اعتقال صدام ومستقبل التواجد الأمريكي في العراق

خليل العناني

مجلة السياسة الدولة يناير 2004 - العدد رقم 155

ألقي اعتقال الرئيس العراقي صدام حسين بظلال كثيرة حول جدوي استمرار التواجد الأمريكي في العراق‏,‏ وطرح تساؤلات عديدة حول مستقبل هذا التواجد‏.‏ وبغض النظر عن اعتقال صدام من عدمه فقد آقتنعت الإدارة الأمريكية‏-‏ تحت ضغط المقاومة العراقية‏-‏ بضرورة البحث عن صيغة جديدة توفر مخرجا ملائما لها من المأزق العراقي‏,‏ وتمخض ذلك عن الإعلان عن نية الولايات المتحدة نقل السلطة والسيادة للعراقيين بحلول منتصف العام المقبل‏,‏ وذلك من خلال تشكيل حكومة عراقية مؤقتة تتولي إدارة البلاد وتضطلع بمهام حفظ الأمن هناك‏,‏ يعقبها إجراء انتخابات تشريعية تفضي إلي مجلس تشريعي يتولي قيادة البلاد‏.‏

كما بدا مؤخرا أن هناك رغبة أمريكية جادة في بناء نظام حكم في العراق إن لم يكن ديمقراطيا‏-‏ كما هو مأمول‏-‏ فعلي الأقل يختلف في شكله وطبيعته عن بقية نظم المنطقة‏,‏ يدفعها إلي ذلك أمرين غاية في الأهمية‏:‏ أولهما محاولة الاستعاضة بقرائن ومبررات الحرب علي العراق‏-‏ والتي ثبت زيفها‏-‏ بأهداف أخري مقنعة لكلا الشعبين العربي والأمريكي‏,‏ كنوع من تبرير التواجد في العراق‏.‏ والأمر الثاني هو اعتبار الدمقرطة في العراق بمثابة انتصار تاريخي يضاف إلي رصيد الإدارة الحالية ويمحو عنها خطيئة الحرب علي العراق‏.‏ وتحاول الإدارة الأمريكية الجمع بين الحسنيين‏,‏ فهي من ناحية ترغب في تقليل حجم الضغوط الناجمة عن صداع المقاومة العراقية‏,‏ ولكنها في نفس الوقت لا ترغب في الظهور بمظهر التراجع عن إدراة دفعة الأمور هناك كما تشاء وليس كما ترغب المقاومة العراقية‏,‏ ويأمله الواقفين وراءها‏.‏

ودون الخوض في ملابسات اعتقال صدام حسين‏,‏ يمكن الزعم بأن هذا الحدث قد يترك صدي أمريكي ورد فعل عراقي إدا ما ارتبط بمحددين هامين‏:‏ أولهما مدي قدرة الإدارة الحالية علي الاستفادة من توابع هذا السقوط في الترويج لنفسها‏,‏ وهو ما فعلته حتي اللحظة‏,‏ حيث استفادت إعلاميا من هالة الحدث في إنجاز تحول ملموس في وزنها الانتخابي‏,‏ دللت عليه استطلاعات الرأي العام الأمريكي عقب عملية الاعتقال والتي أشارت في مجملها إلي ارتفاع نسبة التأييد للرئيس بوش بعد أن ساهمت تعقيدات الوضع في العراق في انخفاض هذه النسبة‏.‏ أما المحدد الآخر فهو مستقبل عمليات المقاومة العراقية‏,‏ أي مدي تأثير الاعتقال علي وضعية المقاومة‏,‏ وذلك دون الخوض في جدلية ارتباط صدام بهذه المقاومة من عدمه‏,‏ وباستقراء الواقع وإعمال العقل يمكن الزعم بوجود سيناريوهين لهذه المقاومة أولهما‏-‏ وهو المتوقع والمتحقق فعليا‏-‏ ارتفاع وتيرة المقاومة العراقية‏,‏ إن لم يكن انتقاما لصدام حسين‏,‏ فعلي الأقل إثباتا لابتعادها عنه‏,‏ أي إثبات العكس‏.‏ أما السيناريو الثاني‏-‏ والمأمول أمريكيا‏-‏ فهو انخفاض وتيرة المقاومة وتفرق عناصرها‏,‏ إن لم يكن نتيجة لانهيار الرمز والشعور بالانهزامية‏,‏ فنتيجة للاقتناع بعدم جدواها في ظل الإصرار الأمريكي علي وأدها والنيل من الواقفين خلفها ولهم في اعتقال صدام عبرة وعظة‏.‏

وفي كل الأحوال فلن تدع الإدارة الأمريكية فرصة اعتقال صدام تفلت من يدها دون الاستفادة منها في تحسين موقفها في العراق وتبعات ذلك علي وضعها الانتخابي‏,‏ وبناء عليه فإن مستقبل التواجد الأمريكي في العراق يمكن استشفافه مما قد يؤول إليه مصدر الإدارة الحالية أواخر العام الجاري‏.‏

منقووول للفائدة .
AlexaLaw