تدويل الوجود العسكرى فى العراق ومستقبل المقاومة المسلحة

بشير عبــد الفتــاح


مجلة السياسة الدولية أكتوبر 2003 - العدد 154

مع تصاعد أعمال المقاومة العراقية ضد القوات الأمريكية وتزايد أعداد القتلى والمصابين ، لجأت إدارة الرئيس بوش الى الأمم المتحدة لاستصدار قرار من مجلس الأمن ، يتيح لها الحصول على دعم عسكرى ومالى وسياسى دولى ، مثلما يضمن لها استمرار الهيمنة على مقاليد الأمور فى عراق ما بعد صدام.وكما هو واضح ، فإن المقاومة المسلحة فى العراق تضم عناصر وفصائل من داخل العراق وخارجه ، كما تشتمل على مقاتلين محترفين ، وعناصر نظامية من قوات الجيش والشرطة السابقين بالعراق ، فضلاً عن المواطنين العراقيين المدنيين ، الذين تتوافر لديهم الأسلحة والرغبة فى الانتقام من الولايات المتحدة ، هذا بالاضافة الى المقاتلين المأجورين والمسجونين المطلق سراحهم.

وبالنظر الى تكوين فصائل وعناصر المقاومة العراقية ، يبدو واضحاً مستوى التسليح والأداء القتالى المتميز ، الذى تتسم به تلك المقاومة ، حيث يتم تنفيذ العمليات وتحديد الأهداف القتالية بدرجة كبية من الدقة ، يساعدهم فى ذلك توافر الخبرات والأسلحة الثقيلة ، كمدافع الهاون ، والصواريخ المضادة للطائرات ، والمدافع الآلية ، الأمر الذى ضاعف من تأثير عملياتها العسكرية ، وزاد من حجم الخسائر المادية والبشرية لقوات التحالف ، ودفعها الى السعى لاشراك المجتمع الدولى فى مهام حفظ الأمن.

وهنا يثور التساؤل حول رد الفعل المتوقع من جانب فصائل المقاومة العراقية على تدويل الوجود العسكرى فى أرض العراق ، وتحول القوات الأمريكية من قوة احتلال الى قوة عسكرية تعمل فى إطار القوات الدولية متعددة الجنسيات.والحقيقة أن رد فعل المقاومة يتوقف على عدد من العوامل ، تتصل بأهداف المقاومة العراقية ، ومدى تغير أو ثبات الأوضاع فى العراق ، ومدى نجاح الولايات المتحدة أو فشلها فى استصدار قرار من مجلس الأمن بإرسال قوات دولية للعراق.فالمقاومة العراقية تضم فصائل شتى ، وجماعات متنوعة ، لكل منها أهدافه ودوافعه الخاصة.فالمواطن العراقى العادى الذى أجبر على خوض العمليات العسكرية بعد أن خابت آماله فى وعود قوات التحالف ، بالأمن والرخاء ، يتوقع أن يستمر فى مناهضته لقوات الاحتلال ، غير أنه يمكن أن يتراجع اذا شعر بتحول فعلى فى الموقف الأمريكى ، وأن الوجود العسكرى أصبح دولياً وتشرف عليه الأمم المتحدة ، بل أن المواطنين العراقيين قد يتوقفون عن المقاومة اذا شعروا أن الأوضاع تتحول نحو الأحسن وأن نفوذ الأمريكيين يتقلص.

أما العناصر الموالية للرئيس السابق صدام حسين ، والتى زج بها فى ساحة المواجهة ، لارتباطها الوثيق بالرئيس المخلوع ، فإن عملياتها لن تتوقف رغم تدويل الوجود العسكرى إلا فى حالتين ، الأولى هى جلاء جميع القوات العسكرية الأجنبية عن العراق ، والحالة الثانية هى رحيل صدام عن العراق.أما فصائل المقاومة الخارجية فهى فى الغالب مدفوعة بتوجهات عقائدية وايديولوجية ، وقد لا تكترث بكون الأمم المتحدة هى التى تولت زمام الأمور ، وبالتالى يتوقع أن تستمر هذه المقاومة فى ظل تدويل الوجود العسكرى بالعراق.

أما العامل الخاص بتغير الأوضاع على الساحة العراقية ، فيقصد به التطورات التى قد تطرأ على الصعيد الأمنى والعسكرى ، فضلاً عن حدوث تحسن فى أوضاع الشعب العراقى المعيشية ، وإعادة بناء البنية الأساسية.ففى هذه الحالة يتوقع تقلص أعمال المقاومة العراقية.كذلك فإن نجاح الولايات المتحدة فى استصدار قرار من مجلس الأمن ، والحصول على الدعم السياسى والمالى الدولى ، سوف يسهم فى تخفيف الأعباء الجسيمة الملقاة على عاتقها أمنياً وعسكرياً واقتصادياً من ناحية ، ويضفى مزيداً من الشرعية على وجودها العسكرى بالعراق ، وينفى عنه صفة الاحتلال العسكرى.وهو الأمر الذى يمكن أن يــؤدى ـ بالتضامن مع البعد الدعائى ـ الى تجريد المقاومة المسلحة فى العراق من أى شرعية أو قبول من جانب العراقيين.

وفيما يتعلق بموقف المنظمة الدولية ، فقد أعلن أمينها العام 'كوفى عنان' رفضه الشديد فى بادىء الأمر لفكرة إرسال قوات متعددة الجنسيات الى العراق ، وقرر سحب بعثات الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة من العراق فى أعقاب الهجمات التى تعرض لها مقرها فى بغداد.ولكن الضغوط الأمريكية أجبرت الأمين العام على قبول مبدأ تولى المنظمة المهام الادارية فى عراق ما بعد الحرب ، على أن تحتفظ الولايات المتحدة بقيادة القوات متعددة الجنسيات هناك ، والاضطلاع بالمهام العسكرية والأمنية.ورغم هذا التحول المفاجىء فى موقف كوفى عنان ، فإن الرأى الفصل فى هذا الصدد لبقية لأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن ، وهؤلاء يتعين على واشنطن اقناعهم ، وربما تقديم تنازلات لهم ، للموافقة على مشروع القرار

منقووول للفائدة .
AlexaLaw