الولايات المتحدة وإعادة بناء الدولة فى العراق

د.محمد سعد أبوعامود

مجلة السياسة الدولية أكتوبر 2003 - العدد 154

تبدى الادارة الأمريكية اهتماماً واضحاً بإعادة بناء الدولة فى العراق وفقاً لنموذج معين ، وهذا الاهتمام له عدة اسباب ودوافع تتعلق برؤية هذه الادارة للمصالح الأمريكية الاستراتيجية فى المنطقة وكذلك رؤيتها للنظام الدولى الجديد وموقع الولايات المتحدة فى هذا النظام ودورها فيه.ويركز الخطاب الرسمى الأمريكى على ما يجب أن تقوم به الولايات المتحدة فى العراق ، وما يجب أن تتجنبه للوصول الى هذا الهدف ، مستفيدة فى ذلك بخبراتها السابقة.وفى هذا الاطار ، يركز الخطاب الأمريكى على ضرورة بناء نظام ديمقراطى تمثيلى فى العراق ، يستند الى دستور ، ومن خلال انتخابات حرة ، ونظام اقتصاد حر يقوم على آليات السوق ، مع تحديد حجم القوات المسلحة العراقية ، بحيث يقتصر دورها على الأمور الدفاعية دون أن تمثل أى تهديد لمنطقة الخليج ودول الشرق الأوسط ،مع فصل واضح للدين عن الدولة ، ومن ثم ، فإن بناء مؤسسات المجتمع المدنى العراقية ، يعد أحد الأسس التى تقوم عليها عملية إعادة بناء الدولة فى العراق.

ويرتبط إعادة بناء الدولة فى العراق بالاستراتيجية الأمريكية فى المنطقة ، وسعى الولايات المتحدة الى إعادة تشكيل النظم السياسية والثقافة السياسية فى المنطقة العربية بما يتلائم ومصالحها الاستراتيجية ، حيث أن بناء هذا النموذج فى العراق من شأنه أن يكون جاذباً للنظم الأخرى ، فى حالة نجاحه فى توفير الديمقراطية للشعب العراقى ، وتوفير الأمن والتنمية الاقتصادية.إلا أن مايبدو على الساحة حتى الآن ، يشير الى وجود العديد من العقبات التى تواجه الولايات المتحدة فى إعادة بناء الدولة فى العراق ، فبناء المؤسسات الديمقراطية يحتاج الى وقت طويل ، كما أن اجراء الانتخابات لايعنى أن الديمقراطية قد بدأت ، فالديمقراطية فى الغرب قد استغرقت قروناً لكى تتطور وتنمو ، كما أن المواطنين العراقيين ليس لديهم أى خبرة بالديمقراطية ، ويشير بعض الدارسين الى أن الاسلام الراديكالى سيظل عقبة أمام الديمقراطية فى العراق ، خاصة عندما يطالب الشيعة ، وهم الغالبية فى العراق ، بإقامة نظام ثيوقراطى ، كما أن سقوط صدام على يد الولايات المتحدة من خلال القوة المسلحة ، سوف يجعل الشعب العراقى أقل استجابة لبناء النظام الجديد الذى سيحل محل صدام حسين.

وتشير بعض الدراسات بشأن الدروس المستفادة من الخبرات الأمريكية السابقة ، الى أن عملية إعادة بناء الدولة فى العراق ستكون أصعب من حالات إعادة بناء الدولة فى المانيا واليابان ، لأن ظروف الحرب فى الحالتين مختلفة ، حيث أن الحرب على العراق قد افتقدت التأييد الدولى ، كما أن ظروف ما بعد الحرب مختلفة ، إذ لايوجد عامل مشترك يمكن أن يوفر التأييد للولايات المتحدة ، كما هو الحال فى الحالة الألمانية على وجه الخصوص ، حيث كان وجود الاتحاد السوفيتى عاملاً هاماً فى توفير البنية المؤيدة للولايات المتحدة فى هذا الصدد.ومن أهم الدروس المستفادة من الخبرات الأمريكية السابقة ، أهمية تحقيق الأمن وحكم القانون عقب الحرب مباشرة ، بالاضافة الى الدقة فى اتخاذ القرارات ، وتجنب سيطرة الشك فى كل العراقيين ، مع تبنى سياسات واضحة ، وتكوين أجهزة استشارية وطنية من العراقيين الذين لم يتعاونوا مع النظام السابق.وتجنب سوء تقدير الاحتياجات والتحديات والوقت المطلوب لعملية إعادة البناء.

لقد قامت الولايات المتحدة بعدد من الخطوات لاعادة بناء الدولة ، فى المجالات الأمنية ، وفى البنية التحتية ، وخلافه.كما قامت بخطوات أخرى هامة فى مجال تحقيق الديمقراطية ، منها تشكيل مجلس حكم مؤلف من 25 شخصاً ، يضم ثلاث نساء ، وممثلين عن الشيعة والسنة والمسيحيين والتركمان والأكراد ، ويعكف هذا المجلس على تشكيل لجنة تحضيرية لصياغة دستور ، تمهيداً لاجراء انتخابات تؤدى الى حكومة وطنية.وهناك مجالس مؤقتة فى المدن العراقية ، وتعمل مجالس الحكم المحلى على تحديد المجالات المحتاجة لمساعدات انسانية وإعادة إعمار.ورغم كل ذلك ، فإن الواقع العراقى يموج بالعديد من المتغيرات ، معظمها بعيد عن السيطرة الأمريكية ، الأمر الذى قد يؤثر على المشروع الأمريكى لاعادة بناء الدولة فضلاً عن التأثيرات المحتملة للانتخابات الأمريكية المقرر لها العام القادم ، والتى قد تفرض على الادارة الأمريكية الحالية العديد من القيود والاعتبارات ، خاصة أن الرئيس بوش يسعى للحصول على فترة رئاسة ثانية ، هذا الى جانب المتغيرات الدولية والاقليمية الأخرى القائمة ، والتى لايمكن تجاهل تأثيرها على المشروع الأمريكى لاعادة بناء الدولة فى العراق

منقووول للفائدة .
AlexaLaw