عالم القانون
سيد الاستغفار

عنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي اللَّه عنْهُ عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « سيِّدُ الاسْتِغْفار أَنْ يقُول الْعبْدُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي ، لا إِلَه إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَني وأَنَا عَبْدُكَ ، وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما صنَعْتُ ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ علَيَ ، وأَبُوءُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لي ، فَإِنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْتَ . منْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا ، فَمـاتَ مِنْ يوْمِهِ قَبْل أَنْ يُمْسِيَ ، فَهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ ، ومَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وهُو مُوقِنٌ بها فَمَاتَ قَبل أَنْ يُصْبِح ، فهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ » رواه البخاري .


كشفت أنظمة المنتدى أنك غير مسجل لدينا فأهلا وسهلا بك معنا و تفضل بتصفح المنتدى و إن شاء الله ينال إعجابك و لا تحرمنا حينها من تسجيلك معنا و مشاركاتك و إفادتنا بخبرتك .


عالم القانون
سيد الاستغفار

عنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي اللَّه عنْهُ عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ : « سيِّدُ الاسْتِغْفار أَنْ يقُول الْعبْدُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي ، لا إِلَه إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَني وأَنَا عَبْدُكَ ، وأَنَا على عهْدِكَ ووعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما صنَعْتُ ، أَبوءُ لَكَ بِنِعْمتِكَ علَيَ ، وأَبُوءُ بذَنْبي فَاغْفِرْ لي ، فَإِنَّهُ لا يغْفِرُ الذُّنُوبِ إِلاَّ أَنْتَ . منْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِناً بِهَا ، فَمـاتَ مِنْ يوْمِهِ قَبْل أَنْ يُمْسِيَ ، فَهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ ، ومَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وهُو مُوقِنٌ بها فَمَاتَ قَبل أَنْ يُصْبِح ، فهُو مِنْ أَهْلِ الجنَّةِ » رواه البخاري .


كشفت أنظمة المنتدى أنك غير مسجل لدينا فأهلا وسهلا بك معنا و تفضل بتصفح المنتدى و إن شاء الله ينال إعجابك و لا تحرمنا حينها من تسجيلك معنا و مشاركاتك و إفادتنا بخبرتك .



عالم القانون

العدل أساس الملك - Justice is the basis
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
TvQuran
البرهان في وجوب اللجوء إلى الواحد الديان 110
AlexaLaw on facebook
البرهان في وجوب اللجوء إلى الواحد الديان 110
البرهان في وجوب اللجوء إلى الواحد الديان 110
البرهان في وجوب اللجوء إلى الواحد الديان 110
البرهان في وجوب اللجوء إلى الواحد الديان 110
البرهان في وجوب اللجوء إلى الواحد الديان 110

شاطر | 
 

 البرهان في وجوب اللجوء إلى الواحد الديان

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حنفى الاوبهة
شخصية مرموقة بالمنتدى

شخصية مرموقة بالمنتدى

الجنس : ذكر

تاريخ التسجيل : 20/03/2010

عدد المساهمات : 99

نقاط : 5035

%إحترامك للقوانين 100



البرهان في وجوب اللجوء إلى الواحد الديان Empty
مُساهمةموضوع: البرهان في وجوب اللجوء إلى الواحد الديان   البرهان في وجوب اللجوء إلى الواحد الديان I_icon_minitime25/11/2010, 06:11

