خطة الطريق ومرحلة صياغةالسياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط

أحمد سيد أحمد

مجلة السياسة الدولية يناير 2003 - العدد 151

تشكل‏'‏ خطة الطريق‏'‏ التي طرحتها الولايات المتحدة‏,‏ حلقة جديدة في سلسلة من المبادرات التي تهدف لإنهاء نزاع الشرق الأوسط‏,‏ ووقف حلقة العنف المستمرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين‏,‏ بعد أن فشلت المبادرات السابقة وعلي رأسها تقرير ميتشيل وخطة تينيت في إقناع الطرفين بالعودة إلي طاولة المفاوضات‏.‏ وتكتسب الخطة أهميتها في ضوء السياسة الأمريكية الجديدة تجاه الشرق الأوسط‏,‏ والحملة الأمريكية علي الإرهاب ومع التحول الذي طرأ علي موقف الإدارة الأمريكية من قضية القدس‏,‏ بعد أن صدق الرئيس الأمريكي علي مشروع قرار أصدره الكونجرس يعتبر القدس عاصمة موحدة لإسرائيل‏,‏ ورغم أنه أعلن عدم التزام إدارته بهذا القرار‏,‏ فإن هذاتحولا كبيرا في موقفها من الصراع في المنطقة‏.‏

والواقع أن قضية السلام في الشرق الأوسط‏,‏ قد تراجعت مع تولي إدارة الرئيس بوش الابن السلطة في الولايات المتحدة ولم يعد تحقيق السلام وإنهاء النزاع بين الجانبين يمثل ركيزة الاستقرار الإقليمي‏,‏ فلقد تغيرت توجهات الإدارة الجديدة بالنسبة لمفهوم السلام‏,‏ من السلام القائم علي تسوية عادلة وشاملة إلي سلام يتركز علي ترتيبات مرحلية مع الفلسطينيين تؤدي إلي هدنة طويلة الأجل تحقق الهدوء والاستقرار الإقليمي‏,‏ وهذا التغير هدفه إعادة رسم خريطة العلاقات الإقليمية في الشرق الأوسط بما يحقق نوعا من التهدئة وفقا للمفهوم الأمريكي الإسرائيلي القائم علي الاكتفاء بقمع الانتفاضة ووقف أعمال العنف وتحقيق بعض الانفراج بما يتفق مع التهدئة المطلوبة‏,‏ كما تراجع الملف الفلسطيني بسبب الحرب المزمعة علي العراق‏,‏ فهناك من يري أن الإدارة الأمريكية تريد تأجيل الملف الفلسطيني إلي ما بعد انتهاء الحرب علي العراق‏,‏ ومن ناحية أخري عدم الاستجابة لمطالب المتشددين الإسلاميين الذين يبررون هجومهم علي الولايات المتحدة بما يحدث في الأراضي الفلسطينية‏.‏

ولقد ساهم التشابه بين النخبتين الحاكمتين في الولايات المتحدة وإسرائيل والذي يعود بالأساس إلي التركيبة العسكرية المسيطرة عليهما‏,‏ في انحياز الولايات المتحدة وتبنيها وجهة النظر الإسرائيلية‏,‏ ففي الولايات المتحدة انتقل مركز التأثير في صنع السياسة الخارجية الأمريكية من وزارة الخارجية إلي وزارة الدفاع‏,‏ وعلي رأسها وزير الدفاع في عهد بوش الأب‏,‏ دونالد رامسفيلد وزير الدفاع‏,‏ وولفوتيز نائب وزير الدفاع الحالي‏,‏ واستطاعت هذه المجوعة يضاف إليها إليها مجموعة في البيت الأبيض من أمثال ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي‏,‏ وكوندليزا رايس‏,‏ توجيه مسار وتوجهات السياسة الخارجية الأمريكية‏,‏ وفي إسرائيل يسيطر الثلاثي شارون ونيتايناهو وموفاز علي صنع السياسةالخارجية‏.‏ إضافة لذلك نجد أن النفوذ اليهودي في الولايات المتحدة‏,‏ أحد الأسباب الرئيسية للانحياز الأمريكي الدائم لإسرائيل من خلال الدور الخفي والعلني الذي يقوم به اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة بمراكز أبحاثه وجمعياته ولجانه‏,‏ وخبرته العميقة بالنظام السياسي الأمريكي وكيفية صنع القرار والعلاقات بين الإدارة والكونجرس وإجراءات الحملات الانتخابية الرئاسية والبرلمانية وقوانين ولوائح تمويل الحملات الانتخابية‏.‏

