عالم القانون
سيد الاستغفار

عنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي اللَّه عنْهُ عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « سيِّدُ الاسْتِغْفار أَنْ يقُول الْعبْدُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي ، لا إِلَه إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَني وأَنَا عَبْدُكَ ، وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما صنَعْتُ ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ علَيَ ، وأَبُوءُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لي ، فَإِنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْتَ . منْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا ، فَمـاتَ مِنْ يوْمِهِ قَبْل أَنْ يُمْسِيَ ، فَهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ ، ومَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وهُو مُوقِنٌ بها فَمَاتَ قَبل أَنْ يُصْبِح ، فهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ » رواه البخاري .


كشفت أنظمة المنتدى أنك غير مسجل لدينا فأهلا وسهلا بك معنا و تفضل بتصفح المنتدى و إن شاء الله ينال إعجابك و لا تحرمنا حينها من تسجيلك معنا و مشاركاتك و إفادتنا بخبرتك .


عالم القانون
سيد الاستغفار

عنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي اللَّه عنْهُ عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « سيِّدُ الاسْتِغْفار أَنْ يقُول الْعبْدُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي ، لا إِلَه إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَني وأَنَا عَبْدُكَ ، وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما صنَعْتُ ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ علَيَ ، وأَبُوءُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لي ، فَإِنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْتَ . منْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا ، فَمـاتَ مِنْ يوْمِهِ قَبْل أَنْ يُمْسِيَ ، فَهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ ، ومَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وهُو مُوقِنٌ بها فَمَاتَ قَبل أَنْ يُصْبِح ، فهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ » رواه البخاري .


كشفت أنظمة المنتدى أنك غير مسجل لدينا فأهلا وسهلا بك معنا و تفضل بتصفح المنتدى و إن شاء الله ينال إعجابك و لا تحرمنا حينها من تسجيلك معنا و مشاركاتك و إفادتنا بخبرتك .



عالم القانون

العدل أساس الملك - Justice is the basis
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
TvQuran
الحدود الشرعية  110
AlexaLaw on facebook
الحدود الشرعية  110
الحدود الشرعية  110
الحدود الشرعية  110
الحدود الشرعية  110
الحدود الشرعية  110

شاطر | 
 

 الحدود الشرعية

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى

الجنس : ذكر

تاريخ التسجيل : 03/03/2010

عدد المساهمات : 19648

نقاط : 12654999

%إحترامك للقوانين 100

العمر : 34

الأوسمه :

الحدود الشرعية  1384c10


الأوسمة
 :


الحدود الشرعية  Empty
مُساهمةموضوع: الحدود الشرعية    الحدود الشرعية  I_icon_minitime30/7/2010, 22:02

خيارات المساهمة


الحدود الشرعية
المقدمة

ما تنزلت الشرائع إلا لتنظيم علاقات الناس، وصيانة مصالحهم العامة والخاصة، وإقامة العدل، ومنع العدوان بينهم. ومن أهم خصائص التشريع العملي أنه إلزامي يجب أن يخضع له المكلفون، ويلتزموا أوامره ويجتنبوا نواهيه، ويلتزموا الجادة التي خطها لهم في أعمالهم ومعاملاتهم وعلاقاتهم العامة، سواء في وقت السلم أو في وقت الحرب. فلكي يكون التشريع التنظيمي محترماً مُطاعاً في أمره ونهيه، يجب أن يكون إلى جانبه من الأحكام والترتيبات ما يضمن له هذه الحرمة، ويلجئ الناس إلى طاعته. وذلك بأن يرتب الشارع، على المخالفة لأمره، ما يجعل الطريق المخالف وعر المسالك، عقيم المساعي بحيث لا يجد الإنسان الثمرة التي يبتغيها من عمله ومسعاه، إلا في سلوك الطريق الشرعي. وإلا فإن التشريع يكون فاقداً صفته الإلزامية، أشبه بالمواعظ الإرشادية منه بالقوة الملزمة.

ومن ثم فإن الأحكام، لا تقتصر على تنظيم علاقات الناس، ومصالحهم، بل هي تؤيد أصل الشرع المنظم لهذه العلاقات والمصالح، وتسعى إلى إلجاء الناس إلى طاعته في أمره ونهيه، وهي ما تسمى في اصطلاح الحقوق الحديثة؛ مؤيدات. ذلك لأنها تؤيد التشريع، أي تكسبه القوة اللازمة، وقد تسمى كذلك: ضوامن، لأنها تضمن هذه الطاعة للشرع.

وعند بعض فقهاء الإسلام تسمى زواجر لأنها تزجر عن تنكب جادة الشرع، ومخالفة أوامره.

وتسمى في اصطلاح القانونيين الجزاء. وتسمى، كذلك، قانون العقوبات.

وعلى ذلك فإن أحكام التشريع نوعان:

ـ أحكام أصلية: وهي التي يتكون منها نظام الشريعة المنظم لمصالح الناس، وعلاقاتهم، ومعاملاتهم.

ـ أحكام تأييدية: لأجل تلك الأحكام الأصلية.

فالمؤيدات بالنسبة إلى أصل التشريع كالجيش بالنسبة إلى البلاد يرعى مصالحها، ويذود عنها، ويحمي حدودها.

تنقسم المؤيدات التأديبية في الشريعة الإسلامية، وهي العقوبات الزاجرة، إلى نوعين أساسيين:

الأول:


عقوبات مقدّرة: وهي التي حدّدها الشارع وقدّرها بالنص الصريح، ولم يترك لولاة الأمر رأياً في التصرف في أنواعها ومقاديرها، وهي نوعان.




أ.


عقوبة مقدرة شرعاً، لا يدخلها العفو، وهي الحدود.




ب.


عقوبة مقدَّرة شرعاً، يدخلها العفو، وهي القصاص.

الثاني:


عقوبة مفوَّضة: وهي التي لم يحدد التشريع الإسلامي لها مقداراً معيناً، بل فوَّضها لولاة الأمور، وهي ما تسمى التقرير.
1. تعريف الحد

تعريف الحد في اللغة

اتفقت كتب اللغة في تعريفها للحد على أنه يعني "المنع" لغة، فقد جاء في لسان العرب "أصل الحد المنع، والفصل بين الشيئين".

تعريف الحد شرعاً

وهي: العقوبات المفروضة على من ارتكب ما نُهي عنه مثل حد السارق (القطع)، وحد الزاني (الجلد)، وسُميت هذه حدوداً لأنها تحد، أي تمنع، من إتيان ما جُعلت عقوبات فيها، وسُميت حدوداً، كذلك، لأنها نهايات نهى الله عن تعديها.

فكأن حدود الشرع فصلت بين الحلال والحرام، فمنها ما لا يُقرب، كالفواحش المحرمة، وفيها ورد قوله تعالى:البقرة، 187 تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا(البقرة، 187)، ومنها ما لا يُتعدى كالمواريث المعينة، وتزويج الأربع. قال تعالى:البقرة، 229 تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (البقرة، 229) .

الحدود في القرآن

ورد لفظ (الحد) في القرآن الكريم (14) مرة. وأمر الله عز وجل في كتابه الكريم بإقامة الحدود، كقطع السارق، وجلد الزاني، وقتل القاتل، والقصاص في الجروح، ونحو ذلك (مما سيأتي مفصلاً).

الحدود في السنة النبوية

وردت (الحدود) في السنة النبوية في كثير من المواضع، وهي لا تخرج عن معاني الحدود في القرآن الكريم، مع مزيد من بيان الأحكام، ومقادير الديات ونحو ذلك (مما سيأتي مفصلاً).
2. تعريف جرائم الحدود

جرائم الحدود: هي تلك الجرائم التي فرض الشارع لها عقوبة محددة تجب حقاً لله تعالى،من أجل دفع الفساد عن الناس، وتحقيق الصيانة والسلامة لهم. وهي في التشريع الإسلامي: الزنى، والسرقة، والقذف، وشرب الخمر، وقطع الطريق، وزاد بعض الفقهاء الردة، والبغي.

ولذا فالجرائم التي لم يقدر الشارع لها عقوبة، كالغصب، لا تعد جرائم حدية، وكذلك التي تجب عقوبتها حقا للعبد، كالقصاص لا تعد جرائم حدية وإن كانت عقوبتها مقدرة.
3. ضابط التفرقة بين الجريمة التعزيزية والجريمة الحدية

الجرائم التعزيزية هي تلك التي لم يقدر الشارع عقوبة لها، سواء أكانت حقاً لله تعالى أم لآدمي، وهي تثبت في كل معصية ليس فيها حد، ولا كفارة.

ومن ذلك يتضح أن هناك وجه شبه بين جرائم التعزير وجرائم الحدود، وأن هناك أوجه خلاف بين كل منها. فوجه الشبه بينها أن كلاً منها تأديب واستصلاح وزجر. وأوجه الخلاف بينها أن جرائم التعزير ليس فيها عقوبة مقدرة، وإنما أمرها مفوض إلى الإمام، أما جرائم الحدود فقد جاءت العقوبة فيها مقدرة معينة.

ومن جهة ثانية فإن معيار العقوبة، في جرائم التعزير، معيار مرن يستطيع القاضي، إزاءه، أن يراعي الظروف المادية والشخصية الموجودة في الدعوى المطروحة أمامه.

أما جرائم الحدود فمعيار العقوبة فيها معيار مادي بحت، لا أثر فيه للظروف الشخصية والمادية الموجودة في الدعوى.

ومن جهة ثالثة يجوز توقيع العقوبة المقررة لجرائم التعزير على الصبي؛ لأنه تأديب والتأديب للصبي جائز، إذا ثبت اقترافه لأي فعل مكون لجرم تعزيري، أما عقوبة جرائم الحدود فلا يصح توقيعها على الصبي؛ لأن البلوغ شرط أساسي لتوقيعها .

ومن جهة رابعة فإن التعزيز، إذا كان في حق من حقوق الله تعالى، تجب إقامته كقاعدة، لكن يجوز فيه العفو عن العقوبة والشفاعة، إن رئي في ذلك مصلحة، أو كان الجاني قد انزجر دونه، وإذا كان التعزيز يجب حقاً للأفراد، فإن لصاحب الحق أن يعفو، أما جرائم الحدود فليس لأحد مطلقاً إسقاط عقوبتها.

ومن جهة خامسة يصح تجزئة العقاب في الجرائم التعزيرية، إذا كان معهوداً في نوع من الذنوب، أما جرائم الحدود فلا يصح تجزئة العقوبة فيها، بأي حال من الأحوال.

ومن جهة سادسة فإن التلف الذي ينشأ عن تنفيذ عقوبة تعزيرية، يرى الشافعي ضمانه، خلافاً لأبي حنيفة، وأحمد، ومالك، فإنهم يرون أنه لا يجب ضمان التلف الناشئ عن تنفيذ عقوبة تعزيرية؛ لمشروعية عقوبته للردع والزجر؛ لأنه مأمور بالتعزير، وفعل المأمور لا يتقيد بشرط السلامة، أما التلف الذي ينشأ عن تنفيذ العقوبة في جريمة حدية فهو هدر، وغير واجب الضمان.

ومن جهة سابعة فإن التعزير بالعقوبات المالية مشروع في بعض الأمور التعزيرية، أما في الجرائم الحدية فغير مشروع.

ومن جهة ثامنة فإن العقوبة في الجرائم التعزيرية، لا تُدرأ بالشبهة، أما العقوبة في الجرائم الحدية فتُدرأ بها .
4. ضابط التفرقة بين جرائم القصاص وجرائم الحدود

جرائم القصاص هي تلك الجرائم المعاقب عليها بقصاص أو دية، حقاً للعبد. وهي خمس:

ـ القتل العمد.

ـ والقتل شبه العمد.

ـ والقتل الخطأ.

ـ والجناية على ما دون النفس عمداً أو خطأ.

ولابد في هذه الجرائم من الدعوى، ويصح العفو عن المجني عليه أو وليه، وتجوز فيها الشفاعة، والتقادم لا يمنع من الشهادة فيها.

ومن ذلك يتضح أن هناك فروقاً بين جرائم القصاص وجرائم الحدود:

أولها أن جرائم القصاص لابد فيها من الدعوى، أما جرائم الحدود فالأصل فيها أنها لا تتوقف على الدعوى، إلا بالنسبة لجرم القذف وجرم السرقة.

وثانيها أن العقوبة في جرائم القصاص يصح العفو عنها من المجني عليه، كما تجوز فيها الشفاعة، بخلاف جرائم الحدود.
5. المبادئ الشرعية للحدود

وفيه أحد عشر مبدأً أساسياً، وهي:

1. مبدأ المساواة

2. مبدأ الثبات

3. مبدأ المرونة

4. مبدأ التدرج

5. مبدأ التأجيل

6. مبدأ درء الحدود بالشبهات

7. مبدأ الرحمة

8. مبدأ تناسب العقوبة والجريمة

9. مبدأ اعتبار القصد الجنائي

10. مبدأ لا جريمة بلا نص في جرائم الحدود

11. مبدأ التعزيز في حالة عدم ثبوت موجب الحد

1. مبدأ المساواة

من خصائص الشريعة الإسلامية أنها تساوي بين الجميع في العقوبة، فلا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأسود على أبيض، ولا لرئيس على مرؤوس، إلا بالتقوى.

وعلى هذا الأساس لا حصانة في الإسلام لأحد، فالجميع تحت القانون. بينما تستثني القوانين الوضعية والتشريعات غير الإسلامية الرؤساء، وأعضاء السلك الدبلوماسي، للدول الأخرى، ورؤساء الدول الأجنبية، وأعضاء الهيئة التشريعية، والأغنياء، والوجهاء، من قانون العقوبات أو بعضه.

2. مبدأ الثبات

الحدود الشرعية والقصاص ثابتة على مر الأزمان، لا تتغير ولا تتبدل. وثباتها نابع من ثبات النصوص الشرعية، التي لا يجوز تبديلها، ولا تحريفها، ولا صرفها عن معانيها المرادة من الله، ورسوله المخبر عن الله؛ لأن الله هو المشرع، ولأنه يعلم الغيب فقد جعل هذه العقوبات صالحة للبشر على مر الأزمان.

3. مبدأ المرونة

تتسم قواعد الشريعة بالمرونة، ولا يجوز تطبيقها إلا بشروط شرطها المشرع. فلا يُقام الحد في حالة جهل، أو نسيان، أو إكراه، أو اضطرار، أو عدم اكتمال الشهود، أو اختلافهم، أو لعدم قصد الجاني، كما قد يُؤجل الحد لمرض، أو حمل، أو ضعف، ونحو ذلك. فحد السرقة مثلاً، قد لا يستوفي شروطه، لظروف استثنائية طارئة كالمجاعة ونحو هذه الأحوال، والظروف التي تراعيها الشريعة الإسلامية، أثناء حدوث الجرائم الموجبة للحدود الشرعية، وقد يُشفع في الحد قبل وصوله إلى القاضي، أو الحاكم، أما القصاص فتجوز فيه الشفاعة حتى بعد وصول القضية إلى الحاكم. وهذا كله يقرره القرآن الكريم:البقرة، 286 لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا (البقرة، 286).البقرة، 185 يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (البقرة، 185).الحج، 78وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ (الحج، 78). وقال النبي، صلى الله عليه وسلم،سنن ابن ماجه، 2033 إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ (سنن ابن ماجه، 2033).

4. مبدأ التدرج

كان الناس حديثي عهد بحياة الجاهلية، ولذلك كان التدرج وسيلة ضرورية لتسهيل الامتثال، وحين جاء النهي الجازم القاطع أقلع كل الناس عن فعل تلك الجرائم، مهما كلفهم الترك من مشاق وجهاد للنفس.

5. مبدأ التأجيل

الأصل أن العقوبة فعل مؤلم يُقام على الجاني فوراً، جزاءً له على جريمته، وحملاً لغيره على سلوك السبيل الصحيح. ومع ذلك لا يجوز في الشريعة الإسلامية تنفيذ الحد على الحامل، ولا النفساء، ولا المرضع، ولا المريض الذي يتضرر من العقوبة.

فكان تأجيل تنفيذ حد الحامل إلى أن تضع حملها وتأجيل حد النُفساء، إلى أن تقوى، وتأجيل حد المرضع، إن كان رجماً، إلى أن يستغني ابنها عنها، وتأجيل حد المريض إلى أن يبرأ، وكذلك تأجيل حد المسافر والمجاهد إلى أن يرجع. مما سيأتي مفصلاً أثناء الكلام على تنفيذ العقوبة في كل حد من الحدود الشرعية.

6. مبدأ درء الحدود بالشبهات

ويعني ذلك منع تنفيذ الحد على مرتكبي جرائم الحدود، لشبهات بدت للقاضي، أثناء الدعوى والإجابة، أو استطاع معرفتها بخبرته وعلمه.

فلا يقام الحد على مدعي الجهل بالزنى مثلاً، إذا كان ببلاد غير إسلامية. ولا يقام الحد على من يظن أن بعض أنواع الخمر ليست من الخمر. ولا حد الردة على من ظن أن مقولته لا تستلزم ردة، ونحو ذلك.

كما أن هناك شبهات في شهادة الشهود، وشبهات في الإقرار، وشبهات في كل حد على حدة.

7. مبدأ الرحمة

لا عقوبة ولا حد، عند الجهل، أو الإكراه، أو عند تخلف القصد الجنائي، كما أنه لا حد على السارق عند الاضطرار للسرقة، وفي المجاعات العامة، لعدم استيفاء شروط الحد في هذه الحالات. كما أن تأجيل الحدود لمرض، أو نفاس، أو حمل، أو تخفيف إقامة الحد على المريض يعدُّ من باب الرحمة كذلك.

8. مبدأ تناسب العقوبة والجريمة

أحكم الإسلام وجوه الزجر الرادعة بحيث تتناسب مع الجنايات، وتتضمن مصلحة الردع والزجر، دون مجاوزة لما يستحقه الجاني من الردع. فلم يشرع في القذف قطع اللسان، ولا القتل، ولم يشرع في الزنى الإخصاء أو قطع العضو التناسلي، وإنما شرع الله لهم بلطفه وإحسانه ما يزيل المفسدة، ويحمي به الناس من التظالم والعدوان، ولهذه الجنايات مراتب متباينة قلة وكثرة، ودرجات متفاوتة في شدة الضرر، وخفته كتفاوت المعاصي كبراً وصغراً وما بينهما، فالنظرة المحرمة، والقبلة لا تساوي الفاحشة، ولا خدشة العود تساوي الضرب بالسيف، والشتم الخفيف لا يساوي القذف بالزنى، ولا سرقة اللقمة البسيطة بسرقة المال الكثير. فلما تفاوتت مراتب الجنايات، كان لا بد من تفاوت مراتب العقوبات، ولو تُرك الناس لعقولهم في ترتيب العقوبة على ما يناسبها من الجناية، لذهبوا في كل واد، وتشعبت بهم الطرق، وعظم الاختلاف، فكفاهم المولى مؤنة ذلك، وأزال عنهم كلفته، وتولى تقديرها نوعاً وقدراً، ورتب على كل جناية ما يناسبها من العقوبة، ويليق بها من النكال.

9. مبدأ اعتبار القصد الجنائي

تفرق الشريعة الإسلامية بين مرتكب الجريمة متعمداً، وبين مرتكبها عن طريق الخطأ، أو النسيان، أو الإكراه، أو الاضطرار.

