عالم القانون
سيد الاستغفار

عنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي اللَّه عنْهُ عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « سيِّدُ الاسْتِغْفار أَنْ يقُول الْعبْدُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي ، لا إِلَه إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَني وأَنَا عَبْدُكَ ، وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما صنَعْتُ ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ علَيَ ، وأَبُوءُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لي ، فَإِنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْتَ . منْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا ، فَمـاتَ مِنْ يوْمِهِ قَبْل أَنْ يُمْسِيَ ، فَهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ ، ومَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وهُو مُوقِنٌ بها فَمَاتَ قَبل أَنْ يُصْبِح ، فهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ » رواه البخاري .


كشفت أنظمة المنتدى أنك غير مسجل لدينا فأهلا وسهلا بك معنا و تفضل بتصفح المنتدى و إن شاء الله ينال إعجابك و لا تحرمنا حينها من تسجيلك معنا و مشاركاتك و إفادتنا بخبرتك .


عالم القانون
سيد الاستغفار

عنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي اللَّه عنْهُ عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « سيِّدُ الاسْتِغْفار أَنْ يقُول الْعبْدُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي ، لا إِلَه إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَني وأَنَا عَبْدُكَ ، وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما صنَعْتُ ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ علَيَ ، وأَبُوءُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لي ، فَإِنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْتَ . منْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا ، فَمـاتَ مِنْ يوْمِهِ قَبْل أَنْ يُمْسِيَ ، فَهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ ، ومَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وهُو مُوقِنٌ بها فَمَاتَ قَبل أَنْ يُصْبِح ، فهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ » رواه البخاري .


كشفت أنظمة المنتدى أنك غير مسجل لدينا فأهلا وسهلا بك معنا و تفضل بتصفح المنتدى و إن شاء الله ينال إعجابك و لا تحرمنا حينها من تسجيلك معنا و مشاركاتك و إفادتنا بخبرتك .



عالم القانون

العدل أساس الملك - Justice is the basis
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
TvQuran
 أُطروحات في موضوع إقامة الدولة الإسلامية مخالفة للطريقة الشرعية 110
AlexaLaw on facebook
 أُطروحات في موضوع إقامة الدولة الإسلامية مخالفة للطريقة الشرعية 110
 أُطروحات في موضوع إقامة الدولة الإسلامية مخالفة للطريقة الشرعية 110
 أُطروحات في موضوع إقامة الدولة الإسلامية مخالفة للطريقة الشرعية 110
 أُطروحات في موضوع إقامة الدولة الإسلامية مخالفة للطريقة الشرعية 110
 أُطروحات في موضوع إقامة الدولة الإسلامية مخالفة للطريقة الشرعية 110

شاطر | 
 

  أُطروحات في موضوع إقامة الدولة الإسلامية مخالفة للطريقة الشرعية

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى

الجنس : ذكر

تاريخ التسجيل : 03/03/2010

عدد المساهمات : 19648

نقاط : 12654998

%إحترامك للقوانين 100

العمر : 34

الأوسمه :

 أُطروحات في موضوع إقامة الدولة الإسلامية مخالفة للطريقة الشرعية 1384c10


الأوسمة
 :


 أُطروحات في موضوع إقامة الدولة الإسلامية مخالفة للطريقة الشرعية Empty
مُساهمةموضوع: أُطروحات في موضوع إقامة الدولة الإسلامية مخالفة للطريقة الشرعية    أُطروحات في موضوع إقامة الدولة الإسلامية مخالفة للطريقة الشرعية I_icon_minitime3/10/2011, 23:01

