المسلمون في الولايات المتحدة

عصام عبدالشافي

مجلة السياسة الدولية يناير 2003 - العدد 151

تلعب قضايا الدين والهوية والأقلية دورا محوريا في المجتمع الأمريكي‏,‏ رغم أن الدستور الأمريكي وتعديلاته تؤكد علي العلمانية والتعددية والفصل بين الدين والدولة‏,‏ ولقضايا الدين تحديدا دورا كبيرا في المجتمع الأمريكي لأسباب تاريخية‏,‏ فأصل المجتمع يعود إلي المستعمرات التي أسسها‏'‏ البيوريتان‏
'Puritans'‏
الفارين من الاضطهاد الديني في أوروبا الغربية‏,‏ كي يعبدوا الله علي طريقتهم الخاصة في هذه الدنيا الجديدة‏.‏ وبالرغم من التأكيد علي مبادئ التسامح والحرية في نظم الحكم التي وضعوها‏,‏ فذلك لم يمنع من ظهور درجات من الاضطهاد الديني والسياسي ضد الطوائف والمذاهب الأخري‏,‏ مما قاد إلي التعدد في القيم والثقافات وانماط السلوك نتيجة لعدم إندماج بعض هذه الطوائف والمذاهب داخل المجتمع‏,‏ ومن ناحية أخري أدي ذلك إلي تبني العلمانية كمبدأ أساسي في الدستور الأمريكي‏.‏ ورغم أن الدين لا يؤثر في تشكيل القوانين‏,‏ علي سبيل المثال‏,‏ إلا أنه له دورا كبيرا في تنظيم المجتمع والدولة عن طريق العديد من المؤسسات الاجتماعية التي من أهمها الأسرة‏

ويعتبر الإسلام اليوم من أكثر الديانات السماوية انتشارا في المجتمع الأمريكي‏.‏ وتشير الدراسات إلي إنه بعد‏10‏ أو‏15‏ عام سيكون ثاني أكبر الأديان إنتشارا بعد المسيحية في المجتمع الأمريكي‏.‏ وأن أكثر المسلمين من المهاجرين‏[7.6%]‏ مقابل ‏22.4%‏ من المسلمين ولدواأمريكيون‏

ويتراوح عدد المسلمين في المجتمع الأمريكي بين‏7‏ إلي‏7.5‏ مليون‏:48.2%‏ من أصول أفريقية‏,24%‏ من أصول آسيوية‏,18.5%‏ من أصول شرق أوسطية‏,9.3%‏ من أصول أوروبية وأمريكية وأخري‏

وهناك تنوع كبير في الخصائص الديموغرافية للمسلمين في أمريكا‏:‏ في مستوي التعليم مثلا‏14.1%‏ من حملة الشهادات الجامعية العليا‏,61.8%‏ حاصلون علي الشهادة الثانوية‏,‏ و‏23.1%‏ دون الثانوية‏.‏ وبالنسبة للتوزيع الجغرافي تتركز النسبة الكبيرة من المسلمين في ولايات الشرق بنسبة‏32.2%,‏ ثم ولايات الجنوب بنسبة‏25.3%,‏ ثم منطقة البحيرات العظمي بنسبة‏24.3%,‏ ثم ولايات الغرب‏ [خاصة كاليفورنيا]‏ بنسبة‏18.2%.‏ وهناك أيضا تنوع مذهبي‏:‏ فيمثل السنة‏74.2%‏ من مجموعة المسلمين‏,‏ ثم الشيعة بنسبة‏21.1%,‏ ثم طوائف أخري بنسبة‏4.9%

ولقد نما الوجود الإسلامي في الولايات المتحدة إلي حد كبير خلال العقدين الماضيين‏,‏ وصاحب ذلك توسع في نشاط الجماعات الإسلامية‏,‏ مما برز في التوسع في بناء المساجد‏,‏ وتعدد وتنوع المراكز الإسلامية‏.‏ وقد برزت قضية‏'‏ الانفصال أو الاندماج‏'‏ كإحدي المحاور الكبري للنقاش في أوساط المسلمين هناك‏,‏ وفي إطار الإجابة علي هذا السؤال يمكن التمييز بين ثلاثة تيارات أساسية

‏1-‏ التيار الانعزالي‏:‏ المنادي بالانفصال عن المجتمع ويمثل هذا الاتجاه جماعات المسلمين السود‏,‏ خاصة أمة الإسلام وبعض المتشددين من الجمعيات السلفية‏