خيارات المساهمة


البرهان
في وجوب اللجوء إلى الواحد الديان


للشيخ
عبد الله بن عبد الرحمن السعد
حفظه الله تعالى


بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الثانية
الحمد لله المختص بالعبادة والدعاء، والصلاة والسلام على أفضل من قام لربه ودعا، أما بعد:
فقد سمعت في إحدى الإذاعات في أيام عاشوراء عام 1428هـ وكان المذيع يسأل بعض المتصلين فيقول لهم: ماذا تريدون من الحسين؟ فقال أحدهم: أريد من الحسين أن ينصر المسلمين.
فانظر إلى هذه الوثنية والتي هي من أمور الجاهلية الأولى، يطلب من مخلوق بعد أن توفاه الله بنحو أربع مائة وألف من السنين أن ينصر المسلمين، والحسين رضي الله عنه في حال حياته لم يستطع أن يدفع عن نفسه وعن آل بيته في حادثة قتله رضي الله عنه، فكيف بغيره؟!
وهذا من أشد أنواع الشرك بالله والعياذ بالله، بل هناك أشد منه فقد حدثتني إحدى النساء أنها عندما كانت في حال الوضع تستغيث فتقول: يا الله، يا الله، فقال لها الممرضة: قولي يا علي!
وقد قال الله عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام: (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ، وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [يونس: 106-107] وقال عز وجل أيضاً: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً) [الإسراء: 56]، فالمخلوق مهما بلغ من المكانة عند الله عز وجل فإنه لا يملك كشف الضر ولا تحويلاً، كما هو نص الآية الكريمة، وكما في قوله تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً، وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً، قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً، قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً، قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً، إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً) [الجن: 18-23].
وقال تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) [الفرقان: 1-2].
أثنى الله جل وعلا على نفسه في هذه الآية الكريمة بخمس أمور، هي أدلة قاطعة على عظمته، واستحقاقه وحده لإخلاص العبادة له:
الأول منها: أنه هو الذي له ملك السموات والأرض.
الثاني: أنه لم يتخذ ولدا، سبحانه وتعالى على ذلك علواً كبيراً.
والثالث: أنه لا شريك له في ملكه.
والرابع: أنه هو خالق كل شيء.
والخامس: أنه قدر كل شيء خلقه تقديراً.
وقال تعالى: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً) [الفرقان:3].
فبعد أن أثنى على نفسه جل وعلا بالأمور الخمسة المذكورة في الآية التي قبلها التي هي براهين قاطعة على أن المتصف بها هو المعبود وحده.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الآلهة التي يعبدها المشركون من دونه متصفة بستة أشياء:
الأول: أنها لا تخلق شيئاً، أي: لا تقدر على حلق شيء.
والثاني: أنها مخلوقة كلها، أي خلقها خالق كل شيء.
والثالث: أنها لا تملك لأنفسها ضرا ولا نفعا.
والرابع والخامس والسادس: أنها لا تملك موتا ولا حياة ولا نشورا. أي: بعثا بعد الموت .
واعلم بارك الله فيك أن أعظم العبادة دعاء الله جل وعلا، والاطراح بين يديه وإظهار الحاجة والفقر إليه.
ودليل ذلك ما رواه الترمذي (3372) بإسناد جيد من حديث يُسيع، عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة" قال الترمذي حسن صحيح.
ومع وضوح هذه القضية الوضوح التام في كتاب الله عز وجل وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم نجد أن كثيرا من الناس يعرضون عن دعاء الله عز وجل ويتعلقون بغيره، فمن ذلك ما يفعل عند القبور، يقول ابن القيم محمد بن أبي بكر:
"فمن مفاسد اتخاذها أعيادا: الصلاة إليها، والطواف بها، وتقبيلها واستلامها، وتعفير الخدود على ترابها، وعبادة أصحابها، والاستغاثة بهم وسؤالهم النصر والرزق والعافية، وقضاء الديون، وتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، وغير ذلك من أنواع الطلبات، التي كان عباد الأوثان يسألونها أوثانهم.
فلو رأيت غلاة المتخذين لها عيدا، وقد نزلوا عن الأكوار والدواب إذا رأوها من مكان بعيد فوضعوا لها الجباه، وقبلوا الأرض وكشفوا الرؤوس، وارتفعت أصواتهم بالضجيج، وتباكوا حتى تسمع لهم النشيج، ورأوا أنهم أربوا في الربح على الحجيج فاستغاثوا بمن لا يبدي ولا يعيد، ونادوا ولكن من مكان بعيد، حتى إذا دنوا منها صلوا عند القبر ركعتين، ورأوا أنهم قد أحرزوا من الأجر ولا أجر من صلى إلى القبلتين، فتراهم حول القبر ركعا سجدا يبتغون فضلا من الميت ورضوانا، وقد ملؤوا أكفهم خيبة وخسرانا، فلغير الله بل للشيطان ما يراق هناك من العبرات، ويرتفع من الأصوات، ويطلب من الميت من الحاجات ويسأل من تفريج الكربات، وإغناء ذوي الفاقات، ومعافاة أولي العاهات والبليات ثم انثنوا بعد ذلك حول القبر طائفين تشبيها له بالبيت الحرام الذي جعله الله مباركا وهدى للعالمين، ثم أخذوا في التقبيل والاستلام، أرأيت الحجر الأسود وما يفعل به وفد البيت الحرام، ثم عفوا لديه تلك الجباه والخدود، التي يعلم الله أنها لم تعفر كلك بين يديه في السجود، ثم كملوا مناسك حج القبر بالتقصير هناك والحلاق، واستمتعوا بخلاقهم من ذلك الوثن إذ لم يكن لهم عند الله من خلاق، وقربوا لذلك الوثن القرابين وكانت صلاتهم ونسكهم وقربانهم لغير الله رب العالمين، فلو رأيتهم يهنّي بعضهم بعضا ويقول أجزل الله لنا ولكم أجرا وافرا وحظا، فإذا رجعوا سألهم غلاة المتخلفين أن يبيع أحدهم ثواب حجة القبر بحج المتخلف إلى البيت الحرام، فيقول: لا، ولو بحجك كل عام.
هذا ولم نتجاوز فيما حكيناه عنهم، ولا استقصينا جميع بدعهم وضلالهم: إذ هي فوق ما يخطر بالبال، أو يدور في الخيال. وهكذا كان مبدأ عبادة الأصنام في قوم نوح وكل من شم أدنى رائحة من العلم والفقه يعلم أن من أهم الأمور سد الذريعة إلى هذا المحذور، وأن صاحب الشرع أعلم بعاقبة ما نهى عنه لما يؤول إليه، وأحكم في نهيه عنه وتوعده عليه، وأن الخير والهدى في اتباعه وطاعته، والشر والضلال في معصيته ومخالفته.
ورأيت لأبي الوفاء بن عقيل في ذلك فصلا حسنا، فذكرته بلفظه، قال: لما صعُبت التكاليف على الجهال والطغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم، قال: وهم عندي كفار بهذه الأوضاع، مثل تعظيم القبور وإكرامها بما نهى عنه الشرع من إيقاد النيران، وتقبيلها وتحليقها وخطاب الموتى بالحوائج وكتب الرقاع فيها يا مولاي افعل بي كذا وكذا، وأخذ تربتها تبركا وإفاضة الطيب على القبور وشد الرحال إليها، وإلقاء الخرق على الشجرة، اقتداء بمن عبد اللات والعزى، والويل عندهم لمن لم يقبل مشهد الكف، ولم يتمسح بآجُرّة مسجد الملموسة يوم الأربعاء" .1
ومن ذلك ما قاله أحدهم مستغثياً بالرسول صلى الله عليه وسلم:
يا ملاذي يا منجدي يا منائي
يا معاذي يا مقصدي يا رجائي

