السياسة الإسرائيلية تجاه خريطة الطريق

صبحي عسيلة

مجلة السياسة الدولية يوليو 2003 - العدد رقم 153

في خطوة تعد الأولي في تاريخ الحكومات الإسرائيلية اليمينية أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي موافقته علي خريطة الطريق ووافق مجلس الوزراء الإسرائيلي في جلسته التاريخية في‏25‏ مايو‏2003‏ بأغلبية‏12‏ صوتا مقابل سبعة أصوات وامتناع أربعة وزراء عن التصويت علي مشروع خطة خريطة الطريق‏.‏ وقد صدر قرار الموافقة علي خريطة الطريق مشروطا بأربعة عشر تحفظ علي الخطة الأمريكية إذا ينص القرار علي انه استنادا إلي بيان الإدارة الأمريكية الصادر في‏23‏ مايو‏2003‏ والذي تتعهد فيه الولايات المتحدة بمعالجة الملاحظات الإسرائيلية علي خريطة الطريق بجدية وبشكل كامل عند تطبيق الخريطة فقد أعلن رئيس الوزراء‏-‏ شارون‏-‏ أن إسرائيل توافق علي قبول الخطوات المحددة في خريطة الطريق وتصادق الحكومة علي بيان رئيس الوزراء وتقرر بأن كل وكامل الملاحظات الإسرائيلية التي قصدتها الإدارة في بيانها ستطبق عند تحقيق خريطة الطريق وفي ذات الجلسة صدر قرار برفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلي ديارهم في فلسطين‏48‏ سواء في سياق المسيرة السلمية أو بعدها‏.‏ وعلي الرغم من أن تلك الموافقة تعتبر المرة الأولي التي تعترف فيها حكومة إسرائيلية أعضاؤها من غلاة اليمين المتشدد بوثيقة تنص صراحة علي إنهاء الاحتلال الذي بدأ عام‏1967‏ وقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة قابلة للحياة فإن هناك من يري أن تلك الموافقة ما هي إلا استراحة مقاتل من عناء القتال أو مجرد تكتيك‏-‏ كما يري زئيف شيف‏-‏ للتعامل مع الموقف الحرج الذي تمر به الحكومة الإسرائيلية لاسيما في إطار ما تتعرض له من ضغوط أمريكية للقبول بخريطة الطريق فتلك الموافقة‏-‏ كما يري‏'‏ إيريك سيلفر‏'‏ مراسل صحيفة الإندبندنت في القس‏-‏ علي الخطة تسمح لشارون تجنب الاصطدام بالحليف الأمريكي‏.‏ وفي تعبير بليغ عن مدي الضغوط التي يتعرض لها شارون لتنفيذ خريطة الطريق نشرت صحيفة التايمز رسما كاريكاتوريا بدا فيه شارون متجهما وهو يقبض بيديه علي رقبة حمامة السلام لتمريرها عبر نجمة داود السداسية وفوق الرسم تعليق يقول‏'‏ من الأسهل أن يلج جمل من سم الخياط‏'.‏

أما بالنسبة لموقف الرأي العام الإسرائيلي من خطوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بالموافقة المشروطة علي خريطة الطريق فثمة قبول إلي حد ما بهذه الخطوة حيث أظهر استطلاع للرأي العام أن‏56%‏ من الإسرائيليين يؤيدون خريطة الطريق التي وافقت عليها الحكومة الإسرائيلية مع بعض التحفظات مقابل‏34%‏ يعارضونها و‏10%‏ لم يدلوا بآرائهم‏.‏ وأظهر الاستطلاع الذي نشرته صحيفة يديعوت احرونوت نتائجه في‏26‏ مايو‏2003‏ أن‏51%‏ من الإسرائيليين يرون أن هذه الخطة ستؤدي إلي اتفاق نهائي مع الفلسطينيين مقابل‏43%‏ يرون عكس ذلك ورأي‏62%‏ من الإسرائيليين أن شارون قد رضخ لضغوط الولايات المتحدة بموافقته علي الخطة مقابل‏23%‏ رأوا غير ذلك‏.‏

ومن ناحية ثانية فقد تباينت ردود فعل معسكري اليمين واليسار الإسرائيليين إزاء إقرار الخطة بدرجة أظهرت حجم الانقسام في صفوف المجتمع الإسرائيلي‏.‏ فقد وصف بعض أنصار اليمين تلك الخطة بأنها تمثل خيانة وكارثة وطنية‏.‏ وقرر مجلس المستعمرات في الضفة الغربية وقطاع غزة تنظيم مظاهرة حاشدة في القدس المحتلة احتجاجا علي مصادقة الحكومة علي خريطة الطريق في إطار حملة لمناهضة قيام دولة فلسطينية‏.‏ وهاجمت الأحزاب اليمينية المتشددة الخطة بشدة‏.‏