‏2-‏ التيار الاندماجي‏:‏ وينادي بعدم الانفصال عن المجتمع لأنه من الصعب عمليا تحقيق ذلك‏,‏ ولابد للمسلمين أن يتعاملوا مع المجتمع وينخرطوا في مؤسساته وكافة مساراته واتجاهاته‏.‏ ومن أبرز دعاة هذا التيار التنظيمات الإسلامية التي تأسست خلال التسعينات مثل المجلس الإسلامي الأمريكي برئاسة علي أبوزعكوك ومجلس العلاقات الإسلامية خالد صفوري والجناح المنشق عن أمة الإسلام‏,‏ الذي شارك في تنظيم العديد من المسيرات والمظاهرات دفاعا عن القضايا الإسلامية في المجتمع الأمريكي‏.‏ ويغلب علي عضوية هذه التنظيمات أصحاب المؤهلات التعليمية العليا ورجال الأعمال والباحثين الذين ارتبطت مصالحهم بالمجتمع وأصبح من الصعب عليهم الانفصال عنه‏

‏3-‏ التيار التوفيقي‏:‏ ويقوم علي ضرورة المشاركة الاجتماعية بين المسلمين وغيرهم من الجماعات والفئات التي يتكون منها المجتمع الذي يعيشون فيه ويقيمون علي أرضه بما يحفظ لهم ولاءهم وانتماءهم للإسلام‏,‏ عن طريق تحصين أنفسهم بتعاليم ومبادئ الإسلام‏,‏ ويمثل هذا التيار الاتحاد الإسلامي لمسلمي أمريكا الشمالية‏ [اسنا] والمعهد العالمي للفكر الإسلامي‏

ومنذ العقد الأخير من القرن العشرين أصبح واضحا أن الاتجاه الإندماجي أصبح هو الابرز بين المسلمين في الولايات المتحدة‏,‏ حيث ظهر نوع من الاعتراف المتزايد من جانبهم بالسياق الأمريكي كأساس لتحديد هويتهم‏.‏ وأصبح علي المسلم الأمريكي أن يقتنع بأنه مواطن أمريكي ولاءه الأساسي للولايات المتحدة ويقبل جميع الواجبات المتوقعة من المواطنين الأمريكيين ويصر في الوقت نفسه علي الحقوق التي يكفلها له الدستور‏.‏ وقد أدي ذلك إلي إعادة بناء الصورة الذاتية للمسلم في المجتمع الأمريكي وتطوير حس جديد بالهوية يتمثل في شيوع مفهوم‏'‏ المسلم الأمريكي‏'‏ مما إنتقل بالمسلمين من وضع‏'‏ الآخر‏'‏ إلي وضع‏'‏ الأقلية‏'.‏ وعندما يصل المسلمون إلي تبني فكرة أنهم أمريكيون يمارسون مبادئ دينهم وقيم عقيدتهم في مجتمعهم الأمريكي‏,‏ فإنهم سوف ينخلصون من الشعور بالازدواجية في الانتماء وسينجحون في تغيير صورة الإسلام في المجتمع الأمريكي‏

ولقد كان لأزمة‏11‏ سبتمبر‏2001‏ تداعيات ضخمة علي المسلمين في أمريكا‏,‏ ولكنها لم تكن سلبية في كل ابعادها وتأثيراتها‏,‏ بل وزادت من قناعة المسلمين بأهمية الاندماج في هذا المجتمع أن كانوا حريصين علي البقاء والتأثير فيه‏

ومن الآثار السلبية للأزمة‏:‏ تزايد حالات الاعتداء علي المسلمين‏,‏ حيث تعرضت بعض المحجبات للضرب‏,‏ كما كسرت واجهات مكتبات عربية وإسلامية‏,‏ وتعرضت بعض المساجد لمحاولة الحرق‏,‏ كما تم إعتقال عدد كبير من المسلمين الأمريكيين‏,‏ رغم الجهود الكبيرة التي بذلها قادة الجاليات العربية والإسلامية في إدانة العملية ومطالبة المسئولين الأمريكيين بالتدخل لوقف الحملة ضد العرب والجالية الإسلامية‏.‏ وقد استغلت المنظمات اليهودية الأمريكية إنتشار هذه الصورة السلبية عن الإسلام والمسلمين لشن حملة لتشوية صورة المسلمين الأمريكيين وأكبر منظماتهم‏.‏ وقد أوضح تقرير نشرته لوس أنجلوس تايمز في‏3‏ نوفمبر‏2001‏ بأن منظمات مثل رابطة الدفاع عن اليهود ومركز ابحاث الشرق الأوسط قاموا بمد وكالات الأخبار بملفات من الوثائق المضادة للقادة المسلمين خلال الأسابيع التالية للأزمة‏.‏ وقد أجرت الاعتداءات التي تعرض لها المسلمون كثير من العائلات علي عدم مغادرة منازلهم واستمرت حالة الخوف والهلع لفترة طويلة بعد‏11‏ سبتمبر‏.‏ وقد قامت الحكومة الأمريكية بتضيق الخناق علي المنظمات الإسلامية‏,‏ وإغلاق العديد منها مما أثر علي ثقة المواطنين الداعمين لهذه المنظمات خوفا من الملاحقات القضائية التي قد يتعرض لها المتبرعين‏.‏ وقد أعتقل كثير من المسلمين في إطار التغيرات القانونية الجديدة التي تتيح اعتقال المواطن دون ابلاغة بالسبب‏