وهذا التفريق مبني على أساس أن الله عز وجل قد رفع عن هذه الأمة الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه. فلا حد على من شرب المسكر دون قصد، ولا على من زنى بامرأة يظنها زوجته؛ بعد توفر ظروف معينة، ولا يُقام القصاص على القاتل خطأ، ولكن فيه الدية... وهكذا.

10. مبدأ لا جريمة بلا نص شرعي

الأصل في الأشياء الإباحة؛ فلا شيء محرم إلا الذي ورد فيه نص بتحريمه، مثل تحريم الإسكار في كل مسكر ولو لم يُسم خمراً.

ومن ثم يعني هذا المبدأ أن الجريمة لا تعتبر جريمة، بلا تحذير عام منها، في نص منشور على الملأ.

11. مبدأ التعزيز في حالة عدم ثبوت ما يوجب الحد

يبقى الحكم بالتعزير، عند عدم ثبوت الحد، هو البديل حتى لا يفلت الجاني من العقاب، وهي عقوبة أخف من الحد، لكن لها دور قريب منه، من حيث الزجر والتهديد. ويتفاوت التعزير بين الضرب، والتوبيخ، والتهديد أو السجن القصير، ونحو ذلك.
6. نظرية الشريعة في العقوبة

للمشرعين في العقوبة آراء مختلفة يمكن إيجازها في أربعة آراء:

1. العقوبة الجزائية: ويرى دعاتها أن الجاني ينبغي أن ينال جزاء ما اقترفت يداه.
2. العقوبة الرادعة: وينادي أصحابها بأن الغرض من العقوبة هو كف المجرم عن العود للإجرام.
3. العقوبة الواعظة: ويرى أشياعها أن غاية العقوبة وعظ الناس؛ حتى لا يقعوا في الإجرام.
4. العقوبة المُصلِحة: ويرى دعاتها أن العقوبة ليست إلا علاجاً للمجرم، تعالجه به ليبرأ من حالته المرضية الشاذة، وهي ما تسمى بمرض الإجرام.

والعقوبات في التشريع الإسلامي تهدف إلى مصلحة الفرد في الحاضر والمستقبل، كما تهدف إلى مصلحة الجماعة، وإصلاح المجتمع.

ولعل من أبرز مقاصد الشريعة الإسلامية من تشريع العقوبات الشرعية ما يلي:
ـ

أن تكون العقوبة بحيث تمنع الكافة عن الجريمة قبل وقوعها، فإذا ما وقعت الجريمة كانت العقوبة؛ لكي تؤدب الجاني على جنايته، وتزجر غيره عن التشبه به وسلوك طريقه. وفي هذا يقول بعض الفقهاء عن العقوبات: "إنها موانع قبل الفعل، زواجر بعده، فإن العلم بحكمها، يمنع الإقدام على الفعل، وإيقاعها بعده يمنع العودة إليه".
ـ

إن حد العقوبة هو حاجة الجماعة ومصلحتها، وقد شُددت العقوبة فيما اقتضت مصلحة الجماعة التشديد، وخُففت العقوبة فيما اقتضت مصلحة الجماعة التخفيف.
ـ

إذا اقتضت حماية الجماعة من شر المجرم المتكرر جرمه، وتعديه على حدود الله، استئصاله من الجماعة، أو حبس شره عنها، وجب أن تكون العقوبة هي قتل المجرم، أو حبسه عن الجماعة حتى يموت، ما لم يتب أو يصلح حاله.
ـ

إن كل عقوبة تؤدي لصلاح الأفراد، وحماية الجماعة هي عقوبة مشروعة، فلا ينبغي الاقتصار على عقوبات معينة دون غيرها.
ـ

يقول بعض الفقهاء في العقوبة: "إنها تأديب واستصلاح وزجر يختلف بحسب اختلاف الذنب". والعقوبات "إنما شرعت رحمة من الله تعالى بعباده وإرادة الإحسان إليهم، ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس على ذنوبهم أن يقصد بذلك الإحسان إليهم، والرحمة لهم، مثلما يقصد الولد تأديب ولده، ومثلما يقصد الطبيب معالجة المريض.

ترجع العقوبة في الشريعة إلى أصلين أساسيين، فبعضها يعني بمحاربة الجريمة ويهمل شخصية المجرم، وبعضها يعني بشخصية المجرم، ولا يهمل محاربة الجريمة، والأصول التي تعنى بمحاربة الجريمة الغرض منها حماية الجماعة من الإجرام، أما الأصول التي تعنى بشخص المجرم فالغرض منها إصلاحه.

وقد قامت نظرية العقوبة في الشريعة على الجمع بين هذين المبدأين المتضاربين. ولذلك قسمت الشريعة الإسلامية الجرائم إلى قسمين:

القسم الأول: الجرائم الماسة بكيان المجتمع: ويدخل تحت هذا القسم كل الجرائم التي تمس كيان المجتمع مساساً شديداً، وهي نوعان، لكل منهما حكم مختلف.

النوع الأول: جرائم الحدود: كالزنى، والقذف، وشرب الخمر، والسرقة، والحرابة، والردة، والبغي.

وقد وضعت الشريعة لهذه الجرائم السبع عقوبات محددة، ليس للقاضي أن ينقص منها أو يزيد فيها، أو يستبدل بها غيرها، أو يقبل شفاعة أحد فيها، فمن ارتكب جريمة منها أصابته العقوبة المقررة لها، دون نظر إلى رأي المجني عليه، أو إلى شخصية الجاني.

الموضوع الأصلي : الحدود الشرعية الكاتب : AlexaLaw المصدر : منتديات عالم القانون
التوقيع
توقيع العضو : AlexaLaw
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.AlexaLaw.com
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى

الجنس : ذكر

تاريخ التسجيل : 03/03/2010

عدد المساهمات : 19648

نقاط : 12654999

%إحترامك للقوانين 100

العمر : 34

الأوسمه :

الحدود الشرعية  1384c10


الأوسمة
 :


الحدود الشرعية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحدود الشرعية    الحدود الشرعية  I_icon_minitime30/7/2010, 22:03

خيارات المساهمة


النوع الثاني: جرائم القصاص والدية: كالقتل العمد، والقتل شبه العمد، والقتل الخطأ، والجرح المتعمد، والجرح الخطأ.

جدول توضيحي

جرائم الحدود


جرائم القصاص

الزنى


القتل العمد

القذف


القتل شبه العمد

شرب الخمر


القتل الخطأ

السرقة


الجرح العمد

الحرابة


الجرح الخطأ

الردة


ـ

البغي


ـ

وقد وضعت الشريعة لهذه الجرائم عقوبتين هما: القصاص والدية في حالة العمد، والدية في حالة الخطأ، وحرمت على القاضي أن ينقص من هاتين العقوبتين، أو يزيد فيهما، أو يستبدل بهما غيرهما، كما حرمت على الحاكم أن يعفو عن الجريمة أو العقوبة، وعلى هذا فمن ارتكب جريمة من هذه الجرائم، أصابته العقوبة المقررة لها، دون نظر إلى ظروف الجاني وشخصيته.

وإذا كانت الشريعة قد حرمت العفو على الحاكم، فإنها قد أباحته للمجني عليه أو لوليه، فإذا عفا المجني عليه، أو وليه في العمد سقط القصاص، وحلت محله الدية إذا كان العفو الدية. فإذا كان العفو مجاناً سقطت الدية كذلك. وفي جرائم الخطأ يُسقِط العفو الدية، ويترتب على سقوط القصاص في العمد والدية في الخطأ جواز معاقبة الجاني بعقوبة تعزيرية، والعقوبات التعزيرية ينظر فيها إلى شخص المجني عليه وظروفه.

وظاهر مما سبق أن الشريعة تتجه أصلاً في جرائم القصاص والدية، إلى حماية الجماعة من الجريمة وإهمال شأن المجرم، وأنها لا تعني بشخصية الجاني وظروفه إلا إذا عفا المجني عليه أو وليه، وقد منحت الشريعة حق العفو المجني عليه أو وليه؛ لأن الجريمة، وإن كانت ماسة بكيان المجتمع، إلا أنها تمس المجني عليه، فإذا عفا المجني عليه أو وليه لم يعد ما يدعو لإهمال شأن المجرم والتشدد في حماية الجماعة؛ لأن أثر الجريمة يزول بالعفو فتصبح الجريمة غير خطرة، ولا تؤثر على كيان المجتمع.

القسم الثاني: الجرائم الأخرى: ويشمل هذا القسم كل الجرائم التي لا تدخل تحت القسم الأول، وهي غالباً ليست في خطورة جرائم القسم الأول، وهي متروكة لتقدير القاضي.
7. تعليل العقوبات الشرعية

(أ). تعليل عقوبة الزنى

الزنى اعتداء على نظام الأسرة، ولو لم يُعاقب عليه، لكان لكل امرئ أن يشارك الآخر في أي امرأة شاء، وأن يدعي من يشاء، أو يتنصل ممن شاء من الأبناء، وينتهي الأمر بغلبة الأقوياء، وهزيمة الضعفاء، وتضيع الأنساب، ويحصل شقاء الآباء، والأبناء. وأخيراً فإن إباحة الزنى معناها الاستغناء عن نظام الأسرة، وهدم الدعامة الأولى من الدعائم التي تقوم عليها الجماعة.

(ب). تعليل عقوبة القذف

جريمة القذف اعتداء على نظام الأسرة؛ لأن القذف في الشريعة قاصر على ما يمس الأعراض، ولأن القذف الماس بالأعراض هو تشكيك في صحة نظام الأسرة.

فمن يقذف شخصاً فإنما ينسبه لغير أبيه وبالتالي لغير أسرته، وإذا ضعف الإيمان بنظام الأسرة فقد ضعف الإيمان بالجماعة نفسها؛ لأن الجماعة تقوم على هذا النظام.

(ج). تعليل عقوبة شرب الخمر

جريمة الشرب تؤدي إلى فقدان الشعور، وإذا فقد شارب الخمر شعوره فقد أصبح على استعداد لارتكاب السرقة والقذف والزنى وغير ذلك من الجرائم فضلاً على أن شرب الخمر يضيع المال ويفسد الصحة ويذهب العقل، والنظام الإسلامي يحرم شرب الخمر تحريماً قاطعاً، فإتيان هذه الجريمة اعتداء، من كل وجه، على الجماعة وهدم للنظم التي تقوم عليها.

(د). تعليل عقوبة السرقة

السرقة اعتداء على نظام الملكية الفردية، ولو لم يُعاقب عليها لكان لكل امرئ أن يشارك غيره في طعامه وشرابه وكسائه ومسكنه وأداة عمله، وكانت الغلبة آخر الأمر للأقوياء، وكان الجوع والعري والحرمان للضعفاء، فإباحة السرقة معناها الاستغناء عن نظام الملكية الفردية، وعجز الأفراد عن الحصول على ضروريات الحياة، وسقوط الجماعة بعد سقوط أهم الدعامات التي قامت عليها.

(هـ). تعليل عقوبة الحرابة

جريمة الحرابة إن اقتصرت على السرقة فهي اعتداء على نظام الملكية الفردية، وإن صحبها القتل، فهي كذلك اعتداء على حياة الأفراد المكونين للجماعة، وإن اقتصرت على ترويع المجني عليهم، فهي اعتداء على النظام الاجتماعي وعلى نظام الحكم؛ لأن كل جماعة ملزمة بحماية حياة الأفراد وتوفير الأمن لهم؛ لأن ذلك ضروري لبقاء الجماعة، وعدم تفككها.

(و). تعليل عقوبة الردة

النظام الاجتماعي للمسلمين يرتكز على الإسلام، والردة معناها الكفر بالإسلام، والخروج على مبادئه، والتشكيك في صحته، ومن ثم لا يمكن أن يستقيم أمر الجماعة إذا وضع نظامها الاجتماعي موضع التشكيك، والطعن؛ لأن ذلك قد يؤدي في النهاية إلى هدم هذا النظام.
8. متى تقام الحدود الشرعية

متى قام المجتمع بما عيه تجاه الفرد من تربية صحيحة، وتمكين له من سد حاجاته الإنسانية المشروعة (المأكل، والمشرب، والملبس والمسكن)، بطرق ومسالك تسقط معها كل دعاوى الاضطرار؛ فقد أصبح لزاماً أن تقام حدود الله دون ترخص، ودون تهاون. ومن هنا تتضح أهمية التربية الاجتماعية وتوجيه الأفراد إلى المحافظة على القيم والأخلاق، وذلك بعد توفير سبيل العيش الكريمة لهم.فالإسلام قبل أن يقيم حد الزنا حرم الاختلاط الماجن، وحرص على تسهيل الزواج، ويسر أسبابه.

والسر في هذا أن بناء الفرد المسلم على العقيدة والأخلاق الإسلامية هو مقدمة ضرورية لإقامة البنيان الاجتماعي، الذي تحتل الحدود فيه مكان الحراسة والحفاظ على مقدساته.

بناء الفرد أولاً، وبناء المجتمع بمقوماته الإسلامية ثانياً، ثم يأتي الدور على إقامة الحدود سياجاً، وتحصيناً، وتأميناً لما تم تشييده، هذا ما حدث في إقامة مجتمع الإسلام لأول مرة.
9. مصادر التشريع العقابي في الإسلام

تصدر التشريعات الجنائية عند المسلمين من مصدرين أساسيين هما: القرآن الكريم والسنة النبوية، ومصدرين تابعين (على خلاف فيهما) هما الإجماع والقياس.

القرآن الكريم: وقد ورد في القرآن الكريم الأمر بقطع يد السارق والسارقة، وجلد الزانية والزاني، والأمر بقتال الباغي، وجلد القاذف، والقصاص، والديات. ولم يرد في القرآن الكريم عقوبة شارب الخمر، ولا المرتد وإنما ورد تحريمهما، ولكن وردت عقوبتهما في السنة.

السنة النبوية: وتعني أقوال النبي، صلى الله عليه وسلم، وأفعاله، وتقريراته. وقد انفردت السنة ببيان عقوبة شارب الخمر (الجلد)، وعقوبة المرتد (القتل)، وعقوبة الثيب الزاني (الرجم)، وسيأتي مفصلاً أثناء تناول العقوبات الشرعية. كما جاءت السنة ببيان مقادير الديات، والجراحات ونحوها، إضافة إلى تأكيد السنة على العقوبات، والحدود المذكورة في القرآن الكريم.

فهذان المصدران (الكتاب والسنة) متفق عليهما بين المسلمين وإن اختلفوا ـ أحياناً ـ في فهم بعض النصوص، وتفسيرها، ونسبتها، وما أشبه ذلك.

الإجماع: هو اتفاق جميع المجتهدين من الأمة الإسلامية، في أي عصر من العصور، بعد وفاة النبي، صلى الله عليه وسلم، على حكم شرعي. وعلى هذا فلا يعد اتفاق أكثرية المجتهدين دليلاً قاطعاً. وقد أفاد الإجماع في تفسير بعض النصوص، والأحكام الشرعية، والإجماع معتبر عند أغلبية المسلمين.

القياس: هو إلحاق ما لا نص فيه بما فيه نص في الحكم الشرعي المنصوص عليه لاشتراكهما في العلة، ثل إلحاق حكم التحريم على المخدرات، قياساً على الخمر؛ لاشتراكهما في العلة، وهي الإسكار. والقياس فيه خلاف كبير بين فقهاء الإسلام بين معتبر له كالشافعي، وجمع من أهل العلم، ومعارض له كابن حزم الظاهري.

وبناء على اعتبار القياس من عدمه، أو الاختلاف في فهمه، اختلف الفقهاء هل يُشترط الإقرار بأربع مرات في السرقة مثلاً، قياساً على الإقرار في الزنى، أم أن تكرار الإقرار خاص بالزنى؟ وهكذا.
الباب الأول
حد الزنى
مبحث تمهيدي: في جرم الزنى وتعريفه

الزنى من الكبائر التي ورد النهي عن اقترافها بالكتاب، وبالسنة، وبالإجماع.

أما الكتاب فقوله تعالى.الإسراء، 32 وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً (الإسراء، 32). وقوله عز وجلالنور، 2 الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (النور، 2). وقوله تعالىالفرقان، 68، 69 وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءاخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا(68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (الفرقان، 68، 69).

أما السنة فلقد روى عبد الله بن مسعود قال:رواه مسلم، 124 سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قَالَ قُلْتُ لَهُ إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ قَالَ قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قَالَ قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ (رواه مسلم، 124).

وقال صلى الله عليه وسلم رواه مسلم، 87 لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ(رواه مسلم، 87).

أما الإجماع فقد اتفقت كلمة المجتهدين على وجوب تحريم إتيان هذا الفعل.

وحكمة تحريم هذا الفعل قائمة على رغبة المشرع في صيانة الأنساب؛ لأن عدم صيانتها يؤدي إلى اختلاطها، الأمر الذي يكون من نتيجته الإخلال الاجتماعي في الدولة.

اتفقت تعاريف الزنى عند الفقهاء على استلزام الإيلاج من مكلف متعمد إتيان الفعل، وإن كان ذلك بحشفة أو قدرها من مقطوعها، يكون في قُبل آدمي، من غير شبهة. واختلف الفقهاء في الوطء في الدبر، هل يعد زني أم لا، وهل يشترط وقوع الوطء في دار الإسلام أم لا، وهل يشترط أن يقع الوطء في مطيقة أم لا، وهل الإسلام شرط لإقامة الحد أم لا.

ويمكن تعريف الزنى شرعاً بأنه: وطء مكلف مختار مشتهاة، في القُبل، في دار الإسلام، ممن التزم أحكام الإسلام، بلا ملك ولا شبهة.
المبحث الأول: أركان الجريمة

أركان جريمة الزنى الموجب للعقوبة في التشريع الإسلامي خمسة هي:

ـ وقوع وطء

ـ من مكلف

ـ في قبل أنثى حية مشتهاة

ـ وألا تكون هناك شبهه تدرأ الحد

ـ وأن يتوافر قصد اقتراف الجرم عند الجاني.

تعاقب الشريعة الإسلامية على الزنى سواء وقع من متزوج، أو من غير متزوج، في حين أن التشريع الوضعي لا يعاقب على الزنى إلا في حالة وقوعه من متزوج فقط، ولا عقاب على الوطء الاختياري، غير المشروع، الذي يقع قبل الزواج، حتى ولو حملت منه ولم تضع حملها إلا بعد زواجها .
1. الوطء

الوطء الموجب للحد عند أبي حنيفة: هو الوطء الذي يكون في قبل الأنثى، و الذي نصيب فيه حشفة الرجل أو قدرها من مقطوعها في القبل دون الدبر، خلافا لغيره من الفقهاء فإنهم يرون أن الوطء في الدبر كذلك زنى.

لا تعد الأفعال التي دون الوطء زنى، ولا شروعا فيه، كما أن الأفعال الأخرى غير المشروعة، كالمفاخذة، والمباشرة خارج الفرج، والقبلة، والعناق، لا تكفي كذلك لتكوين فعل الوطء الموجب للحد،كما أن الخلوة غير المقترنة بوطء لا تكفي هي الأخرى لتكوين الركن المادي لهذا الجرم شرعا.