وتجدر الإشارة إلي أن موقف زعماء اليهود في الولايات المتحدة من خريطة الطريق كان أكثر سلبية من موقف الحكومة الإسرائيلية ذاتها في انتقاد الخريطة‏.‏ فكتب رئيس مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية مورتيمر تسوكرمان مقالا شديد اللهجة في صحيفة‏'‏ يو إس نيوز‏'‏ وصف فيه خريطة الطريق بـ‏'‏ الطريق إلي جهنم‏'‏ وكتب يقول إنها أسوأ خطة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ عام‏1967.‏

وعلي الجانب الآخر رحب اليسار الإسرائيلي ممثلا في حزب العمل المعارض بقرار الحكومة الإسرائيلية قبول الخطة لكن قيادات الحزب أعربت عن شكوكها في أن يقوم شارون بتنفيذها‏.‏ وقال‏'‏ عمرام متسناع‏'‏ زعيم العمل السابق عندما نري شارون يقوم باجلاء‏100‏ نقطة استعمارية غير قانونية فسنعلم انه جاد‏.‏

لقد فتحت الموافقة الإسرائيلية المشروطة علي خريطة الطريق أمام إمكانية عقد قمة إسرائيلية فلسطينية برعاية أمريكية‏.‏ فقام الرئيس الأمريكي جورج بوش بزيارة لمنطقة الشرق الأوسط للمرة الأولي منذ توليه الحكم وعقد قمة في شرم الشيخ بمصر في الثالث من يونيو‏2003‏ جمعت بينه وبين كل من الرئيس حسني مبارك والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والشيخ حمد بن عيسي ملك البحرين وولي العهد السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز ورئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس‏.‏ وقد ركزت أعمال القمة بالأساس علي كيفية تفعيل عملية السلام وبدء تطبيق خريطة الطريق‏.‏ ثم أعقبها قمة أخري في مدينة العقبة الأردنية في‏4‏ يونيو‏2003‏ جمعت بينه وبين كل من محمود عباس‏-‏ أبو مازن‏-‏ رئيس الوزراء الفلسطيني ونظيره الإسرائيلي أريل شارون‏.‏ وقد أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي في قمة العقبة مرة أخري علي الموقف الإسرائيلي من خريطة الطريق والسلام مع الفلسطينيين فقال في بيانه في المؤتمر الصحفي عقب القمة أن‏'‏ حكومة وشعب إسرائيل يرحبان بفرصة المفاوضات المباشرة وفقا للخطوات المبينة في خريطة الطريق التي قبلتها حكومة إسرائيل من اجل تحقيق هذه الرؤية‏..‏ من مصلحة إسرائيل ألا تحكم الفلسطينيين بل أن يحكم الفلسطينيون أنفسهم في دولتهم الخاصة بهم دولة فلسطينية ديمقراطية في سلام كامل مع إسرائيل‏'.‏

هل تنجح إسرائيل في القضاء علي خريطة الطريق؟ إن الأحداث التي شهدتها الأسابيع التي تلت إعلان إسرائيل قبولها خريطة الطريق توحي بأن إسرائيل ستنجح‏-‏ بشكل أو بأخر‏-‏ في مهمة القضاء علي خريطة الطريق مستغلة في ذلك قدرتها علي استفزاز فصائل المعارضة الفلسطينية وجرها إلي عمليات فدائية تستغلها إسرائيل في النهاية لتبرير حربها ضد الفلسطينيين وإقناع الراعي الأمريكي بأن الفلسطينيين غير راغبين في السلام وغير قادرين علي تحمل تبعات تنفيذ خريطة الطريق في شقها الأهم وهو المتعلق بالبعد الأمني‏.‏ ومع ذلك فإن مدي الإصرار الأمريكي علي تنفيذ خريطة الطريق سيحدد إلي حد بعيد إمكانية نجاح إسرائيل في القضاء علي تلك الخريطة فبدون الضغط الأمريكي ما كان يمكن أن تقبل إسرائيل بخريطة الطريق بأي شكل وعلي الأرجح فإنه بدون هذا الضغط لن تتحرك إسرائيل أية خطوة أخري في اتجاه تنفيذ خريطة الطريق‏.‏ إضافة إلي ذلك فإن علي الطرف الفلسطيني ممثلا في فصائل المعارضة لاسيما حماس أن تنأي بنفسها عن دائرة الانتقام والعنف المضاد التي يجرها إليها شارون بما يفوت عليه فرصة استخدام عمليات فصائل المعارضة الفلسطينية ضد الإسرائيليين كمعول للقضاء علي خريطة الطريق دون عناء‏.‏

منقووول للفائدة .
AlexaLaw