وفي المقابل كان هناك آثار إيجابية منها زيادة الاهتمام بفهم الإسلام ومبادئة مما ظهر في زيادة مبيعات الكتاب الإسلامي وترجمات معاني القرآن الكريم‏,‏ وتزايد أعداد الراغبين في الانضمام لحلقات دراسية عن الإسلام‏,‏ وزيادة الطلب علي الأئمة ليتحدثوا عن الإسلام في الكنائس والمعابد اليهودية‏.‏ كما أن الأزمة فتحت أمام المنظمات المسلمة الأمريكية أبواب أكبر المؤسسات السياسية والإعلامية‏,‏ بل أن الرئيس الأمريكي التقي بقادة المنظمات المسلمة الأمريكية مرتين خلال الأسابيع الثلاثة التالية للأزمة‏,‏ وأكد علي التمييز بين الإسلام وبين مرتكبي الحوادث الارهابية الأخيرة‏.‏ وقد زادت الأزمة من ارتباط المسلمين بعضهم ببعض والتفافهم حول مؤسساتهم‏.‏ كما قامت الإدارة الأمريكية بعدد من الاجراءات الرمزية نحو المسلمين في المجتمع الأمريكي من بينها‏:‏ زيارة الرئيس جورج بوش لمسجد في واشنطن ودعوته سفراء الدول الإسلامية لأفطار رمضاني واستقباله وفدا من أطفال المسلمين في البيت الأبيض بمناسبة عيد الفطر‏

كما دعت وزارة الخارجية الأمريكية قيادات مسلمي أمريكا إلي مؤتمر هاتفي يوم‏20‏ نوفمبر‏2001‏ مع ثلاثة من مساعدي وزير الخارجية الأمريكية‏,‏ وأقامت الوزارة أفطارا دعت إليه عدد من قادة المسلمين في البلاد‏.‏ كما أجتمع قادة مسلمين بوزير العدل الأمريكي جون اشكروفت في أمسية أفطار في مسجد بواشنطن‏,‏ وأقيمت مأدبة أفطار أخري في مقر وزارة الدفاع‏'‏ البنتاجون‏'.‏ وقام عدد من قادة المنظمات الإسلامية بإلقاء محاضرات في مؤسسات الإدارة الأمريكية‏,‏ وقام تكتل من المنظمات الإسلامية الأمريكية الكبري بحملة لمطالبة الإدارة الأمريكية بالعدول عن قرارها بتجميد أرصدة وأصول عدد من منظمات مسلمي أمريكا العاملة في مجال الأعمال الإنسانية والإغاثة‏.‏ وقد تولي مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية تنظيم دورات تدريبية عن مبادئ وأركان الدين الإسلامي وأعلنت عن تبني أول وأكبر مشروع من نوعه لتزويد‏16‏ ألف مكتبة أمريكية عامة بكتب تتناول الإسلام بموضوعية تحت عنوان [‏تعرف على حضارة الإسلام وثقافته]

وقد انعكست الأزمة أيضا علي اهتمامات المسلمين في أمريكا‏,‏ ورغبتهم في التركيز علي قضايا الداخل لمواجهة آثار الأزمة خاصة علي مستوي الحقوق المدنية وعلي المستويين الإعلامي والسياسي‏.‏ وشجعت المنظمات المسلمة المسلمين علي المشاركة في انتخابات الكونجرس الأمريكي في نوفمبر‏2002,‏ من خلال تسجيل أكبر عدد من الناخبين وتشجيع المسلمين الأمريكيين علي مساندة أعضاء الكونجرس الذين يتبنوا قضاياهم‏.‏ ولكن ذلك لم ينف اهتمامهم بقضايا العالم الإسلامي‏,‏ خاصة الأوضاع في العراق وقضية القدس‏

لقد كان لأزمة سبتمبر دورا في التأكيد علي أن الوجود الإسلامي أصبح جزءا من النسيج العام للمجتمع الأمريكي‏,‏ كما أصبح يمثل أحد الدوائر الأساسية لتحديد هوية قسم يعتد به من المواطنين الأمريكيين وتشكيل مختلف جوانب حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية‏

منقووول للفائدة .
AlexaLaw