وإذا مكنت أنثى أنثى أخرى من نفسها، فلا حد، وإن كان هذا الفعل محرم شرعاً ويوجب التعزير.
2. الموطوءة

استلزم أغلبية الفقهاء أن يقع الوطء في فرج أنثي آدمية، ولذا فواطئ البهائم لا يجب عليه الحد، وإن استحق الواطئ التعزير.
3. وقوع الوطء من مكلف

يجب أن يقع الوطء من مكلف، فلا حد على الصبي والمجنون. ولا حد كذلك على النائم والسكران.
4. ألا تكون هناك شبهة

والشبهة التي تدرأ حد الزنى إما أن تكون، شبهة محل، وإما أن تكون شبهة فعل، وإما أن تكون شبهة عقد.

ومثال شبهة المحل وطء جارية الولد، أو وطء رجل طلق امرأته ثلاثا، ظانا أنها تحل له، وذلك في العدة،.. إلخ.

ومثال شبهة العقد، عند أبي حنيفة، زواج رجل بامرأة من محارمه، فالوطء في هذه الحالة لا يوجب الحد عنده، خلافا لغيره من الفقهاء كالشافعي ومالك وأحمد.

وشبهة الفعل تتحقق فيمن اشتبه الحل والحرام عليه، كمن وطئ امرأة يظنها زوجته.
5. القصد الجنائي

اتفق الفقهاء على أنه لا يحد من زنى وكان جاهلا بالتحريم.

ولذا إذا ادعى الجاني الجهل بالتحريم، وكان يحتمل أن يجهله، كحديث العهد بالإسلام، ولم ينشأ في دار الإسلام، وتحتمل ظروفه أنه يجهل التحريم، وكالناشئ ببادية، قُبِلَ قوله؛ لأنه يجوز أن يكون صادقا. أما إن كان ممن لا يخفي عليه ذلك كالمسلم الناشئ بين المسلمين وأهل العلم، لم يُقبل منه هذا الادعاء؛ لأن تحريم الزنى لا يخفي على من هو كذلك.

كما أنه لإمكان توقيع حد الزنى، يجب أن يتوافر لدى الجاني قصد اقتراف الجرم؛ لأنه لا عقاب إلا إذا كان الزاني عالما بأنه يقترف الفعل المحرم شرعا.

ولا عقاب كذلك على من وقع عليه الإكراه، بغية اقتراف جرم الزنى. ولذا لا يجب الحد على الأنثى إذا أُكرهت على التمكين من الزنى؛ لأنها مسلوبة الاختيار.
المبحث الثاني: أدلة إثبات الزنى (الشهادة ـ الإقرار)
الشروط العامة للشهادة

أوجب الفقهاء، أن تكون الشهادة بلفظ الزنى لا بلفظ الوطء والجماع، لأن لفظ الزنى هو الدال على فعل الحرام. وأن تؤدى الشهادة بلفظ أشهد، بمعني الخبر، دون غيره من الألفاظ.

فإذا لم يذكر الشاهد هذا اللفظ وقال أعلم، أو أتيقن، لا تُقبل شهادته، إلا عند المالكية؛ لأن النصوص القرآنية جاءت، على كثرتها، بلفظ أشهد. وهذا يدل على اشتراط أداء الشهادة بهذا اللفظ؛ ولأن في هذا اللفظ زيادة توكيد لأنه ينبئ عن المشاهدة والمعاينة.

ورأي المالكية أقرب إلى الصواب، لأن ترك الأمر في هذا إلى اصطلاح الناس، وما جرى به عرفهم، فيه يسر لهم.

كما يجب أن تكون الشهادة عن علم ويقين، لا عن ظن وتخمين. ولقد أجمع الفقهاء على أن الشاهد لا يجوز له أن يشهد إلا بما علمه، وتيقن منه تيقناً، لا تبقى معه ريبة في حصول ما شهد به، وذلك لقوله عز وجل:الإسراء، 36وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (الإسراء، 36).

كما أوجب الحنفية،والحنابلة، عدم التقادم، إلا إذا منع من أداء الشهادة البعدُ عن القاضي، أو مرض الشاهد، أو خوف الطريق. ذلك لأن الشاهد إذا عاين الفعل، ولم يشهد على الفور حتى تقادم العهد، دل ذلك على أن الضغينة هي التي دفعته إلى أداء الشهادة.

كما يجب أن تصدر الشهادة في مجلس القاضي. ولذلك لا اعتداد بالشهادة الصادرة خارج هذا المجلس، حتى ولو كان المجلس الذي صدرت فيه مجلس تحكيم.

ويجب أن يُسأل الشاهد عن الزنى، وما هو، وكيف هو، وأين وقع، وبمن فُعل، ومتي وقع، لأنه قد يكون الفعل المقترف دون الفرج، وقد يكون اقترافه في دار الحرب، أو في دار البغي، وقد يكون المزني بها جارية لمقترف هذا الجرم، أو جارية لابنه، ولا يعلم الشاهد بذلك، كما يحتمل أن يكون الزنى قد اقترف في زمان متقادم، ولا حَدَّ فيه، إذا ثبت بالبينة أو في زمان صباه، كما قد يكون الجاني مكرها فيما أتي. ولا ينبغي للقاضي، المطروح أمامه الدعوى، أن يلقِّن الشهود ما تتم به شهادتهم؛ لأنه مأمور بالاحتيال لدرء الحد، لا لإقامته.

ولو رجع الشاهد عن شهادته، فإن كان تمام نصاب الشهادة، وكان رجوعه بعد الرجم غُرِّم ربع الدية؛ لأنه أتلف النفس بشهادته، وإن لم يكن تمام النصاب، كما إذا كان الشهود خمسة مثلا فرجع أحدهم، فلا شيء عليه من الدية، ويُحدُّ لأنه بالرجوع ينقلب كلامه قذفاً، ولو كان حد المشهود عليه الجلد فجُلد، ثم رجع، حُدَّ الراجع بالإجماع.

ومن المتفق عليه أن الشهادة على جرم الزنى لا تستلزم قيام دعوى سابقة. ولذا أجاز الفقهاء التقدم بالشهادة، دون قيام الدعوى؛ لأن هذا حق الله.
الشروط الواجب توافرها في الشاهد

يجب أن يتوافر له وقت الأداء؛ البلوغ، والعقل، والذكورة، والنطق، والبصر، والإسلام، والحرية، والعدالة.
الشروط العامة للإقرار

يجب أن يكون الإقرار صريحاً، لا لبس فيه، أو غموض، يجعله محتملاً للتأويل، أو مثيراً لأي شك، حتى لا يورث شبهة.

ولا يصح الإقرار في هذه الجريمة بالسكوت؛ لأن الشارع علَّق وجوب إقامة الحد على البيان المتناهي، ولا يكون إلا باللفظ الصريح الذي لا لبس فيه ولا غموض.

ويجب أن يكون الإقرار موافقاً للواقع والحقيقة، لتزول الشبهة ويثبت الحد، فلو خالف ذلك، لا يعتد به لتكذيب الواقع له.

كما يجب أن يصدر عند من له ولاية إقامة الحد.

وللاعتداد بالإقرار يشترط الحنفية، وأحمد بن حنبل في رواية عنه، وابن أبي ليلي أن يتكرر أربع مرات. وهم يستندون في ذلك إلى أن ماعزاً جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأقر بالزنى، فلم يقم النبي صلوات الله عليه الحد عليه إلا بعد إقراره أربع مرات على أربعة مجالس، وكان الرسول يطرده حتى يتوارى بحيطان المدينة، فلو كان الإقرار مرة واحدة كافياً لما تأخر الرسول صلى الله عليه وسلم في إقامة الحد عليه؛ لأن إقامة الحد، عند ثبوته، واجب وتأخير الواجب لا يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم

أما الشافعي، وأحمد في رواية عنه، والحسن، والطبري، وأكثر المالكية، وابن المنذر، وحماد، وداود، فيكتفون بالإقرار مرة واحدة، ما دامت القرائن تدل على الإصرار، ولأن الإقرار مظهر، وتكراره لا يفيد زيادة الظهور، بخلاف زيادة العدد في الشهادة، وذلك استناداً إلى ما جاء في حديث أبي هريرة من قول الرسول صلى الله عليه وسلم صحيح البخاري، 2147 وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا ولم يذكر عدداً. (صحيح البخاري، 2147).

ولو رجع المقر عن إقراره، أو هرب قبل رجوعه، وجب عدم مؤاخذته على إقراره السابق، سواء كان الرجوع قبل القضاء بموجبه أو بعده، وقبل الشروع في الرجم أو بعد الشروع فيه وقبل تمامه، ويخلي سبيله، ذهب إلى ذلك، جمهور الفقهاء، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك في قصة ماعز.
الشروط الواجب توافرها في المقر

لصحة الإقرار لا بد أن يكون المقر بالغاً، عاقلا، ناطقاً، مختاراً، يُتصور فعل الزنى منه.

والخلاصة أن الزنى يثبت عند القاضي إما بالإقرار، أو بشهادة أربع رجال عدول. أو بظهور حمل امرأة لا زوج لها، ولا سيد. أو لها زوج أو سيد، ولا يمكنها الحمل منه؛ لصغر سنه مثلاً، وما لم تكن جاءت بدليل على استكراهها على الزنى.
المبحث الثالث: عقوبة جرم الزنى
1. عقوبة الزنى في المرحلة الأولى

كانت عقوبة الزنى في صدر الإسلام، الإيذاء والحبس بالبيت حتى الموت. يدل لذلك قوله تعالى:النساء، 15 وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (النساء، 15).، وقد نُسخ هذا الحكم، بعد صدر الإسلام، بحديث عبادة بن الصامت الذي جاء فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:البخاري، 3199خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ (البخاري، 3199).
2. عقوبة الزاني المحصن

اتفق جمهور الفقهاء على أن حد الزاني المحصن، رجلا كان أو امرأة، هو الرجم، أي القتل رميا بالحجارة حتى الموت.والمحصن هو البالغ، العاقل، الحر، الذي قد تزوج ودخل بنكاح صحيح.
3. عقوبة الزاني غير المحصن

حده جلد مائة وتغريب عام، لحديث عبادة بن الصامت، السابق. وذهب أبو حنيفة إلى أن الحد هو مائة جلدة فقط. ذلك لأن حد الزنى كان في الابتداء الإيذاء باللسان كما قال تعالى "فآذوهما"، ثم نسخ بالحبس في البيوت، ثم نسخ الحبس في البيوت بقوله صلى الله عليه وسلم الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، ثم نسخ في حق المحصن بالرجم. واستقر الحكم على الجلد فقط في غير المحصن، وعلى الرجم في حق المحصن.

الموضوع الأصلي : الحدود الشرعية الكاتب : AlexaLaw المصدر : منتديات عالم القانون
التوقيع
توقيع العضو : AlexaLaw
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.AlexaLaw.com
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى

الجنس : ذكر

تاريخ التسجيل : 03/03/2010

عدد المساهمات : 19648

نقاط : 12654999

%إحترامك للقوانين 100

العمر : 34

الأوسمه :

الحدود الشرعية  1384c10


الأوسمة
 :


الحدود الشرعية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحدود الشرعية    الحدود الشرعية  I_icon_minitime30/7/2010, 22:04

خيارات المساهمة


الباب الثاني
في حد القذف
المبحث التمهيدي: تعريف القذف وبيان حكمه في الشريعة الإسلامية


القذف شرعا: رمي البالغ، العاقل، المختار، العالم بالتحريم، غيره، بزنى، أو بنفي نسب من أبيه.

والقذف من الكبائر المنهي عن اقترافها، بالكتاب، والسنة، والإجماع.

فأما الكتاب فقوله تعالى: النور، 4وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون (النور، 4). وقوله عز وجل: النور، 23إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (النور، 23).

وأما السنة فقول النبي صلى الله عليه وسلم البخاري، 2560اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاتِ (البخاري، 2560).

وأما الإجماع، فقد اتفقت كلمة المجتهدين من السلف والخلف، على تحريم القذف.

والحكمة في تحريم القذف هي رغبة المشرع في صيانة الأعراض من كل اعتداء يقع عليها.
المبحث الأول: أركان جريمة القذف

للقذف أركان ثلاثة، هي:
1. الرمي بالزنى أو بنفي النسب

بأي لغة كانت، مع عجز القاذف عن إثبات ما رمى به غيره، حتى ولو كان صادقاً.

فإذا كان الرمي بغير الزنى أو نفي النسب، فلا حد على القاذف، وإن استحق التعزير، لأنه ألْحق الأذى والشين بغيره.

والقذف إما أن يكون، صريحاً، أو كناية، أو تعريضاً.

فأما الصريح، فإنه يكون بألفاظ لا تحتمل غير الزنى. كما لو قال القاذف لغيره يا زاني، أو يا عاهر، أو أنت أزنى من فلان أو مني، أو قال له قد زنيتَ، أو رأيتُك تزني، أو قال لأنثى يا زانية، أو زنى بكِ فلان، أو زنى فرجك.

ولا خلاف بين الفقهاء، في وجوب إقامة الحد بالقذف الصريح.

وأما الكناية فإنها تكون بألفاظ تحتمل الزنى وغيره. كما لو قال إنه ليس بابن فلان، أو قال له يا فاعلاً بأمه، أو يا فاسقاً، أو يا فاجراً، أو قال لأنثى يا قحبة، أو يا فاجرة، أو يا خبيثة، أو فضحت زوجك، أو نكست رأسه، أو جعلت له قروناً، أو علقت عليه أولاداً من غيره.

وقد اختلف الفقهاء في اعتبار ألفاظ الكناية قذفاً يوجب الحد.

فذهب أبو حنيفة، إلى أنه لا يكون في الكناية قذف إلا مع الغضب؛ إذ هو قرينة قصده.

وذهب الحنابلة إلى أنه، لا حد في الكناية إلا أن يراد بها القذف، وإن أوجبوا التعزير.

ويري الشافعي أنه، لا حد في القذف بالكناية، إلا مع النية.

ويرى مالك وجوب الحد في القذف بالكناية، إذا فُهم منه ذلك، أو دلت القرائن على أن الرامي قصد ذلك. وإن كان يُستثنى الأب من ذلك؛ لبعده عن التهمة في قذف فرعه.

وأما التعريض فيكون بلفظ وضع لمعنى غير الزنى، والزنى لازم له مع صحة إرادة المعنى الذي وضع له اللفظ. كما إذا قال القاذف لغيره، أنا لستُ بزان.

وقد ذهب كثير من الفقهاء إلى أنه، لا يجب الحد على القاذف بالتعريض، حتى يقر أنه أراد به القذف، وإن استحق التعزير؛ لأن الشارع فرق بين التصريح والتعريض في خطابه، وجعل حكم أحدهما يخالف حكم الآخر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعزِّر بالتعريض، ولأن القذف بالتعريض فيه احتمال أنه لا يريد الرمي بالزنى، والاحتمال شبهة، والحدود تدرأ الشبهات.
2. شروط الحد

هناك شروط يجب توافرها في القاذف، وشروط يجب توافرها في المقذوف.

(أ) شروط القاذف

أوجب الفقهاء أن يكون القاذف، مكلفا، بأن يكون، عاقلاً، بالغاً، مختاراً، عالماً بالتحريم حقيقة أو حكماً، ملتزما للأحكام.

ولذا لا حد على الصغير، والمجنون، والنائم، والمُكرَه، والجاهل بتحريم القذف.

أما الحرية، والإسلام، والذكورة، والإحصان، والعفة، فليست بشروط لتوقيع الحد.

أما النطق فقد أوجب بعض الفقهاء توافره في القاذف، لأن إشارة الأخرس لا يستفاد منها الرمي بالزنى على وجه اليقين. وذهب البعض الآخر إلى أنه لا يشترط النطق فإشارة الأخرس بالقذف معتبرة.

وذهب، الحنابلة، والحنفية، والشافعية، وعطاء، والحسن، إلى أنه يُشترط في القاذف أن لا يكون أصلا للمقذوف وإن علا. فإذا قذف أصل وإن علا، ولده، وإن نزل، فلا يجب الحد عليه، أباً كان أو أماً، قياساً على القتل؛ فإنه لا قصاص على الوالد في قتل ولده، فكذلك لا حد عليه في قذفه.

ومن ثم ليس للولد أن يطالب بعقوبة أبيه، الذي قذف أمه الحرة المسلمة. أما إذا كان لها ولد، من غير القاذف، فله أن يطالب بعقابه؛ لتحقق السبب، وانعدام المانع.

أما لو قذف الشخص أباه، أو أمه، وإن علوا، أو أخاه، أو عمه، فالحنابلة، والحنفية، يوجبان إقامة الحد عليه.

وإذا كان القاذف ذمياً، وجب إقامة الحد عليه؛ لأنه ملتزم للأحكام. أما الحربي المستأمن، إذا اقترف هذا الجرم، فالراجح إقامة الحد عليه؛ لأنه ملزم ألا يتعرض له أحد بالإيذاء فيكون كذلك ملزما بألا يتعرض إلى أحد من المسلمين بالإيذاء.

(ب) شروط المقذوف

أوجب الفقهاء أن يكون المقذوف مُحصنا، لقوله عزل وجل: النور، 4وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (النور، 4). ولذا فقذف غير المحصن يوجب التعزير لا الحد.

ومن شروط الإحصان المتفق عليها بين الفقهاء، الإسلام. أما البلوغ فلقد اشترط وجوب توافره في المقذوف كل من، أبي حنيفة، والشافعي، وأبي ثور، وأحمد في رواية عنه؛ لأن زنى الصبي لا يوجب الحد، فنسبة الزنى إليه لا توجب كذلك الحد على قاذفه.

أما مالك في رواية، وإسحاق، وأحمد في رواية ثانية، فلا يشترطون البلوغ في المقذوف، ما دام المقذوف عاقلاً عفيفاً، يتعير بالقذف الممكن تصديقه، وأن يكون مثله يطأ أو يوطأ.

وذهب أبو حنيفة، والشافعي، ومالك، وأحمد، والأوزاعي، إلى أنه لا حد على قاذف العبد أو الأمة، وإن أوجبوا التعزير. وذهب داود إلى وجوب الحد على قاذف العبد والأمة.

ولا يشترط في المجني عليه وجوب توافر العدالة فيه. فإذا كان فاسقا لشربه الخمر، أو لبدعة، ولكنه لم يعرف بالزنى وجب إقامة الحد على قاذفة.

وذهب الحنابلة، والحنفية، إلى إقامة الحد على قاذف الخصي. وخالفهم الحسن؛ لأن العار منتف عن المقذوف، والحد إنما يجب لدفع العار عن المجني عليه.

ويري الحنفية، والحنابلة، إقامة الحد على قاذف المجبوب. أما الشافعي، وأبو ثور، وابن المنذر، فلا يرون إقامة الحد عليه.

وأوجب الفقهاء أن يكون المقذوف معلوماً، ولذا من قذف جد آخر دون أن يبين أي جد يقصد بقذفه، فلا حد عليه؛ لأن الجد الذي عناه القاذف في هذه الحالة غير معلوم. فلا يتعير به.

ومن قذف أهل بلدة أو جماعة، لا يتصور الزنى منهم، لا يحد وإن عُزر، عند، الحنابلة، والشافعية؛ لأنه لا عار عليهم به للقطع بكذبه.

ومن قذف جماعة يتصور الزنى منهم عادة، وقذف كل واحد بكلمة، فلكل واحد حد؛ لتعدد القذف وتعدد محله وهو الراجح.

