منطقة الخليج بين ضغوطات العولمـة الاقتصادية وتحديات التكامل الاقليمى

د.حسن عبدالله جوهر

مجلة السياسة الدولية العدد 144 ابريل 2001

تعيش منطقة الخليج العربى حالة من التناقض ، لاتتناسب مع أهميتها كمنطقة غنية بثرواتها الطبيعية وموقعها الاستراتيجى الممتاز.كما أن الواقع العملى لدول الخليج والجزيرة ، منفردة أو مجتمعة ، لايعكس مؤشرات مشجعة تمكنها من دخول أجواء العولمة الاقتصادية بثقة وثبات ، وبما يترجم طموحات شعوبها.وفى هذا الاطار تواجه دول منطقة الخليج والجزيرة العديد من التحديات ، فى مقدمتها اختلالات السياسات التنموية.والخلل فى التركيبة السكانية ، بالاضافة الى الاعتماد الكبير على النفط كمورد شبه وحيد للنفط.وهناك أيضاً الهاجس الأمنى الذى يعد من أكبر المشكلات التى تواجه دول المنطقة.
وعلى سبيل المثال فإن نسبة الانفاق العام على الصحة والتعليم لاتتناسب مع مؤشرات التنمية فى الكثير من دول المنطقة.ويعتبر الخلل فى التركيبة السكانية من المشاكل الكبيرة التى تواجهها دول مجلس التعاون الخليجى تحديداً ، بسبب تحول هذه المجتمعات الى دول ريعية يتمتع فيها المواطن بكافة التسهيلات ، ومن بينها التعيين فى الوظائف الادارية والاشرافية ، فى حين تترك قوة العمل الانتاجية للعمالة الوافدة ، وتتراوح نسبة العمالة الوافدة فى قوة العمل بين دول مجلس التعاون ما بين 59% فى المملكة السعودية ، 60% فى البحرين وعمان ، 82% فى الكويت وقطر ، 90% فى دولة الامارات العربية المتحدة.
كما تعانى معظم دول الخليج من الاعتماد بشكل كبير على النفط كمصدر للدخل القومى.وقد ساهمت الارتفاعات المستمرة فى سعر النفط الخام منذ بدايات عقد السبعينات فى تجاهل حكومات المنطقة لبدائل أخرى ، الأمر الذى أدى الى حدوث هزات عنيفة وعجوزات ضخمة فى موازناتها العامة ، نتيجة تدهور أسعار النفط ، كما حدث فى منتصف الثمانينات وفى منتصف التسعينات.إضافة الى ذلك ، فإن الاعتماد الكبير على النفط الخام أضعف الى حد كبير البنى الهيكلية للاقتصاديات المحلية ، الأمر الذى يعد من التحديات الخطيرة التى تواجه المنطقة اذا ما انخرطت فى أجواء العولمة الاقتصادية الآتية لامحالة.
ولم تستغل الدول الخليجية النفطية عهد الوفرة المالية ، ولم تقم بالتوزيع الأمثل لعائدات النفط على مشاريع التنمية ، مما أدى لتآكل هذه الوفورات ، ومن الآثار المهمة لذلك توجه دول الخليج منذ منتصف الثمانينات الى استقدام العمالة الآسيوية الرخيصة بدلاً من الأيدى العاملة العربية ، ودفعها نحو الأعمال الهامشية غير المنتجة.
ويظل الهاجس الأمنى من المشاكل المستعصية فى المنطقة ، التى شهدت حربين متتاليين منذ عام 1980 وعلى مدى عقد كامل ، ولازالت آثارهما الاقتصادية والسياسية المكلفة تحصد مئات المليارات من الدولارات سنوياً على حساب مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، ناهيك عن تدويل المنطقة وتزاحم الوجود الأجنبى وخصوصاً الأمريكى فيها ، وتحولها الى ترسانة ضخمة من العتاد العسكرى.
