خطة كولومبيا‏:‏ تكرار لأخطاء الماضي

يسرا الشرقاوي


مجلة السياسة الدولية يناير 2003 - العدد 151


أقر الكونجرس الأمريكي برنامج المساعدات الجديدة لكولومبيا والتي وصلت وفقا لموازنة عام‏2003‏ إلي‏539‏ مليون دولار ليتأكد بذلك أهمية مركز كولومبيا في سياسة الخارجية الأمريكية والتي تعد بمثابة الحليف الأهم لواشنطن في أمريكا اللاتينية والمتلقي الثالث للمعونة الأمريكية علي مستوي العالم بعد مصر وإسرائيل‏.‏

لكن المفاجأة الحقيقية لم تكن في زيادة حجم المساعدات التي تتلقاها بوجوتا سنويا في إطار ما يعرف‏'‏ بخطة كولومبيا‏'‏ وتهدف في المقام الأول إلي مكافحة زراعة وتجارة المخدرات والتي تغرق أسواق المخدرات في أمريكا وأوروبا بـ‏80%‏ من حجم استهلاكها السنوي‏.‏

المفاجأة كانت في سماح واشنطن ولأول مرة للحكومة الكولومبية باستغلال المساعدات من عتاد عسكري ومساعدات تقنية واستخباراتية في صراعها ضد الميليشيات اليسارية والمدربة علي قائمة واشنطن للمنظمات الإرهابية‏.‏ فقد كان الكونجرس فيما سبق يشترط عدم استخدام هذه المساعدات ولو بشكل غير مباشر في الحرب الدائرة منذ أكثر من‏38‏ عام‏.‏

وجدد هذا التحول‏,‏ التحفظات والانتقادات التي طالما وجهها الكثيرون داخل وخارج الولايات المتحدة إزاء أسلوب إدارة كلا من واشنطن وبوجوتا لبرنامج المساعدات ولخطة كولومبيا بشكل عام‏.‏ هذا الأسلوب الذي لم يحقق شيء يذكر في الماضي ويتوقع أن يؤدي في المرحلة القادمة إلي زيادة حجم المأساة الكولومبية‏.‏ فإن ضخ المزيد من الملايين الأمريكية في اتجاه إدارة الرئيس الكولومبي الجديد ألفارو يوريبي‏,‏ ستدعم سياسته المتشددة وتفعيله لخيار المصادمات العسكرية لحل صراعه مع التيارات اليسارية وفي مقدمتها القوات الثورية الكولومبية‏'‏ فارك‏'.‏ وفي الوقت نفسه‏,‏ فإن دخول واشنطن وبهذه القوة إلي قلب المشهد الكولومبي سيؤدي الي استفزاز ميليشيات اليسار بشكل لم يسبق له مثيل‏,‏ خاصة وأن هذه الجماعات قد بدأت بالفعل مرحلة حرجة عقب فشل مباحثات السلام التي تبناها الرئيس الكولومبي السابق أندريس باسترانا طيلة‏3‏ سنوات غير مثمرة‏,‏ وإعلان فارك عن نقل ساحة عملياتها لداخل المدن كانت جماعات اليسار قد طالبت بخروج فرق التدريب والخبراء الأمريكيين من كولومبيا وإعلانها مصالح الولايات المتحدة والمواطنين الأمريكيين كأهداف شرعية لهجماتها‏.‏

فاليسار الكولومبي يري في المساعدات الأمريكية وسيلة جديدة لإحكام قبضة واشنطن علي بترول كولومبيا وثرواتها‏.‏ ويري في دعم الولايات المتحدة لحكومة يوريبي دعم غير مباشر لميليشيات اليمين التي نصبت فارك ومثيلاتها أعداء لها وتعاونت مع قوات الجيش الحكومي من وراء الستار لتجريدها من مصادر قوتها‏.‏ وعلي الرغم من مساعي يوريبي إلي عودة الاستقرار للبلاد والقضاء علي نفوذ أباطرة المخدرات والعناصر الفاسدة في القضاء والهيئات الحكومية وتطهير صحيفة الجيش الكولومبي مما لحق بها‏,‏ فإن انتهاجه لسياسة‏'‏ الحديد والنار‏'‏ في مواجهة مشاكله‏,‏ يثير انتقادات حادة بين جماعات حقوق الإنسان والتي تري في الخطوات التي أتخذها حتي الآن‏,‏ خطرا حقيقيا‏.‏

لقد أثبتت بنود برنامج المساعدات الجديد أن الأوضاع في كولومبيا قد أصبحت تجسيدا جديدا علي تحولات السياسة الأمريكية فيما بعد‏11‏ سبتمبر‏.‏ فقد تحولت كولومبيا لجبهة جديدة تخوض من خلالها الولايات المتحدة حربها ضد قوي الشر والإرهاب‏.‏ ولكن معطيات الواقع الكولومبي والنتائج السابقة للتجربة الأمريكية هناك تؤكد أن هذا التحول سيكون بمثابة تكرار لأخطاء الماضي وأنه لن يفلح أبدا في حل أزمة المخدرات أو وضع حد للنزاع المسلح في كولومبيا لأنه يعد تمادي لتجاهل كلا من كولومبيا وأمريكا لجذور المشكلة الحقيقية والتي تتمثل في ارتفاع نسبة البطالة إلي أكثر من‏16%‏ وضياع حقوق ما يقرب من‏1.9‏ كولومبي شردتهم الصراعات بين الجماعات المسلحة والقوات الحكومية وخذلتهم خطة كولومبيا‏.

منقووول للفائدة .
AlexaLaw