وذهب أو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، وابن أبي ليلي، وإسحاق، والشعبي، والزهري، والنخعي، ومالك، والثوري، والشافعي في رواية عنه، إلى أنه إذا رمي القاذف جماعة بكلمة واحدة فعلية حد واحد، إذا طالبوا، أو طالب واحد منهم، بإقامة الحد.

والمدعي في هذه الدعوى هو المقذوف في حقه إن كان حياً؛ لأنه صاحب الحق في دفع العار عن نفسه.

وإذا مات المجني عليه، بعد القذف، وقبل رفع الدعوى مع علمه بالقذف، لم يكن لورثته أن يخاصموا الجاني؛ لأن عدم رفع الدعوى قبل موته معناه أنه عفا، أما إذا مات وهو لا يعلم بالجرم، فلورثته أن يخاصموا القاذف لدفع العار عن أنفسهم.

واختلف الفقهاء فيمن له حق المخاصمة. فعند أبي حنيفة، وأبو يوسف يثبت لأصله، وإن علا، ولفرعه، وإن نزل، حتى ولو كان محجوباً، أو محروما من الميراث بقتل، أو رق، أو كفر؛ لأن العار يلحق بكل من الأصل والفرع.

ولذا يثبت هذا الحق، عندهما، لولد البنت ولو مع وجود الأقرب.

أما الأخوة، والأخوات، والأعمام، والعمات، والأخوال، والخالات فليس لهم حق الخصومة.

وعند الشافعي يثبت حق المخاصمة لكل من له حق الميراث. وذهب بعض الشافعية إلى أن الخصومة تثبت لجميع الورثة إلا من يرث بالزوجية. وقيل تثبت للعصبات دون غيرهم.
3. القصد الجنائي

أوجب الفقهاء أن يتوافر لدى القاذف قصد اقتراف القذف، لإمكان توقيع الحد عليه.

ويتوافر القصد الجنائي لجرم القذف بكون القاذف يعلم أن ما رمى به غير صحيح، ويتبين عدم صحته بعدم استطاعته إثبات ما قذف به، ويكون مختاراً حين القذف، ولذا فلا عقاب على المكره على اقتراف هذا الجرم، لانعدام الرضا بارتكاب الجرم، ويكون القصد من قذفه تعييرا لمقذوف تعييرا يتضرر به. ولذا فلا حد على من قذف غيره بإذنه؛ لأنه لا تعيير فيه، وإن استحق التعزير.

وإن كان هناك رأي يوجب إقامة الحد في هذه الحالة؛ لأن العار يلحق بالعشيرة، والحد شرع لدفع العار.

الموضوع الأصلي : الحدود الشرعية الكاتب : AlexaLaw المصدر : منتديات عالم القانون
التوقيع
توقيع العضو : AlexaLaw
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.AlexaLaw.com
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى

الجنس : ذكر

تاريخ التسجيل : 03/03/2010

عدد المساهمات : 19648

نقاط : 12654999

%إحترامك للقوانين 100

العمر : 34

الأوسمه :

الحدود الشرعية  1384c10


الأوسمة
 :


الحدود الشرعية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحدود الشرعية    الحدود الشرعية  I_icon_minitime30/7/2010, 22:05

خيارات المساهمة


المبحث الثاني: أدلة إثبات القذف (الشهادة ـ الإقرار)

أجمع الفقهاء على أن القذف يثبت بالشهادة أو بإقرار القاذف، ولا يثبت بكتاب القاضي للقاضي.

واختلف الفقهاء كذلك في ثبوت القذف بيمين المقذوف إذا لم يكن للقاذف بينه. فذهب الشافعي إلى صحة إثباته بيمين المقذوف. وذهب أحمد، ومالك، إلى أنه لا يصح إثباته بيمين المقذوف.
1. الشهادة

(أ) الشروط العامة للشهادة

للاعتداد بالشهادة عند الشافعية، والحنفية، والحنابلة، يجب أن تؤدى بلفظ أشهد، دون غيره من الألفاظ الأخرى.

أما عند المالكية، وابن القيم، وابن تيمية، فالراجح، جواز أداء الشهادة بأي لفظ يفيد معناها. ولعل ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن وافقه، هو الأقرب للصواب؛ لأن المقصود هو البينة وإثبات العلم اليقيني بالواقعة، وهذا يقع بعدد اللفظ، فلا يشترط لفظ بعينه.

ويجب أن تكون الشهادة عن علم قاطع، لا يبقى معه أي ريبة أو شك. كما يجب أن تصدر الشهادة في مجلس القضاء. فلا اعتداد بالشهادة التي تصدر في غير هذا المجلس، حتى ولو صدرت في مجلس تحكيم.

وأوجب بعض الفقهاء أن يُسأل الشاهد عن القذف، ما هو، ومتى، وأين وقع، لاحتمال أن يكون القذف قد وقع في دار الحرب أو في دار البغي؛ لأنه لا ولاية للمسلمين في هذين الدارين. وذهب الشافعي إلى وجوب الحد على القاذف في غير دار الإسلام.

وإذا وقعت الشهادة على القذف، ولكن اختلف الشاهدان في المكان الذي وقع فيه، أو في الوقت الذي حدث فيه، قُبلت الشهادة عند أبي حنيفة، والمالكية؛ لأن اختلاف مكان القذف، أو زمانه، لا يوجب اختلاف القذف؛ لجواز أن يتكرر القذف الواحد في مكانين أو في زمانين. لأن القذف من باب الكلام، والكلام مما يحتمل التكرار والإعادة. أما أبو يوسف، ومحمد، فلا يقبلان هذه الشهادة، ولذا لا حد عندهما بناء عليها، وذلك لأن الشاهدين في هذه الحالة شهدا بقذفين مختلفين، لأن القذف في مكان أو زمان معينين يخالف القذف في مكان آخر وزمان آخر، فقد شهد كل واحد منهما بقذف غير القذف الذي شهد به الآخر، فليس على أحد القاذفين شهادة شاهدين، فلا يثبت أحدهما.

وإذا اختلف الشاهدان في اللغة التي وقع بها القذف بطلت شهادتهما؛ لأنه لابد من اتفاق الشهود على اللغة التي وقع بها القذف، وإلا بطلت الشهادة.

وفيما يتعلق بإثبات واقعة القذف، أوجب الفقهاء شهادة شاهدين. ولذا لا يثبت هذا الجرم بشهادة رجل واحد.

أما فيما يختص بنفي نسبة القذف فللمتهم أن ينكر، ويستشهد على ذلك بمن يشاء من الرجال والنساء، دون التقيد بعدد معين من الشهود. وإذا رجع الشاهد عن شهادته، كان رجوعه شبهة تدرأ الحد عن القاذف.

(ب) الشروط الواجب توافرها في الشاهد

أوجب الفقهاء أن يتوافر في الشاهد وقت الأداء، البلوغ، والذكورة، والنطق، والعقل، والإسلام، والحرية، والعدالة، والاختيار، والإبصار، للأخذ بشهادته.

ولذا لا يثبت القذف بشهادة النساء، وحدهن، وإن كثرن، أو مع رجال، ولا بشهادة الأخرس ولو فُهمت إشارته، ولا الصبي، ولا المجنون، ولا المعتوه، ولا الأعمى، ولا الفاسق، ولا العبد.

وأوجب الحنفية، أن لا يكون الشاهد محدوداً في قذف، وإن تاب، خلافا للشافعية، والجعفرية، والحنابلة، والمالكية، فإنهم يرون قبول شهادة المحدود في قذف بعد التوبة.

وباعتبار مقصود الشريعة في الحفاظ على أعراض الناس، فإن ما ذهب إليه أنصار الرأي الثاني هو الأقرب إلى الصواب.

وإذا ما توافر في الشاهد كل هذه الشروط، أدى الشهادة، دون يمين، عند بعض الفقهاء. وإن كان البعض الآخر يرى وجوب تحليف الشاهد اليمين.
2. الإقرار

(أ) الشروط العامة للإقرار

أوجب الفقهاء أن يكون الإقرار صريحاً، لا لبس فيه، ولا غموض للاعتداد به في جرم القذف. ولذا لا اعتداد بالإقرار الذي يثير الشك، أو يحتمل التأويل.

كما أوجب جمهور الفقهاء أن يصدر الإقرار بالقذف عند القاضي. ولذا لا اعتداد بالإقرار الصادر، عند من لا ولاية له في إقامة الحد، خلافا لأبي حنيفة، فإنه يرى جواز الشهادة على الإقرار بالقذف إذا حدث في غير مجلس القضاء، لأن إنكار الإقرار بالقذف عنده لا قيمة له، ولا يعد رجوعاً عن الإقرار.

ويكتفي جمهور الفقهاء بصدور الإقرار مرة واحدة، إذ لا حاجة عندهم لتكراره، للاعتداد به. ولا يُقبل رجوع المقر عن إقراره؛ لأن رجوعه لا ينفي العار عن المقذوف.

(ب) الشروط الواجب توافرها في المقر

أوجب الفقهاء أن يكون المقر، عاقلاً، بالغاً، ناطقاً، مختاراً؛ فلا يعتد بإقرار المجنون،والصبي، والأخرس، والمكره والنائم. أما إقرار الأعمى، والأنثى، والعبد، والذمي، والمستأمن، فمعتد به؛ لأن البصر، والذكورة، والحرية، ليست بشرط لقبول الإقرار في القذف.

ويجب أن يُسأل المقر عن القذف، ما هو، وأين وقع، لاحتمال أن يكون القذف قد وقع في غير دار الإسلام، ومن هو المقذوف في حقه، لكنه لا يُسأل عن متى وقع القذف منه، وذلك لأن هذا الجرم لا يسقط بالتقادم عند فقهاء الحنفية.
المبحث الثالث: عقوبة جرم القذف

عقوبة القذف في التشريع الإسلامي بدنية، ومعنوية.
1. العقوبة البدنية

أجمع الفقهاء على أن عقوبة القاذف البدنية إذا كان حرا، رجلا كان أو امرأة، هي الجلد ثمانون جلدة، لقوله تعالى: النور، 4وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (النور، 4).

أما إذا كان القاذف رقيقا، فقد اختلف الفقهاء في مقدار عقوبته. فذهب الجمهور، وقولهم هو القول الراجح، إلى أنها أربعون جلدة، نصف عقوبة الحر، قياساً على عقوبته في الزنى، بجامع أن كلا منهما حد قُصد به حفظ الأعراض. وذهب الأوزاعي، وداود، وأبو ثور، وعمر بن عبد العزيز، إلى أن عقوبته ثمانون جلدة، كعقوبة الحر لعموم الآية.

واتفق الفقهاء في التشريع الإسلامي على أن القاذف لا يجرد من جميع ثيابه، عند إقامة الحد عليه، بل يُترك له ما يستر عورته، وأقله ثوب لا يمنع وصول الألم. أما إذا كان الثوب يمنع وصول الألم، كالفرو، والحشو، استبدل بغيره.

ويُجلد القاذف قائماً غير ممدود. إذا كان رجلا، أما الأنثى فتضرب قاعدة؛ لأنه أستر لها، ويفرق الضرب على الأعضاء؛ مخافة أن يؤدي تنفيذ الحد في موضع واحد إلى التلف؛ لأن الحد للزجر لا للإتلاف.

ولا يجوز إقامة الحد في الحَرِّ والبرد الشديدين؛ لما في ذلك من خوف الهلاك.

ولا يقام الحد على مريض حتى يبرأ، ولا على حامل حتى تضع حملها؛ لأن في إقامة الحد عليهما هلاك الولد أو هلاكها، ولا على النفساء حتى تنقضي مدة نفاسها؛ لأن النفاس نوع مرض، قد يؤدي إلى الهلاك.
2. العقوبة المعنوية

لا خلاف بين الفقهاء في أن عدم قبول شهادة القاذف، بعد جلده، وقبل توبته من تمام حد القذف، فإنه يتحقق بالجلد عقوبة بدنية، أما رد شهادته وعدم اعتبارها بعد جلده وقبل توبته فهي عقوبة معنوية والدليل على ذلك، لقوله تعالى: النور، 4وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (النور، 4).

وإنما الخلاف بينهم في قبول شهادته قبل توقيع الحد عليه. فذهب الحنفية، والمالكية، إلى قبول شهادته، لأن الله تعالى رتب عدم قبول شهادة القاذف على القذف بشرط متراخ، وهو عدم الإتيان بالبينة، وذلك إنما يكون بعد الحكم عليه بالكذب.

وذهب الشافعية، والحنابلة، إلى رد شهادته؛ لأن القذف هو المعصية الموجبة للعقوبة، فهو الذي يصح أن يناط به رد شهادته.

واختلف الفقهاء كذلك في قبول شهادة القاذف، بعد توقيع الحد عليه وبعد توبته. فذهب الحنفية، وشريح، والحسن والنخعي، والثوري، إلى عدم قبول شهادته، وهو رواية عن ابن عباس، رضي الله عنهما.

واستدلوا على ذلك بأن الاستثناء الوارد في آية القذف لا يرجع إلى كل ما قبله من الجمل بل يرجع إلى الجملة الأخيرة فقط، يدل لذلك أن لفظ التأبيد في قوله تعالى: النور، 4وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا (النور، 4) يمنع من رجوع الاستثناء إلى هذه الجملة لأنه نص في رد الشهادة في جميع الأحوال تاب أو لم يتب، ولأن جملة "ولا تقبلوا" معطوفة على قوله النور، 4فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً فهي في حيز الحد، ومن تتمته، لأن العطف للاستدراك ولا سيما مع وجود المناسبة بين المعطوف والمعطوف عليه، وهي أن كلا منهما جزاء على جريمة القذف، لإيلامه وزجره عن اقترافها.

وذهب غيرهم إلى قبول شهادته، وهو رواية عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه.

وعللوا ذلك بأن الاستثناء في قوله النور، 5إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(النور، 5) يرجع إلى كل ما تقدم من الجمل؛ لأن الاستثناء إذا تعقب جملا، معطوف بعضها على بعض، انصراف إلى الكل؛ ولأن رد الشهادة لم يكن إلا لفسق القاذف، وحيث زال السبب بالتوبة زال ما ترتب عليه، وهو رد الشهادة.

وهذا الرأي أولى بالاعتبار. يؤيد ذلك ما ورد في قصة الإفك المشهورة؛ فقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم الحد على جميع من قذف، ولم يُنقل عن النبي، صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته أنهم ردوا شهادة واحد ممن حصل منه القذف، بعد الحد والتوبة، بل خاطبهم الله عز وجل بقوله: النور، 21وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (النور، 21). ولا شك أن التزكية من الله سبحانه وتعالى، أرفع من قبول شهادتهم.

ولما في رد شهادة القاذف بعد توبته من الحرج والتضييق على الناس، فكما لم تُرد شهادة القاتل بعد توبته. فكذلك لا تُرد شهادة القاذف بعد توبته، بل هي أولى في عدم الرد؛ لأن الاعتداء على النفس بالقتل أشد من الاعتداء عليها بالقذف.

وقد ذهب الجمهور إلى أن من قذف شخصا عدة مرات، قبل إقامة الحد عليه، حُد حداً واحداً فقط عليها جميعها؛ لأن الحد الواحد يحقق كذب القاذف، ويمحو العار الذي لحق المقذوف وهو المقصود من الحد، فلا فائدة في تكراره.

أما إذا أقيم الحد على القاذف مرة، ثم عاد فقذف، فإنه يقام عليه الحد، وهكذا كلما قذف وحُد ثم عاد، فإنه يقام الحد عليه؛ لأنه لم ينزجر بالأول فيقام عليه الثاني، ولأن المقذوف في كل مرة يلحقه العار، ولا ينمحي إلا بإقامة الحد على القاذف.

ويسقط حق القذف عن القاذف بإقامة البينة على ما قذف به، أو بإقرار المقذوف نفسه بصحة ما قذف به، أو باللعان في حق الزوجة.

الموضوع الأصلي : الحدود الشرعية الكاتب : AlexaLaw المصدر : منتديات عالم القانون
التوقيع
توقيع العضو : AlexaLaw
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.AlexaLaw.com
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى

الجنس : ذكر

تاريخ التسجيل : 03/03/2010

عدد المساهمات : 19648

نقاط : 12654999

%إحترامك للقوانين 100

العمر : 34

الأوسمه :

الحدود الشرعية  1384c10


الأوسمة
 :


الحدود الشرعية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحدود الشرعية    الحدود الشرعية  I_icon_minitime30/7/2010, 22:06

خيارات المساهمة


الباب الثالث
حد السرقة
مبحث تمهيدي: تعريف السرقة وحكمها


السرقة هي: أخذ البالغ العاقل الملتزم بحكم الإسلام نصاب القطع خفية من مال معصوم، وإخراجه من حرز غير مأذون له في دخوله، بلا شبهة، وهي من الكبائر.

قال تعالى: المائدة، الآية: 38وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (المائدة، الآية: 38).

عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: البخاري، 6285لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ (البخاري، 6285). وقال: مسند أحمد، 20170أَلا وَلا يَحِلُّ لامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيْءٌ إِلا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ (مسند أحمد، 20170).

وعلة التحريم هي المحافظة على الأموال، وصيانتها من كل اعتداء غير مشروع قد يقع عليها؛ لأنه لو لم يُقم الحد لأدى ذلك إلى كثرة وقوع هذه الجريمة، والإخلال بالأمن العام والنظام في الدولة.
المبحث الأول: أركان جريمة السرقة

أركان جريمة السرقة ثلاثة: هي:
1. الأخذ خفية

يجب أن يكون الأخذ من المجني عليه خفية واستتاراً، أي دون علم المالك.

ولذا لا قطع مطلقاً على المختلس؛ لأنه يأخذ المال عياناً، لا خُفية، وإن وجب التعزير. كما لا قطع على المنتهب؛ لأنه يأخذ المال عيانا بالقوة، وعلى وجه الغنيمة، لا خُفية، وإن استحق التعزير، لما روى جابر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: سنن الترمذي، 1368لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ وَلا مُنْتَهِبٍ وَلا مُخْتَلِسٍ قَطْعٌ (سنن الترمذي، 1368).

ومثلهما الخائن الذي يأخذ المال المؤتمن عليه، لقصور في الحرز، وإن استحق التعزير. وكذلك الحال بالنسبة لجاحد الوديعة، أو العارية، وإن كان أحمد، وإسحاق يريان القطع فيهما.
2. المسروق
( أ ) أن يكون المسروق مالاً:

يجب أن يكون المسروق مالاً. فلا قطع بسرقة الصبي الحر غير المميز، وإن كان عليه حلية، لأن الحر الصغير ليس بمال، كما أن الحلية التي عليه تابعة له فتأخذ حكمه. وذهب أبو يوسف، وابن المنذر، إلى القطع بسرقة الصبي الحر، إذا كانت عليه حلية، تبلغ قيمتها نصاباً، وإلا ضاعت أموال كثيرة تحت هذا الستار.

كما يجب أن يكون المال محترما شرعا. فلا حد في سرقة مال الحربي في دار الحرب. ولا قطع في سرقة خمر وخنزير، ولو لكافر أو لذمي.

كما أنه لا قطع في سرقة آلات اللهو، وإن كانت عليها حلية تبلغ نصابا، كالدف، والطبل، والمزمار، والطنبور، والشبابة، وإن بلغت قيمتها نصابا؛ لأن هذه معازف قد نُدب إلى كسرها؛ لأنها تستعمل في المعاصي.