وعلى صعيد العمل المشترك ، فإن دول مجلس التعاون الخليجى مازالت متأخرة جداً فى حركة التكامل الاقليمى وبمؤشرات تدعو للقلق.واذا أخذنا معيار التجارة البينية بين دول المنطقة ، سنجد أنه خلال الفترة من عام 1991 وحتى عام 1997 بلغ متوسط التجارة البينية بين دول المنطقة حوالى 12129 ملايين دولار وهو ما يمثل نحو 2و7% من مجمل تجارتها مع العالم.فى حين تصل تجارة دول المجلس مع العالم الصناعى خلال الفترة ذاتها الى نحو 95860 مليون دولار أى نحو 56% من مجموع تجارتها العالمية.
وتواجه مسيرة مجلس التعاون الخليجى العديد من المعوقات منها ، استمرار المعوقات أمام انتقالات السلع ذات المنشأ الوطنى ، وضعف حركة النقل والمواصلات ، وتفاوت معدلات التعريفة الجمركية بصورة حادة بين 4% الى 20% الأمر الذى حرم دول المجلس من الدخول كمجموعة واحدة فى مفاوضاتها مع التكتلات الاقتصادية الاقليمية والعالمية كالاتحاد الأوربى ومنظمة التجارة العالمية.هذا بالاضافة الى استمرار هيمنة العقلية التجارية الريعية ، مما أدى الى تعطيل دور القطاع الخاص فى المبادرة بممارسة أنشطة اقتصادية جديدة.
واذا كانت العولمة تعنى الانفتاح الاقتصادى والثقافى والسياسى بين دول العالم ، فإن الدخول فى مضمارها يتطلب من دول الخليج العديد من المتطلبات ، حتى لاتتعرض المنطقة للضعف والانكشاف اقتصادياً وتجارياً بالاضافة الى ضعف موقفها التفاوضى مع التكتلات الاقليمية والعالمية.ومن أهم هذه المتطلبات ، بناء اجراءات للثقة المتبادلة وإزالة الخلافات القائمة ، والتنسيق فى التشريعات الخاصة بمشاريع الخصخصة والاستثمار الأجنبى والتعريفات الجمركية ، إضافة الى التنسيق فى مجالات السياسات المالية والنقدية.كما تشمل هذه المتطلبات وضع قواعد حقيقية لبناء تكامل اقليمى قوى وفعال ، من خلال تكريس مبدأ الاعتماد المتبادل بين دول المنطقة ، والعمل على انشاء المؤسسات والمشاريع المشتركة حيث تتوافر مقومات نجاح معظم البرامج النفطية والصناعية والزراعية والمعلوماتية فى دول المنطقة.والعمل على ترشيد مفهوم المواطنة الاقتصادية ، ومحاولة ثقلها من خلال مبدأ الاستثمار البشرى ودفعها باتجاه تحمل مسئولية الانتاج والمساهمة فى سد الفراغ المالى الناجم عن العجوزات المالية الكبيرة ، والتى كانت نتيجة للاستهلاك المفرط للخدمات العامة ، والاعتماد على القطاع الحكومى غير المنتج كوسيلة للعيش.
ومن الضرورى أن ينطلق أى مشروع للتكامل المنشود من مبدأ التكامل الانمائى الذى من شأنه المساهمة فى توسيع القاعدة الانتاجية وتوسيع رقعة الأسواق المتاحة ، وزيادة الطاقة الاستيعابية لاقتصاديات دول المنطقة.كما يقتضى واقع منطقة الخليج والجزيرة العربية أن تبدأ مشاريع التكامل الاقليمى من ثلاث قواعد هى : توسيع قاعدة الصناعات المعتمدة على النفط والغاز الطبيعى مع الغاء الحلقات الضعيفة فى هذه الصناعات ، وتوسيع صناعة التكرير وزيادة القيمة المضافة للنفط ، وإقامة مشاريع صناعية تحويلية وإنتاجية مشتركة.وأخيراً ، من المهم جداً العمل على تعزيز مكانة التجارة البينية بين دول المنطقة وتسهيل حركة تدفق رؤوس الأموال وتبادل الخبرات المالية والمعلوماتية كأساس لأى مشروع تكاملى قادم فى المنطقة.

منقوووول للفائدة .
AlexaLaw