الظواهر السياسية فى الدول الاسلامية وأثرها على علاقاتها الدولية

د.محمد سعد أبوعامود


مجلة السياسة الدولية يناير 2003 - العدد 151

تختلف دول العالم الاسلامى من حيث ظروفها ، وتجربتها التاريخية الخاصة ورؤيتها للاسلام ، حيث لاتوجد رؤية اسلامية موحدة على المستوى السياسى.ولهذا اختلفت النظم السياسية فى هذه الدول ، وتباينت تقاليد وأساليب الممارسة السياسية.ولم يمنع وجود الاسلام كأحد مكونات عالم السياسة فى هذه الدول من نشوب بعض الصراعات فيما بينها أحياناً ، بسبب اختلاف المصالح والتوجهات تجاه القضايا الاقليمية والدولية المختلفة

ورغم ذلك فإن هناك بعض الظواهر السياسية التى تواجهها وتشترك فيها معظم النظم السياسية فى الدول والمجتمعات الاسلامية ، وتؤثر هذه الظواهر بدرجة كبيرة على علاقات الدول الاسلامية بباقى دول العالم.ومن هذه الظواهر ، وجود رابطة سياسية بين هذه الدول ، تتمثل فى مجموعة من القيم الثقافية والمعنوية المتأصلة لدى شعوب العالم الاسلامى ، والتى يتولد عنها بعض الرؤى المشتركة فيما يتعلق بقضايا الاقتصاد والثقافة والسياسة ، بالرغم من الخصوصيات والتباعد المكانى والاختلافات الحضارية فيما بين هذه الدول

وقد ساعد على نمو هذه الرابطة عدد من العوامل ، أهمها تطور وسائل الاتصال والاعلام ، لايقابلها على المستوى السياسى اطار تنظيمى يوفر لها القواعد المنظمة للتفاعل ، حيث يتوزع المسلمون بين العديد من الدول ،لها أقاليم محددة لاتتجاوزها ، وهو ما أدى الى ظهور الحركات السياسية الاسلامية التى تخطت الحدود، وخلقت فى أحيان كثيرة مشكلات داخل وبين هذه الدول ، كما اصطدمت الرسالة التى تؤمن بها هذه الحركات وتحاول نشرها ، مع رسالة أخرى مضادة تحاول الولايات المتحدة نشرها فى العالم ، وهو ما دفع الولايات المتحدة لتحميل هذه الدول المسئولية عن بروز هذه الحركات بسبب نظمها السياسية المغلقة

ومن أهم الظواهر السياسية التى تميز الدول الاسلامية ، محورية دور الاسلام فى الحياة السياسية ، حيث تستند معظم النظم السياسية فى هذه الدول بشكل أو آخر الى الاسلام كمصدر من مصادر شرعيتها.سواء من خلال نسبة الدولة الى الاسلام فى اسم الدولة ، كجمهورية ايران وباكستان الاسلامية ، أو من خلال خلق رابطة بين القائمين على الحكم والاسلام ، كما هو الحال فى المغرب والأردن والمملكة العربية السعودية.أو من خلال حرص القائمين على الحكم على الظهور فى المناسبات الدينية الاسلامية وغير ذلك من الأمور الرمزية ذات الدلالات السياسية الهامة.وقد كشفت هذه الظاهرة عدم جدوى محاولات دفع الدول الاسلامية الى تغيير هويتها ، فلن يكون مصير هذه المحاولات سوى الفشل

ومن هذه الظواهر أيضاً البروز الواضح للقوى السياسية ذات التوجه الاسلامى المعتدل فى الانتخابات البرلمانية فى معظم الدول الاسلامية.ففى الانتخابات البرلمانية عام 2002 ، سجلت القوى السياسية ذات التوجه الاسلامى نجاحاً واضحاً فى عدد من الدول الاسلامية.منها المغرب ، حيث حقق حزب التنمية والعدالة المعروف بتوجهاته الاسلامية فوزاً كبيراً ، وحصل على 42 مقعداً فى البرلمان مقابل 14 مقعداً فى انتخابات عام 1997 ، ليصبح بذلك ثالث قوة سياسية فى البرلمان المغربى.وفى تركيا أيضاً حصل حزب العدالة والتنمية ، وهو حزب ذو توجه اسلامى، على 364 مقعداً فى البرلمان بنسبة تبلغ 34% من المقاعد ، وهو أمر تبدو أهميته بالنظر الى أن بامكان هذا الحزب ، وفقاً لنتائج الانتخابات ، تشكيل حكومة تتمتع بأغلبية مريحة ، فى ظل دستور ينص على أن تركيا دولة علمانية

كما تتسم الدول الاسلامية بظاهرة انتشار النظم السياسية غير الديمقراطية ، وان كان هناك تفاوت من حيث الاقتراب أو الابتعاد عن النظام الديمقراطى من دولة الى أخرى.وترجع هذه الظاهرة الى عدد من العوامل ، منها عدم وجود اتفاق بين القوى السياسية فى هذه الدولة على مفهوم الديمقراطية ، كما أن الخبرة السياسية لبعض الدول أظهرت أن الغرب لايتعامل مع النظم السياسية وفقاً لمدى التزامها بالديمقراطية بطريقة موضوعية ، وانما تتدخل المصالح والحسابات السياسية ، لتدفع الدول الغربية لمساندة نظم استبداية فى مواجهة أخرى ديمقراطية ، طالما أن هذا يحقق مصالحها ، ومن ثم فإن الأخذ بالنظام الديمقراطى ليس عاملاً دافعاً بشكل مطلق لتحسين العلاقات مع الغرب.ورغم وجود أدلة تاريخية على صحة بعض هذه الأسانيد ، فإن غياب الديمقراطية فى هذه الدول يؤدى الى خلق العديد من المشكلات فى هذه الدول ، كما تؤثر على مصالح الدول الأخرى ، وعلى علاقات الدول الاسلامية بهذه الدول

وتعد ظاهرة العنف السياسى هى إحدى الظواهر الواضحة فى الدول الاسلامية ، وهناك العديد من الأسباب التى تبرر هذه الظاهرة ، منها ما يطرحه الغرب من غياب الديمقراطية كنظام وثقافة فى هذه المجتمعات. ومنها ما يرجع الى تعرض المسلمين لأعمال عنف منظم وشبه منظم فى كثير من أنحاء العالم ، بما يولد لديهم نوعاً من العنف المضاد ، هذا بالاضافة الى سياسات بعض القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة ، والتى تتسم بالانحياز والتمييز العنصرى ضد العرب والمسلمين ، وعدم مراعاة مشاعرهم الدينية

وقد كان لظاهرة العنف السياسى هذه آثار سلبية على علاقات دول العالم الاسلامى بالدول الأخرى ، خاصة وأن هناك بعض القوى صاحبة المصلحة فى تشويه كل ما هو إسلامى أو يرتبط بالإسلام ، ومن ثم فإن الأمر يتطلب التوصل الى آليات فعالة للحد من ظاهرة العنف السياسى فى الدول الاسلامية ، لإبراز الوجه الحقيقى والحضارى للاسلام ، الذى يقوم على الحرية ، والتسامح ، والإخاء

منقووول للفائدة .
AlexaLaw