كما لا قطع بسرقة النرد، والشطرنج، وإن كانت من ذهب أو فضة. ولا في سرقة كتب بدع، أو سرقة كتب محرمة. أما كتب العلم المباحة، فيجب القطع بسرقتها عند الحنابلة، والشافعية؛ لأنها مال حقيقة وشرعاً، أما الحنفية فيرون عدم إقامة الحد على الجاني في هذه الحالة؛ لأن المقصود من سرقتها هو معرفة ما اشتملت عليه من أحكام شرعية، وهو ليس بمال، وكفى بذلك شبهة توجب درء الحد. ولعل الأخذ بالرأي الأول أولى لقوة حجته.

وذهب جمهور الحنفية، والشافعية، والحنابلة، إلى أنه لا قطع مطلقاً بسرقة صليب، أو صنم من الذهب، أو من الفضة، ولا حد في سرقة كلب، ولو كان معلماً أو كان للحراسة، ولو كان في عنقه طوق من ذهب أو فضة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم: صحيح مسلم، 2930نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ ( صحيح مسلم، 2930).

وإذا سرق الجاني عبداً صغيراً لا يميز، وجب إقامة الحد عليه؛ لأن السارق سرق مالاً مملوكاً متقوماً.

أما إذا سرق عبداً كبيراً فأكثر الحنفية، والحنابلة، ذهبوا إلى أنه لا حد عليه، إلا أن يكون العبد نائماً، أو مجنوناً، أو أعجمياً، لا يميز بين سيده وغيره في الطاعة؛ لأن هذا العمل يعد خداعاً لا سرقة.

وذهب أكثر الفقهاء إلى أنه لا قطع فيما يسرع إليه الفساد، واستدلوا على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم سنن الترمذي، 1369لا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلا كَثَرٍ (سنن الترمذي، 1369)، هذا فضلا عن أنهم قاسوا ما يتسارع إليه الفساد، على ما لم يُحرز؛ بجامع أن كلا منهما يعرض له الهلاك، فكما أنه لا قطع في غير المحرز، فكذلك لا قطع فيما يتسارع إليه الفساد.

ولذا لا قطع عندهم في الفواكه الرطبة، واللبن، واللحم، والبطيخ، والكمثري، والسمك.

أما أبو يوسف، ومالك، وأحمد بن حنبل، والشافعي، فلا يشترطون ذلك؛ لأن الله تعالى أمر بقطع السارق مطلقاً، سواء كان المسروق مما يتسارع إليه الفساد أم لا؛ ولأنهم قاسوا ما يتسارع إليه الفساد على ما لا يتسارع إليه؛ بجامع أن كلا منهما يتمول عادة ويرغب فيه.

وذهب جمهور الحنفية إلى أنه لا قطع في سرقة المصحف، ولو كان عليه حلية من ذهب أو فضة تساوي ألف درهم؛ لأن المصحف يدخر لا للتمول بل للقراءة. وذهب أبو يوسف إلى وجوب إقامة الحد إن بلغت الحلية نصاباً. وذهب الحنابلة إلى أنه لا قطع بسرقة مصحف؛ لأن المقصود منه هو ما فيه من كلام الله تعالى، وهو لا يجوز أخذ العوض عنه، كما نبهوا كذلك إلى أنه لا يقطع بما عليه من حلي؛ لأنه تابع لما لا حد فيه. وذهب الشافعية والمالكية إلى أنه يجب القطع إن بلغت قيمة المصحف نصاباً؛ لأنه سرق مالا متقوماً من حرز لا شبهة فيه.

ويجب أن يكون المال المسروق مملوكاً للغير وقت السرقة. ولذا لا قطع بسرقة الجاني ماله الذي بيد غيره، وإن كان مرهوناً، ولا بسرقة المسلم من بيت المال؛ لأنه مال لكافة المسلمين وهو منهم وإن عُزر.ولا بسرقة مال للسارق له فيه شركة؛ لأن ثبوت ملكه في بعض المال شبهة تدرأ الحد.

وعند الحنفية لو أُوصي للسارق بشيء، فسرقه قبل موت الموصي وجب القطع، ولكن إن سرقه بعد موته، وقبل القبول، لا يحد.
(ب) بلوغ النصاب:

لا بد أن يبلغ المال المسروق نصابا فأكثر، قال رسول الله صحيح مسلم، 3190لا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا (صحيح مسلم، 3190) ولإجماع الصحابة على اعتبار النصاب شرطا لوجوب القطع في هذا الجرم، وذهب الحسن البصري، وداود، وغيرهما إلى اشتراط النصاب فيقطع عندهم، في القليل والكثير على السواء لإطلاق الآية، ولما رواه مسلم عن أبي هريرة أنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: البخاري، 6285لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ (البخاري، 6285).

ولعل الراجح أن النصاب الذي يجب بسرقته القطع هو ربع دينار فصاعداً، من غالب الدنانير الجيدة، أو ما قيمته ذلك؛ لأن هذا المقدار أقل ما تتعلق النفس به، ويصعب عليها إخراجه من غير وجه حق.

ولا خلاف بين الفقهاء في إقامة الحد على الجماعة إذا اشتركوا في السرقة وبلغ ما خص كل واحد من المال المسروق نصابا فأكثر. وإنما اختلفوا فيما إذا لم يبلغ حظ الواحد منهم نصابا. والذي يتفق مع التشريع وجوب إقامة الحد حتى ولو أصاب كل واحد منهم أقل من النصاب، لأن من اشترك في اقتراف جرم فعليه عقوبته المقررة.

وذهب، الجمهور، إلى أن الشيء المسروق، إذا كانت قيمته، وقت الإخراج من الحرز نصاباً، ثم نقصت عنه عند الحكم بالحد، وكان النقص بسبب تغيير ذات المسروق لتلف فيه، أو لتغير الأسعار، اعتبرت قيمته وقت الإخراج لا غير، وقطع سارقه.
(ج) الأخذ من الحرز

اتفق جمهور الفقهاء على وجوب أخذ النصاب المسروق من حرزه؛ لأن النصاب غير المحرز ضائع بتقصير صاحبه.

والحرز هو الموضع الحصين الذي يُحفظ فيه المال عادة، بحيث لا يعد صاحبه مضيعا لو وضعه فيه.

وهو على نوعين:

1. حرز بنفسه: وهو كل بقعة معدة للإحراز ممنوع من الدخول فيها إلا بالإذن، وهو لا يشترط فيه وجود الحافظ.
2. وحرز بغيره: وهو كل مكان غير معد للإحراز، يُدخل إليه بلا إذن ولا يمنع منه، ولا يعطي حكم الحرز إلا إذا كان عليه حافظ، وهو يختلف باختلاف العادات، ونوع المال المراد حفظه، والبلدان، وباختلاف عدل السلطان وجوره وقوته.

فإذا أخذ الجاني ما قيمته نصاباً من غير حرز، أو أخذ مالاً ضائعاً من صاحبه، أو أخذ من حرز مهتوك، أو أخذ من خيمة لم يكن فيها أحد، ولا عندها حارس، أو أخذ إبلا باركة غير معقولة، وكان حافظها نائماً أو مشغولاً عنها، أو أخذ إبلاً لم يكن معها أحد سواء كانت معقولة، وكان حافظها نائماً أو مشغولاً عنها، أو أخذ إبلاً لم يكن معها أحد سواء كانت معقولة أو لم تكن كذلك، أو أخذ إبلا راعية غابت عن نظر راعيها، أو نام عنها، أو أخذ من حمام لا حافظ فيه، أو أخذ فاكهة على شجر، أو زرعاً لم يُحصد بعد، فلا يجب حد السرقة عليه؛ لفوات شرطه وهو عدم إحراز الشيء المسروق، وإن كان يعزر بالأخذ في هذه الحالات، ويضاعف عليه الغرم في بعضها.

وأما إذا أخذ الجاني الثوب من تحت رأس المجني عليه، فهنا يجب توقيع حد السرقة على الآخذ؛ لأنه سرق من محرز بالنوم، ولأن النوم على الثوب مانع من أخذه غالباً، سواء أوقع الفعل في الصحراء، أو في المسجد: سنن النسائي، 4798عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّهُ طَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى ثُمَّ لَفَّ رِدَاءً لَهُ مِنْ بُرْدٍ فَوَضَعَهُ تَحْتَ رَأْسِهِ فَنَامَ فَأَتَاهُ لِصٌّ فَاسْتَلَّهُ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ فَأَخَذَهُ فَأَتَى بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ هَذَا سَرَقَ رِدَائِي فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَقْتَ رِدَاءَ هَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَ اذْهَبَا بِهِ فَاقْطَعَا يَدَهُ (سنن النسائي، 4798).

وقد أوجب الفقهاء ألا يكون الجاني مأذونا بدخول الحرز الذي تمت فيه السرقة.

ولذا لا قطع على الضيف عند، الحنفية، وأحمد بن حنبل، إذا سرق ممن أضافه، لأن البيت لم يبق حرزاً في حق الضيف؛ لكونه مأذوناً له في دخوله.

وفرق بعض الفقهاء بين ما إذا سرق الضيف من الموضع الذي أنزله فيه المضيف، أو لم يحرزه عنه، وبين ما إذا سرق الضيف من موضع غير الموضع الذي أنزل فيه، أو سرق من مال أُحرِز عنه. ففي الحالة الأولى لا يجب القطع لأن الشيء المسروق لم يسرق من حرز، وفي الحالة الثانية يجب القطع، لأن الضيف سُرق من حرز.

ومن سرق من منزل يحل له دخوله، كمن سرق من امرأة ابنه، أو زوج ابنته، أو زوج أمه، أو امرأة أبيه، لا يقام عليه الحد؛ لافتراض الإذن بالدخول عادة في تلك الأحوال، وإن وجب التعزير.
(د) عدم توافر الشبهة في المسروق

لثبوت حد السرقة يجب ألا يكون للجاني شبهة في المال المسروق، لقوله صلى الله عليه وسلم: سنن الترمذي، 1344ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ فَإِنَّ الإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ (سنن الترمذي، 1344).

ولذا لا يقطع من سرق مال والده وإن علا، لأن النفقة تجب للولد في مال والده، وله حق الدخول في بيته، والبساطة بينهما في المال موجودة.

كما أنه لا قطع في سرقة الوالد مال ولده وإن نزل، لوجود الشبهة في هذه الحالة، لقوله سنن ابن ماجه، 2282أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ (سنن ابن ماجه، 2282).

أما بقية الأقارب، كالأخوة، والأخوات، والأعمام، والأخوال، فيحدون بسرقة بعضهم من بعض؛ إذ لا شبهة، ولا إباحة في الاطلاع على الحرز، ولا بساطة في المال بينهم، خلافا لبعض الحنفية في سرقة ذوي الأرحام.

ولا قطع كذلك إذا سرق أحد الزوجين من مال الآخر، ولو أحرزه عنه؛ لوجود الإذن في الدخول عادة فاختل شرط الحرز، وللبساطة بينهما في الأموال عادة، ولأن بينهما سبباً يوجب التوارث بغير حجب.

أما مالك فقد فرق بين حالة الزوج إذا سرق من بيت سوى البيت الذي هما فيه، وحالة ما إذا سرق من البيت الذي هما فيه، ففي الحالة الأولى يجب إقامة الحد، وفي الثانية لا يقام الحد.

أما إذا كانت الزوجة مطلقة طلاقاً بائناً، وهي في العدة، وسرق أحد الزوجين الآخر، ففي ذلك خلاف. ففريق ذهب إلى أنه لا يُقطع كل منهما بسرقة مال الآخر، وفريق آخر ذهب إلى وجوب القطع، أما إذا كانت السرقة قد تمت بعد انتهاء العدة، فلا خلاف بين الفقهاء في وجوب إقامة الحد.

وقد ذهب جمهور الحنفية إلى أنه، لو سرق الجاني من أجنبية ثم تزوجها قبل أن يقضي عليه بالقطع، لم يُقم عليه الحد؛ لأن الزواج مانع طرأ على الحد، وإن تزوجها بعد القضاء بالحد وقبل تنفيذ الحد فكذلك لا يقام عليه الحد؛ ذلك لأن الإمضاء عندهم في الحدود من تمام القضاء، فكانت الشبهة مانعة من الإمضاء.

ولو سرقت المرأة من زوجها، أو سرق هو منها، ثم طلقها قبل الدخول بها، فبانت بغير عدة لم يُقطع واحد منهما؛ لأن السرقة وقعت مع وجود الشبهة.

ولا قطع كذلك إذا سرق العبد من مال سيده، لما روى ابن ماجه، 2580ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَبْدًا مِنْ رَقِيقِ الْخُمُسِ سَرَقَ مِنْ الْخُمُسِ فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقْطَعْهُ وَقَالَ مَالُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ سَرَقَ بَعْضُهُ بَعْضًا (ابن ماجه، 2580).

وكذلك لا قطع إذا سرق العبد من امرأة سيده، أو سرق زوج سيدته، لوجود الشبهة.
3. القصد الجنائي

ذهب الجمهور، إلى أن مقترف جرم السرقة الذي يقام عليه الحد يجب أن يكون: مكلفاً وقت اقتراف الجرم. أي يجب أن يكون بالغاً، عاقلاً، مختاراً، ذكراً أكان أو أنثي، حراً كان أو عبداً، كافراً كان أو مسلماً، ولا حد على الصبي والمُكْرَه والنائم والمغمى عليه. ولا حد على الحربي غير المستأمن.

كما يجب على الجاني أن يكون عالماً بتحريم إتيان هذا الفعل؛ لأن عدم العلم شبهة تدرأ الحد.

الموضوع الأصلي : الحدود الشرعية الكاتب : AlexaLaw المصدر : منتديات عالم القانون
التوقيع
توقيع العضو : AlexaLaw
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.AlexaLaw.com
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى

الجنس : ذكر

تاريخ التسجيل : 03/03/2010

عدد المساهمات : 19648

نقاط : 12654999

%إحترامك للقوانين 100

العمر : 34

الأوسمه :

الحدود الشرعية  1384c10


الأوسمة
 :


الحدود الشرعية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحدود الشرعية    الحدود الشرعية  I_icon_minitime30/7/2010, 22:06

خيارات المساهمة


المبحث الثاني: أدلة إثبات جريمة السرقة (الشهادة ـ الإقرار)

السرقة تثبت عند القاضي، إما بالإقرار، وإما بالشهادة. ولا تثبت بالشهادة على الشهادة، ولا بعلم القاضي الشخصي، ولا بكتاب القاضي للقاضي.
1. الشهادة:

(أ) الشروط العامة للشهادة

أوجب الفقهاء أن تُؤدى الشهادة بما يفيد معني الخبر، وأن تكون عن علم ويقين، لا عن ظن وتخمين، لقوله تعالى: الإسراء، 36وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (الإسراء، 36) في مجلس القضاء، لا في غيره، وأن يشهد بذلك شاهدان، فإذا اختلفا في الوقت الذي حصلت فيه السرقة، أو مكان وقوعها، أو في الشيء المسروق، لم يجب القطع.

أوجب جمهور، الحنفية، والحنابلة، والشافعية ، أن تؤدى الشهادة بلفظ أشهد بمعنى الخبر، دون غيره من الألفاظ. فإذا لم يذكر الشاهد هذا اللفظ، لا تقبل شهادته.

أما الراجح في مذهب المالكية، فهو صحة الأداء بهذا اللفظ وبغيره مما يفيد معناه، ولعل هذا الرأي أقرب إلى الصواب من سابقه.

ويجب أن يُسأل الشاهد عن ماهية السرقة، وكيفتها، لاحتمال أن يكون السارق قد سرق من غير حرز، وعن مكانها لاحتمال وقوعها في دار الحرب أو في دار البغي، وعن زمانها لاحتمال تقادم العهد، وعن قيمتها لاختلاف الفقهاء في ذلك، وعن المسروق منه لجواز أن يكون المسروق منه أحد الزوجين، أو أحد الأصول، أو أحد الفروع.

واتفق الفقهاء على أن جرم السرقة لا يثبت إلا بشهادة شاهدين.

ولذا لا يثبت هذا الجرم عندهم بشهادة رجل واحد، ولو مع يمين المسروق منه، أو بشهادة رجل وامرأتين، أو بشهادة رجل وثلاثة نساء، أو بشهادة أربع نساء، خلافا لبعض الفقهاء.

(ب) الشروط الواجب توافرها في الشاهد

يرى جمهور الفقهاء أنه يجب أن يتوافر له وقت الأداء، البلوغ، والعقل، والذكورة، والنطق، والبصر، والإسلام، والحرية، والعدالة، والاختيار. ولذا لا يثبت هذا الجرم عندهم بشهادة النساء منفردات، أو مع رجال، ولا بشهادة الصبي، أو الأعمى، أو الفاسق، أو المجنون، أو المكره، أو الأخرس؛ لأن في هذه الشهادات شبهة والحدود تدرأ بالشبهات.

وأوجب الحنفية، خلافاً لجمهور الفقراء، ألا يكون الشاهد محدودا في قذف وإن تاب، لقوله عز وجل: النور، 4وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (النور، 4).

كما أوجب الفقهاء ألا يكون هناك صلة قوية، بين الشاهد والمشهود له، وألا تجر شهادته إلى نفسه مغنما، وألا تدفع عنه مغرما؛ وإلا يصير الشاهد متهماً، ولا شهادة لمتهم.

فإذا ما توافر في الشاهد كل هذه الشروط، أدي شهادته في جرم السرقة، دون يمين، عند بعض الفقهاء الذين يرون أن تحليف الشاهد اليمين ينافي إكرامه. ويرى البعض الآخر من الفقهاء وجوب تحليف الشاهد اليمين للتأكد من صدقه، مع توافر الشروط السابق الإشارة إليها.
2. الإقرار

(أ) الشروط العامة للإقرار

لكي يعتد بالإقرار في جرم السرقة، يجب أن يكون صريحاً، دون لبس أو غموض، يجعله محتملاً للتأويل أو مثيراً للشك؛ لأن الإقرار الذي يحتمل التأويل أو يثير الشك يورث شبهة تدرأ الحد. ويجب أن يكون الإقرار الصادر موافقاً للحقيقة والواقع، لتزول الشبهة ويثبت الحد.

وأوجب جمهور الفقهاء أن يصدر الإقرار عند من له ولاية إقامة الحد. ولذلك لا اعتداد على الإطلاق بالإقرار الصادر عند من لا ولاية له في ذلك.

ويكتفي أبو حنيفة، والشافعي، ومحمد، وعطاء، والثوري، ومالك في رواية عنه، بالإقرار مرة واحدة ولا حاجة لتكراره؛ لأن عمرو بن أبي سمرة أتى النبي، صلى الله عليه وسلم فقال: ابن ماجه، 2578يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي سَرَقْتُ جَمَلاً لِبَنِي فُلَانٍ فَطَهِّرْنِي فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا إِنَّا افْتَقَدْنَا جَمَلًا لَنَا فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ (ابن ماجه، 2578).أما أحمد بن حنبل، وزفر، وأبو يوسف، ومالك في رواية أخرى، و ابن أبي ليلى، وابن شبرمة، فإنهم لا يكتفون بصدور الإقرار مرة واحدة، وإنما يوجبون تكراره مرتين في مجلسين مختلفين للاعتداد به.