خيارات المساهمة


أُطروحات في موضوع إقامة الدولة الإسلامية مخالفة للطريقة الشرعية

الدكتور عادل عامر

هناك أطروحات يقف وراءها جماعات إسلامية، أو مفكرون مسلمون، تتعلق بهذا الموضوع . وبغض النظر عن القائل فلا بد من الاهتمام بالقول . ولا بد من استعراض سريع لها وإماطة اللثام عنها حتى لا يبقى المسلم في حَيْرة، يضيع في متاهات هذه الطروحات، أو يحمل شبهات تتعلق بحمل الدعوة . ونعرض فيما يلي أهمها : هناك من المسلمين من يقول بأن فرض العمل لإقامة الخلافة يجب أن يقتصر على دعوة الحكّام وملئهم. وهناك من المسلمين من يقول بأن العبادة هي المطلوبة وليس العمل لإقامة الدولة الإسلامية. وهناك من المسلمين من يقول بأن العبادة هي المطلوبة وليس العمل لإقامة الدولة الإسلامية. وهناك من يقول بأن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم غير محققة. وهناك من المسلمين من يرى أن حمل السلاح في وجه حكام اليوم هو طريقة التغيير الواجبة الاتباع.
(1) القول بأن فرض العمل لإقامة الخلافة يجب أن يقتصر على دعوة الحكّام وملئهم
والملأ من الناس هم سادة الناس ممن بيدهم الأمور ويحيطون بالحكام . فإن نجحت دعوة هؤلاء تغيرت المجتمعات لصالح الإسلام بسهولة وإلا فلن يحصل تغيير . والذي ألجأ إلى هذا الفهم من الاقتصار على الملأ في الدعوة هو أن العمل لإقامة الخلافة من خلال دعوة المسلمين العاديين سيوقعهم تحت إذلال الحاكم، وستُحَمَّل نفوسهم ما لا تطيق الصبر عليه، والمسلم قد نهي عن ذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: « لا ينبغي لمسلم أن يذل نفسه» قيل : وكيف يذل نفسه ؟ قال : «يتعرّض من البلاء لما لا يطيق» [ رواه أحمد والترمذي وابن ماجة ] . والناظر في الواقع الذي تنشأ فيه الدعوات يرى أنها تنشأ في المجتمعات التي يكثر فيها الظلم والفسق والضياع والعنت ومشقة الحياة . وحيث يكون مرد كل هذه الظواهر إلى البعد عن الإيمان بالله وحده وحقه بالحاكمية . لذلك كان الأنبياء سابقاً، ومنهم رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يدعون أول ما يدعون إلى الإيمان بالله وعبادته . والمجتمعات بشكل عام، قديماً وحديثاً، يقودها الحكام وَمَلأُهم . وتكون التصورات الاعتقادية الباطلة وما ينشأ عنها من قوانين بحسب مصالحهم . ويحافظون عليها لحفاظهم على مصالحهم ومراكزهم . ويتولون كبر الدفاع عنها وحمايتها . وهذا ما حدا بأعرابي حصيف عندما سمع بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لأول مرة لأن يقول كلمة بعيدة الغور، صائبة الهدف : " إن هذا أمر تكرهه الملوك " . والناس في هذه المجتمعات ينقادون لهؤلاء الحكام ومَلئِهم، فهم يتأثرون أكثر مما يؤثرون . ويخضعون للنظام المطبق عليهم ولو كانوا له كارهين . ويعلمون أن دفع ظلم الحكام عنهم مكلف . والأنبياء والرسل عندما يبعثهم الله، يبعثهم إلى أقواهم ليبصروهم الحق ويهدوهم سواء السبيل . وكان الذي يتولى مسؤولية الرد وقيادة المواجهة هو الحكام وملأُهم من الذين استكبروا . والملأ : هم أعوان الحكام، وهم أصحاب المصالح والأغنياء المترفون . وهم زعماء الناس وسادتهم، وهم الذين يشكلون الوسط السياسي والفكري للحاكم، يعتمد عليهم ويستعين بهم . وهم الذين بيَّن الله سبحانه أنهم في طليعة من يتصدى لأنبياء الله، لأن نفوسهم قد امتلأت بحب المال والجاه، ومصالحهم ارتبطت بمراكزهم . لذلك فعندما تأتي دعوة الله سبحانه وتعالى لهم يظنون أنها تتعارض مع مصالحهم ومراكزهم فيتصدرون المواجهة ويوغرون صدر الحاكم، ويزينون له محاربتها والقضاء عليها . فينصاع بما تحمل نفسه من شرور وآثام لنصائحهم وتقوم المواجهة على أشدها بين أنبياء الله وهؤلاء الحكام الذين يحيط بهم هؤلاء الملأ، وتبدأ المعركة الفكرية والكفاح السياسي بين أنبياء الله وهؤلاء الحكام وملئهم على كسب الناس . ويقوم الأنبياء بالدعوة إلى الحق بالحق وهم عزل وضعفاء لا يملكون من القوة إلا سلطان الكلمة الصادقة بما لها من تأثير على النفوس . فيواجههم الحكام ومعهم ملأُهم بالحجة الباطلة ابتداءً، من قولهم إنها سحر البيان أو إنها أساطير الأولين أو إن حاملها مجنون أو كذاب . وإن المؤمن بها سفيه من أراذل الناس . وحين لا ينفع ذلك يلجأون إلى التعذيب والتشريد والبطش والتقتيل . وتنفتح المعركة من أوسع أبوابها بين الأنبياء وأتباعهم وبين الحكام وملئهم ومن يبقى من الناس على دين ملوكهم . سُنّة واحدة يحدثنا القرآن عنها بإيجاز معبِّر . فها هو سيدنا نوح عليه السلام يدعو قومه . فيعترضه أول ما يعترضه الملأ من قومه . قال تعالى في سورة الأعراف : ﴿ لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غَيْرُهُ، إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم . قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين . قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين﴾ . وها هو سيدنا هود عليه السلام يدعو قومه عاداً . فيردُّ عليه دعوته أول ما يردّ الملأ منهم . قال تعالى في سورة الأعراف : ﴿ وإلى عادٍ أخاهم هوداً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غَيْرُهُ أفلا تتقون . قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين ﴾ . وها هو سيدنا صالح عليه السلام حين دعا قومه ثموداً كان أول من أنكر عليه دعوته هم الملأ من قومه . قال تعالى في سورة الأعراف : ﴿ وإلى ثمود أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غَيْرُهُ … ﴾ . وقال تعالى : ﴿ قال الملأ الذين استَكْبَروا من قومه للذين استُضعِفوا لِمن آمن منهم أتعلمون أن صالحاً مرسل من ربه، قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون . قال الذين استَكْبَروا إنا بالذي آمنتم به كافرون ﴾ . وها هو سيدنا شعيب عليه السلام حين دعا قومه في مدين واجهه الملأ مستكبرين . قال تعالى في سورة الأعراف : ﴿ وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيرُهُ ... ﴾ وقال تعالى: ﴿ قال الملأ الذين استَكْبَرُوا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا … ﴾. وها هو سيدنا موسى عليه السلام، إذ أرسله الله إلى فرعون وملئه فكذبوه وأخافوا من معه وأشاعوا عليه وحرضوا فرعون على قتله . قال تعالى : ﴿ ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين ﴾ وقال تعالى : ﴿ قال الملأ من قوم فرعون إنّ هذا لساحر عليم ﴾ وقال تعالى : ﴿ وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وَآلِهَتَكَ … ﴾ وقال تعالى : ﴿ فما آمن لموسى إلا ذُريةُ من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم، وإنّ فرعون لعالٍ في الأرض وإنه لمن المسرفين ﴾ . وتحدثنا سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي لا تشذ عن سيرة من سبقه من الأنبياء، أن الذي كان يجمد الدعوة ويمنع الإيمان بها والاستماع لها هو شدة الملاحقة والتعذيب للمؤمنين . فيخاف المؤمن أن يفتنه قومه وأهله عن إيمانه . ويخاف الذي يريد أن يؤمن أنْ يلاقي ما يلاقيه من قد آمن . وتبقى المعركة سجالاً بين المؤمنين وبين من خالفهم وعلى رأسهم الملأ . ثم ينسحب البساط من تحت أرجل الطواغيت، ويمسك بزمام الأمر من قام بحق هذه الدعوة . وقد جاء في البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم ساجد وحوله ناس من قريش جاء عقبة بن أبي معيط بسلا جزور، فقذفه على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يرفع رأسه فجاءت فاطمة عليها السلام فأخذته من ظهره ودعت على من صنع ذلك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" اللهم عليك الملأَ من قريش : أبا جهل بن هشام وعتبة بن ربيعة، وأمية بن خلف، … " قال ابن مسعود رضي الله عنه : فرأيتهم قتلوا يوم بدر فألقوا في بئر . إنّ مكة لم تعرف زمن الرسول صلى الله عليه وسلم حاكماً واحداً فقط وملأَه، بل كان فيها ملأ متعددون، وهؤلاء هم الذين تصدروا مواجهة دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وصرف الناس عنها . والأنبياء أُرسلوا إلى أقوامهم بينما أُرسِلَ محمد صلى الله عليه وسلم في دعوته إلى الناس كافة . وإذا تولى الملأ من قريش كِبْرَ الرد والصد فليس معنى ذلك أن الدعوة كانت مقصورة عليهم . فالرسول صلى الله عليه وسلم قد دعا الجميع من غير تفريق، فلم تعرف دعوته تفريقاً بين غني وفقير ولا بين سيد ومسود . حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد عاتبه ربه لما عبس في وجه ابن أم مكتوم، وهو مؤمن فقير أعمى، وحرص على دعوة السادة الذين كان مجتمعاً بهم مع أنه كان يطمع بإيمانهم وبإيمان من وراءهم . وليس هذا العتاب من الله لرسوله منعاً من الاهتمام بدعوة السادة بل فيه منع من التفريق فقط . فدعوة السادة كدعوة العامة سواء في الطلب . حتى أن السِّيَرَ تذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان يدعو السادة لم يكن يدعوهم فقط لأنهم زعماء وسادة بل كان يدعوهم طمعاً في إيمان من وراءهم من الناس العاديين . إذاً فإن الدعوة كانت تشمل الجميع . وكذلك فقد لبى نداء الدعوة أناس لم يكونوا معتبرين أسياد في قومهم من مثل بلال وعمار وأمه وأبيه . وكذلك صهيب وسلمان لم يكونا من سادة قريش . وكذلك فإن عامر بن فهيرة وأم عبيس وزنيرة والنهدية وابنتها وجارية بني مؤمل كلهم كانوا رقاباً أعتقهم أبو بكر رضي الله عنه وهؤلاء كانوا من أوائل المؤمنين . فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو من يأنس فيه الخير ابتداء، ثم دعا الناس جميعاً، وكان يستجيب له صغار السن وكبارهم، والوضيع في قومه والشريف . فلا اقتصار في موضوع الدعوة بل شمول للجميع، وبالطريقة التي سلكها الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يحقق لنا ما حققه الرسول صلى الله عليه وسلم من إقامة دار الإسلام .
(2) القول بأن العبادة هي المطلوبة وليس العمل لإقامة الدولة الإسلامية وأن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا إلى عبادة الله ولم يَدْعُ إلى إقامة دولة إسلامية، أو أن القضية المركزية هي عبادة الله وليست الدولة الإسلامية، أو ليس المهم أن نقيم دولة إسلامية بل المهم هو أن نعبد الله، أو ما في هذا المعنى . وللإجابة على هذا الاعتراض لا بد من تحديد واقع العبادة وكيف تتحقق . فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ليعبده . فالعبادة هي الغاية التي خلق الله الإنسان من أجلها . ومعنى (لا إله إلا الله) هو : لا معبود إلا الله وحده وأن ما عداه باطل يجب أن يكفر به ويجب أن يشهد الإنسان بذلك . و (محمد رسول الله) أي أن تكون العبادة والطاعة بحسب ما جاء به محمد رسول الله وحده صلى الله عليه وسلم ويجب أن يشهد الإنسان بذلك . فالعبادة هي لله وحده ولا تكون إلا بما شرع الله مما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده وهذا أصل يجب تحقيقه في كل عمل أو قول في حياتنا . فالمسلم حين يقوم في هذه الحياة بالعمل لتحقيق حاجة في نفسه، أو لتحقيق قيمة ما في واقع حياته فهو إنما يندفع بدافع إشباع حاجاته وغرائزه التي قد تشبع على أكثر من وجه . وإشباعها على الوجه الشرعي فقط والاقتصار عليه، وتعليق ذلك على الإيمان بالله، يجعل عمل المسلم عبادة . وحيث أن وراء كل عمل تحقيق رغبة أو حاجة، كانت أعمال الإنسان شاملة لكل نواحي الحياة . فالعبادة هي أن يجعل الإنسان كل أعماله مسيَّرة بأوامر الله ونواهيه، وأن يكون هذا التسيير قائماً على الإيمان بالله وحده، وهذا يؤدي إلى شمولية العبادة لكل أعمال الإنسان . وعندما تقول لمسلم : ( أعبد الله ) فليس معنى هذا أنك تأمره فقط بأن يصلي أو يزكي أو يحج أو أن يقوم بما وضعه الفقهاء تحت باب العبادات . إنما معناه أن يطيع الله في كل ما أمر وأن ينتهي عن كل ما نهى عنه . فالإيمان بالله هو أصل الأعمال . والعبادة تكون لتسيير الأعمال جميعها بناء على الإيمان بالله وحده . وعلى هذا فالدين كله عبادة , والعبادة معناها الذل . ومعنى ندين لله أي نعبده ونتذلل لأمر الله العليم الخبير، ونخضع له راضين مستسلمين . لذلك كان من عبادته وطاعته : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيله لأهل الكفر والنفاق، وإقامة دين الله في حياة المسلمين، ونشر الدعوة بين الناس جميعاً، وحماية بيضة المسلمين، كما تظهر في الصلاة والزكاة والقيام .. وعبادة الله الشاملة لكل أعمال الإنسان يقوم بها المسلم بحسب الواقع الذي يعيشه . فإذا كان واقع المسلم أنه لا يصلي فدعوته إلى الصلاة هي دعوة إلى عبادة، ودعوته إلى الصيام هي دعوة إلى عبادة ودعوته إلى أن يبيع ويشتري بحسب الشرع الإسلامي هي دعوة إلى عبادة . وحيث أن الإيمان بالله هو أصل كل عبادة لذلك كان يجب أن يسبق الدعوة إلى الصلاة أو الصيام، إثارة منطقة الإيمان في المدعو، وجعل الإيمان هذا هو الدافع للتقيد والمسيّر للأعمال . وكذلك فإن الدعوة إلى إقامة الإسلام، والحكم بما أنزل الله هي أمر من أوامر الله تجب طاعته . ويقوم به من يؤمن بالله، ويجب أن يسبق الدعوة له الدعوة إلى الإيمان بالله، وبهذا تتحقق العبادة في هذا الأمر . وبما أن المسلمين اليوم يعيشون في أنظمة كفر لا تستمد أحكامها من عند الله، ولا يحيا المسلم فيها الحياة الإسلامية، فإنّ الدعوة إلى إقامة الدين تكون دعوة إلى عبادة الله، يجب أن تنصرف إليها الهمم، وتبذل لها الجهود . ولهذا فإن علينا أن نربط دعوتنا إلى عبادة الله بمشكلات عصرنا والتي تتمثل جميعها بالدعوة إلى استئناف الحياة الإسلامية، حيث تتحقق عبادة الله على أكمل صورة . ولذلك كانت الدعوة إلى إقامة الدولة الإسلامية هي دعوة إلى إقامة الدين وهي عبادة . وهي دعوة إلى عبادة . لكونها أمراً من الله الذي آمنا به . والمسلم الذي لا يقوم بذلك يكون مفرطاً بعبادة الله سبحانه . ولذلك كانت طبيعة طرح هذا الموضوع من قبل هؤلاء المسلمين خاطئة لأنها تظهر وكأن العمل لإقامة الخلافة متعارض مع العبادة . وفيه ضرب للقرآن ببعضه، وهذا نُهي عنه المسلمون .
