الأمواج العاتية: الاضطراب الاجتماعى فى منطقة البحر المتوسط

د.أحمد عبدالله رزة

مجلة السياسة الدولية يناير 2003 - العدد 151

تعد قضية الاضطراب الاجتماعى فى منطقة البحر المتوسط من القضايا الجديرة بالاهتمام لعدة أسباب ، فى مقدمتها أن معظم دول المنطقة تعانى بدرجات متفاوتة من هذا الاضطراب الاجتماعى ، كما أن علاج هذا الاضطراب وتحقيق الأمن الاجتماعى هو أمر ضرورى لاستكمال منظومة الأمن المتكامل ، نظراً للتداحل والارتباط الوثيق بين عناصر الظاهرة الاجتماعية بأبعادها المختلفة.والحقيقة أن البحر المتوسط كان على مر التاريخ ساحة للحرب فى بعض الفترات ، وسوقاً للتبادل التجارى والثقافى فى فترات أخرى ، على نحو ألقى بظلال من الخوف والشك والحذر لدى دول شماله وجنوبه تجاه بعضها البعض.

ومازال يحمل البحر المتوسط المعاصر معطيات الزمن القديم ، ويحتفظ ببقايا أشكال الغزو فى كلا الاتجاهين ، الغزو الاسلامى لأوربا ، ثم الغزو الأوربى لجنوب وشرق المتوسط ، وخاصة مع تفاقم مشكلات الهجرة من الجنوب للشمال ، وما تعكسه هذه الهجرة من مشكلات كالصراعات السياسية والحروب الأهلية ومظاهر العنف الأخرى.ويمكن تلخيص دوافع الاضطراب الاجتماعى فى منطقة البحر المتوسط بعدد من العوامل ، أهمها المستويات المنخفضة من التنمية ، وخاصة فى دول الجنوب ، والأنماط الخاطئة لتوزيع الثروة والدخل ، وارتفاع تكاليف المعيشة ، وزيادة معدلات البطالة ، بالاضافة الى التهميش الذى تعانى منه الكثير من الفئات ، فضلاً عن سياسة تخفيض الدعم التى تتبعها الكثير من الحكومات ، ومما يزيد من تفاقم الأوضاع ، تزايد التوقعات الاستهلاكية لدى المواطنين فى اقتصاد العولمة رغم تدنى دخولهم.

وتتعدد مظاهر الاضطراب الاجتماعى فى منطقة البحر المتوسط ،حيث يتم التعبير عن الاضطراب الاجتماعى فى جنوب وشمال المتوسط من حلال عدد من القنوات أهمها ، نشاطات نقابات العمال ، حيث تبدو مؤسسة نقابة العمال الأكثر صموداً من حيث شرعيتها وتنظيمها المؤسسى.والنقابات تكون فى الغالب أثقل وزناً فى البلدان ذات التقاليد المستقرة فى العمل الجماعى مثل المغرب ولبنان ، وكذلك يزداد ثقل النقابات التى لعبت دوراً أساساً فى الاستقلال الوطنى وبناء الدولة مثل تونس واسرائيل .وتمثل الاضرابات أعلى صور التعبير عن المظالم الاجتماعية التى تؤدى الى الاضطراب ، والتى يتم اللجوء اليها كملاذ أخير.ومع ذلك ، فإن قرار الاضراب نادراً ما يرحب به ، ويتم النظر الى اضرابات العمال فى جنوب المتوسط على أنها طوفان هادر ، ويتم التعامل معها فى الغالب بالقمع البوليسى.وهذا لايقتصر فى الحقيقة على دول الجنوب ، بل ان النظم الديمقراطية فى الشمال لاتقدم ضماناً مطلقاً ضد العنف ، ويبرز ذلك بصورة واضحة فى اقليم الباسك فى اسبانيا وفى كورسيكا الفرنسية.

وتشكل الاضرابات غير المنظمة عبر النقابات أحد أشكال التعبير عن الاضطراب الاجتماعى ، أى اندلاع الاحتجاجات التصادمية ، وهذه تعتبر شكلاً من أشكال العمل الاحتجاجى المحدود ، بما أنها تظهر على مستوى الوحدة الصناعية أو المنطقة أو القطاع.وهناك مستوى أكبر للاحتجاجات الغاضبة ، والتى تكون ذات طبيعة قومية. والتجمعات والحشود غير الشرعية حتى وإن نزلت الى الشوارع ، فإنها تظل تعبيراً سلمياً طالما لم تنسب اليها أفعال عنف متعمدة.وتقدم حركة الطلاب نموذجاً مصغراً للصراع فى المجتمع والضغوط من أجل المشاركة السياسية عبر عدة أشكال ، وعلى سبيل المثال فإن الطلاب الأتراك يتظاهرون بخصوص موضوع حظر حجاب الطالبات ، ويضرب الطلاب المغاربة بسبب البطالة ، ويتظاهر الطلاب الفرنسيون احتجاجاً على سياسات التعليم.وبالاضافة الى الطلاب ، هناك أيضاً نشاط الطبقة الوسطى المهنية ، وهذا شكل أولى للتعبير عن المصالح ، يتخذ شكلاً أكثر تفصيلاً من خلال النقابات المهنية الممثلة لهذه الطبقة.

ولاشك أن الاضظراب الاجتماعى يؤدى الى تداعيات سلبية عديدة ، كما أن هذا الاضطراب قد يكون حافزاً لتكوين حركات اجتماعية سياسية تعتمد على ايديولوجيا دينية ، تلعب دوراً نشطاً فى استغلال الحرمان الاجتماعى وعدم الاستقرار ، وهذا هو حال الحركات الاسلامية التى تتمركز فى جنوب المتوسط ، مع وجود امتدادات لها فى مناطق أخرى.

وللتعامل مع الاضطرابات الاجتماعية فى منطقة البحر المتوسط لابد من دراسة دوافعها ورسم شكل بيانى بمظاهرها وربطها بعوامل أخرى مثل الثقافة والسياسة والدين.وكل ذلك يحدد مداخل اتخاذ وإعمال القرارات المرتبطة بهذا الموضوع ، ويرتبط بذلك ضرورة الاهتمام بتنفيذ عدد من التوصيات ، منها توسيع النطاق المسموح به للاحتجاج الاجتماعى السلمى ، واستيعاب حركات الاحتجاج ، مع وضع سياسة اجتماعية لمواجهة البطالة والتهميش ، والاعتراف بنهاية العقد الاجتماعى القديم ، وتحديد دور جديد للدولة ، مع ترسيخ دعائم الديمقراطية ، والعمل على دمج واستيعاب الاسلاميين ، وتفعيل مشاركة الشباب من خلال المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدنى.

منقووول للفائدة .
AlexaLaw