ولعل الأخذ بالرأي الأول أولى؛ لأن الإقرار إخبار والخبر لا يزيد رجحانا بالتكرار.

وإذا رجع المقر عن إقراره قبل القطع، فإنه يُقبل رجوعه، ويسقط القطع لوجود الشبهة بالرجوع، وإن لم يسقط غرم المسروق؛ لأنه حق لآدمي، ذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء. وذهب ابن أبي ليلى، وداود، إلى عدم قبول رجوع المقر عن إقراره؛ لأنه لو أقر لآدمي بقصاص أو حق لم يقبل رجوعه عندهما، فكذلك إقراره بالسرقة.

وقد اشترط أكثر، الحنفية، والحنابلة، والشافعية، لقبول الإقرار أن يطالب المسروق منه بماله، لأن عدم مطالبته بالمسروق شبهة تدرأ إقامة الحد.

أما المالكية، وأبو يوسف، وأبو ثور، وابن المنذر، فلم يشترطوا المطالبة في قبول الإقرار؛ لأن الله تعالى أمر بالقطع مطلقاً طالب المسروق منه بماله أو لا، ولم يوجد ما يصلح مخصصاً لهذا العموم.

والذي يظهر أن الأخذ بالرأي الأول القائم على عدم سماع الإقرار قبل مطالبة المسروق منه بماله، أولى؛ لجواز أن يكون عدم مطالبة رب المال راجع إلى أنه قد أباحه للسارق أو أوقفه على جماعة المسلمين، أو على طائفة السارق منهم، أو أباح دخول الحرز بلا إذن، وهذه الاحتمالات كلها تمنع من إقامة الحد، والتحقق من عدمها لا يكون إلا بمطالبة المسروق منه بماله.

(ب) الشروط الواجب توافرها في المقر

أوجب جمهور الفقهاء أن يكون المقر مكلفا. أي عاقلاً، بالغاً، ناطقاً، مختاراً.
المبحث الثالث: عقوبة جريمة السرقة في التشريع الإسلامي
1. القطع

اتفق الفقهاء في التشريع الإسلامي على أن القطع هو عقوبة جرم السرقة، وذلك لقوله عز وجل، المائدة، 38وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم (المائدة، 38). إلا أنهم مع هذا اختلفوا في العقوبة الواجبة التطبيق، إذا ما عاد الشخص وسرق، بعد تنفيذ العقوبة عليه، في المرة الأولى والثانية.

واتفقوا كذلك على أن من سرق مراراً، قبل إقامة الحد عليه، ليس عليه إلا حد واحد عن جمعيها.

كما أجمعوا على تحريم الشفاعة في قطع السارق بعد الرفع للحاكم، لما رواه النسائي، وأبو داود، عن عبد الله بن عمر، أن الرسول صلى الله عليه وسلم سنن النسائي، 4803تَعَافَوْا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ (سنن النسائي، 4803). أما قبل الرفع فيرى جمهور الفقهاء، جواز الشفاعة. سواء اشتهر السارق بالشر والأذى أو لا. وذهب مالك إلى عدم جوازها، إذا اشتهر السارق بهما، لأن من اشتهر بالشر والأذى لا ينبغي الرحمة به والشفقة عليه.

واتفق الفقهاء على وجوب رد المسروق إلى المجني عليه، إن كان قائما، وعلى وجوب ضمانه إذا تلف ولم يُقطع فيه الجاني لمانع.

إلا أنهم اختلفوا في وجوب ضمانه، إذا تلف وقد قطع فيه سارقه. فالحنفية، ذهبوا إلى عدم وجوب الضمان مطلقاً، موسراً، كان السارق أو معسراً، تلف المسروق بهلاك أو استهلاك، لأن الله عز وجل لم يذكر في الآية الكريمة غير القطع جزاء. فوجوب الغرم زيادة على النص. وفرق المالكية، بين الموسر والمعسر فأوجبوا الضمان في حالة ما إذا كان الجاني موسرا، ولم يوجبوه إذا كان معسرا، لأن تضمين المعسر لما سرق فيه عقوبة له وقطعه عقوبة أخرى، ولا تجتمع عقوبتان على شخص واحد لجرم واحد.

وذهب الحنابلة، والشافعي، والنخعي، وحماد، إلى وجوب الضمان مطلقا تلف المسروق بهلاك أو استهلاك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: سنن الترمذي، 1187عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ (سنن الترمذي، 1187). وبقياس المسروق على المغصوب؛ بجامع أن كلاهما مال قد تعلق به حق الغير، فكما أن المغصوب يجب رد عينه إذا كان قائما، وضمانه إذا كان تالفا، فكذلك المسروق يجب رد عينه إذا كان قائما وضمانه إذا كان تالفا.

ومذهب الشافعية والحنابلة ومن وافقهم هو الأصوب، لما فيه من المحافظة على أموال الناس وعدم ضياعها، وهذا أقرب لمقصود الشريعة في تحريم السرقة ومعاقبة فاعلها.

كما أجمعوا على أنه لا قطع بالسرقة عام المجاعة، لأن الضرورة تبيح التناول من مال الغير بقدر الحاجة، لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فعل ذلك في عام المجاعة.
2. موضع تنفيذ عقوبة القطع

(أ) في السرقة الأولى

اتفق جمهور الفقهاء على أن من ثبت عليه جرم السرقة لأول مرة يجب قطع يده اليمنى، إذا كان صحيح الأطراف. فإذا لم تكن اليد اليمنى غير صحيحة أو مقطوعة قُطعت رجله اليسرى.

مكان القطع من اليد:

قال جمهور الفقهاء: مكان القطع في اليد هو من الكوع أو مفصل الزند (الرسغ) واستدلوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في قصة سارق رداء صفوان بن أمية وفيه: "ثم أمر بقطعه من المفصل" (رواه الدارقطني). وقال بعض الفقهاء بقطع الأصابع فقط.

(ب) موضع التنفيذ في السرقة الثانية

إذا عاد من قطعت يمناه، واندمل قطعه، إلى اقتراف جرم السرقة مرة ثانية، وجب قطع رجله اليسرى.

موضع القطع من الرجل:

عن الجمهور: القطع من مَفْصل القدم، واستدلوا بفعل الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، "أنه كان يقطع الرجل من المفصل"، وذهب بعض الفقهاء إلى أن القطع من خنصر القدم ويبقي للسارق الكعب ليعتمد عليه لأنه فعل علي بن أبي طالب، رضي الله عنه.

وبعد القطع، أوجب بعض الفقهاء الحسم على القاطع، خشية الإتلاف والهلاك.

(ج) موضع التنفيذ في السرقات التالية

أثارت العقوبة الواجب توقيعها على الشخص المقترف لجرم السرقة بعد توقيع الحد عليه في المرة الثانية، جدلا كبيرا بين الفقهاء.

فالحنفية، والحنابلة، والإمامية، يرون أنها الحبس والضرب حتى تظهر توبته أو يموت، وذهب الشافعية والمالكية إلى أنه إذا عاد السارق لاقتراف هذا الجرم للمرة الثالثة قطعت يده اليسرى، فإذا سرق مرة رابعة قطعت رجله اليمنى.

والذي يظهر أن الاقتصار في عقوبة السرقة على قطع اليد اليمني والرجل اليسرى هو الأولى بالاتباع، لأن في قطع جميع أطراف السارق إتلاف لمنافعه، وحرمانه من القدرة على الوضوء والصلاة، وذلك مما تأباه الشريعة الإسلامية.

الموضوع الأصلي : الحدود الشرعية الكاتب : AlexaLaw المصدر : منتديات عالم القانون
التوقيع
توقيع العضو : AlexaLaw
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.AlexaLaw.com
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى

الجنس : ذكر

تاريخ التسجيل : 03/03/2010

عدد المساهمات : 19648

نقاط : 12654999

%إحترامك للقوانين 100

العمر : 34

الأوسمه :

الحدود الشرعية  1384c10


الأوسمة
 :


الحدود الشرعية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحدود الشرعية    الحدود الشرعية  I_icon_minitime30/7/2010, 22:07

خيارات المساهمة


الباب الرابع
حد شرب الخمر
المبحث التمهيدي: تعريف الخمر وحكم شربها

الخمر لغة وشرعاً: كل مسكر سواء كان من العنب أو من غيره. وهو قول الجمهور، واستدلوا على ذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: رواه مسلم، 3733كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ (رواه مسلم، 3733). وذهب بعض أهل اللغة، أن الخمر: ما أسكر من عصير العنب، قال ابن سيده: إن الخمر حقيقة إنما هي للعنب، وغيرها من المسكرات يُسمى خمراً مجازاً.

قال ابن حجر: الخمر كل مسكر، سواء كانت من العنب أم من غيره. وقال ابن عبدالبر: وهو قول أهل المدينة، وأهل الحجاز، وأهل الحديث كلهم.

وشرب الخمر من الكبائر المنهي عن تعاطيها بالكتاب والسنة وبالإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى: المائدة، 90، 91يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ(المائدة، 90، 91).

وأما السنة فقول الرسول صلى الله عليه وسلم رواه مسلم، 3733كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الآخِرَةِ (رواه مسلم، 3733).

وقوله سنن الترمذي، 1216لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ عَشْرَةً عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِي لَهَا وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ (سنن الترمذي، 1216).

وقوله صلى الله عليه وسلم صحيح البخاري، 2295لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ (صحيح البخاري، 2295).

وقوله سنن ابن ماجه، 3366مُدْمِنُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ وَثَنٍ (سنن ابن ماجه، 3366).

وأما الإجماع فقد اتفقت كلمة المجتهدين من السلف والخلف على تحريم شرب الخمر.

وحكمة تحريم تعاطي الخمر هي رغبة المشرع في حفظ عقول البشر، فضلا عن أنها تفسد الأبدان، وتتلف الأموال، الأمر الذي يكون من نتيجته هدم كيان المجتمع.
المبحث الأول: أركان جرم شرب الخمر

لجريمة شرب الخمر ثلاثة أركان، أولها فعل الشرب، وثانيها الشارب، وثالثها القصد الجنائي الواجب توافره لدى الشارب لإمكان عقابه.
1. فعل الشرب

هو تعاطي الخمر عن طريق الفم فقط، بحيث يصل إلى الحلق، ولو لم يصل إلى الجوف. فإذا كان التعاطي من طريق الفم، ولم يصل إلى الحلق، أو كان عن طريق غير الفم، كالأنف ونحوه، أو الحقن، سواء وصل إلى الحلق أو الجوف، أو لم يصل، فإنه لا يعتبر شربا للخمر يترتب عليه الحد.

ولا خلاف بين الحنفية، والحنابلة، والشافعية، والمالكية، في أن من شرب من نيء عصير العنب المشتد يجب حده سواء شرب قليلا أم كثيرا، وسواء سكر أم لا.

ولكنهم اختلفوا فيمن شرب النبيذ المسكر. فذهب الشافعية، والحنابلة، والمالكية، إلى أن من شرب النبيذ المسكر، قليلا كان أو كثيرا، يجب حده، سكر أو لم يسكر؛ لما رواه مالك عن ابن شهاب عن السائب ابن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، خرج عليهم فقال إني وجدت من فلان ريح شراب فزعم أنه شراب الطلاء وأنا سائل عما شرب فإن كان يسكر جلدته فجلده عمر الحد تاماً.
2. الشارب

لا بد أن يكون الشارب، بالغاً، عاقلاً. ولذا لا عقاب إذا كان الشارب صبياً، أو مجنوناً، وذلك لعدم التكليف. كما أوجب جمهور الفقهاء أن يكون الشارب مسلما لإمكان عقابه.

ولذا لا حد عندهم إذا كان الشارب كافرا، أو ذميا، ولو رضي بحكمنا؛ لاعتقاده إباحة الشرب، ولأنه لم يلتزم بالذمة مالا يعتقده.

كما ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا حد على الحربي، والمعاهد؛ لأنهما لم يلتزما أحكام الإسلام.

ويجب إقامة الحد على الشارب، ذكرا كان أو أنثي، حرا كان أو رقيقا.

وذهب أبو يوسف، ومحمد، والحنابلة، والشافعية، إلى أن السكران الذي يجب عقابه هو الذي يخلط في كلامه، مخالفا عادته حال صحوة، لقوله عز وجل: النساء، 43يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُون (النساء، 43)، ولما روي أن عليا قال: "إذا شرب سكر وإذا سكر هذي"؛ ولأن السكران: هو الذي يكون غالب كلامه الهذيان، واختلاط الكلام، فالسكران في متعارف الناس: اسم لمن هذى في كلامه.

وذهب أبو حنيفة إلى أن السكران الذي يجب عقابه هو الذي لا يعرف السماء من الأرض، ولا الأنثى من الذكر؛ لأن عقوبة السكران حد، والحدود يؤخذ في أسبابها بأقصاها، وأقصى السكر يسلب العقل التمييز بين شي وآخر.

والذي يوافق النصوص ويحقق مقصود الشرع هو ما ذهب إليه الجمهور.
3. القصد الجنائي

أوجب جمهور الفقهاء، أن يكون الشارب عالماً بتحريم شرب الخمر. فإذا ادعى الشارب الجهل بالتحريم، فإن كان ناشئا ببلد الإسلام لم تقبل دعواه؛ لأن هذا لا يكاد يخفى على مثله، أما إذا كان حديث عهد بالإسلام، أو ناشئاً ببادية بعيدة عن بلاد الإسلام، قُبل منه ادعاؤه لاحتمال ما ادعاه. وذهب مالك إلى عدم قبول دعوى الجهل بالتحريم؛ لأن ظهور الإسلام وانتشاره يبعد معه جهل تحريم شرب الخمر.

وذهبوا كذلك إلى أنه، يشترط أن يعلم الشارب أن ما يشربه خمر. ولذا لا حد على من جهل أن ما يشربه خمر؛ لأن الشارب في هذه الحالة يكون جاهلا بحقيقة المشروب. وإذا شرب شيئا يعتقد أنه خمر فتبين أنه غير خمر فلا حد عليه، ولكن عليه إثم الإقدام على الفعل.

كما أوجب الفقهاء أن يكون مختاراً، لقوله، صلى الله عليه وسلم: سنن ابن ماجه، 2033إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ (سنن ابن ماجه، 2033).

ولذا لا حد على الشارب المكره، لانعدام الرضا عنده. سواء أُكْرِه بالوعيد من قادر، أو بالضرب، أو أُجبر على شربها بأن يُفتح فمه وتصب فيه.

ويُشترط ألا تكون هناك ضرورة لشربها.

ولذا لا حد على من غص باللقمة، وخاف على نفسه الهلاك. ولم يجد سائلاً يسيغها به، ولو نجسا سوي الخمر، لقوله عز وجل: البقرة، 173فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (البقرة، 173).

وذهب الحنفية، والظاهرية،والشافعي في رواية عنه،إلى أنه لا حد إذا شُربت الخمر لدفع الجوع أو العطش الشديد الذي يخشى صاحبه الهلاك على نفسه، ولم يجد ما يسد به رمقه أو يزيل به ظمأه، ولو نجسا إلا الخمر، لقوله تعالى: الأنعام، 119وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِين (الأنعام، 119).

وذهب المالكية، والشافعي في رواية أخري، والحنابلة، إلى وجوب إقامة الحد في هذه الحالة؛ لأنه لا فائدة في شرب الخمر لدفع الجوع والعطش.

وذهب بعض الحنابلة إلى أن شرب الخمر لعطش ينظر فيه، فإن كانت الخمر ممزوجة بما يروي من العطش، أبيحت لدفعه عند الضرورة كما تباح الميتة عند المخمصة وان كانت صرفاً، أو ممزوجة بشيء يسير لا يروي من العطش، حرمت وعلى شاربها الحد. وهذا الرأي هو الأقرب إلى الصواب.

وذهب الحنفية، والحنابلة،والمالكية، والشافعي، في رواية عنه، إلى وجوب إقامة الحد على من اضطر إلى شرب الخمر للتداوي، وخاف على نفسه الموت، سواء أكانت الخمر صرفة أم ممزوجة. لما رواه الإمام أحمد عن مخارق: رواه الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أم سلمة وقد نبذت نبيذا في جرة فخرج والنبيذ يهدر فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما هذا، فقالت فلانة اشتكت بطنها فقعت لها فدفعه برجله فكسره وقال صلى الله عليه وسلم إن الله لم يجعل فيما حرم عليكم شفاء. ولما رواه أبو داود عن أبي الدرداء قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سنن أبي داوود، 3376إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوْا وَلا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ (سنن أبي داوود، 3376).
المبحث الثاني: أدلة إثبات جرم شرب الخمر

وهي تنقسم إلى قسمين:
1. أدلة متفق عليها

وهي الشهادة والإقرار.
(أ) الشهادة

(1) الشروط العامة للشهادة

لقبول الشهادة أوجب فقهاء الحنفية، والحنابلة، والشافعية، أن تؤدى بلفظ أشهد دون غيره من الألفاظ الأخرى، وأن تكون بمعنى الخبر دون القسم. فإذا لم يذكر الشاهد هذا اللفظ وقال أعلم أو أتيقن لا تقبل شهادته.

والرأي الراجح عند المالكية، أنه يصح أداء الشهادة بهذا اللفظ وبغيره مما يفيد معناه.

(2) الشروط الواجب توافرها في الشاهد

هي البلوغ، والعقل، والذكورة، والنطق، والبصر، والإسلام، والحرية، والعدالة.

فلا تُقبل شهادة صبي لم يبلغ بعد، ولا مجنون، ولا معتوه، ولا أنثى ولو مع ذكر، ولا أخرس ولو فُهمت إشارته، ولا أعمى. ولا كافر، ولا رقيق، ولا فاسق، ولا مستور حال، لا تُعلم عدالته، لجواز أن يكون فاسقاً.

وأوجب الفقهاء، أن لا تجر شهادة الشاهد إلى نفسه مغنماً، وأن لا تدفع عنه مغرماً؛ لأن ذلك يورث التهمة التي تدفع شهادته.
(ب) الإقرار

(1) الشروط العامة للإقرار

لا بدأن يكون صريحاً، لا لبس فيه ولا غموض يثير الشك.

وأن يصدر الإقرار عند من له ولاية إقامة الحد. ولذا لا اعتداد بالإقرار الصادر عند من لا ولاية له في ذلك.

ويكفي الإقرار مرة واحدة، ولا حاجة إلى تعدده؛ لأنه حد لا يتضمن إتلافاً.

(2) الشروط الواجب توافرها في المقر

أوجب الفقهاء أن يكون المقر في هذا الجرم، بالغا، وعاقلا، ومختارا. ولذا لا اعتداد بإقرار الصبي، والمجنون، والمكره.

أما إقرار الأعمى، والأنثى، والعبد، فيعتد به؛ لأن البصر، والذكورة، والحرية ليست بشروط في الإقرار.
2. أدلة الإثبات المختلف فيها

ذهب أبو حنيفة، وأحمد بن حنبل في رواية عنه، والشافعي، والثوري، إلى أن هذا الجرم لا يثبت بالرائحة فقط. أو بالقيء فقط، أو بشهادة واحد بالشرب وآخر بالرائحة أو القيء؛ لأن الرائحة أو القيء قد توجد من غير الخمر، كوجودها من بعض الفواكه.