الوطنية
لم تكن الوطنية تمثل يوما للمسلمين هاجسا أو تصورا أو حتى شعورا يحرك الواحد منهم تجاه الأشياء والحوادث والأشخاص تحريكا متميزا . بل إن العرب أنفسهم وقبل ظهور الإسلام لم يكن للوطنية مفهوم عندهم ولم تكن تتجاذبهم من العنصريات إلا الرابطة العرقية أو القبلية وما ينتج عنها من التفاخر والتناصر فيما بينهم ، أما الوطن والأرض والتراب فلم يكن يمثل لهم إلا السكنى والمال المرتبط بالأرض والأهل والولد ، ولا غضاضة لدى الواحد فيهم أن يرحل من أرضه طالبا الرعي والزرع وغير ذلك من بسائط مقومات الحياة عندهم تاركا أرضه بكل سهولة ويسر ، ولولا الترحال والتنقل بين الشعوب قاطبة لما وجدت الحضارات والدول القديمة . كما أنه لم يرد في الإسلام لا في نصوص القرآن الكريم ولا في نصوص السنة الشريفة ولا حتى في آثار الصحابة والصالحين ما يدل على مفهوم الوطنية والوطن وبالمناسبة فحديث " حب الوطن من الإيمان " ليس بحديث ولم يرد في كتب الحديث ، والفقهاء عندما بحثوا الأرض وارتباط الإنسان بها قالوا عنها الدار والدار ليست الوطن بل هي الأرض بما عليها من بشر وأحكام واستندوا في ذلك لحديث سليمان بن بريدة الذي بين فيه الرسول الكريم عليه وآله أفضل الصلاة والسلام أن من يدخل من الأعراب في الإسلام عليه أن يتحول إلى دار المهاجرين ليكون له ما لهم من الإنصاف وعليه ما عليهم من الإنتصاف ، والدار عندما بحثها الفقهاء اشترطوا لكونها دار إسلام أن تحكم بالإسلام وأن يكون أمانها بأمان المسلمين ومن رضي أن يسكن هذه الدار ويصبح من رعاياها يكون من أهلها بغض النظر عن دينه أو عرقه أو موطنه الأصلي فتجد غير المسلم في دار الإسلام يتمتع بما لا يتمتع به المسلم خارج دار الإسلام .أما اليوم فقد حرص الغرب الكافر وبمعونة عملاءه حكام المسلمين على زرع الناحية الوطنية وحب الوطن والتضحية في سبيله وجعلها رابطة بين أبناء الوطن الواحد تميزهم عن غيرهم من المسلمين ، وما ذلك كله إلا زيادة في تفرقة المسلمين ووضع العراقيل والمصاعب في وجه وحدتهم إذا ما تطلعوا لها وعملوا لها ، بل إنهم لم يكتفوا بذلك بل أثاروا في الناس كل ما يزيد بعدهم عن الإسلام ويحول دون وحدتهم مع إخوانهم المسلمين فبثوا في مصر الفرعونية وفي تركيا الطورانية وفي الشام الفينيقية وفي العراق الآشورية وآخرها في جزيرة العرب الخليجية حتى صدقت الشعوب فعلا أنها فرعونية وطورانية وفينيقية وآشورية وخليجية فتوحدت على هذه السخافات ونظرت إلى غيرها من الشعوب بفوقية وتعالي .لقد جاء الإسلام للبشر عامة لينقذهم من براثن العبودية لغير الله وذلة البشر والجور والجهل إلى عزة العبودية لله تعالى والعيش وفق طريقة الإسلام فنظم حياتهم مسلمين وغير مسلمين دون النظر إلى أصولهم وألوانهم وأوطانهم وجعل الأفضلية بينهم التقوى ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) وحذرهم من التفاخر بالعنعنات الجاهلية ، قال عليه وآله أفضل الصلاة والسلام : « لينتهين أقوام يفتخرون بآباءهم ، هم حصب جهنم ، أو ليكونن أهون على الله من الجعل يدهده الخرء بأنفه ، ألا كلكم لآدم وآدم من تراب » حديث صحيح رواه أبو داود في سننه ، فلندع عنا التفاخر بالأوطان والأنساب ولنتفاخر بعبوديتنا لله تعالى وحده ولنعمل سويا لإقامة دولة الإسلام التي توحد الناس تحت رايتها فترعى شئونهم بالإسلام وتنقذهم من الدنيا إلى الآخرة بسلام
مفهوم العمل السياسي في الاسلام
إن مفهوم العمل السياسى فى الإسلام – كما نراه – يتطابق مع الدعوة القرآنية إلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .. ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولائك هم المفلحون ) آل عمران : 104 . ولتكن منكم أمة .. أى جماعة أو فرقة .. وهذا المعنى يتكرر بصورة متعددة فى القرآن الكريم إشارة إلى أهميته ، رغم أن نص القرآن على شئ ولو مرة واحدة يكفى لإلزامه . ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) آل عمران 110 ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) التوبة 122 ما العمل السياسى الإسلامى إذن إلا الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .. وفى ظروفنا الحالية يتطور الأمر إلى قضية السلطة ، أى العمل السياسى لتغيير الحكومة التى لا تلتزم بشريعة الله .. ووقعت فى براثن التبعية لقوى الغرب المعادية للإسلام وما تمليه هذه التبعية من سياسات متغربة علمانية فى شتى مجالات تنظيم المجتمع . لقد أصبحت " السياسة " كلمة منكرة فى صفوف التيارات الإسلامية نتيجة ارتباطها بكثير من مظاهر الفساد والارتزاق وتقلب العاملين فى السياسة كالحرباء وانتهاجهم لشعار " الغاية تبرر الوسيلة " ، وإن كان هذا صحيحا فقد يدفعنا هذا للتبرم من كل المجالات " وليس السياسة فحسب " التى ضرب فيها الفساد أطنابه . السياسة بالفهوم الميكافللى " الغاية تبرر الوسيلة " مفهوم غربى للسياسة ، ولكن هل يعنى هذا أن يقلع الإسلاميون عن العمل السياسى ؟ ! أم يطرحوا مفومهم للعمل السياسى ؟ فالسياسة لا يمكن الانسلاخ منها . إنها تعنى ببساطة كل الأمور التى تمس التنظيم الكلى للمجتمع .. فكيف لا يعنى الإسلامى بالسياسة ، وهو يتحدث عن الطبيعة الشاملة للدين الإسلامى . غاية ما هنالك أنه مطالب بتقديم قدوة حسنة جديدة فى أسلوب ممارسة السياسة ، وأن يضبط برامجه وممارساته السياسية بالضوابط والمضامين الإسلامية . وكما ذكر الماوردى فإن مهمة الحاكم الإسلامى ( حراسة الدين وسياسة الدنيا ) ، وعندما يكون الإسلاميون فى المعارضة فلا بد أن يتدربوا ويتفقهوا فى أمور سياسة الدنيا فهذا الأمر وثيق الصلة بنجاحهم فى صراعهم مع السلطات المعادية أولا ، ثم بناء النموذج الإسلامى البديل من موقع السلطة ثانيا . إن عدم اشتغال الإسلاميين بالعمل السياسى ، معناه الانسحاب من الساحة الأساسية للتغيير ن والانشغال بأمور فرعية ، أو مشاغبات مع السلطات لا تجدى على المستوى الاستراتيجى ، كما أن الانسحاب من العمل السياسى يؤكد سيادة المفهوم العلمانى للعمل السياسى ، ويفرغ الحياة السياسية من المضمون الإسلامى ويؤدى إلى تخلف الحركة الإسلامية المعزولة عن حقائق ومشكلات العصر والمجتمع ، ويحولها إلى مجرد جماعات ضغط حول بعض القضايا المتناثرة المتعلقة بالدين ، أكثرها فى المجال الأخلاقى والسلوكى . والأحزاب السياسية ( كالعمل السياسيى ) ليست مدلولات مطلقة بحيث نحكم عليها حكما شرعيا .. فما الأحزاب السياسية إلا مجموعات أو جماعات أو فرق تلتف حول برامج فكر معين وتسعى لنشرها فى المجتمع ، وإقامة الحكم على أساسها . وهذه القضية يمكن النظر إليها من زوايا عدة : إن مدلول الألفاظ والمصطلحات يختلف من عصر لعصر .. وعندما نأخذ كلمة أو مصطلحا من القرآن الكريم يجب أن نفهم معناه كما ورد فيه ولا نسقطه ظاهريا على نفس اللفظ عندما يستخد استخداما آخر .. ( من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون ) . والحزب هنا فى المعنى القرآنى بمعنى الفريق أو الجماعة أو الطائفة .. إلخ .. وبالتالى فإن استخدام هذه الآية لإدانة الأحزاب السياسية بصورة " شرعية " استخدام غير صحيح يستخدم الكلمة فى غير موضعها وفى ظروف غير ظروفها .. بل إن مراجعة استخدام " القرآن " للحزب فى مجمل الآيات والسور يوضح أن لفظة " حزب " كما ذكرنا تعنى فرقة أو جماعة ، وهى لفظة محايدة بمعنى إنها وعاء يمكن أن ينطوى على الخبيث أو الطيب . فحدثنا الحق تبارك وتعالى عن حزب الله وعن حزب الشيطان . ( ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون ) المائدة 56 . ( استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ) المجادلة 19 . ولا نريد أن نطيل فى هذا الأمر لوضوحه فى القرآن الكريم .. ولكن لا شك أن مصطلح الحزب السياسى فى عصرنا وفى بلادنا له مدلول متميز وخاص لابد أن نحدده كى تكون المقاييس دقيقة . ولكننا أردنا فى البداية أن نرفع الجرم عن مصطلح ح" حزب " فى حد ذاته . لا شك أن النظام السياسى فى بلادنا قائم على التعدد الحزبى وفقا للمفاهيم العلمانية الغربية للتعدد .. ومن المؤسف أنه لم ينقل إلا سلبيات وشكليات التجارب الغربية .. ودون أن يحقق جوهر الفكرة الديمقراطية وهو إمكانية تداول السلطة بين الأحزاب بصورة سلمية وعبر الانتخابات . وقد رفض قانون الأحزاب قيام الأحزاب على أساس دينى ، أو هذا بالأحرى تفسير السلطة له ، لأن قانون الأحزاب يرفض قيام أحزاب على أساس التفرقة الدينية ، وهذا الشرط يسقط فى حالة حزب العمل المفتوح لكل المصريين : مسلمين وأقباطا . وفى المقابل فإن قانون الأحزاب يلزم الأحزاب كافة بمبادئ الشريعة الإسلامية ( المادة الرابعة ) . وتجب التذكرة بأن المسيحية لا تقدم شرائع اجتماعية ولا تتضمن قواعد لتنظيم الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والدولية كما هو الحال بالنسبة للدين الإسلامى . إن حق الإسلاميين فى تنظيم الأحزاب السياسة حق أصيل لا بد أن ينتزع ويحافظ عليه ، وهذا تمهيد ضرورى لإقامة النظام الإسلامى .. إن الصحوة الإسلامية هى صحوة شعب بأسره ولا يمكن أن تتم سرا أو خفية .. فقد تجاوزت الحركة الإسلامية هذه المرحلة حيث أن مجمل النشاط الإسلامى يتم على مرأى ومسمع من السلطات وهذا من طبيعة الأشياء . وبالتالى ف، ممارسة حزب العمل للنشاط الإسلامى كسب للحركة الإسلامية ككل ولا بد من الحفاظ عليه لأن انتزاع حق الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لا بد أن يسبق إقامة الحكم الإسلامى ، فلا بد من ممارسة العمل السياسى بصورة مباشرة لتعديل الأوضاع القائمة عن طريق الانتخابات ، لتعبئة الجماهير لفرض انتخابات حرة نزيهة .. أو عن طريق حركة سلمية للرأى العام إذا بلغت من القوة والشدة حدا معينا لا بد أن تهئ الظروف السياسية لإحداث التعديل المطلوب ، عملا بالقول المأثور ( كما تكونوا يولى عليكم ) ، فالحكام لا يفرضون مواقفهم بقوة الأجهزة القمعية فحسب ، بل برضاء الناس وموافقتهم أو صمتهم .. وعندما يعلن الشعب بمختلف الصور والأشكال رفضه للسياسة الرسمية فلا بد أن تسقط هذه السياسة ، لأن أى سياسة رسمية لا قيمة لها إذا لم يلتزم بها المحكومون وينفذونها .. فالحكام ليسوا فى جزيرة معزولة .. والمحكومون فى جزيرة أخرى ، بل العلاقات متشابكة ومتداخلة فإما تعاون وإما رفض ومقاطعة تفتح الطريق للتغيير . ولا شك أن مظاهر الصحوة الإسلامية فى مجال العبادات والسلوكيات هى بداية المفاصلة والفرز بين الحكام والمحكومين .. ففى حين ينتهج الحكام سياسة لا تشجع العودة للقيم الدينية ، يقبل المحكومون على دينهم .. ويتخذونه مرشدا فى حياتهم الخاصة بصورة متزايدة وهذه هى البداية . ومهمة الحركة الإسلامية أن تنقل هذه الصحوة إلى مستوى أعلى .. إلى ساحة النضال السياسى المباشر لتهتم كافة مظاهر وأشكال للغرب .. وبالنظم التى تحكم قواعد العمل السياسى .. والتى تحاول أن تهمش العمل الإسلامى لتحصره فى بعض أنشطة المساجد والتى تبتعد بدورها عن الحديث فى السياسة . والعمل السياسى الإسلامى يعنى تتبع ومتابعة كافة مظاهلر وأشكال السياسة المتغربة ، وطرح الرؤية الإسلامية فى مواجهتها .. هو مطاردة فكرية واعية ، ومحاصرة لهذه الاختراقات التى غشت عقلية الأمة وبالأخص فى رأسها ( الحكم ) والعمل السياسى الإسلامى له بعد إصلاحى .. بمعنى مناصرة المظلومين والمستضعفين .. وقطع الطريق على هذا القرار أو ذاك ، على هذا التشريع أو ذاك ، مما يمكن أن يحيق الضرر بالأمة .. وهو عمل إصلاحى لأنه يتم فى إطار سيطرة الحزب الحاكم .. وهو من قبيل تقليل الخسائر .. وحصرها قدر الإمكان ، إلا أنه عبر هذه المناجزات الإصلاحية يتم إعداد الأمة وتربيتها للمنازلة الكبرى : التمكين لدين الله .. وإقامة نظام يلتزم بالإسلام شكلا وموضوعا ، ويجعله الإطار المرجعى لكافة توجهاته ، وهذا يستدعى المشاركة فى انتخابات المجالس المحلية ومجلس الشعب .. وكافة الهيئات والنقابات المنتخبة ، ويجعل فى مقدمة أولويات النشاط الإسلامى المطالبة بأقصى ضمانات ممكنة للعمليات الانتخابية باعتبارها الوسيلة السلمية للتغيير .. ووضع الحكومة فى موضع المعتدى عندما ترفض اللجوء النزيه لصناديق الاقتراع . إذن مهمة الحركة الإسلامية أن تدخل معترك النشاط الحزبى والسياسى .. وأن تغلب المفهوم والمضمون الإسلامى لهذا النشاط ( لا أن تقف موقفا سلبيا وتحاول أن تخلق لها عالما خاصا بها ) . أحيانا ترفض الحزبية من زاوية أنها تعددية والإسلام ضد التعدديةلأنه أمة واحدة وحزب واحد ( حزب الله ) ... ولا شك أن الإسلام يعنى توجه الأمة فى اتجاه عام واحد .. إلا أن هذا التوجه الدستورى العام يفتح المجال واسعا لكثير من الاجتهادات وتنوع الآراء والتعدد فى إطار الإسلام .. وقد اختلف الصحابة فى الاجتهادات .. وتعددت المذاهب فى إطار الإسلام عبر كافة العصور .. دون أن يؤثر ذلك على أصول عقيدة التوحيد ، لأن هذه التعددية لن تكون فى الأصول .. ولكنها فى الفقه الذى يعنى الإجابة الشرعية على التساؤلات المتجددة واللانهائية المنبثقة من مشكلات الحياة المتجددة واللانهائية ، وطالما أعتمد الفقه على عقل الإنسان ، فإن الاختلاف فى الرأى والاجتهاد سنة من سنن الله فى خلقه .. لا مجال لتبديلها ولا للخوف أو القلق منها فهذا ثراء لحياة البشر .. وفيه الخير كل الخير . إذن التعددية فى إطار إسلامى ليست مرفوضة سواء أخذت شكلا حزبيا سياسيا أو أشكالا أخرى ، بل يمكن أن نقول إن السماح بتعدد الآراء فريضة .. وإلا لفقدت الشورى معناها وجوهرها . وإذا كانت التعددية فى الإطار الإسلامى واجبة ومفروضة ، فكيف ترفض التعددية فى إطار نظام علمانى ؟ ! فنحرم أنفسنا من الوجود .. ونترك الساحة خالية للعلمانيين . ونتصور أن العمل الإسلامى المحاصر ( فى بعض المساجد ) يكفى ويغنى عن العمل السياسى بمعناه الشامل المشار إليه ؟
الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
وفى تفسير الآية الكريمة التى وردت فى سورة آل عمران ( 104 ) : ( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ) . جاء فى تفسير المنار للإمام الشيخ محمد عبده ، ومحمد رشيد رضا أن للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر درجات ومراتب : دعوة الأمم الأخرى للإسلام . دعوة المسلمين بعضهم بعضا
أ – الدعوة العامة الكلية : بيان عن طريق الخير وتطبيق ذلك على أحوال الناس . يقوم على هذا الطريق خواص الأمة العارفون بأسرار الأحكام وحكمة الدين وفقهه وهم المشار إليهم بقوله تعالى : ( فلولا نفر ) ومن مزايا هؤلاء : تطبيق أحكام الله تعالى على مصالح العباد فى كل زمان ومكان . ب- الدعوة الجزئية الخاصة : وهى ما يكون بين الأفراد وبعضهم البعض ( المؤمن مرآة أخيه ) حديث شريف . وجوب تأليف جمعية الدعوة إلى الخير : إذا كان كل فرد من أفراد المسلمين مكلفا بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بمقتضى الوجه الأول للتفسير ، فهم مكلفون بمقتضى الوجه الثانى أن يختاروا أمة منهم تقوم بهذا العمل لأجل أن تتقنه وتقدر على تنفيذه ، فإقامة هذه الأمة الخاصة فرض عين يجب على كل مكلف أن يشترك فيه مع الآخرين . وهذه الأمة يدخل فى عملها الأمور العامة التى هى من شأن الحكام وأمور العلم وطرق إفادته ونشره ، وتقرير الأحكام ، وأمور العامة الشخصية ، ويشترط فيها العلم بذلك ، ولذلك جعلت أمة ، وفى معنى الأمة القوة والاتحاد ، وهذه الأمور لا تتم إلا بالقوة والاتحاد فالأمة ( الجمعية ) المتحدة لا تقهر ولا تغلب من الأفراد ، ولا تعتذر بالضعف يوما ما ، فتترك ما عهد إليها وهو ما لو ترك لتسرب الفساد إلى مجموع المسلمين . وأعمالها لا تتم إلا بأمور كثيرة : العلم بالقرآن والسنة . العلم بحال من توجه إليهم الدعوة . علم التاريخ . علم تقويم البلدان ( الجغرافية ) . علم النفس . علم الأخلاق . علم الاجتماع . علم السياسة . فالمراد بالأمة التى تقيمها الأمة لذلك ما يعب عنه فى عرف هذا العصر بالجمعية . ومن أعمال هذه الأمة ( الجمعية ) الأخذ على أيدى الظالمين ، فإن الظلم أقبح المنكر والظالم لا يكون إلا قويا ، ولذلك اشترط فى الناهين عن المنكر أن يكونوا أمة ، لأن الأمة لا تخاف ولا تغلب ، فهى التى تقوم عوج الحكومة ، والمعروف أن الحكومة الإسلامية مبنية على أصل الشورى ( وأمرهم شورى بينهم ) الشورى : 38 . وأما هذه الآية فإنها تفرض أن يكون فى الناس جماعة متحدون أقوياء يتولون الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وهو عام فى الحكام والمحكومين ولا معروف أعرف من العدل ولا منكر أنكر من الظلم ، وقد ورد فى الحديث ( لا بد أن يأطروهم على الحق أطرا ) . " كلا – والله – لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن النكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا ، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم ( بنى إسرائيل ) " ( تأطرونه على الحق ، تعطفونه عليه ) ، ومعنى الآية على هذا الوجه أنه يجب أن تكون قوة المسلمين تابعة لهذه الأمة التى تقوم بفريضة الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، فهى بمعنى مجالس النواب فى الحكومات الجمهورية والملكية المقيدة . ( انتهى الاقتباس ) . وهكذا فإن الأمر بالمعروف والنهى عن النكر لا يمكن أن نحصره فى بعض الأمور الاخلاقية والسلوكية .. فلا يوجد معروف أعرف من العدل ولا منكر أنكر من الظلم .. وهذا لب العمل السياسى الإسلامى ، كما أن تأليف جمعية خاصة ( أو حزب أو جماعة ) لتولى هذه الفريضة أمر لا مندوحة عنه لتحقيق واجب التمكين لدين الله ، وليس المهم هو الاختلاف حول مصطلح ( جمعية أو حزب أو جماعة ) ، بل المهم هو مضمون المهمة السياسية وعنوانها ( الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ) . والمعروف فى أوسع تعريفاته ( هو كما فعل حسن إذا عرف فاعله ذلك أو دل عليه ) والمنكر ( كل فعل قبيح عرف فاعله قبحه أو دل عليه ) وذلك فى تراتب وتصاعد من حيث الأهمية .. الأمر الذى يجعل الأفعال والقرارات الحسنة للحكومات هى الأهم لأن حسنها ينعكس على المجتمع بأسره ، كذلك الأمر فيما يتعلق بالقرارات المنكرة ( للحكومة ) لأن قبحها وسوءها يعم المجتمع بأسره أيضا . وإن تخلى بنى إسرائيل عن هذه الفريضة هو سبب غضب الله عليها : ( فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون 165 فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) الأعراف : 165- 166 . ولذلك قال الرسول " صلى الله عليه وسلم " : " إذا رأى الناس المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب " ، وكذلك قوله صلوات الله وسلامه عليه ( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) . وتفتح لنا الآية الكريمة ( خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) الأعراف 199 بابا واسعا لمفهوف المعروف ( العرف ) ، فالعرف كل ما تعارف عليه الناس من حسن من عادات وتقاليد ولا يقتصر على الأوامر الإلهية المنصوص عليها مباشرة فى القرآن الكريم والسنة الشريفة . الأمر بالمعروف وهو ما تعارفه الناس من الخير وفسروه بالمعروف . وفى اللسان : المعروف ضد المنكر . والعرف ضد النكر ، والعرف والعارفة والمعروف واحد ضد المنكر ، وهو كل ما تعرفه النفس من الخير وتأنس به وتطمئن إليه . والمعروف اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله والتقرب إليه ، والإحسان إلى الناس ،وكل ما ندب إليه ونهى عنه من المحسنات والمقبحات وهو من الصفات الغالية . أى أمر معروف بين الناس إذا رأوه لا ينكرونه والمنكر ضد ذلك جميعه . إن العرب تطلق المعروف على ضد المنكر وعلى ضد المجهول ، والمنكر هو المستقبح عند الناس الذين ينفرون منه لقبحه أو ضرره ، ويذمونه ويذمون أهله ، وتثبت هذه الآية أن العرف أو المعروف أحد أركان الآداب الدينية والتشريع الإسلامى . وأن تتبع كلمة ( المعروف فى الآيات القرآنية الخاصة بالبيعة وواجبات الأمة الإسلامية والعلاقات الزوجية يعنى ( أن المعروف فيها هو المعهود بين الناس فى المعاملات والعادات ، ومن المعلوم بالضرورة أنه يختلف باختلاف الشعوب والبيوت والبلاد والأوقات . فتحديده وتعيينه باجتهاد بعض الفقهاء بدون مراعاة عرف الناس مخالف لنص كتاب الله تعالى . ولشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من فقهاء الحديث والحنابلة أقوال حكيمة فى المعروف " العرف " الذى يحكم فيما لا نص بخصوصه ، وفيما لا يعارض بنص ) . وهذا واحد من ضرورات العمل السياسى الإسلامى ، فاناس قد تختلف فيمايعرفون وفيما ينكرون ويكون عمدتهم فى الترجيح ( جمهور العقلاء والعلماء وأهل الأدب والفضيلة فى كل عصر ) . ولا بد أن يكون واضحا أن العمل السياسى الإسلامى وثيق الارتباط بالفقه أو بالأحرى هو الفقه والاجتهاد الإسلامى المعاصر فى المشكلات الكبرى التى تحكم تنظيم المجتمع فى مجالات ( السياسة – الاقتصاد – الاجتماع ) والحزب الإسلامى لا بد أن يستند فى مواقفه إلى جهود فقهية إسلامية مخلصة .. تستند إلى العلماء المتحررين من السلطان والمثقفين والمفكرين الإسلاميين الذين بذلوا جهودا جادة ومعمقة فى أمور الدين ، سواء كانوا أعضاء فى الحزب أو حالت ظروفهم دون ذلك ويتعاونون مع الحزب فى سبيل خدمة الدعوة الإسلامية . ولا شك أن العمل الإسلامى فى مصر يعانى من " أزمة علماء " إن صح التعبير . فالهيئة التاريخية الرئيسية للعلماء ( الأزهر ) والتى كان من المفترض أن يناط بها مهمة التصدى للاجتهاد فى مشكلات العصر ، قد سقطت فى قبضة السلطة .. التى أحكمت الخناق حولها .. وقتلت إمكانات الإبداع والتطور الفكرى .. وحولتها إلى مجرد مؤسسة لتغطية قرارات وسياسات السلطة ، سواء فى المجالات الخارجية ( كامب ديفيد والصلح مع اليهود .. وصداقة الأمريكان .. وكراهية بعض الأنظمة العربية ) أو فى المجالات الداخلية. وإن كنا لا ننكر على الازهر العديد من علمائة المخلصين، و مجمع بحوثة وحتى مجلتة التى تقاتل لتحافظ على بعض الاستقلال عن الدولة كما اتضح فى قضية الربا.. وتحديد النسل. ومن رجال الازهر تعلمنا و سنتعلم.. ولكننا نناقش دور المؤسسة من زاوية انها لم تعد على مستوى الاحداث، وليست على مستوى الصحوة الإسلامية.. وتخضع اكثر فأكثر لهيمنة الدولة.. كما أن رجال الازهر كأفراد نادرا ما يتجهون للعمل السياسى العام.. بحيث اصبح القلب الاساسى للحركة الإسلامية , ومن كل الإتجاهات من مجاهدين غير أزهريين.. لأن الجهاد لم يعد صناعة الازهر.. الذى تحول إلى نوع من الدواوينية. ولا شك ان الإسلام يبيح كذلك (فلا كهنوت فى الإسلام) وكل مسلم قادر على دراسة دينه والتفقه فيه فى منزله او حلقات المساجد.. او داخل حزبة او جماعتة، وسيبارك الله وسيفتح على المخلصين فى عمل الدعوة الإسلامية ليتفقهوا فى الدين ف(رب حامل فقه لمن هو افقه منه). ولكن لا شك ان الصحوة الإسلامية كانت ستندفع بقوة اكبر لو كان الازهر ظهيرا لها.. وبدلا من ان يكون فوة مضادة لها وفقا لتوجيهات الدولة. ولقد يسر الله الامر للمخلصين فى حقل الدعوة لاستكمال وعيهم ودراستهم الإسلامية.. بجهودهم الذاتية.. فنحن نعيش فى عصر المطبعة.. ونتابع الجهود الفكرية.. والإجتهادات الإسلامية الموفقة.. فى مختلف بقاع المعمورة.. وهى كلها رصيد متبادل بين مختلف الاحزاب والحركات الإسلامية. فالعمل السياسى الذى نقصده مقترن بالفقه والاجتهاد الإسلامى المعاصر، وليس مجرد مسايرة عملية للواقع.. لتحقيق بعض الاهداف السياسية الوطنية.. او شغفا بلعبة السياسة من حيث هى مجرد صراع حول مقاعد السلطة والبرلمان، او كما قال الإمام على (رضى الله عنه) (اللهم إنك تعلم أنه لم يكن ما كان منا منافسة فى سلطان ولا التماس شئ من فضول الحكام، ولكن لنرد المعالم من دينك ونظهر الإصلاح فى بلادك فيأمن المظلومون من عبادك وتقام المعطلة من حدودك). والإجتهاد فى عصرنا خاصة بعد ان تفرقت السبل بين العلوم الدينوية والعلوم الشرعية ليس مناطا بعالم فذ.. فالاجتهاد فريضة على الامة تضطلع بها كفائيا صفوة مسلمة من مختلف التخصصات.. لا بد ان تبذل جهدا جماعيا لتطوير الفقه الإسلامى فى الواقع المعاصر (السياسى _ والإقتصادى_ والاجتماعى).. ونحن لا ننطلق من نقطة الصفر.. فقد بدأت هذه الجهود تثمر بالفعل ثمارا طيبة بإذن الله. والنقطة التى تشغلنا فى هذه الرسالة ليست كل الاجتهادات المتعلقة بالبرنامج الإسلامى لحزب العمل (فهذه تحتاج لرسالة أخرى) بل نركز على فقه تغير الواقع العلمانى الراهن، وكيفية إقامة النظام الإسلامى، باعتبار ان هذه العقدة الاساسية التى تقف حجر عثرة دون تطوير الحركة الإسلامية فى بلادنا رغم طول تاريخها.