وترتكز خطة الطريق بصورة أساسية علي ماورد في خطاب الرئيس الأمريكي جورج بوش بشأن حل النزاع في الشرق الأوسط في‏24‏ يونيو الماضي‏,‏ فهي تحدد فترات ثلاث‏:‏ الأولي من أكتوبر‏2002‏ إلي مايو‏2003‏ ـ والثانية بين يونيو وديسمبر‏2003‏ ـ والثالثة بين عامي‏2004‏ و‏2005,‏ وتجمع تحت كل من هذه المراحل الثلاث شتات ماتضمنه خطاب بوش من خطوات يقوم كل من الطرفين ودول أخري بتنفيذها‏,‏ ويتم ذلك تحت إشراف الرباعية الدولية المشكلة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا وسكرتير عام الأمم المتحدة‏.‏ وتلتزم الخريطة بما تضمنه خطاب بوش من عناصر رئيسية ثلاثة هي‏:‏ إنهاء العنف ـ وإجراء الإصلاحات الفلسطينية ـ ومرحلية التسوية السياسية‏.‏

والمراحل الثلاث التي تحدثت عنها الخطة لا تختلف في طبيعتها عما نصت عليه خطة تينيت وتضمنه تقرير ميتشيل‏,‏ لأنها تتعرض للعناصر الثلاثة للحل وهو توفير الأمن ثم إجراء مفاوضات للحل المرحلي ثم مفاوضات الحل الدائم‏,‏ وبهذا يكون طريق الحل واضح‏,‏ ولكن المشكلة الرئيسية هي كيف نتعامل مع كل طريق ومفاجآته أي ما هو شكل التحرك وضمان نجاحه‏,‏ فقد تضمنت خطة تينيت إجراءات لتحقيق الأمن قبلها الفلسطينيون ولكم تلتزم بها الحكومة الإسرائيلية‏,‏ كما اشتمل تقرير ميتشيل علي إجراءات لبناء الثقة والعودة للمفاوضات والتزم بها الفلسطينيون وانتهكتها الحكومة الإسرائيلية‏.‏

وهناك مآخذ كثيرة علي تلك الخطة أبرزها افتقادها إلي الالتزام والوقت الزمني المحدد‏,‏ ولاتضع الخطة في حسبانها ما آلت إليه الأوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة نتيجة للحرب الشرسة التي يشنها شارون علي الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية‏,‏ وتورد الخريطة الخطوات والاجراءات المقترح اتخاذها في كل مرحلة دون أن تضع لها ترتيبا واضحا وأن تجعل منها التزامات تبادلية يقترن تنفيذ كل طرف بأحدها أو ببعضها بتنفيذ الطرف الآخر وفقا لتوقيتات محددة‏.‏

وتشير إلي عقد مؤتمرين دوليين دون أن تعطي بيانات كافية عن أطراف كل منهما ومرجعيته وأهدافه‏,‏ وربما كان من المجدي عقد مؤتمر يستهدف المصادقة علي خطة الطريق في شكلها النهائي بما يكسبها صفة إلزامية‏,‏ كما أن الحديث عن مؤتمر دولي ينذر بالابتعاد عن صيغة مدريدو قراري مجلس الأمن‏242‏ و‏338‏ ويفتح الباب لقرارات جديدة تشرع لتغييرات في الأراضي المحتلة عام‏1967,‏ والعرض في مجمله لا يتعدي مجرد صيغة فضفاضة تتيح الفرصة للطرف الإسرائيلي للماطلة والتلاعب‏.‏

وفي النهاية فإن معادلة السام في الشرق الأوسط واضحة وبسيطة وتركز علي أن السلام الحقيقي يتحقق عبر الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي الفلسطينية وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة كاملة وعلي رأسها إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس‏,‏ وبدون ذلك‏,‏ فإنه لا خطة الطريق أو غيرها ستفلح في وضع حد لدوامة العنف المشتعلة في المنطقة‏.‏

منقووول للفائدة .
AlexaLaw