وذهب مالك إلى صحة الإثبات بوجود الرائحة فقط، ولو لم يشهد أحد برؤية الجاني، وهو يشرب، أو القيء فقط، أو شهادة واحد بالشرب وآخر بالرائحة أو القيء، لما روي عن علقمة قال، كنت بحمص فقرأ ابن مسعود سورة يوسف فقال رجل ما هكذا أنزلت فقال عبد الله: والله لقد قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحسنت، فبينما هو يكلمه إذا وجد منه ريح الخمر فقال أتشرب الخمر وتكذب بالكتاب ؟ فضربه الحد. ولما روي عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد أنه أخبره أن عمر بن الخطاب خرج عليهم فقال إني وجدت من فلان ريح شراب فزعم أنه شراب الطلاء وأنا سائل عما شرب فإن كان يسكر جلدته فجلده عمر الحد تاما. وإذا ثبتت بالرائحة فقط فبالأولي يثبت بالقيء لنزول الخمر من الجوف، وكذلك يثبت بشهادة واحد مع الرائحة بطريق الأولي.

ويري جمهور الفقهاء عدم قبول الشهادة على الشهادة في إثبات جرم شرب الخمر؛ لأنه قد عهد في التشريع الإسلامي الاحتياط، وزيادة التوثق، والتثبت في الحدود عامة ودرؤها بالشبهات، والشهادة على الشهادة، توجد فيها الشبهة لاحتمال الكذب والغلط في شهود الأصل أو شهود الفرع.
المبحث الثالث: عقوبة جرم شرب الخمر

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن حد شارب الخمر الحر، ثمانون جلدة، ذكراً كان أو أنثى.

وذهب أبو ثور، والشافعي في رواية أخري، وداود، وأحمد بن حنبل في رواية ثانية، إلى أن حد الشارب الحر هو أربعون جلدة، دون تفرقة بين ذكر وأنثى، لما روى البخاري ومسلم عن أنس: صحيح البخاري، 3219أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَدَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ ثُمَّ جَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ وَدَنَا النَّاسُ مِنْ الرِّيفِ وَالْقُرَى قَالَ مَا تَرَوْنَ فِي جَلْدِ الْخَمْرِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا كَأَخَفِّ الْحُدُودِ قَالَ فَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ (صحيح البخاري، 3219).

وقد ذهب جمهور الفقهاء، إلى أن عقوبة الرقيق هي نصف عقوبة الحر، سواء أكان ذكراً أو أنثى.

الموضوع الأصلي : الحدود الشرعية الكاتب : AlexaLaw المصدر : منتديات عالم القانون
التوقيع
توقيع العضو : AlexaLaw
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.AlexaLaw.com
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى

الجنس : ذكر

تاريخ التسجيل : 03/03/2010

عدد المساهمات : 19648

نقاط : 12654999

%إحترامك للقوانين 100

العمر : 34

الأوسمه :

الحدود الشرعية  1384c10


الأوسمة
 :


الحدود الشرعية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحدود الشرعية    الحدود الشرعية  I_icon_minitime30/7/2010, 22:08

خيارات المساهمة


الباب الخامس
حد الحرابة: جرم قطع الطريق
المبحث التمهيدي: تعريف قطع الطريق وحكمه


قطع الطريق هو: التعرض للناس بسلاح في صحراء، أو بنيان، أو بحر، فيغصبونهم أموالهم، قهرا، مجاهرة، أو يقتلونهم لأخذ أموالهم.

وقطع الطريق أو الحرابة من الكبائر المنهي عن اقترافها، بالكتاب، وبالإجماع.

أما الكتاب فقوله تعالى: المائدة، 33، 34إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(33) إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (المائدة، 33، 34).

أما الإجماع فقد اتفقت كلمة المجتهدين على عد هذا الجرم سرقة كبرى، يستحق مقترفه إقامة الحد عليه.

وحكمة تحريم هذا الفعل قائمة في التشريع الإسلامي على رغبة المشرع في حفظ النظام والأمن العام في الدولة من كل اعتداء، فإن إتيان هذا الفعل اعتداء صريح على كرامة الدولة وسلطتها، وعلى أرواح وأموال أفرادها، بصورة تخيف المارة وتقطع السبيل، وتهدد الأمن والاستقرار.

ومن هذه التعريفات يتضح أن هناك وجه شبه، وأوجه خلاف بين جرم قطع الطريق وجرم السرقة.

فوجه الشبه بينهما هو أن أخذ المال يتم في كل منهما، دون رضا المجني عليه.

أما أوجه الخلاف بينهما:

فأولها أن المال في جرم قطع الطريق يُؤخذ مكابرة ومجاهرة، أما في السرقة فيؤخذ على وجه الخفية والاستتار.

وثانيها، إن الضرر المباشر الذي يحدث بجرم قطع الطريق ضرر عام وخاص، فالعام يقع على المجتمع بأسره، والخاص يقع على الفرد، بخلاف الضرر المباشر في جرم السرقة فإنه يقع على الفرد وحده.

وثالثها، العقوبة المقررة لجرم قطع الطريق أغلظ من العقوبة المقررة لجرم السرقة.
المبحث الأول: أركان جرم قطع الطريق

تنحصر في أربعة أمور، هي:

1. فعل القطع

يُشترط أن يتم الفعل على وجه المجاهرة؛ بحيث يمتنع المارة عن المرور وينقطع السبيل، ويكون القصد الحصول على المال، ولو أدى إلى القتل، مصحوبا بالمدافعة والمغالبة.

فإذا تم أخذ المال على غير هذا الوجه فلا يعد قطعاً للطريق، كما لو تم أخذ المال على وجه الخفية والاستتار، أو على وجه الاختطاف والهرب، أو كان القصد الحصول على غير المال، لعداوة، ولو أدى إلى جرح أو قتل.

وذهب مالك إلى أن أخذ المال، على سبيل المخادعة، التي تؤدي إلى عدم مدافعة المجني عليه عن نفسه وماله، يعد من باب قطع الطريق.

ولذا فمن يسقي غيره مادة مخدرة أو يحقنه بها حتى يغيب عن وعيه، ثم يأخذ ماله أو يخدعه، حتى يدخله محلا بعيدا عن الغوث، ثم يسلبه ما معه يعدُّ محاربا.

وكذلك من يخدع شخصاً صغيراً أو كبيراً، على أحد الوجهين السابقين، ثم يقتله بقصد أخذ ما معه؛ فهو محارب سواء أخذ ما معه أو لم يجد معه شيئاً.

وهذا هو القول الراجح؛ لأن قطع الطريق كما يتحقق بالإرهاب بالسلاح، يتحقق بطرق المخادعة؛ لأن في كلٍ ضعف المجني عليه عن المدافعة عن نفسه.

وأجمع الفقهاء على أن جرم قطع الطريق يتحقق إذا وقع في موضع بعيد عن الغوث، كالصحراء مثلا. واختلفوا فيما إذا وقع هذا الفعل في القرى أو في الأمصار أو وقع بين المصرين أو القريتين.

فذهب أبو حنيفة، والثوري، وإسحاق، إلى أن هذا الفعل لا يعد قطعا للطريق، وإنما هو اختلاس، سواء وقع نهاراً أو ليلا، وسواء كان بسلاح أو بغيره؛ لأن قطع الطريق إنما يكون بانقطاع المارة وهم لا ينقطعون في هذه المواضع عن الطريق، فيمكن الغوث بالإمام أو بنوابه أو بالمسلمين.

وذهب بعض الحنابلة، والأوزاعي،والليث، والشافعي، وأبو ثور، إلى أن هذا الفعل يعد قطعا للطريق، لعموم الآية؛ ولأن الفعل في هذه الحالة يعد أعظم خوفاً وأكثر ضرراً. وهو القول الراجح؛ لأنه أقرب إلى صون الأمن واستقرار الأمان.

وذهب الشافعي إلى أنه، لا يعد قاطعا للطريق إلا كل من باشر فعل القطع بنفسه، أما المتسبب فيه أو المعين عليه، فلا يعد قاطعا للطريق وإن استحق التعزير.

وذهب جمهور الفقهاء إلى أن كل من باشر الفعل في جرم قطع الطريق أو تسبب فيه يعد قاطعاً للطريق، لأن كلاً من المتسبب والمباشر يتم به القطع.

ويتحقق قطع الطريق، سواء وقع الفعل من جماعة، أو من واحد له منعة بقوته.

وذهب مالك، والشافعي،إلى أنه لا يشترط وجود سلاح مع الجاني، لتوافر جرم قطع الطريق في حقه؛ لأنه يكفي أن يعتمد الجاني على قوته الجسدية.

وذهب أبو حنيفة، والزيدية، إلى أنه لا يقام حد، قطع الطريق في دار الحرب أو في دار البغي، أو في موضع غلب عليه أهل البغي؛ لأن الإمام ليس له ولاية إقامة الحد فيها.

2. الجاني

ذهب الحنفية وبعض الحنابلة، والشافعية، إلى عدم اشتراط الإسلام في الجاني. ولذا فيقام الحد على القاطع للطريق، مسلماً كان أو ذمياً، حربياً كان أو معاهداً.

وأوجب جمهور الفقهاء أن يكون الجاني بالغاً، عاقلاً، لإقامة الحد عليه. ولذا فلا حد على الصغير، أو المجنون؛ لأن القلم مرفوع عنهما.

وذهب أبو حنيفة، ومحمد، إلى عدم إقامة الحد على النساء.

وعند الشافعية، والحنابلة، والمالكية، والطحاوي، تحد المرأة مطلقاً، انفردت أو اشتركت فيه مع الرجال. كما يحد الرجال مطلقا انفردوا أو اشتركوا مع المرأة.

وهو الراجح؛ لأن المرأة إذا باشرت القتل، وأخذ المال دون الرجال، وكان الرجال درءاً لها، فتقدم بلا خوف على ارتكاب جريمتها. وكذلك الرجال إذا باشروا الجريمة، دون المرأة، كانت المرأة درءا لهم، تقوي من عزيمتهم وتنبههم إلى ما يحيق بهم من شر. فالتعاون ظاهر بين المرأة وشركائها. أما إذا اشتركت معهم في القتل وأخذ المال، فلا شك أن عليها ما عليهم، كما لو انفردت بقطع الطريق.

والراجح عند جمهور الفقهاء أن الحرية ليست بشرط، لعموم الآية، ولأن هذا الفعل يتحقق ضرورة من الرقيق كما يتحقق من الحر.

وقال الأحناف: إذا كان من القُطَّاع ذو رحم فلا حد عليه لقرابته، ولا حد على الباقين معه؛ لأنه جناية واحدة قامت بالكل، فإذا لم يقع فعل البعض موجباً، كان فعل الباقين كذلك لأنه بعض العلة.

3. المجني عليه

قال جمهور الفقهاء إذا كان المجني عليه حربيا أو مستأمناً فلا حد على الجاني؛ لأن مال الحربي ليس بمعصوم، لأنه من أهل دار الحرب، وعصمة مال المستأمن بعارض الأمان مؤقتة إلى غاية، هي العود إلى دار الحرب.

4. في القصد الجنائي

اتفق الفقهاء على أنه لا يقام الحد على الجاني، إذا كان جاهلا بتحريم قطع الطريق. فإذا ادعي الجاني الجهل بالتحريم، وكانت ظروفه تحتمل ذلك، كحديث العهد بالإسلام، أو الناشئ في غير دار الإسلام قُبل منه ذلك الادعاء؛ لأنه يجوز أن يكون صادقاً فيما يدعيه.

أما إذا كان ممن لا يخفى عليه تحريم اقتراف الجرم، كالمسلم الناشئ بين أهل العلم، أو بين المسلمين، فلا يُقبل منه ادعاؤه الجهل بتحريم اقتراف هذا الجرم.

وأجمع الفقهاء على وجوب توافر قصد قطع الطريق لدي الجاني؛ لوجوب إقامة الحد عليه.

وقرر الفقهاء أنه لا عقاب على المكره على اقتراف جرم قطع الطريق؛ لانعدام القصد لديه.
المبحث الثاني: أدلة الإثبات

يثبت عند القاضي بالشهادة وبالإقرار، ولا يثبت بكتاب القاضي، ولا بشهادة ويمين، ولا بعلم القاضي الشخصي.

أما الشهادة على الشهادة فيري مالك ثبوته بها، خلافاً لجمهور الفقهاء.
1. الشهادة:

تنقسم إلى قسمين، أولهما في الشروط العامة الواجب توافرها في الشهادة، وثانيهما في الشروط الواجب توافرها في الشاهد.

(أ) الشروط العامة للشهادة

أوجب فقهاء الحنفية، والحنابلة، والشافعية، أن تؤدى الشهادة بلفظ أشهد بمعنى الخبر دون غيره من الألفاظ، لأن في هذا اللفظ زيادة توكيد لأنه ينبئ عن المشاهدة والمعاينة.

والرأي الراجح في مذهب المالكية أنه يصح الأداء بهذا اللفظ وبغيره مما يفيد معناه؛ لأنه لا فرق عندهم بين لفظ ولفظ، ولا خصوصية لواحد منها على الآخر.

ومن المتفق عليه أن الشهادة على جرم قطع الطريق تستلزم أن تكون عقب خصومة صحيحة. ولذا لا تُسمع الشهادة على هذا الجرم قبل قيام الخصومة الصحيحة.

(ب) الشروط الواجب توافرها في الشاهد

يري جمهور الفقهاء أنه يجب أن يتوافر للشاهد، وقت أداء الشهادة، البلوغ، والعقل، والذكورة، والنطق،و البصر، والإسلام، والحرية، والعدالة، والاختيار.

ولذا فلا تقبل الشهادة من صبي لم يبلغ بعد، ولا من مجنون، ولا من النساء، ولا من أخرس، ولا من أعمي، ولا من كافر، ولا من عبد، ولا من مستور حال، لا تعلم عدالته.

وأوجب الحنفية أن لا يكون الشاهد محدوداً في قذف، وإن تاب، خلافاً للجمهور، والراجح قبول شهادة القاذف بعد التوبة.

وللاعتداد بالشهادة أوجب الفقهاء أن لا تكون هناك صلة قوية بين الشاهد والمشهود له، وأن لا تجر شهادته إلى نفسه مغنماً، أو تدفع عنه مغرماً، لأن الشهادة إذا تضمنت معنى النفع أو دفع الضرر أورثت التهمة، ولا شهادة في الأصل لمتهم.

فإذا ما توافر في الشاهد كل هذه الشروط أدى شهادته، دون يمين عند بعض الفقهاء الذين يرون أن تحليف الشاهد اليمين ينافي إكرامه.
2. الإقرار

(أ) الشروط العامة للإقرار

يجب أن يكون الإقرار صريحاً، باللفظ الصريح الذي لا لبس فيه ولا غموض.

ويجب أن يكون موافقاً للواقع والحقيقة، لتزول كل شبهة تدرأ الحد.

وأوجب الفقهاء أن يصدر الإقرار عند من له ولاية إقامة الحدود. ولذا لا اعتداد بالإقرار الصادر عند من لا ولاية له في ذلك.

ويثبت جرم قطع الطريق عند أكثر الفقهاء، بالإقرار مرة واحدة. أما أبو يوسف، والحنابلة. فيوجبون تكرار الإقرار مرتين.

وإذا رجع المقر عن إقراره، قبل رجوعه، سقط الحد عنه عند الحنفية، ويضمن المال إن كان قد أقر به.

(ب) الشروط الواجب توافرها في المقر

يجب أن يكون المقر، بالغاً، عاقلاً، ناطقاً، مختاراً. فلا اعتداد بإقرار الصبي، والمجنون، والمعتوه والسكران، والأخرس، والمكره.

ولا يُشترط البصر، والذكورة، والحرية.
المبحث الثالث: عقوبة قطع الطريق

قطع الطريق يتحقق بأحد أربعة أمور، أولها إخافة السبيل فقط، وثانيها أخذ المال فقط، وثالثها القتل فقط، ورابعها أخذ المال والقتل معا.

عقوبة إخافة السبيل

يرى الجمهور أن عقوبة من أخاف السبيل، ولم يأخذ مالا ولم يقتل نفسا هي النفي حتى تظهر توبته. وللحاكم أن يعزر الجاني بأي نوع من أنواع التعزير، زيادة على النفي، إن رأي أن ذلك يفيد في الإصلاح له والزجر لغيره.

ولكنهم اختلفوا في المراد من النفي. فذهب الحنفية إلى أن المراد من النفي الحبس في موضعه. وذهب الحنابلة إلى أن المراد به التشريد في الأمصار؛ بحيث لا يمكن الجاني من الإقامة في بلد ما.

وذهب الشافعية إلى أن المراد بالنفي الحبس في غير موضعه.

وذهب مالك إلى أن الإمام مخير في قتل الجاني أو صلبه أو قطعه أو نفيه، فإن كان الجاني ممن له الرأي والتدبير، فالأولى قتله أو صلبه؛ لأن القطع لا يرفع ضرره. وإن كان لا رأي له وإنما هو ذو قوة وبأس قطعه من خلاف، وإن كان ليس فيه شيء من هاتين الصفتين، أخذ بأيسر ذلك وهو الضرب والنفي.

عقوبة أخذ المال

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن من أخذ مالا ولم يقتل نفسا فإنه تقطع يده ورجله من خلاف، وذلك لقوله عز وجل: "من خلاف"، وهو الرأي الراجح.

وذهب مالك إلى أن الإمام مخير في عقاب الجاني بأية عقوبة مما جاءت في الآية الكريمة، عدا عقوبة النفي.

وأوجب جمهور الفقهاء أن يكون المال المأخوذ مالا متقوِّما معصوماً، ليس لأحد القاطعين فيه حق.

وإذا كان القاطع جماعة، أوجب جمهور الحنفية أن يكون نصيب كل واحد من الجناة نصاباً تاماً من المال المأخوذ.

وذهب جمهور الحنابلة إلى أنه لا يشترط أن تبلغ حصة كل واحد من القُطَّاع نصابا؛ لإمكان توقيع الحد عليه. فلو أخذ الجماعة نصاباً واحداً أقيم الحد عليهم.

وأوجب جمهور الفقهاء أن تكون يد المجني عليه يداً صحيحة، بأن تكون يد ملك، أو يد ضمان، أو يد أمانة، فإن لم تكن اليد صحيحة كيد السارق، فلا حد على الجاني.

صفة القطع

اتفق الفقهاء، على أن القطع يكون في اليد اليمني والرجل اليسرى؛ لتحقق المخالفة؛ وليكون أرفق به في إمكان مشيه ووضوئه وصلاته.

وذهب أحمد في رواية عنه إلى أنه إن كانت اليد اليمنى للجاني أو الرجل اليسرى معدومة، أو مستحقة في قصاص، أو أشلاء، قُطع الموجود منهما فقط، ويسقط القطع في المعدوم. وإن عدم يسري يديه، قُطعت يسرى رجليه،وإن عدم يمنى يديه، لم تُقطع يمنى رجليه.

ويبدأ بقطع اليد؛ لأن الله سبحانه وتعالى بدأ بذكرها في الآية قبل الرجل، ثم بعد حسم اليد يبدأ في قطع الرجل، ولا ينتظر اندمال قطع اليد.