التوقيع
توقيع العضو : AlexaLaw
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.AlexaLaw.com
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى

الجنس : ذكر

تاريخ التسجيل : 03/03/2010

عدد المساهمات : 19648

نقاط : 12654998

%إحترامك للقوانين 100

العمر : 34

الأوسمه :

 أُطروحات في موضوع إقامة الدولة الإسلامية مخالفة للطريقة الشرعية 1384c10


الأوسمة
 :


 أُطروحات في موضوع إقامة الدولة الإسلامية مخالفة للطريقة الشرعية Empty
مُساهمةموضوع: رد: أُطروحات في موضوع إقامة الدولة الإسلامية مخالفة للطريقة الشرعية    أُطروحات في موضوع إقامة الدولة الإسلامية مخالفة للطريقة الشرعية I_icon_minitime3/10/2011, 23:03

خيارات المساهمة


1.التغيرالإصلاحى : التربية العقائدية والروحية ليست هدفا فى حد ذاتة، ومنهجا ثابتا لا يتبدل ولا يتغير مهما تغيرت الظروف والاحوال. إن توسيع القاعدة الإسلامية فى صفوف الشعب لن يؤدى تلقائيا، وفى نهاية المطاف - وبمجرد مرور الزمن - الى إقامة دولة إسلامية. إن الانشغال بقضية التربية والتنشئة لن يؤدى إلى أسلمة المجتمع تدريجيا.. دون أى مصادمات مع السلطات.. ودون الدخول فى مواجهات متوالية معها.. وبدون استرتيجية أو تخطيط سياسى. إن بناء القاعدة العقائدية المؤمنة برسالة الإسلام وقيمة، وتوسيع هذه القاعدة على اساس تربوى استنادا للقران والسنة، هو مما لا يختلف عليه احد من العاملين فى الحقل الإسلامى، إلا تحديد هدف واضح لهذا الجيش الذى تم بناؤه أمر بالغ الأهمية. إن جوهر رسالة الإسلام هو التمكين لدين الله فى الارض ، وهو التمكين الذى لا يأتى إلامن خلال سلطة الدولة.. ولا بد للحركة الإسلامية أن تتضمن فن وعلم (فقه) العمل السياسى لتحقيق هذا الهدف.. إذا اتفقنا على رسالة الإسلام الشاملة، و انه دين ودولة.. شريعة و عقيدة.. ولابد لهذا كى ينتصر أن يكون له برنامج متواصل للتدريب (مناورات) ، ومعارك ومناقشات صغرى و متوسطة، لأن المناورات وحدها لا تبنى الجيوش المقاتلة الحقيقية، وكل ذلك تمهيدا للمعركة الفاصلة والحاسمة. نحن لا نشير إلى إستخدام القوة المسلحة (باستخدام لفظ الجيش والمصطلحت العسكرية) وإنما على سبيل الاستعارة، ذلك ان العمل السياسى متماثل إلى ابعد حد مع العمل العسكرى فى مفاهيم (التكتيك _والاستراتيجية) ، ولكن بوسائل سلمية، ولذلك قيل عن حق (إن العمل العسكرى هو الامتداد الطبيعى للعمل السياسى ولكن بوسائل أخرى عنيفة) . إن خطة التغيير الإسلامى عن طريق تغييرعناصر المجتمع فردا فردا، وصولا إلى المجتمع الإسلامى الكامل، هى خطة بسيطة غير واقعية لا اساس لها من القران والسنة، ولا من السيرة النبوية الشريفة، ولا أساس لها من التاريخ الذى امرنا الله بدراسته لأخذ العبر منه ( أو لم يسيروا فى الأرض فينظروا كيف كانت عاقبة الذين من قبلهم ) ] الروم :9[.أوضح القران الكريم السنن العامة و الاساسية للتغيير.. ومن ابرزها ان التغيير ليس مناطا بقضية الاقلية و الاكثرية.. فان القران الكريم لم يشترط ذلك بل على العكس اشار الى خلافه، نقول ان التغيير دائما يكون مناطا بالقلة المؤمنة بدليل قول الله عز وجل(وقليل من عبادي الشكور)]سبأ:13[ وقوله سبحانه (وان تطع اكثر من في الارض يضلوك عن سبيل الله)]الانعام:116[ وتلك سنة الله في ارضه فمن أين سنأتي بهذه الكثره المأمولة ..؟ ويقول سبحانه (وما اكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين)]يوسف:103[ . والاسلام لم ينتصر بالغلبة العددية، فالله سبحانه وتعالى يقول (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة باذن الله )]البقرة:249[ ويقول سبحانه(ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الارض بما رحبت) ] التوبة:25[ ويقول صلى الله عليه وسلم:" ولينزعن الله الهيبة من قلوب أعدائكم وليقذفن فى قلوبكم الوهن " ، وبعد أن سألوه: أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال " بل انتم يومئذ كثير ولكن غثاء كغثاء السيل" . ولو تأملنا فى هذه السنة من سنن الله.. فى مجال العمل السياسى.. نقول: نعم القلة الصلبة الإيمان هى نواة وقائدة التغيير, ومن عوامل نجاحها أن تجذب إليها الأغلبية الصامتة بالتأييد النشيط فى الحد الاقصى او التعاطف والحياد فى الحد الادنى.. ويتصور البعض أن مصطلح " الاغلبية الصامتة " يمس الحياة السياسية المعاصرة فى بلادنا.. والحقيقة أن هذه الاغلبية من طبائع الأمور.. وإن صمتها هو " موقف " لصالح الامر الواقع.. وخروجها عن الصمت هو علامة النهاية للنظام القائم. على الدوام فإن المشتغلين فى العمل العام- سواء الصالحين أو الطالحين.. من أهل الحق أو اهل الباطل - أقلية فى المجتمع.. أما الغالبية الساحقة فتنشغل فى أمورها اليومية عادة، إلا فى اللحظات التاريخية للتحول وهذا ما أصبح يسمى فى عصربا بـ( الثورة). أما نجاح الأقلية الإسلامية فى مهمتها فيعتمد على الجسور المتينة التى تربطها بصورة متزايدة بالأغلبية الصامتة.. وليس عن طريق تحويل هذه الأغلبية إلى مدارس التربية والإصلاح الإسلامى.. فستظل أى حركة إسلامية فى المعارضة عاجزة عن توفير سبل التربية الإسلامية الصحيحة لأغلبية الشعب فى ظل الهيمنة البيروقراطية لسلطة الدولة وسيطرتها على نظم التعليم والسياسات الإعلامية. كما أن الخدمات الاجتماعية التى يقدمها التيار الإسلامى، لا يمكن أن تغنى عن العمل السياسى المباشر فى صفوف الجماهير..لأننا نريد أن نعلم الجماهير أن تتحرك لانتزاع حقوقها.. ورفع الظلم عنها.. فإذا كانت القلة حقا هى التى تتصدى للتغيير( فى ظروفنا الخاصة التى تستند إلى ضرورة التغيير بالوسائل السلمية ) فهى لن تنجح فى مهمتها بدون إستنهاض الجماهير لمهمة التغيير فى اللحظات الفاصلة.. ولا يمكن الوصول إلى هذه اللحظات الفاصلة، بدون الدخول فى معارك سياسية جزئية الى جانب الجماهير وفى قيادتها.. لتعليمها إمكانية وواقعية مواجهة الطغاة.. كما يحدث فى اضرابات العمال لانتزاع الحقوق الشرعية، أو تنظيم حركة مطلبية فى هذا القطاع أو ذلك، حول هدف شرعى أو مصلحة حالة. لقد التف دائما حول الانبياء قلة، وقد كان هذا كافيا للجهر بالدعوة، والجهر بالدعوة كان يعنى مزاحمة أصحاب السلطة فى سلطانهم القائم على عبادة الأوثان أو إدارة المجتمع وفقا للأهواء والمصالح. والذى حول دعوة الأنبياء إلى دعوة سياسية هم الخصوم ( أعداء الله ) . فإذا كان موسى ( عليه السلام ) يدعو إلى عبادة الله، ووحدانيتة، فإن فرعون كان يخشى على سلطته وامتيازاتة الدنيوية التى بلاشك يفقدها إذا انتصر الدين الجديد. وبالتالى فإن الدعوة إلى الله تتحول إلى نزاع سياسى.. لأنها تدعو إلى تنظيم المجتمع على أساس جديد ، وإن الجهر بهذه الدعوة هو عين الصدام والمواجهة ، لأنها تدعو إلى شرعية " جديدة " فى مواجهة " شرعية الطاغوت " فيقاتل الأخير دفاعا عن امتيازاته ومصالحه ( وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيرى فأوقد لى يا هامان على الطين فاجعل لى صرحا لعلى أطلع إلى إله موسى وإنى لأظنه من الكاذبين 38 واستكبر هو وجنوده فى الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون ) القصص : 38 - 39 . ولنا فى سيرة الرسول ( عليه أفضل الصلاة والسلام ) تفصيل فى هذا الأمر .. والتى لو درسناها بعين فاحصة لوجدنا فيها أبلغ الدروس السياسية فى طرائق وأساليب نشر الدعوة . يتردد على سبيل المثال خطأ شائع فى التفرقة بين المرحلة المكية .. ومرحلة الهجرة .. إن الصدام بدأ فى المرحلة المدنية ، وهذا غير صحيح إلا من حيث أذن الله بالقتال ( استخدام القوة العسكرية ) ، ولكن المفهوم السياسى فإن المرحلة المكية تنقسم إلى مرحلتين : مرحلة سرية الدعوة : وهى ثلاث سنوات فقط ، حيث كان لا بد من السرية المطلقة لتربية وخلق النواة الصلبة الأولى التى لم تتجاوز 60 صحابيا ، صحيح أن الدعوة كشف أمرها خلال هذه السنوات .. إلا أن عدم الجهر بها كان يطمئن القوم فلن يضيرهم شئ لو تجمع نفر من أقرباء وأصدقاء سيدنا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) حوله ليعبدوا الله سرا . وعن هذه المرحلة ، تذكر بعض الرويات أن أحد التجار كان فى زيارة للعباس فى بيته فرأى رجلا وامرأة وطفلا يتقدمون فيصلون بصورة تخالف ما كانت تعهده قريش من الصلاة . فسأل التاجر العباس عنهم فقال له : هذا ابن أخى ( على ابن أبى طالب ) وهذا ابن أخى ( رسول الله وهذه زوجته ( خديجة ) . وإن هذا يزعم أن الله يكلمه من السماء ، ووالله ما أعلم على ظهر الأرض أحدا على هذا الدين إلا هؤلاء الثلاثة . ويقول منير الغضبان تعليقا على مثل هذه الروايات : " لم يكن إذن لملاحظة قريش بعض هذه الظواهر الغريبة ، ما يثير غضبها طالما أن القوم مكتفين بأنفسهم ، منكفئين على ذواتهم " . ولكن هذا الموقف اختلف بعد أن نزل التوجيه الإلهى بعد قرابة ثلاث سنوات : ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ) الحجر : 49 . فالجهر بالدعوة هو المواجهة والصدام .. هو الإعلان عن الانقلاب الذى سيبدل كيان هذا المجتمع . ذلك أن أئمة قريش لم تعنهم فكرة أنها ( دعوة للعالمين ) ، فقد كان كل همهم فى سلطانهم ومصالحهم التى تكونت وتشابكت حول عبادة الأصنام .. وجعلت الكعبة وجعلتهم محورا لأنشطة عرب الجزيرة ، وما حولها من أمصار . إن الدعوة الإسلامية بكل شموخها وعظمتها لم تكن فى أعينهم " أئمة قريش " إلا دعوة " لقلب نظام الحكم " .. وكان الجهر بالدعوة معناه بدء الصدام ، ثم الصلاة فى الكعبة نوع آخر من تصعيج المواجهة .. ثم عرض دين الله على القبائل فى موسم الحج تصعيد آخر .. وهكذا . وتصاعد القمع والإيذاء .. الذى نجمت عنه هجرتان للحبشة لم تشملا بالطبع كل المؤمنين ، فظل الباقون – وفى مقدمتهم رسول الله " صلى الله عليه وسلم " – فى مكة حتى الهجرة إلى المدينة التى مثلت طورا جديدا فى المواجهة يستند إلى قاعدة ودولة تبيح إمكانية استخدام القوة دون تعريض الدعوة إلى الفناء بفناء معتنقيها . إذن – ومع ملاحظة فروق واختلاف ظروف الزمان والمكان – فإن الدعوة لإقامة دولة إسلامية .. هى بداية الصدام مع السلطات العلمانية .. وإن إقناع الناس بصلاح الدولة الإسلامية لا يتم إلا بمقارنة متواصلة مع ممارسات الدولة العلمانية وهذا هو لب العمل السياسى .. ( وهذا هو لب المواجهة التى لا تفلح فيها المداراة ومحاولة خداع الخصوم ، وافتراض غبائهم ) . نحن على العكس نفترض ذكائهم . إن الدفاع عن المصالح المكتسبة أمر غريزى .. وإن المعوج ينفر من المستقيم بصورة تلقائية ، ولكن الحكومات المعاصرة لا تستند فقط إلى هذا الحس الغريزى .. فالشر لا يعدم الذكاء ، بل يتسلح بأذكى العقول .. بل وبالاستشارات الدولية المعادية للإسلام ( وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ) إبراهيم : 46 . وإن توكل الحركة الإسلامية على الله .. لا يعنى عدم الأخذ بالأسباب .. والإعداد السليم للمواجهة بالخطط الذكية .. وإن الصراع على السلطة هو بيت القصيد ، ولا يجب التعفف من ذلك .. فالسلطة ليست مطلوبة فى حد ذاتها – فى عقيدة المؤمن – فحسب بل كل الدنيا ما هى إلا ممر " وليست مقرا " .. هى دار ابتلاء واختبار إلى الآخرة . ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لا يشركون بى شيئا ) النور : 55 وهذا هو الفهم الصحيح للسيرة النبوية الشريفة .. ولماذا تمحورت الدعوة ( حركيا ) حول قضية السلطة والوصول إليها ؟ فلم يكن النهج النبوى الشريف يفصل بين توسيع قاعدة المؤمنين وبين قضية السلطة التى بدأت فى المدينة وانتهت فى مكة ، ولم يكن منهج الدعوة مجرد العمل على الزيادة البسيطة لعدد المؤمنين على عدد المشركين ، فعندما تم فتح مكة كان المؤمنون لا يزالون قلة فى جزيرة العرب ، ثم كان الاستيلاء على مقاليد الحكم والمجتمع وتوحيده إداريا مرحلة جديدة لمواصلة الدعوة لدين الله من موقع القوة .. وهناك أقسام من البشر تنفتح قلوبهم من الانتصارات .. باعتبار الانتصارات من علامات الصحة والسداد .. وليس كل البشر ممن ينطبق عليهم " السابقون الأولون " .. وإلا لما كانوا سابقين وأولين ! فالنصر باب جديد واسع لدخول الناس فى دين الله أفواجا ( إذا جاء نصر الله والفتح 1 ورأيت الناس يدخلون فى دين الله أفواجا 2 فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ) النصر 1 – 3 . إن المواجهة الصريحة مع الحكام الذين لا يحكمون بما أنزل الله ، ويصمون آذانهم ويستغشون ثيابهم ، فريضة واجبة دائما أبدا . ( إن موسى ذكر فى القرآن 120 مرة ، فما ذكر اسم نبى ولا ملك كما ذكر اسم موسى . إن قصة موسى لم تذكر للتسلية ، وإنما حتى لا يتحول الخلفاء إلى فراعنة ، وحتى تعرف الشعوب أيضا أن عبادة غير الله جريمة ، وأن الرضا بالذل ستكون عقباه الهوان فى الدنيا والآخرة . ولعل القرآن الكريم تحدث كثيرا عن أن الأتباع يلحقون متبوعيهم فى جهنم لكى يفطم النفوس عن هذه التبعية الذليلة ) . إن عدم مقاومة الطغيان بصورة دائمة يورث العاملين فى الحقل الإسلامى الذلة والمسكنة والاستضعاف بينما العزة يجب أن تكون لله ولرسوله وللمؤمنين . ولا يمكن أن تكون مهمة العاملين فى الحقل الإسلامى أن يعرضوا الدين ( بصورة نظرية ) أى بدون مناظرة واشتباك ومناقشة مع الأوضاع العلمانية السائدة .. لا حظ أن القرآن لا يعرض الدين بصورة مجردة ، بل فى إطار اشتباك ومناظرة دائمة مع آراء المشركين . يجب أن يكون منهج الداعين لشريعة الله ( اذهب إلى فرعون إنه طغى ) أن يكون منهجهم منهج السحرة الذين آمنوا بموسى فى حضرة فرعون فتوعدهم بقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وبصلبهم وبقتلهم وبالفعل صدق شيخنا ( رشيد رضا ) : هل آيات القرآن هذه للتسلية أو من قبيل قصص الأطفال التى تروح عنهم قبل النوم ! لا بل نحن نعلم أن القرآن الكريم كتاب هداية ، وليس كتاب تاريخ .. وأن القصص القرآنى يمكن أن نستخرج منه عشرات الأحكام . ولا يفهم من موقف السحرة أنه موقف مغامر ومتهور .. ( وإلا لأوضح القرآن ذلك ) ولكن الحقيقة أن موقف فرعون هو المغامر والمتهور ، لأنه استبد بتصور ألوهيته من دون الله ، فحق عليه العذاب والخسران فى الدنيا والآخرة . أما السحرة فلم يفعلوا إلا أن آمنوا بإله موسى بعد أن اتضحت بياناته . إن ما ندعو إليه هو مقاومة وتغيير المنكر باللسان .. وباليد .. أما اللسان فمهوم ، وأما اليد فهو فى ظروفنا الراهنة تغيير الحكومة بالوسائل السياسية والجماهيرية ، فإذا كان المتعارف عليه فى مجتمع محدد أن الهيئات التى تتولى السلطة السياسية هى الأحزاب .. فلا بد أن يكون للإسلاميين حزب ، وأن يضغط بكل الوسائل من أجل إقامة انتخابات حرة نزيهة .. وأن يحمى نتيجة الانتخابات حتى لا تتكرر مأساة الجزائر ، فإذا امتنعت الحكومة وتعنتت عن سلوك هذا السبيل .. فلا يبقى أمام الحزب الإسلامى إلا تنظيم المعارضة الجماهيرية وانتهاج كافة أشكال المقاومة السلمية و " السلبية " لتغيير النظام أو اجباره على الاحتكام لصناديق الاقتراع . ولكل عصر وسائله فى التغيير .. فوسائل التغيير ليست من ثوابت الدين أو واردة فى نصوص القرآن والسنة ، والوسيلتان ( الانتخابات – العصيان السلمى ) هما وسيلتان تتفقان مع الإسلام من زاوية عدم إراقة دماء المسلمين .. ومن زاوية صلاحياتهما لتحقيق الهدف . إن ما حدث فى البدان الشيوعية بما فيها الجمهوريات الإسلامية ، وما حدث من قبل فى ثورة إيران نماذج واضحة على إمكانية وواقعية التغيير عبر هذا السبيل السلمى . ولا يمكن تفكيك هيمنة الدولة المستبدة من خلال أعمال الدعوة بالمعنى الضيق للكلمة ، ولكن عملية التفكيك تتطلب استنزافا مستمرا ومتواليا من المواقف السياسية الجماهيرية .. حتى الوصول إلى لحظة ( الضربة القاضية ) . وبدون مواجهة سياسية جماهيرية فستظل السلطات تزيف انتخابات الحكم المحلى كما يحلو لها ، وتزور الانتخابات التشريعية كما يحلو لها أيضا .. وتشطب مرشحى الاتحادات الطلابية ، وتتآمر لتصفية النقابات التى تخرج عن طوعها ، فقد فاز الإسلاميون بـ 60 مقعدا فى مجلس الشعب ، وبعد تنزيل فادح للأرقام والمقاعد الحقيقية التى حصلوا عليها .. وبعدها بأقل من عامين زورت انتخابات الشورى بحيث لم ينجح إسلامى أو معارض واحد ! وهناك فارق بين المطالبة والاستجداء .. بين المواجهة والاسترحام .. بين المغالبة والالتماس !! لا بد من تصعيد وشائل وأشكال وأساليب المعارضة الإسلامية .. لكسب مزيد من الأرض وتحقيق مزيد من المكاسب ، ويجب أن نقول هذا صراحة فالصراع أصبح مكشوفا ، وهو أشبه بالمباريات الرياضية التى يعرف كل طرف خصمه .. ويعرف أساليبه ، وينتصر فى النهاية الأكثر جلدا واحتمالا وصبرا ولياقة وفنا وتدريبا ، والصراع هو أساسا فى مجال الصبر والمثابرة . ( ولا تهنوا فى ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله مالا يرجون ) النساء 104 . أو كما قال ( إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس ) ، ثم يضيف ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) ، ثم يضيف ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ) آل عمران فإدارة المعركة السياسية لا تخلو من مخاطر ولا يمكن أن تخلو ، وهذا هو لب الجهاد .. بل هذا هو أفضل الجهاد ( قولة حق عند سلطان جائر ) . وإن جوهر تواصلنا مع أمتنا الإسلامية أن نحمى بيضة الإسلام فى عقر دارنا ، وفى الثغر الذى نسأل عنه يوم القيامة .. فما هى الحملات التى نظمت للتضامن مع المسلمين المصريين الذين يقتلون فى الشوارع بمعرفة الشرطة ؟! وما هى الحملات التى تؤدى نظمت ضد حالة الطوارئ التى أقيمت أصلا فى مواجهة المد الإسلامى ؟ وما هى الحملات التى نظمت ضد التدخل الأجنبى والأمريكى الفظ فى شئوننا الداخلية بصورة مباشرة أو عن طريق ما يسمى بصندوق النقد الدولى ؟ وما هى الحملات الإسلامية التى نظمت ضد الاختراق الصهيونى لبلادنا ؟ وما هى الحملات التى نظمت ضد قانون الاستثمار الأمريكى الذى يعطى للمستثمر الأمريكى حصانة ضد القضاء المصرى؟ وما هى الحملات التى نظمت لمقاطعة البضائع الأمريكية والأجنبية ؟ !! الخ . ما هى الحملات التى نظمت للإفراج عن المعتقلين الإسلاميين ؟ أو للإفراج عن الفريق الشاذلى ؟ أو ضد تسليم الجواسيس الصهاينة ؟ أو ما هى الحملات التى نظمت ضد رفع الأسعار وبيع القطاع العام ؟ وما هى الحملات التى شنت من أجل حرية وحق التنظيم وحرية الصحافة ؟ لقد ضربنا أمثلة بالقضايا التى تمثل لب ما نقصده بالعمل السياسى الإسلامى ، وما هى قضايا تحتاج لمواقف معلنة ومتابعة دائمة .. وقد تستتبع فى بعض الظروف ( كحرب الخليج ) أكثر من مجرد القول . إن حماية العمل الإسلامىهى بمزيد من الالتحام بالجماهير .. ولا نقصد الجماهير اللصيقة بمواقعنا التنظيمية ( وهم أشبه بالأنصار ) ، ولكن نقصد عامة الجماهير وهذا الالتحام لا يتأتى إلا من خلال المواقف السياسية المتوالية والدفاع عن مصالح المستضعفين .. والمجاهدة ضد كافة أشكال اختراق الأجانب للبلاد ، والحفاظ على استقلال البلاد وطابعها الإسلامى إن كسب تعاطف " الأغلبية الصامتة " وإعدادها للتحرك النشيط المؤيد لنا ( تدريجيا ) وإشراك قطاعات متوالية ومتزايدة منها فى معارك صغرى ومتوسطة هنا وهناك ، من شأنه أن يحقق التلاحم بين الصفوة القائدة والجماهير ، وهو السبيل الوحيد للتغيير السلمى لأوضاع التبعية والعلمانية فى البلاد وذلك عن طريق اقتناع أوسع الجماهير بالقيادة السياسية الإسلامية البديلة .. ونضع خطا تحت ( البديلة ) لأن هناك فرقا بين أن ترانا الجماهير مجرد ( أناس طيبين ) ، وبين أن ترانا بديلا سياسيا كفؤا وقادر على إدارة شئون البلاد ، وقادرا على التصدى بشجاعة للطغيان والاستبداد وكافة أشكال الظلم .
لا للتكفير
نحن نميل إلى التحليل الذى يرى موقف السلطات الحاكمة باعتباره ثمرة لفترة طويلة من الحكم العلمانى الذى كرسه الاستعمار ، حقبة تم فيها عزل الشريعة وفرض قوانين غربية فى المحاكم ، وعزل الدين عن التعليم ، وعزل الدين عن السياسة ، وعن نواحى الحياة الثقافية ، الأمر الذى بلور نخبة متعلمة ومثقفة متغربة جاهلة بالإسلام وتعاليمه وجوهر رسالته ، وهذه النخبة فى مواقع الحكم وخارجها .. ولكنها فى مواقع الحكم نسجت شباك مصالحها مع الأوضاع القائمة المتغربة ومع القوى الخارجية المعادية للإسلام ، وبالتالى فإنها تدافع عن مصالح دنيوية لها ، بالغة الوضوح وتدافع عن ترفها واستفادتها بالأوضاع القائمة حتى لو كانت فى إطار التبعية . ووفقا للفقه الإسلامى فإن الخروج على الحاكم لا يتطلب كفرا بواحا بالضرورة ، فإن الخروج ( الثورة ) على الحاكم الظالم واجب شرعى ما دامت قد توافرت السبل إلى ذلك ، ومن هنا فإن معارضة الحاكم والسعى لتغييره لا تتطلب فتوى بكفره ولا داعى للدخول إلى متاهة التكفير لأنه سلاح ذو حدين .. وليس من مصلحة المسلمين نشر فكرة تكفير الآخرين ، حتى ولو كانوا حكاما . فربما يكون عدم التزامهم بشريعة الله عن ضعف إزاء الضغوط الخارجية ، وهذا ما حدث بالفعل حين سحب السادات التشريعات الإسلامية من مجلس الشعب بناء على ضغوط أمريكية بالغة الضراوة ، ونحسب أن الموقف الأمريكى وراء تجميد هذه القوانين حتى الآن . وهذا ليس دفاعا عن الحكام وإنما محاولة لتقديم تفسير آخر غير الكفر ، وتتعدد التفسيرات الخاصة بالجهل ، أو بالموقف الشائن للمؤسسات الإسلامية الرسمية التى تزين للسلطات أعمالها وتعطيها المبررات الشرعية ، وإشاعة أن 95 % من الشريعة الإسلامية مطبقة بالفعل وغير ذلك كثير . وكل هذه التبريرات والتفسيرات مهما تعددت لا ترفع الحرج ولا المسؤلية عن أهل الحكم .. وتستوجب بالفعل مجاهدتهم لفرض الحكم الإسلامى بقوة الشعب ولا مجال لأنصاف الحلول فى هذا المجال . وإذا اقتنعنا بضرورة اسقاط الحكومة الحالية مهما تعددت الأسانيد والتفسيرات والمبررات تبقى القضية الجوهرية : كيف ؟! ذكرنا فى البداية أن النصوص الشرعية ( فى القرآن والسنة ) لا تحدد وسائل إلزامية للتغيير . ولكن قد يقال إن آيات الجهاد تتحدث عن القتال بلا لبس . ونقول إن آيات الجهاد صريحة فى قتال الأمة الإسلامية ضد أعدائها المباشرين الذين يحملون السلاح للقضاء على شوكة الإسلام ، وهى تشير إلى قتال الجيوش بصورة عسكرية متكافئة ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ) الانفال : 15 . والتقاء الجيوش المسلحة ( زحفا ) أمر يختلف عن النزاع الداخلى بين حكومة وحركة معارضة . ونحن إذ دعونا من قبل لدراسة السنة النبوية بصورة مبدعة وخلاقة لاكتشاف سنن التغيير ، فإننا لا ندعو بالتأكيد إلى النقل الحرفى الأعمى الذى لا يلاحظ تغير عديد من الظروف ، ذلك النقل الحرفى الذى لا يستطيع أن يفرز بين الثوابت والمتغيرات ، فاتخاذ قاعدة للتغيير ( إقامة دولة فى المدينة ) لا يصلح للنقل الحرفى . لأن مجتمع الجزيرة العربية إبان الدعوة لم يكن مجتمعا واحدا . وكان قائما على الوحدات القبلية ، والتحالف بين مجموعات من القبائل . وكانت القبائل متكافئة من ناحية العدة والعتاد وأسباب القوة . لا يصلح إذن هذا النموذج كى ينقل حرفيا فى بلد يتمتع بدولة مركزية بيروقراطية عريقة فى قدمها تهيمن على أطرافها بجهاز إدارى شامل ومتشعب . فلا يوجد مجال فى بلد كمصر لإيجاد قاعدة أو دولة ينطلق منها نوع من الكفاح المسلح المنتظم . ويمكن القول إن الدرس المستفاد من الدعوة الإسلامية أن آيات الجهاد تنزلت بعد إقامة دولة فى المدينة ، وإنها كانت تدعو للقتال المنظم ( زحفا ) بين جيشين ، وهو الأمر الذى يتأتى من خلال الدولة وليس قبل ذلك . من معالم الاستبداد أن تنتقل الدولة من كونها تعبيرا عن جماعة وأداة للحكم بين الناس إلى التمركز حول شخص الحاكم، والتعبير عن مصالح نخبة ضيقة من بطانته، دونما اعتبار للناس ومصالح المواطنين، فلا يبقى ثمة وجود لقوى سياسية اجتماعية تتجاوز إرادة الدولة وهيمنتها. وتعني شخصنة الدولة أن النظام السياسي والاقتصادي والبيروقراطي بمؤسساته يتحول من نظام قانوني يناط به الفصل بين الناس بالعدل وإدارة دولاب الحكم، إلى الاندماج في المؤسسات القائمة على التنفيذ المحض لإرادة الحاكم المستبد، وخاضعة للإرادة الشخصية المتوحدة المتسيدة على قمة هرم الدولة. وتسود في هذا النظام التفسيرات والاجتهادات التي تدعم الوضع القائم، وتفرغ الدلالات القانونية المرتبطة بعمومية القاعدة القانونية وتجريدها، فتفرغ القانون من هذا المحتوى الموضوعي ليصير ذا مؤدى شخصي ومشخصن لصالح أفراد وأناس بعينهم ذوي علاقات شخصية برأس الدولة ومن يحيطون به. وعندما ينظر الباحث في خريطة الأنشطة الأهلية أو المؤسسات الشعبية والتكوينات المدنية، ومدى إمكان قيامها قياما ذاتيا وشعبيا وأهليا حقيقيا، تأسيسا وتمويلا وإدارة ومبادرة بدون هيمنة عليها من الدولة، ويدرس مدى وإمكانات حركتها حركة ذاتية فعالة حرة ومؤثرة في المجتمع بدون قمع لها من جانب لدولة، عندما نتحدث في أمور كهذه يتعين ألا نستفتي المبادئ القانونية المجردة، ولا أن نكتفي بالنظر في القوانين الحاضرة في نصوصها العامة، إنما يتعين علينا أن ننظر إلى المفاد والمؤدى الواقعي الذي صارت مؤسسات الدولة تتبعه في تطبيق هذه المبادئ والنظم والقوانين، ونستدعي سوابق العمل الفعلي القائم وما آل إليه تطبيق وتوظيف القانون، وفق توازنات القوة السياسية والهيمنة الشخصية على مقدرات الأمة، وبهذه النظرة ننتهي إلى أنه ليس مسموحا بوجود مشروع خارج إرادة الدولة المشخصنة، ولا تُقبل حركة ذاتية لأي من التكوينات الأهلية، أو تُعطى أية مشروعية إذا كانت بعيدة عن هذا الفلك المركزي، أو معارضة لمشيئة الدولة المشخصنة. وينتج عن ذلك ببساطة أن أي جهد يبذل لإيجاد تكوين أهلي ذي إرادة ذاتية فاعلة، وأن أي تحريك ذاتي شعبي سيقف بأصحابه في دائرة العمل غير المشروع من وجهة نظر الدولة المشخصنة، وأن أي سعي في هذا الشأن يكون سعيا في مجال العصيان، أي هو سعي يُرى متجاوزا الضوابط والحدود التي تجمدت عندها إرادة الدول المشخصنة. وذلك سواء كان هذا السعي يجري في إطار الأعمال الأهلية، أم أنه يجري في إطار الدولة ذاتها، ومن داخل مؤسساتها وبواسطة عمالها والقائمين على هيئاتها في غير مستويات القمة العليا. وهنا يقف المجتمع شاء أم أبى على مشارف "العصيان" أو على أهبته، ولكن يتعين أن يتم فهم الأمور على وجهها الصحيح؛ ليكون للكلمات دلالاتها الصحيحة، ويتعين أن نعرف من هو في الحقيقة من يقف في مجال العصيان: هل هم من تحولت الدولة على أيديهم إلى أن تكون شأنا خاصا لهم ولذويهم؟ أم من يريدون ويسعون إلى أن يردوا الدولة إلى صائب معناها وإلى وظائفها الحقيقية بأن تعود الدولة ممثلة للجماعة الوطنية، ترعى الشأن العام للمواطن والشعب؟!. وتحرير مفهوم العصيان وتدقيقه بالقياس لمفهوم الشرعية يعني أن لفظ العصيان يدل على أنه لم تعد ثمة شرعية واحدة تجمع بين الوجود الأهلي بتكويناته وبإرادته الذاتية وبفاعليته الحركية، وبين الإطار الذي تتواجد فيه وتعمل الدولة المتشخصنة في أفراد جد معدودين يقفون على قمة الدولة، وعما قليل إن شاء الله سيظهر إن لم يعد ثمة نطاق شرعي واحد يجمع بين تلك القمة العليا الممسكة بزمام الدولة وبين الدولة ذاتها بهيئاتها وتشكيلاتها وعمالها واسعي الانتشار في أجهزتها العسكرية والمدنية والمتنوعة، وإن من يتابع تحولات الشخصنة وتداعياتها يدرك أن ثمة انفصاما يتم بين قمم بالدولة وبين حجمها الكلي. هنا لا يغدو تعديل الدستور ولا أي من أحكامه هو ما عليه المعول في خروج أمة أو دولة من هذه المحنة التي تسد عليها آفاق الوجود الصحي الحميد، وإنما ما عليه المعول -مع تعديل الدستور وقبله وبعده- هو السعي الحثيث لإيجاد القوى السياسية الاجتماعية التي تستطيع أن توجد وتتحرك وجودا وحركة ذاتيتين، وألا ضمانة تتأتى من تعديل الدستور غير هذا الأمر. بيد أن هذا الإيجاد والتحرك المستقلين لن يتأتيا إلا بالمجهودات العملية التي ستعتبرها الدولة المشخصنة لا محالة من أعمال العصيان، وحين يغدو المطلوب هو إخراج الدولة عن تشخصنها، فكيف نتوقع ألا تعتبر هي ذلك من أعمال العصيان عليها؟! ويتعين في هذا السياق التعريف بماهية الدولة المشخصنة، لا يكفي أن توصف بأنها دولة الحكم المطلق؛ فالحكم المطلق كثير، وهي ليست مجرد دولة الاستبداد؛ فالاستبداد كثير أيضا، فهي ليست هذه ولا تلك فحسب؛ لأن الحكم المطلق أو الحكم المستبد قد يكون حكم جماعة مهما كانت جماعة ضيقة مثل حكم أسرة ترث السلطة، أو حكم طبقة كالطبقة الرأسمالية العليا، أو حكم طائفة كأي طائفة -دينية أم عرقية- تسيطر على حكم بلد ما. ففي ظل كل هذه الأنواع من الحكومات المطلقة أو المستبدة يشعر الحاكم بأنه ينتمي إلى تكوين اجتماعي محدد ذي وجود مستقل عن الدولة؛ لأن الدولة لم تنشئه، ولأنه سابق الوجود على السيطرة عليها، وذو إرادة تتشكل خارج إطار الدولة، أو يشارك هذا الخارج في تشكلها. فثمة انتماء ما يقوم من خارج أجهزة الحكم ويرد إليها وتتأثر هي به. وثمة مقومات يعتبر بها رأس الدولة ذا علاقة تحكمه من خارج منصبه، أو بالأقل تؤثر فيه وتنعكس مراعاتها أو توجهات مصلحتها في قراراته. أما الدولة المتشخصنة، فإن القائم عليها لا تربطه عائلة قبلية ولا نقابة أو جماعة دينية ولا حزب سياسي أو طبقة اجتماعية، وهو يسيطر بذاته على مفاتيح السلطة، وتصير آلة الحكم وأجهزته كلها تحت إمرته، ولا يقيده إلا الإمكانات المادية للدولة وأجهزتها في الحركة والنفوذ، وهو يتغلب على ضغط عمال الدولة عليه بأن يشخصن الفئة المحيطة به من العاملين معه بإبقائهم في وظائفهم أطول مدة ممكنة، بحيث تحل العلاقات الشخصية محل علاقات العمل الموضوعية، والمهم أنه لا يقوم من خارج إطار أجهزة الحكم ما يكون ذا تأثير عليه، ولا تقوم آلية ما للتبادل والتأثير معه إذا بقيت خارج إطار السلطة والوظائف الرسمية. والدولة هنا في آليات حركتها وتفاعلها تكون منغلقة من دون أية تفاعلات لعلاقة بينها وبين أية قبيلة أو طبقة أو دين أو طائفة؛ ومن ثم يحق أن يوصف هذا النظام بأنه ليس له مثيل في نظم التاريخ الحديث، إلا ما ندر. النظام المتشخصن نظام منغلق، لا ينفتح على خارج ذاته، ولا تقوم آلية ما لإجراء أي تعديل فيه أو تجديد أو تغيير، وأي تعديل أو تنويع فيه إنما يرد بطريقة "الاستنساخ السياسي"، ونحن نعلم أن الاستنساخ البشري إما يكون بتخليق خلايا من جسم حي لتكوين جسم حي آخر يخلف المستنسخ السابق ولا يحمل فقط خصائصه وإنما هو أيضا يحمل عمره ومدى القدم الذي كان عليه الأصل حالة الاستنساخ، أي إن هذا المُنشأ الجديد لا يكون صبيا ولا شابا، وإنما يولد في عمر من أخذت منه الخلية. ومن ثم فلا تقوم في النظام المتشخصن أية قدرة ولا إمكانية على التجديد الذاتي، إنما يشكل فقط حالة من حالات الاستبقاء، بأي ثمن وبأي مقابل. وإن واحدا من أسباب الشخصنة هو طول مكث الشخص في قمة العمل العام بذات سلطاته وصلاحياته وبغير تحد يلقاه. دائرة التدافع.. شرعية العصيان وتوقعات العنف المضاد ومن الملاحظ أنه كلما ضاقت دائرة الأفراد الممسكين بزمام الدولة زاد التضييق على خصومهم السياسيين، وزاد ميلهم لاستخدام العنف مع الخصوم، وأن شخصنة الدولة هي آخر درجات ضيق نطاق المسيطرين على الدولة، ذلك أن الشخصنة تكون القيادة فيها قد آلت إلى أفراد معدودين، لم يعد الأمر في يد شريحة طبقية أو طائفية أو قبلية أو غير ذلك، إنما صارت إلى أفراد، وهنا تضيق المصلحة المحمية من الدولة؛ لأنها تكون اقتصرت على مصالح أفراد، كما يضيق التأييد الاجتماعي المستمد من الجماعات، سواء خارج الدولة أو من بين العاملين بالدولة ومن داخلها، كما تضيق الحجج والمحاذير التي تساق لتبرير السياسات والأوضاع، فيزيد عدم الاحتمال، ويزيد الميل إلى إسباغ نوع من القداسة على الفرد الذي يعتبر رأس الدولة المشخصنة، ويزيد احتمال استخدام آلة الدولة الأمنية لقمع أي حركة مخالفة في مهدها. واستخدام عنف الدولة هنا هو الحل الجاهز دائما والسريع لمواجهة أي تحرك أو أي تجمع ولو في مهده، لإجهاض ما يتكون ولردع ما هو في طريق التكوين. وهذا ما يواجه به أي فعل حركي فورا، وهو ما ينتظره أي فعل حركي، وهو ما يتعين أن يكون في الحساب دائما، ويعني هذا أنه يتعين أن يكون في الحساب أيضا لا توقع عنف الدولة فقط ولكن الإعداد للقدرة على مواجهة هذا العنف بإستراتيجية تتبنى عدم العنف، أي بالتلقي والتقبل لعنف الدولة دون أي رد عنيف، ذلك أن العنف الذي يمارس هنا إنما تمارسه الدولة وأجهزتها قياما بواجبها ووظيفتها الأساسية وهي حفظ الأمن ومنع الاضطرابات، وهي أجهزة ليست سياسية ولا تصدر عن تقويم سياسي تقوم به أو يقوم به قادتها، وإنما تصدر عن إرادة سياسية وقرار سياسي تملكه أجهزة التقرير في قمة الدولة المشخصنة، وليس ثمة خصومة تقوم مع أجهزة الدولة، ولا مع العاملين فيها، والأمر يقتضي من أصحاب الحركة الشعبية قدرا كبيرا من ضبط النفس ومن الاحتمال، ومن الاستعداد لتقبل العنف دون رد عليه إلا بالتصميم على الحركة وعلى استبقائها مستمرة، وعلى استبقائها غير عنيفة، وأن يكون تحمل عنف الدولة دون رد عليه مع الاستمرار في الحركة السلمية غير العنيفة، أن يكون ذلك هو التكلفة والنفقة التي تؤدى لله وللوطن من أجل الخروج من الطريق المسدود الذي يظهر أنه لا خروج منه إلا بتلك الحركة.
إن من صفات الدولة وعمالها وأجهزتها، أنها تمارس أعمالها بوصفين متباينين: فهي تميل إلى العمل بوصفها حكما وراعيا للصالح العام أو لصالح من يكون له حاجة؛ لأن ذلك من وظائفها الرئيسية، من إدارة المرافق والخدمات وكفالتها لمستحقيها، ولا بد لأي إنسان أو أي جهاز أن يقوم بقدر ما من وظائفه الرئيسية التي وجد من أجلها لكي تبقى له القدرة على الاستمرار والمبرر المعنوي والمادي لوجوده وقيمته الاجتماعية. ومن جهة أخرى فإن هذه الدولة ذاتها وعمالها وأجهزتها يمارسون التمييز الحاد ضد من يقف في طريقهم أو يبدي لهم الخصام. ونحن نلحظ أنه حتى في الأعمال الرتيبة للنشاط العادي لأجهزة الدولة المختلفة، يختلف أسلوب تناول أي مطلب لأي مواطن، ويتوقف الاختلاف حول ما إذا كان صاحب الطلب استدعى حاكمية الجهاز المعني أم استدعى خصومته. واحتمالات الاستجابة له في الحالة الأولى تكون قائمة، أما في الحالة الثانية حال استدعاء الخصومة فلا احتمال قط للنظر المنصف حتى لو كان الطالب غير مشكوك في حقه، وبصرف النظر عن الصواب والخطأ، فهكذا تعمل آلة الدولة المشخصنة المستبدة. ولـ"غاندي" تعبير دقيق وجميل يصف به هذا الأمر، فهو يقول: إن الحاكم عندما يواجه الحركة الشعبية السلمية بالعنف يكون كمن يضرب الماء بسيفه ليقطعه، فالعنف لا يهزم الحركة السلمية مهما آذى رجالها، وللأديب الأمريكي "يوجين أونيل" مسرحية باسم الإمبراطور جونز، تحكي أن إمبراطورا في بلد إفريقي انسحب مواطنوه من البلدة وذهبوا إلى الغابة وبقوا يدقون الطبول على نحو رتيب، أي انصرف عنه شعبه، ولكنه كان انصرافا منظما وجماعيا، ويستهدف عملا احتجاجيا مقاوما، لم يكن الانصراف عملا سلبيا، كان هو صميم العمل الإيجابي، ولم يكن هروبا بل كان هو عين المواجهة. وتصف المسرحية اضطراب الحاكم في مواجهة هذا الفعل المنظم. فلا بد للحاكم من الشرعية، مهما كان ذا سلطات مطلقة، والشرعية بالمعنى المقصود منها هنا هي التقبل العام في حده الأدنى الذي يُمَكّن له من أن يطاع، وأن تنفذ أوامره ونواهيه بين الناس فيصالح غالبيتهم إليها، وأن تنفذ هذه الأوامر والنواهي بين عمال الدولة وأجهزتها فيتحركون لإفضائها بين الناس. ويستحيل للحاكم أن يحكم شعبا إلا بتوافر درجة معتبرة من التقبل والانصياع له بين الناس، ويستحيل عليه أن تمضي قراراته بين عمال دولته إلا بدرجة أقوى من التقبل تدفع عماله إلى الحركة لإمضاء قراراته بغير تراخ ولا تسويف ولا إهمال. إن من أولى مشاكل أي رئيس في أي موقع من مواقع العمل والإدارة، هي كيف يدفع مرؤوسيه إلى مده بالمعلومات والخبرات الخاصة بالعمل بكفاءة وصدقية، وكيف يدفعهم لأن ينفذوا قراراته بالضبط اللازم لإنتاج أثرها، ولو فرض أن كان المرؤوس شخصا واحدا -وهذا طبعا لا يحدث قط- لكان الرئيس أحوج إلى مرؤوسه الوحيد من احتياج المرؤوس إلى رئيسه. يبدو ذلك جليا إذا لوحظت علاقة أي رئيس جديد بمرؤوسيه، حيث يكاد في الأيام الأولى له معهم يستجدي تقبلهم له، إن لم يكن ذا علاقة سابقة بهم. هذا من حيث علاقة الرئيس بمن دونه. ويلاحظ أن علاقة الحاكم بمحكومه أشد احتياجا؛ لأنه لن يكون حاكما بغير طاعة المحكوم، وإذا أردنا أن نوضح مدى احتياج كل من الجانبين للآخر، فيمكن القول بأنه لا أمن ولا انتظام للمحكوم بغير الحاكم، ولكن في المقابل فإنه لا وجود أصلا للحاكم بغير المحكوم. ولا نقصد بذلك الوجود المادي ولكن نقصد وجود الحاكم بوصفه طرفا في علاقة لا تقوم ولا تنشأ إلا بمحكوم لديه الحد الأدنى للتقبل والانصياع، بحيث إنه إذا أزاح التقبل والانصياع، أو خفضهما إلى ما دون الحد الأدنى، فلا يبقى حاكم على كرسيه، والمسألة هنا ليست مسألة إزاحة مادية، إنما هي إزاحة للتقبل وهي ليست إطاحة مادية ولكنها إطاحة للانصياع وللخضوع. نحن نعرف من تجربة الهند أن الإنجليز ما كانوا يستطيعون أن يحكموها بغير تعاون الهنود وخضوعهم، وهذا ما أدركه غاندي وعمل على إنهاء هذا التعاون؛ فما لبث الحكم الإنجليزي أن انتهى، رغم أنه كان يعتمد على جيوش وأساطيل إنجليزية، وكان جهاز الدولة الهندي يتشكل في قياداته من الإنجليز. فهذا الأسلوب كان ناجحا ضد حكام أجانب وضد آلة حرب أجنبية وضد جهاز دولة يشكله ويشرف عليه ويشترك في أنشطته الوسطى أجانب، فما بالك بأثره الكبير إذا لم يوجد أجنبي في حكم، أو في آلة حرب أو في أجهزة دولة. ولغاندي كلمة ذكية في هذا الشأن، فهو يقول: سوف نتوقف عن لعب دور المحكوم، وإن الإنجليز مهما أعملوا العنف فنحن نعرف أنهم لن يستطيعوا أن يتحركوا خطوة واحدة للأمام، وإذا كان هذا ما قاله غاندي بوصفه محكوما، فهو عينه تقريبا ما قاله هتلر بوصفه حاكما وطاغية، فهو يقول في كتاب "كفاحي": إنه لا يمكن الاحتفاظ بأجهزة الحكومة عن طريق القوة وحدها. وميكافيللي يؤكد الظاهرة ذاتها في كتابه "الأمير"، على اعتبار أن القسوة كلما زادت ازداد نظام الحكم ضعفا، وأنه إذا لم يكن من سبيل أمام الحاكم لانتزاع الطاعة إلا بالعنف فإن النظام يكون آخذا في الزوال، وعلينا أن نعي جيدا درسا في السياسة يتفق على إدراك ظواهره وعلى استخلاص عبرته، يتفق على ذلك غاندي في أقصى الحركة الشعبية السلمية الأخلاقية، وهتلر في قمة سلطة العدوان المسلح العنيف غير الأخلاقي، وميكافيللي في قلب العمل السياسي الذي لا يعرف من المبادئ إلا مصلحة الحاكم والدولة. ونحن نذكر كيف أن ثورة 1919 في مصر كان طابعها العصيان وعدم التعاون، وكانا فاعلين، من حيث السعة الشعبية والشمول، وهذا ما جعل اللورد اللنبي المندوب السامي البريطاني في مصر يصف لحكومته الوضع قائلا: لقد صارت الحكومة مستحيلة في مصر في ربيع 1919، وهذا بالذات -وضع "استحالة الحكومة"- هو ما اضطر الحكومة البريطانية الاستعمارية إلى تقديم التنازلات للمصريين بالاعتراف باستقلال مصر وسقوط الحماية البريطانية عنها، والبدء في التعامل مع قوى الثورة المصرية، ونعرف في السودان حركة 1964 التي خرج فيها شعب السودان إلى الشوارع في حركة احتجاج شعبي منظم ومصمم حتى انتهى سلميا نظام إبراهيم عبود الذي كان قد بدأ في 1958 واستمر حتى 1964، ونعرف أيضا بدايات الثورة الإيرانية، تحرك الناس بجمعهم في حركة سلمية احتجاجية تعبر عن الرفض الشامل لحكم الشاه، وبقي تحركهم شاملا وسلميا رغم ما لاقوه من عنف الدولة وأجهزة القمع فيها، ولكن الإصرار على الفعل الاجتماعي السلمي المثابر في شمول ما لبث مع مضي الوقت أن فصل بين قيادة الدولة صاحبة القرار وبين أجهزة التنفيذ والضغط، فانحل وثاق الدولة، وكان امتناع أجهزة القمع عن إطاعة الأوامر بالضرب هو في ذاته إنهاء للنظام السياسي. كما كان إضراب المواطنين في مصر في 1919 إيذانا بانتهاء نظام حكم استمر سبعا وثلاثين سنة سابقة منذ 1882، وإيذانا ببداية نظام جديد استمر ثلاثا وثلاثين سنة حتى 1952.

