مجلس التعاون الخليجى:قراءة تقييمية لعملية التكامل الاقتصادى

هشـام هيبـة

مجلة السياسة الدولية أكتوبر 2003 - العدد 154

يعد مجلس التعاون الخليجى أحد أبرز التجمعات الاقليمية العربية ، وتمثلت الأهداف الرئيسية لمجلس التعاون ، فى تحقيق التنسيق والترابط والتكامل بين الدول الأعضاء الست .وقد تطورت آليات التعاون الاقتصادى بين دول مجلس التعاون الخليجى منذ انشائه فى مايو 1981.حيث تم التوقيع على الاتفاقية الاقتصادية لدول المجلس فى نوفمبر 1981 ، والتى أرست قواعد العلاقات الاقتصادية بين الدول الأعضاء ، وأنشئت بموجبها منطقة التجارة الحرة بين الدول الأعضاء فى مارس 1983.وفى ديسمبر 2001 تم استبدال الاتفاقية المذكورة ، باتفاقية اقتصادية جديدة ، أكثر قدرة على التفاعل مع المستجدات الاقتصادية عالمياً واقليمياً ، حيث لم تقتصر تلك الاتفاقية على الحث على التعاون والتنسيق بين الدول الأعضاء ، بل تعدت ذلك الى تبنى برامج محددة وآليات قابلة للتنفيذ.وقد تجسدت أولى الثمار العملية لتلك الاتفاقية فى الاعلان عن قيام الاتحاد الجمركى.

ومع بدء العمل بالاتحاد الجمركى فى يناير 2003 ، أصبحت الدول الأعضاء منطقة جمركية واحدة ، تستبعد فيها الرسوم الجمركية واللوائح والاجراءات المقيدة للتبادل التجارى بين الدول الأعضاء مع تطبيق تعريفة جمركية موحدة بواقع 5% تجاه العالم الخارجى.كما تمنح المنشآت الصناعية بدول مجلس التعاون إعفاء من الرسوم الجمركية على وارداتها من الالات والمعدات وقطع الغيار والمواد الخام الأولية ونصف المصنعة ومواد التعبئة والتغليف اللازمة للعمليات الانتاجية.ويقوم الاتحاد الجمركى على مبدأ نقطة الدخول الواحدة ، ومن ثم يعتبر أى منفذ جمركى لدول المجلس نقطة دخول للبضائع الأجنبية لكافة الدول الأعضاء.وقد تم الاتفاق على الأخذ بمبدأ الاعتراف المتبادل بالمواصفات والمقاييس الوطنية فى دول المجلس وذلك الى أن يتم استكمال لائحة المواصفات الخليجية الموحدة لجميع السلع الوطنية والمستوردة ، بما يضمن تسهيل حركة انسياب السلع داخل الاتحاد الجمركى.

وقد حققت تجربة مجلس التعاون الخليجى الكثير من الانجازات فى العديد من مجالات التعاون ، أبرزها فى مجال التبادل التجارى والتعاون الجمركى ، وذلك بإقامة منطقة التجارة الحرة بين الدول الأعضاء فى مارس 1983 ، ثم إقامة اتحاد جمركى فى يناير 2003.وفيما يتعلق بحرية انتقال الأفراد والأموال وممارسة النشاط الاقتصادى ، فقد اتخذ مجلس التعاون قرارات هامة بهدف إزالة القيود على انتقال الأفراد ورؤوس الأموال ، بما يؤدى الى تعميق المواطنة الاقتصادية لمواطنى الدول الأعضاء ، كما اتفقت الدول الأعضاء على الضوابط الخاصة بمزاولة الأنشطة الاقتصادية ، وتملك الأسهم ، وممارسة المهن والحرف المختلفة.

وعلى صعيد توحيد السياسات الاقتصادية ، فقد أقر المجلس استراتيجية التنمية الشاملة بعيدة المدى -2000 ـ 2025- ، بالاضافة الى سياسات التنمية قصيرة المدى ، كما أقر الاستراتيجية الموحدة للتنمية الصناعية ، والسياسة الزراعية المشتركة ، كذلك الاستراتيجية السكانية لدول مجلس التعاون.وفى مجال ربط البنى الأساسية ، تم البدء فى برنامج الربط الكهربائى بين دول المجلس ، والذى من شأنه تشغيل محطات توليد كبيرة تعمل بالغاز بما يحقق وفراً فى تكلفة الانتاج ، بالاضافة الى الوفورات الناشئة عن استغناء بعض دول المجلس عن انشاء محطات إضافية للاحتياط ، والاستفادة من فائض الانتاج لدى دول أخرى ، وتقدر قيمة تلك الوفورات بنحو 5و3 مليارات دولار.

ورغم النجاحات التى حققها مجلس التعاون خلال العقدين الماضيين ، إلا أنه عانى فى ذات الوقت من عدة اخفاقات ، أبرزها ، تواضع حجم التجارة البينية لدول الأعضاء ، ويرجع ذلك بصفة أساسية الى تشابه هياكل الصادرات لتلك الدول ، والتى يمثل البترول العمود الفقرى لها.ورغم الجهود الخاصة بتنسيق خطط التنمية بدول المجلس ، إلا أن الملاحظ هو استمرار هيمنة الصناعات الاستخراجية على هيكل الانتاج السلعى ، ومحدودية مساهمة قطاع الزراعة والصيد والغابات فى هيكل الانتاج السلعى ، كما يلاحظ استمرار الدور المحورى للإيرادات النفطية فى دعم الموازنات العامة لدول الخليج ، وتوفير التمويل اللازم للارتقاء بمستوى الخدمات ، إلا أن استمرار هذا الوضع مرهون باستمرار تدفق ريع النفط.

ومن المعوقات التى ظهرت خلال مسيرة مجلس التعاون الخليجى ، استحواذ القطاع المالى على الجانب الأكبر من رؤوس أموال المشروعات المشتركة ، وهو الأمر الذى لايتفق مع جهود تنويع هيكل الانتاج ، فضلاً عن وجود فجوة زمنية كبيرة بين التصديق على عدد من القرارات الاستراتيجية ، وبين دخولها حيز التنفيذ ، كما عكس التطبيق العملى للاتحاد الجمركى ، اصرار بعض الدول على استمرار المطالبة بشهادة المنشأ عند انتقال السلع الوطنية بين الدول الأعضاء ، الى جانب عدم اكتفاء بعض الدول بالرسوم الجمركية المستوفاة على السلع الأجنبية عند نقطة الدخول الواحدة ، والمطالبة برسوم أخرى عند دخول تلك السلع لأراضيها

وفى النهاية ، فإنه لم يعد أمام دول مجلس التعاون الخليجى فى ظل عصر التكتلات خيار سوى العمل على تعظيم الانجازات المتحققة ، ومحاولة تجاوز الاخفاقات ، وتلافى المعوقات ، من أجل استكمال خطوات التكامل الاقتصادى الخليجى