التجربة الهندية : هل هى قابلة للتعميم ؟

نهى الجبالى

مجلة السياسة الدولة يناير 2004 - العدد رقم 155

تعد التجربة الهندية نموذجاً رائداً ، كدولة نامية استطاعت الاستفادة بما لديها من مهارات بشرية فى اقتحام السوق العالمية لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات ، حيث اهتمت الهند بصناعة البرمجيات منذ نهاية الثمانينات ، بهدف خلق صناعة للتصدير ، تساهم فى توفير المزيد من فرص العمل ، وجلب العملة الصعبة الى داخل البلاد.وتمثلت البداية فى إقامة مناطق تكنولوجية للبرمجيات بتمويل من الحكومة الفيدرالية كما عملت الحكومة الهندية على تسهيل تصدير خدمات البرمجيات ، من خلال تقديم الحوافز ، وتبسيط الاجراءات اللازمة

وقد ساهمت تكنولوجيا الاتصا لات والمعلومات فى تنمية الأسواق التى تخدم شريحة الفقراء ، وتحسين فرص استفادة الفقراء من الخدمات الأساسية ، وعلى رأسها التعليم والصحة.كما كان لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات تأثير ملموس على كفاءة القطاع الخدمى الحكومى ، وعلى تمويل صغار المستثمرين. وعلى سبيل المثال ، فقد قامت احدى مؤسسات تمويل المشروعات الصغيرة بإدخال نظام الكروت الذكية فى منطقة 'ميداك' فى مقاطعة 'اندهرا براديش' وقد كان لهذا المشروع اثر هام فى تحقيق وفورات كبيرة ، ومن المتوقع بعد استكمال ميكنة كل العمليات ، أن يصبح فى كل قرية جهاز يستطيع من خلاله كل عميل الكشف عن المعلومات الخاصة ببطاقته

وتعانى الطبقة الفقيرة فى الهند من محدودية قدرتها على النفاذ لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات ، فرغم التوسع فى توصيل خطوط الهواتف الثابتة للمناطق الريفية ، ونشر الهواتف العامة بها ، إلا أن أغلب السكان لايتمتعون باستخدام وسائل الاتصال الحديثة ، فمعظم المواطنين لايمتلكون أجهزة تليفزيون أو تليفون خاصة . ولايمثل الملمين بكيفية استخدام الكمبيوتر والانترنيت سوى نسبة ضئيلة من السكان ، ومن ثم يعد تدنى مستوى التعليم عائقاً كبيراً أمام التوسع فى تكنولوجيا المعلومات

وتشير إحدى الدراسات الى أن تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات تمر بمرحلتين ، فى المرحلة الأولى تأخذ وسائل الاتصال ثلاثة أشكال : خطوط تليفون ثابتة ، ووسائل كتابية ، وأخرى شفهية.ويتطلب كل شكل عنصرى انتاج ، هما الوقت ورأس المال بنوعيه العينى والبشرى.فإذا قارننا بين التفضيلات الخاصة بكل من الفقراء والأغنياء ، سنجد أن الفئة الأولى تفضل الوسائل الشفهية ، أما الفئة الأخرى فتفضل خطوط التليفون .ويرجع ذلك الى اختلاف التكلفة النسبية لكل من عنصرى الانتاج لدى الطرفين ، فعند الفقراء تنخفض تكلفة الوقت ، بسبب انخفاض الانتاجية ، وتدنى معدلات التشغيل.ومن ناحية أخرى ، ترتفع تكلفة رأس المال بسبب عدم توافر السيولة ، وارتفاع تكلفة الاقتراض ، وضعف البنية التحتية.والعكس صحيح بالنسبة للأغنياء ، حيث ترتفع تكلفة الوقت ، نتيجة لارتفاع الانتاجية ، وفى الوقت نفسه تنخفض تكلفة الاقتراض

وفى المرحلة الثانية نضيف وسائل اتصال أحدث هى التليفون المحمول والانترنيت ، وتكون النتيجة اتساع الفجوة بين كل من الأغنياء والفقراء ، إذ يتغير تفضيل الأغنياء للوسائل الحديثة ، بينما يظل تفضيل الفقراء على ما هو عليه.ومن ثم تتوصل الدراسة الى ضرورة خفض تكلفة رأس المال بالنسبة للفقراء ، عن طريق التدريب والتعليم وتطوير البنية التحتية الاتصالية.وفى هذا المجال ، فقد رأت الهند أنها لن تستطيع توفير خطوط تليفون أو أجهزة كمبيوتر لكل فرد أو حتى لكل أسرة ، ومن ثم اعتمدت على توفير وسائل اتصالات عامة فى كل قرية أو مجموعة قرى متجاورة باسعار مناسبة

وقامت الهند بتحويل قطاع الاتصالات من سوق احتكارية الى سوق تنافسية ، مما ساهم فى تخفيض تعريفة المكالمات الى النصف.وقد أدركت الحكومة أن آليات السوق لن تتمكن بمفردها من تحقيق مستوى معقول من خدمة الاتصالات فى المناطق المعزولة أو الأكثر فقراً ، ومن ثم كان لابد من تدخل الحكومة لتوجيه الاستثمارات نحو تلك المناطق ، كما عملت الحكومة على رفع الوعى وزيادة التدريب عن طريق الوسائل السمعية والبصرية ، والنهوض بالمرأة وتدريبها على استخدام الكمبيوتر ، كما تم استخدام وسطاء لتمكين الأميين من التعامل مع التقنيات الحديثة

ورغم كل ماسبق ، فقد ظهرت بعض السلبيات ، حيث ثبت عدم كفاءة بعض المشروعات من الناحية الاقتصادية ، مما يؤكد ضرورة إجراء دراسات جدوى دقيقة لكل مشروع ، واختبار مدى ربحيته.كذلك فقد أغفلت بعض المشروعات احتياجات المجتمع ، مما أدى الى وجود خدمات تفتقر الى الطلب عليها.وهنا تبدو أهمية مشاركة سكان كل منطقة فى صياغة المشروعات الخاصة بهم ، بما يجعل هذه المشروعات أكثر ملائمة لظروفهم.وأيا ما كان الأمر ، فإنه لايمكن إغفال النجاح الذى حققته الهند فى اقتحام السوق العالمية لتكنولوجيا الاتصالات ، وما تمخض عن تطوير قطاع تكنولوجيا الاتصالات من آثار هامة فى النهوض بسياسات التدريب والتعليم ، والمساهمة فى رفع مستويات المعيشة للطبقات الفقيرة