التوقيع
توقيع العضو : AlexaLaw
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.AlexaLaw.com
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى
AlexaLaw
مؤسس و مدير عام المنتدى

الجنس : ذكر

تاريخ التسجيل : 03/03/2010

عدد المساهمات : 19648

نقاط : 12654998

%إحترامك للقوانين 100

العمر : 34

الأوسمه :

 أُطروحات في موضوع إقامة الدولة الإسلامية مخالفة للطريقة الشرعية 1384c10


الأوسمة
 :


 أُطروحات في موضوع إقامة الدولة الإسلامية مخالفة للطريقة الشرعية Empty
مُساهمةموضوع: رد: أُطروحات في موضوع إقامة الدولة الإسلامية مخالفة للطريقة الشرعية    أُطروحات في موضوع إقامة الدولة الإسلامية مخالفة للطريقة الشرعية I_icon_minitime3/10/2011, 23:05

خيارات المساهمة


إن الفعل السلمي المنتج يستوجب حركة جامعة وشاملة كأوسع ما تكون، أو بعبارة أدق فإنه بقدر سعتها وشمولها بقدر ما تكون منتجة، وبقدر ما تكون أسرع في الإنتاج بقدر ما تكون أعمق في أثرها الطيب المرجو. كما أن هذا الفعل المنتج يستوجب صبرا على الشدائد التي سيواجه بها حتما؛ لأن الحكم المشخصن لا بد أن يستخدم العنف في البداية، وهو لا يواجه أزماته إلا بالمزيد من التسلط وقلة الحيلة والقمع، كما أن هذا الفعل المنتج يقتضي طول النفس، وأن الصبر وطول النفس واستبقاء السلمية في التعبير رغم تحمل الصعاب كل ذلك يزيد من فاعلية ومن اتساع جامعته ونمو شموله. وأصعب ما في هذه المستوجبات هو أولها؛ لأن نظام الدولة القابضة، وما تتصف به وظائفها من شمولية وتسلط، وما تخضع له من مركزية شديدة، وما يغلب عليها من فردية وتشخصن، كل ذلك يؤدي إلى انفراط في التجمعات الشعبية انفراطا يبلغ المدى البعيد، حتى إن تجمعات النسيج الاجتماعي كالمذاهب والطرق الصوفية ونقابات الحرفيين وتجمعات الطوائف والملل والقبائل تنتهي، أو إن ما يبقى منها يصير شكلا بغير محتوى قادر على فعل التجميع المنتج، أما تجمعات الحاضر ذات التشكيلات الحديثة، مثل نقابات العمال والنقابات المهنية واتحادات الطلبة وغير ذلك، فتؤول إلى أن تكون تكوينات شبه مفرغة من القدرة على التحريك الشعبي، بعضها تحت الهيمنة الرسمية للحكومة، مثل الجمعيات والجمعيات التعاونية التي تخضع للإشراف وللوصاية من جانب الحكومة على أعمالها، ومثل النقابات العمالية التي تغدو تحت الهيمنة الفعلية لأجهزة الدولة العمالية والأمنية، ومن خلال وزارات العمل ووزارات الداخلية، ومثل اتحادات الطلبة التي تخضع أيضا لهذه السيطرة، وتبقى النقابات المهنية والأحزاب والنقابات المهنية التي عادة تحيط بها الحكومة وإن لم تستطع أن تخضعها لسيطرتها الكاملة، فتصادر إرادتها الانتخابية وحركيتها بين جماهيرها، وكذلك الأحزاب بالطبع. عودة المواطن حين نجد المواطنين قد صاروا مبعثرين، أفرادا لا يجتمع الغالب منهم في تجمعات منتظمة، ولا يحيون معا بين ذويهم من أهل المهن أو الحرف أو الأقاليم أو المذاهب أو الملل أو العشائر، ونقصد بالتجمع المنتظم والحياة هذا التواجد الإنساني الجماعي الذي يقوم به الشعور بالتجمع والاتصال بجماعة ما -علينا أن ندرك العصيان المشروع كوسيلة لاستعادة دور الدولة وقوامها، والحكم وأسسه. فالدولة المركزية حين تضرب التجمعات الأهلية والجماعات الفرعية إنما تقصد إلى أمرين: أولهما القضاء على الشعور بالجماعية أيا كانت، سياسية أو اجتماعية أو مذهبية أو إقليمية أو مهنية، وثانيهما القضاء على التعبير السياسي أو الاجتماعي خارج الغرف المغلقة، بالحركة الشعبية السلمية في أماكن العمل، وفي الشوارع والميادين وغير ذلك، وحينئذ لا بد أن يتجاوز الفعل الحركي السلمي المطلوب ما تحرص الدولة المركزية على منعه في هذين الأمرين، وما اعتاد الناس عليه بموجب منع الدولة أزمانا طويلة. وذلك بإحياء عوائد العيش في ظل الانتماءات الجماعية، وبإحياء عوائد التعبير الجماعي السلمي عن الموقف، وسائل التعبير الجهير خارج الغرف والقاعات المغلقة. حين نجد دولة تجعل المواطنين في شتات داخل أوطانهم وفي عقر بلادهم، فلا بد من تلمس بوادر الخروج من هذا الشتات، ولا مخرج من حالة الشتات إلا بتجاوز أوامر قيادة الدولة المشخصنة، دولة الفرد الواحد. وهذا التجاوز لا يتأتى بالمطالبات وبالتوجه لهذه القيادة المشخصنة بما يطالب به الناس من تجمع، إنما يرد بالممارسة، وفي مثل هذا الأمر تدرك الجماعات الوطنية أن الشرعية في التصرف والفعل الحركي لا ترد من قيادة فردية ولا من قراراتها، وإنما ترد من نظم المجتمع وما يكفله الدستور من رخص وحريات وتحري ممارسة الأفعال وحقوق الإنسان بموجب الإقرار الجماعي بقيام هذه الرخص وإتاحة هذه الحريات، ويجري النظر إلى سياسات القيادات الفردية وقراراتها التي تمنع هذه الأمور، يجري النظر إليها بحسبانها من العقبات المادية الواجب تفاديها، والمهم في ذلك هو تطوير إستراتيجيات الحضور والممارسة، والنظر إلى العقبات بروح التذليل لما يقبل التذليل، والتفادي لما لا يجدي معه إلا التفادي، وكل ذلك في إطار صارم من السلمية في النشاط والعمل كما أسلفنا. ومع تحمل نتائج العقبات المادية والصبر على نتائجها. ويحدث ذلك بالقليل المتتابع الذي يصير كثيرا، وتلك عبرة التاريخ. المشكلة التي تواجه هذه الممارسة عادة هي أن الإنسان وهو فرد يستصحبه الشعور بالضعف وعدم الأهمية، ويستبعد أن يكون رأيه أو فعله ذا أثر في غيره. فحال الفرد الأعزل الوحيد وهو يواجه سلطة مؤسسة تتكون من جماعة منظمة ذات تشكيل هرمي يخضع لإمرة رجل واحد هي أقرب لليتم ومعاناة القهر. لذلك لا بد من الخروج من هذه الحال. ولا بد من أن يعتصم الناس بالتجمع، فلن يشعر الفرد بقوته وبأثره إلا وهو في جماعة فاعلة. وأن قوة الجماعة هي أضعاف أضعاف مجموع أفرادها "فَإِن يَكُن مِّنْكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ" صدق الله العظيم (الأنفال: 66). إن الطغيان لا يبقى قويا مدعوما إلا بقدر ما يكون الناس متفرقين، وهو يعرف جيدا من أول درس استوعبه في علم الطغيان أن مصدرا مهما لقوته عليهم هو الشتات الذي يحيون فيه؛ لذلك لا بد من تجاوز الشتات، شتات المواطنين في وطنهم، ولا يبدأ هذا التجاوز إلا بالممارسة الفعلية فهي ما عليه المعول، ولا يظن صاحب عقل رشيد أن الحاكم سيعطي المواطن ما يقوى به المواطن على الحاكم، بل المبادرة والفعل هما الأساس. والقمع الذي يواجه به فعل التجمع الشعبي في مجالاته المتعددة والمتنوعة منتظر ومتوقع، وما دام بقي الفعل الشعبي ممارسا بتتابع واستمرار، ومع تحمل التكاليف المترتبة على ذلك، ومع التصميم على الالتزام بالممارسات السلمية الخالصة، فإن القمع هنا ما يلبث أن يؤدي إلى عكس النتائج المتوقعة منه، لأنه خليق به أن يعزل عامة الشعب عن أفعال القمع، وأن يفكك من تماسك أجهزة القمع ذاتها فيزداد التماسك الشعبي والتجمع الشعبي من جهة، ويزداد التفكك ويضعف الترابط بين إرادة الحكم وبين أجهزة التنفيذ، وبه تزيد المعارضة ويزداد عدم التعاون في العلاقة بين الحكم وبين الآخرين. كسر الجمود وتحريك الماء الآسن لا يتم في ظل الدولة المشخصنة إلا بفعل شعبي يرد من خارج الإطار الرسمي المرسوم من غير توقع ولا حساب، فيرجح كفة على كفة، أو يمسك هو بزمام الأمر حتى يقضي الله سبحانه أمرا كان مفعولا. وحكمة السابقين تدلنا على أنه: لا حجاب إلا الوقت. مع صعود مد حركات الإسلام السياسي الموصوفة بـ"الإحيائية" لدى مناصريها و"الأصولية" لدى منتقديها، برز مصطلح أخذ رواجا منقطع النظير، إنه مفهوم "الدولة الإسلامية". لقد بدا هذا المفهوم للإسلاميين وكأنه يحقق لهم طموحا أو أملا افتقدوه منذ عقود ولا سيما مع إلغاء الخلافة الإسلامية عام 1924م على يد أتاتورك. لقد بقي هذا المفهوم أشبه بالنموذج المثال الذي يُحدد بالسلب أكثر من تحديده بإحداثياته الخاصة؛ فالنظام الاقتصادي في الدولة الإسلامية -على سبيل المثال- لا يعتمد النموذج الاشتراكي في توسيع القطاع العام وسيطرة الدولة على وسائل الإنتاج، ولا هو كالنموذج الرأسمالي في إطلاق حرية اقتصاد السوق وانفتاح الأسواق على بعضها، إنه لا هذا ولا ذاك، إنه نموذج خاص بالدولة الإسلامية، لكننا ما نزال -إلى الآن- نفتقد أسسه وفلسفته التي يقوم عليها. ومع دخول حركات الإسلام السياسي في خصام أو في دوامة العنف مع معظم الأنظمة السياسية في العالم العربي، أو في دخولها في إطار التعددية الحزبية القائمة في بعض الأقطار مثل الأردن والمغرب وغيرهما، بدا أن هذه الحركات مدعوة لإعادة النظر في الكثير من مفاهيمها التي بنت عليها خطابها، وأسُّ هذه المفاهيم هو مفهوم "الدولة الإسلامية" الذي حاول الكثير من المفكرين والمثقفين العرب النظر إليه وفق تاريخيته الزمنية وأصوله المرجعية. لذلك يحاول برهان غليون في حواره مع محمد سليم العوا حول "النظام السياسي في الإسلام" أن يميز بين ما يسمى بالنظام السياسي في الإسلام ومفهوم "الدولة الإسلامية"؛ فالنظام السياسي يشير إلى مجموعة القواعد والمبادئ والأهداف التي تحدد نمط ممارسة السلطة العامة في المجتمع، سلطة الحكم، أي أسلوب استثمار الموارد المادية والمعنوية التي ينطوي عليها حقل سياسي معين. أما مصطلح الدولة الإسلامية فإنه مصطلح مبتدعٌ حيث يعبر عن تأثر الفكر الإسلامي المعاصر الشديد بالفكر القومي الحديث السائد، ذلك أن هذا الفكر هو الذي يُعطي للدولة هذه الأهمية الاستثنائية والخاصة التي تجعل منها المعبود الحقيقي للمجتمع؛ لأنه يُطابق فيها بين هوية هذا المجتمع وقيمه ونظامه وغاياته، وهكذا فلم تكن للدولة في الإسلام الأول قيمة إيجابية، ولم يكن لها في الإسلام التاريخي نفسه القيمة التي نميل إلى إعطائها لها اليوم، والتي جاءت بالضبط من السعي إلى التقليل من أهمية الدين، بل تهميشه وخلق بديل عنه. ولذلك فالصراع اليوم بين الحركات الإسلامية وأعدائها ليس على تعيين حقيقة الإسلام أو على معرفة جوهر رسالته، وإنما يرتبط نزاعهم النظري بالصراع على السلطة الذي يتمحور حول مسألتين رئيسيتين هما: تداول السلطة وعلاقة الدولة ومؤسساتها بالمجتمع. فالحركات الإسلامية تجد في الدين مصدرا مقابلا لشرعية فرض التداول على السلطة، وإزاحة النخب الحاكمة عن مواقعها، وبنفس الوقت فإن مرجعية الدين ودوره في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية يشكل أيضا مصدر خلاف حقيقيا بين أنصار الحركات الإسلامية والأحزاب السياسية المنافسة لها. لكن وبالرغم من الأصول الشرعية والفقهية التي تبني الحركات الإسلامية عليها خطابها، فإن ذلك لا يمنع من نشوء حركة إسلامية ديمقراطية بالمعنى العميق للكلمة كما يرى غليون؛ إذ من شأن هذه الحركة أن تعكس هموم قطاع كبير من الرأي العام العربي الحريص على القيم الدينية، والمتمسك بها، وتعمل مع الحركات الاجتماعية والسياسية الأخرى على أسس ديمقراطية في التوصل إلى الحلول المطلوبة، لإقامة نظام مجتمعي يضمن المساواة والعدالة، والحريات الفردية لجميع المواطنين. وإذا كان الكثير من الباحثين يعتقدون بأن الديمقراطية ينبغي أن تكتفي بمصدر الشرعية الشعبية وتنأى بنفسها عن أي علاقة مع الدين، فإن غليون يرى العكس؛ فمحاولات دمقرطة الفكر السياسي الإسلامي يمكن أن تمنح المساعي القائمة لتعزيز فرص التحول الديمقراطي في البلاد العربية: مشروعية إضافية تُساهم في تدعيمها. فغليون إذن يرفض مفهوم الدولة الإسلامية لاعتبارين: الأول هو عدم مشروعيتها داخل الإسلام كدين، والثاني: أنها شكل من أشكال الدولة الدينية التي تجاوزها الجميع باتجاه الدولة الديمقراطية التي تكفل قيام الحق والقانون، وترسخ مبدأ المواطنية كأساس للتعامل بين الجميع. وما يمنع العرب من إنجاز دولتهم الديمقراطية، ليس طبيعة التراث الفكري الديني أو العقلي في الحضارة الإسلامية، وإنما يتعلق الأمر بقوانين عمل الديناميكيات الجيوتاريخية السياسية والاقتصادية، ولا سيما إجهاض الثورة الصناعية ومحركها التراكم الرأسمالي في العالم العربي. أما محمد سليم العوا فإنه يقرُّ بداية بأن نموذج الدولة الإسلامية ليس فيه نص قرآني صريح لا يحتمل في تأويله الاختلاف، ولا نص سنة صحيح الورود قطعي الدلالة؛ ولذلك فإن لعلماء المسلمين أن يجتهدوا في شأن هذه الدولة في كل عصر بما يحقق مصلحتهم في عصرهم، ولا يغلق الباب أمام من يأتي بعدهم ليجتهد كما اجتهدوا. والدولة لدى العوا مرادفة لكلمة الشريعة، التي أثبتتها نصوص صريحة قطعية الورود والدلالة، وأكثرها ظني فيهما أو في أحدهما، وعليه فيكون الفقه المبني على النوعين معا هو الاجتهاد البشري في فهم النصوص القرآنية والنبوية. لكن قبول العوا هنا لمصطلح "الدولة الإسلامية"، ثم بناء نصه عليه، عبر اجتهاده في قبول التعددية الحزبية وتشريعه لوضع غير المسلمين في الدولة الإسلامية وغير ذلك يدلنا على أن مصطلح "الدولة الإسلامية" ليس قائما بذاته معينا ومحدد المعالم والقسمات، إذ يمكن -وفقا لذلك- قبول البرلمان، عندها تكون الدولة الإسلامية أشبه بالنظام التداولي، وهكذا يحتفظ العوا بالتسمية لكنه ينفتح باتجاه قبول كل الاجتهادات، بيد أنه من الأفضل له بداية أن مصطلح الدولة الإسلامية ليس تعبديا، وإنما النظام الذي يدعو إليه الإسلام وفق نصوصه المقاصدية يهدف إلى تحقيق المثل أو الغايات العليا وعلى رأسها العمل، ولذلك على المسلمين أن يتوسلوا بأي نظام يحقق هذه المثل، وعندها لن تكون هذه الدولة إسلامية بالمعنى الذي يطلق على الدولة الدينية أو الثيوقراطية، وإنما دولة مدنية تحترم الإسلام في قوانينها وتشريعاتها وتحقق مثله وأهدافه العليا في مبادئها وأطرها العامة. ويبدو النقد ذاته منطبقا على مفهوم العوا عن التعددية الحزبية؛ إذ يعتبر أنه "لا تثريب اليوم على دولة إسلامية إن هي سمحت بتعدد الأحزاب. وأنها يجوز لها، بل يجب عليها، أن تشترط على هذه الأحزاب الالتزام بقيم الإسلام وأحكامه، ثم تدعها بعد ذلك وما تدعو إليه من برامج سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها".يبدو عندها مفهوم التعددية ملغيا تماما، ولا يصح إلا على شبيهنا، كما يقول لسان حال العوا، وهذه الحال أشبه بالنظم الشمولية التي تدعي التعددية الحزبية لكنها تربط هذه التعددية بالأحزاب التي تماثلها فكرا وسياسة وعقيدة، وعندها تكون التعددية أشبه بشهادة الزور منها إلى التعددية الحقيقية؛ لذلك يبدو مفهوم التعددية بمثابة المحك الرئيسي الذي يكشف مدى قبول الدولة الإسلامية بالآخر، والاعتراف بالاختلاف المتساوي مع جميع الفرقاء.

منقووول للفائدة .
AlexaLaw

التوقيع
توقيع العضو : AlexaLaw
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.AlexaLaw.com
 

أُطروحات في موضوع إقامة الدولة الإسلامية مخالفة للطريقة الشرعية

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

.:: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ::.


      هام جداً: قوانين المساهمة في المواضيع. انقر هنا للمعاينة     
odessarab الكلمات الدلالية
أُطروحات في موضوع إقامة الدولة الإسلامية مخالفة للطريقة الشرعية حصرياا , أُطروحات في موضوع إقامة الدولة الإسلامية مخالفة للطريقة الشرعية بانفراد , أُطروحات في موضوع إقامة الدولة الإسلامية مخالفة للطريقة الشرعية منتديات عالم القانون , أُطروحات في موضوع إقامة الدولة الإسلامية مخالفة للطريقة الشرعية حمل , أُطروحات في موضوع إقامة الدولة الإسلامية مخالفة للطريقة الشرعية download , أُطروحات في موضوع إقامة الدولة الإسلامية مخالفة للطريقة الشرعية تحميل حصري
odessarab رابط الموضوع
AlexaLaw bbcode BBCode
odessarab HTML HTML كود الموضوع
صلاحيات هذا المنتدى:

لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
عالم القانون :: منتدى AlexaLaw لعالم القانون :: فروع القانون العام :: القانون العام الداخلي-
انتقل الى:  
الإسلامي العام | عالم القانون | عالم الكتاب و الثقافة العامه | التجاره و المال و الأعمال | البرامج و تكنولوجيا المعلومات | تطوير المواقع و المدونات | الترفيهي و الإداري العام

Powered by AlexaLaw.com ® Phpbb Version 2
Copyright © 2010
.:: جميع الحقوق محفوظه لمنتدى عالم القانون © ::.

.::جميع ما ينشر في المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأي القائمين عليه و إنما يعبر عن وجهة نظر كاتبه في حدود الديمقراطيه و حرية الرأي في التعبير ::.