأمن بتشكيل لجنة تقصي حقائق دولية بشأن ما جرى في مخيم جنين، وباتت إسرائيل معرضة للمساءلة الدولية وبدت في النهاية في صورة من يرفض التعاون مع لجنة تقصي حقائق دولية خشية التعرض للإدانة. ومن ناحية خامسة وأخيرة، فرغم كل ما جرى فإن عمليات المقاومة والعمليات المسلحة داخل الخط الأخضر لم تتوقف، الأمر الذي يعني أن نموذج شارون لم يحقق للرأي العام الإسرائيلي من وعده به.

لكن في مقابل ذلك يبدو واضحا أن نموذج شارون كانت له تأثيراته على الجانبين الفلسطيني والعربي والتي تجعل من الصعوبة بمكان العودة إلى مماسات سابقة على هذا النموذج. فمن ناحية أولى بدا واضحا أن تجربة الانتفاضة والرد العسكري الإسرائيلي واسع النطاق واجتياح الأراضي الفلسطينية الخاضعة للسلطة الوطنية، وأيضا نماذج إدارة المعركة والقنوات الدبلوماسية التي استخدمت لعقد الاتفاقات سواء لرفع الحصار عن الرئيس عرفات أو كنيسة المهد، كلها تشير إلى أن فكرة اللجوء إلى القوة للعمل المقاوم باتت تحيط بها قيود شديدة لاسيما في ضوء ضآلة المساندة العربية. أيضا فإن الإغراق في الحديث عن الإصلاح في الجانب الفلسطيني، تكشف كذلك عن قيودا إضافية في هذا الاتجاه.

أما فيمت يخص الدول العربية الرئيسية، فيبدو واضحا أنها قد وصلت إلى قناعة تامة وأعلنتها بشكل رسمي، ومؤداها أن لا حلا عسكريا للصراع، وأن هناك استعداد جدي لمقايضة التطبيع أو العلاقات الطبيعية بالأراضي العربية المحتلة منذ يونيو 1967. صحيح أن شقا رئيسيا من مسببات بلورة هذه الرؤية بشكل رسمي ذات صلة مباشرة بتداعيات اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، إلا أن الصحيح أيضا أن إفرازات نموذج شارون ومخاطره الإقليمية قد ساعدت على بلورة الموقف المشترك على نحو رسمي.

من هنا يمكن القول أن 'نموذج شارون' في إدارة الصراع، قد فرض قيودا على فكرة التسوية عبر السلاح، ورسخ مفهوم الدولة الفلسطينية من ناحية، وفرض سقفا لعملية استخدام السلاح في المقاومة من الجانب الفلسطيني من ناحية ثانية، وأدى إلى بلورة الموقف العربي على نحو رسمي كما جاء في مبادرة القمة العربية بمقايضة التطبيع أو العلاقات الطبيعية بالأراضي المحتلة منذ يونيو 1967

منقووول للفائدة .
AlexaLaw