عقوبة القتل

ذهب الشافعية، وأحمد بن حنبل، في رواية عنه، إلى أن من قتل، ولم يأخذ مالاً، وجب قتله دون صلبه للآية، ولأنه ضم إلى جنايته إخافة السبيل المقتضية زيادة العقوبة، وهي تحتم القتل فلا يسقط.

وعند أحمد رواية أخرى أنه يُصلب؛ لأنه محارب يجب قتله وصلبه، كالذي أخذ المال. والرواية الأولي أصح؛ لأن الخبر المروي في قطاع الطريق قال فيه: ومن قتل ولم يأخذ المال قتل ولم يذكر صلباً، ولأن جنايته بأخذ المال مع القتل تزيد على الجناية بالقتل وحده، فيجب أن تكون عقوبته أغلظ ولو شرع الصلب هاهنا كذلك لاستويا في الحكم.

وذهب مالك إلى أن الإمام بالخيار إن شاء قتل وصلب، وإن شاء قتل دون صلب.

وذهب الظاهرية إلى أن الإمام بالخيار في كل العقوبات التي جاءت بها الآية الكريمة فيعاقب على القتل بالنفي، أو القطع، أو القتل، أو الصلب، ولا يباح له أن يجمع على المحارب عقوبتين من هذه العقوبات.

عقوبة القتل وأخذ المال

ذهب الشافعية إلى أن من أخذ مالا وقتل، فعقوبته القتل ثم الصلب. والغرض من صلبه بعد قتله هو التنكيل به وزجر غيره.

ويكون الصلب على خشبة ونحوها ثلاثة أيام؛ ليشتهر حاله ويتم النكال به، فإن خيف تغيره، قبل ثلاثة أيام، أنزل.

وذهب أبو حنيفة إلى أنه في حالة القتل وأخذ المال، الإمام مخير، فإن شاء قطع يده ورجله ثم يقتله أو يصلبه وإن شاء أن لا يقطعه ويقتله بلا صلب أو يصلبه ثم يقتله.

وذهب أبو يوسف، والكرخي، إلى أنه يصلب حياً ثم يطعن برمح حتى يموت. وذهب أبو عبيدة إلى أنه يقتل ثم يصلب.

سقوط العقوبة

اتفق الفقهاء على أن من تاب قبل القدرة عليه، سقط الحد عنه، لقوله عز وجل: المائدة، 34إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم (المائدة، 34)

ويعتبر الجاني تائباً إذا أتي الإمام طائعاً قبل القدرة عليه ملقياً سلاحه، أو ترك ما هو عليه من الحرابة، وإن لم يأت الإمام.

الموضوع الأصلي : الحدود الشرعية الكاتب : AlexaLaw المصدر : منتديات عالم القانون
التوقيع
توقيع العضو : AlexaLaw
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.AlexaLaw.com
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى

الجنس : ذكر

تاريخ التسجيل : 03/03/2010

عدد المساهمات : 19648

نقاط : 12654999

%إحترامك للقوانين 100

العمر : 34

الأوسمه :

الحدود الشرعية  1384c10


الأوسمة
 :


الحدود الشرعية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الحدود الشرعية    الحدود الشرعية  I_icon_minitime30/7/2010, 22:09

خيارات المساهمة


الباب السادس
حد الردة
المبحث الأول: التعريف بالردة والمرتد

1. تعريف الردة

الردة في اللغة: الرجوع عن الشيء إلى غيره. وفي الاصطلاح الشرعي: الرجوع عن الإسلام.

قال تعالى: البقرة، 217...وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (البقرة، 217).

2. شروط المرتد

(أ). العقل

لا تصح ردة من لا عقل له كالطفل غير المميز والمجنون، ومن زال عقله بإغماء أو نوم أو مرض أو بشرب دواء مباح شربه.

(ب). البلوغ

حدد العلماء سن الصبي الذي يعقل الإسلام بعشر سنوات، وإن كان يجوز أن يعقل وهو ابن سبع سنين.

ومعنى يعقل الإسلام، أي: يعلم أن الله تعالى ربه، وأن محمداً عبد الله ورسوله. وعقل الإسلام بهذا المعنى شرط لا خلاف فيه لقبول إسلام الصبي.

والصبي الذي قُبل إسلامه، وحُكم بصحته، إذا رجع عن إسلامه لم يُقبل منه رجوعه. وبهذا قال الحنابلة وهو الظاهر من مذهب مالك.

(ج) الاختيار

وعلى هذا، فمن أُكره على الكفر لا إثم عليه، لقوله تعالى: النحل، 106مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (النحل، 106). ولحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: سنن ابن ماجه، 2033إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ (سنن ابن ماجه، 2033).
المبحث الثاني: ما يصير به الشخص مرتداً

يرتد الشخص المسلم، ذكراً كان أو أنثى، إذا اعتقد ما يناقض حقائق الإسلام الثابتة، أو صدر منه أقوال أو أفعال أو تروك، تعدّ كفراً في ميزان الإسلام، وتخرج صاحبها من دائرة الإسلام الفسيحة.

1. الردة بالاعتقاد

ومعناها أن ينطوي قلب المسلم على شيء يناقض العقيدة في أصولها ومعانيها، ولوازمها، وأن يقبل هذه المناقضة ويرتضيها. كأن ينكر صفات الله، أو انفراده بالربوبية والألوهية، أو ينكر وجود الملائكة، أو يشكك في الرسل عليهم السلام، أو ينكر الكتب المنزلة، أو يكفر بالقدر خيره وشره.

فمن أنكر عقيدة من هذه العقائد الواضحة الظاهرة بعلم واختيار، فقد ارتكب ردة، ووجب في حقه حد الردة.

2. الردة بالأقوال

القاعدة في الردة بالأقوال عند المسلمين: كل قول يفصح عن اعتقاد مكفر، فهو قول يرتد به صاحبه. وكل قول فيه سخرية واستهزاء بالله، أو بآياته، أو بدينه، أو برسوله، فهو كفر يرتد به قائله؛ وذلك لقوله تعالى: التوبة، 65، 66وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَءايَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ(65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (التوبة، 65، 66).

وكل قول فيه انتقاص لله أو لدينه أو لرسوله بنسبة ما لا يليق بهم، فهو قول يرتد به صاحبه؛ لقوله تعالى: الأنعام، 108وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (الأنعام، 108).

وكل رفض لأمر الله وشرعه على وجه العناد أو المعارضة والرد، استكباراً فهو كفر يرتد به صاحبه.

ودليل ما حل بإبليس من اللعنة والطرد؛ لرفضه أمر الله له بالسجود لآدم، ذلك الرفض الذي صدر عن إبليس، على وجه المعارضة والعناد والاستكبار، قال تعالى: البقرة، 34وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (البقرة، 34).

لذلك حذر العلماء كثيراً من رد أمر الله أو معارضة شرع الله بما قد يزينه الشيطان له، وليكن شعار المسلم لما يسمعه أو يبلغ به من أوامر الله: ربنا سمعنا وأطعنا.

3. الردة بالأفعال

كل فعل يدل على السخرية، أو الاستهزاء، أو التحقير، أو الازدراء أو التنقيص لله، أو لدينه، أو لكتابه، أو لرسوله، أو جحوداً لما هو معلوم من الإسلام بالضرورة، فهو كفر وردة عند المسلمين.

4. الردة بالتروك

والقاعدة في الردة بالتروك تقوم على أساس أن ترك الفعل، أو القول يدل على كفر صاحب هذا الترك، باعتبار أن هذا الترك يدل على العناد ومعارضة الشرع استكباراً، أو جحوداً.

5. ترك الحكم بالشريعة الإسلامية

ترك الحكم بشريعة الإسلام قد يكون موجباً للكفر والارتداد، جاء في "تفسير القرطبي" في قوله تعالى: المائدة، 44وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (المائدة، 44)، قال القرطبي، رحمه الله: "أي ومن لم يحكم بما أنزل الله رداً للقرآن، وجحداً لقول الرسول، عليه الصلاة والسلام، فهو كافر. فأما من فعل وهو معتقد أنه مرتكب محرماً، فهو من فساق المسلمين وأمره إلى الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له".
المبحث الثالث: عقوبة المرتد

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صحيح البخاري، 2794مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ (صحيح البخاري، 2794). وقد دل هذا الحديث الشريف بعمومه على قتل من ارتد عن دينه الإسلام.

ردة الصبي أو الصبية

يصح إسلام الصبي والصبية، ولا تصح ردتهما لقوله، صلى الله عليه وسلم: سنن أبي داوود، 3825رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ (سنن أبي داوود، 3825)، وهذا الحديث يدل على أن لا يُكتب على الصغير، قبل البلوغ، ذنب ولو صحت ردته لكتبت عليه، أما إسلامه فيكتب له لا عليه، ولأن الردة توجب القتل، فلم يثبت حكمها في حق الصبي كالزنى.

الاستتابة قبل القتل على الردة

اختلف الفقهاء في استتابة المرتد قبل القتل على أقوال، هي:

القول الأول: وجوب استتابة المرتد أو المرتدة قبل القتل، ولزوم دعوتهما إلى الرجوع إلى الإسلام، وإمهالهما ثلاثة أيام، فإن رفضا الرجوع إلى الإسلام، وجب قتلهما عقوبة على ردتهما. وبهذا قال أكثر أهل العلم، منهم عمر وعلي، رضي الله عنهما، وهو قول عطاء والنخعي، ومالك، والثوري، والأوزاعي، وإسحاق، والشافعي، وهو مذهب الحنابلة. واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: صحيح البخاري، 2794مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ (صحيح البخاري، 2794)، أي إن لم يرجع إلى الإسلام.

وقالوا إن الغالب أن تكون الردة عن شبهة عرضت للمرتد فتعلق بها، فإمهاله وعدم تعجيل قتله واستتابته يعطيه فرصة لإزالة شبهته.

القول الثاني: الاستتابة ليست واجبة، بل مستحبة إلى ثلاثة أيام، وهذا مذهب الحنفية، وقول للشافعية.

قال الحنفية: يستحب أن يستتاب المرتد ويعرض عليه الإسلام لاحتمال أن يسلم، لكن لا يجب أن يستتاب؛ لأن الدعوة إلى الإسلام قد بلغته، فإن أسلم فمرحباً وأهلاً، وإن أبى نظر الإمام في ذلك: فإن طمع في توبته أو طلب المرتد التأجيل والإمهال، أمهله الإمام ثلاثة أيام، وإن لم يطمع في توبته ولم يطلب المرتد إمهاله، أمر الإمام بقتله حالاً ولم يمهله.

ورد القائلون بوجوب الاستتابة؛ بأن الاحتياط في صيانة الدماء أولى من الاستعجال في إراقتها؛ ولأن الردة قد يكون مبعثها شبهة عرضت للمرتد أو للمرتدة، فتأثر بها فارتد، فيجب أن نتمهل ولا نتعجل في قتل المرتد، وإنما نمهله مدة للتأمل ومراجعة نفسه وإسماعه دلائل بطلان ردته وشبهته، فعسى أن يحمله ذلك إلى الإسلام والرجوع عن ردته.

القول الثالث: الاستتابة ليست واجبة ولا مستحبة، قال الإمام ابن حزم الظاهري: "فالواجب إقامة الحد عليه، أي على المرتد، إن لم يرجع إلى الإسلام، فالاشتغال عن ذلك وتأخيره باستتابة ودعاء يلزمان ترك إقامة الحد عليه، وهذا لا يجوز. وبهذا قال الحسن وطاووس وغيرهما، فعندهم يجب قتل المرتد في الحال.

مدة الاستتابة

اختلف القائلون بالاستتابة، هل يكتفى بالمرة أو لا بد من ثلاث؟ وهل الثلاث في مجلس أو في يوم أو في ثلاثة أيام؟.

وعن علي رضي الله عنه يستتاب شهراً. وقال الزهري: يدعى إلى الإسلام ثلاث مرات فإن أبى قتل، والظاهر أن هذه الدعوة المكررة تكون في مجلس واحد.

وقال الشافعية: الاستتابة تكون في الحال على القول الأظهر في مذهبهم، فإن تاب وإلا قتل.

وقال الحنابلة: مدة الاستتابة ثلاثة أيام، روي ذلك عن عمر، رضي الله عنه، وبه قال مالك وأسحق، وهو قول الحنفية.

تنفيذ عقوبة الردة

إذا مضت مدة الاستتابة، ولم يرجع المرتد أو المرتدة إلى الإسلام، وجب تنفيذ عقوبة الردة عليهما وهي القتل بلا تأخير. والقتل يكون، عادة، بالسيف؛ لأنه آلة القتل في تنفيذ القتل الواجب في الشرع. ولا يجوز القتل بالتحريق بالنار؛ لأنه جاء: مسند أحمد، 1775أَنَّ عَلِيًّا حَرَّقَ نَاسًا ارْتَدُّوا عَنْ الإِسْلامِ فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَمْ أَكُنْ لأُحَرِّقَهُمْ بِالنَّارِ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ وَكُنْتُ قَاتِلَهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فَقَالَ وَيْحَ ابْنِ أُمِّ ابْنِ عَبَّاسٍ (مسند أحمد، 1775) يعني بالنار. وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: صحيح مسلم، 3615إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ (صحيح مسلم، 3615).

لا يعاقب المرتد أو المرتدة بغير القتل

وإذا أصر المرتد أو المرتدة على الردة، ولم يرجعا عنها، فلا يجوز معاقبتهما بغير القتل، فلا يجوز تجويعهما أو منع الماء عنهما، أو إيذاؤهما قبل تنفيذ العقوبة عليهما، وقد صرح المالكية بهذا فقالوا: يستتاب المرتد وجوباً ثلاثة أيام، بلا جوع ولا عطش، بل يطعم ويسقى، وبلا معاقبة بضرب ونحوه، ولو أصر على عدم الرجوع إلى الإسلام.

يؤخر قتل المرتدة الحامل

إذا كانت المرتدة حاملاً، وأصرت على الردة وجب تأخير قتلها حتى تضع حملها، فإذا ولدت ووجدت مرضع ترضع طفلها، وقبلها الطفل، نُفِّذ القتل فيها، وإن لم توجد مرضع ترضعه أو وجدت ولم يقبلها الطفل، وجب تأخير تنفيذ القتل فيها إلى تمام رضاعتها له، لئلا يؤخذ طفلها البريء بجريرة أمه.
المبحث الرابع:إثبات الردة

تثبت الردة أمام القضاء بشهادة رجلين مسلمين عدلين، وبهذا قال جمهور الفقهاء. وقال ابن المنذر: ولا نعلم أحداً خالف في هذا إلا الحسن قال: لا يُقبل في إثبات الردة إلا أربعة شهود؛ لأنها شهادة بما يوجب القتل، فلم يقبل فيها إلا أربعة شهود، قياساً على الزنى. ولكن يرد على قول الحسن أن الشهادة على الردة شهادة في غير الزنى، فتقبل من عدلين كالشهادة على السرقة.

فإذا ثبتت ردة المرتد بالبينة، فقال المرتد أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، خلي سبيله، ولا يكلف الإقرار بما نسب إليه لقوله، صلى الله عليه وسلم: صحيح البخاري، 24أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ (صحيح البخاري، 24)؛ ولأن النطق بالشهادتين يثبت بهما إسلام الكافر الأصلي، فكذلك يثبت بهما إسلام المرتد، ولا حاجة مع ثبوت إسلامه إلى الكشف عن صحة ردته.

مراجع البحث

1. أحمد محمد إبراهيم، "القصاص في الشريعة الإسلامية وفي القانون المصري"، د.ن، د.م، 1944.
2. ابن القيم، "أعلام الموقعين"، دار الحديث، القاهرة، د.ت، ج2.
3. ابن الهمام، "شرح فتح القدير"، دار الفكر العربي، القاهرة، د.ت.
4. ابن بخيم، "الأشباه والنظائر"، دار الفكر العربي، القاهرة.
5. ابن جزي الكلبي، "القوانين الفقهية"، دار الكتاب العربي، بيروت، 1984.
6. ابن عابدين ، "رد المحتار على الدر المختار، المشهور بحاشية ابن عابدين"، مطبعة بولاق، القاهرة، 1272هـ.
7. ابن قدامة، "المغني"، مكتبة المنار، القاهرة، 1367.
8. ابن منظور، "لسان العرب"، دار صادر، بيروت، 1990.
9. السرخسي، "المبسوط"، دار الكتب العلمية، بيروت، د.ت.
10. سعدي أبو جيب، "القاموس الفقهي: لغة واصطلاحاً"، ط2، دار الفكر، دمشق، 1988.
11. سعيد الوادعي، "أثر الشبهات في درء الحدود"، مكتبة التوبة، الرياض، 1418.
12. عبد العزيز عامر، "التعزير في الشريعة الإسلامية"، رسالة مقدمة إلى جامعة القاهرة، 1955م.
13. عبد القادر عوده، "التشريع الجنائي مقارنة بالقانون الوضعي"، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1985، مج2.
14. عبدالسلام شريف، "المبادئ الشرعية"، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1406.
15. عبدالكريم زيدان، "المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم"، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1993.
16. الفتاوى الهندية"، دار صادر، بيروت، 1991.
17. فرج محمد السيد عمار،"الحدود في الشرائع" رسالة مقدمة إلى كلية الشريعة عام 1936م.
18. الكاساني، "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع"، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1996.
19. محمد أبو زهرة، "الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي".
20. محمد حسين الذهبي، "أثر إقامة الحدود في استقرار المجتمع"، ط2، مكتبة وهبة، القاهرة، 1986.
21. محمد عطية راغب، "جرائم الحدود في التشريع الإسلامي والقانون الوضعي"، مكتبة القاهرة الحديثة، القاهرة، 1961.
22. محمد مهدي علام، "العفو في الإسلام"، صحيفة دار العلوم، القاهرة، 1938.
23. المرغيناني، "الهداية: شرح بداية المبتدئ"، دار الكتاب المصري اللبناني، القاهرة، د.ت.
24. مصطفى أحمد الزرقاء، "المدخل الفقهي العام" دار الفكر، دمشق، ط1، 1968.
25. منصور يونس إدريس البهوتي، "شرح منتهى الإيرادات"، د.ن، 1947.

الموضوع الأصلي : الحدود الشرعية الكاتب : AlexaLaw المصدر : منتديات عالم القانون
التوقيع
توقيع العضو : AlexaLaw
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.AlexaLaw.com
 

الحدود الشرعية

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

.:: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ::.


      هام جداً: قوانين المساهمة في المواضيع. انقر هنا للمعاينة     
odessarab الكلمات الدلالية
odessarab رابط الموضوع
AlexaLaw bbcode BBCode
odessarab HTML HTML كود الموضوع
صلاحيات هذا المنتدى:

لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
عالم القانون :: منتدى AlexaLaw لعالم القانون :: القانون و الشريعة الإسلامية-
انتقل الى:  
الإسلامي العام | عالم القانون | عالم الكتاب و الثقافة العامه | التجاره و المال و الأعمال | البرامج و تكنولوجيا المعلومات | تطوير المواقع و المدونات | الترفيهي و الإداري العام

Powered by AlexaLaw.com ® Phpbb Version 2
Copyright © 2010
.:: جميع الحقوق محفوظه لمنتدى عالم القانون © ::.

.::جميع ما ينشر في المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأي القائمين عليه و إنما يعبر عن وجهة نظر كاتبه في حدود الديمقراطيه و حرية الرأي في التعبير ::.