يا نصيري يا عمدتي يا مجيري
يا خضيري يا عدتي يا شفائي

أدرك أدرك أغث أغث يا شفيعي
عند ربي واعطف وجد بالرضاء

أنت عوني وملجئي وغياثي
وجلا كربتي وأنت غنائي

فماذا ترك هذا لله من عبودية؟!
ويقول آخر:
بباب سهام سبعة من مشايخ
لقاصدهم ذخر وكنز لمقلل

فيونس إبراهيم مرزوق جبرتي
وأفلح صياد كذا ابن الرضى علي

زيارتهم نجح لكل حوائج
وفي الخلد سكنى للذي زار مقبل

قال مصطفى لطفي المنفلوطي:
كتب إلي أحد علماء الهند كتابا يقول فيه: إنه اطلع غلى مؤلف ظهر حديثا بلغة (التأميل) وهي لغة الهنود الساكنين بناقور وملحقاتها بجنوب مدارس.
موضوعه: تاريخ حياة السيد عبد القادر الجيلاني، وذكر مناقبه وكراماته، فرأى فيه من الصفات والألقاب التي وصف بها الكاتب السيد عبد القادر ولقبه بها صفات وألقابا هي بمقام الألوهية أليق منها بمقام النبوة، فضلا عن مقام الولاية كقوله: (سيد السموات والأرض) و(النفاع الضرار) و(المتصرف في الأكوان) و(المطلع على أسرار الخليقة) و(محيي الموتى) و(مبدئ الأعمى والأبرص والأكمه) و(أمره من أمر الله) و(ماحي الذنوب) و(دافع البلاء) و(الرافع الواضع) و(صاحب الشريعة) و(صاحب الوجود التام) إلى كثير من أمثال هذه النعوت والألقاب.
ويقول الكاتب: إنه رأى في ذلك الكتاب فصلا يشرح فيه المؤلف الكيفية التي يجب أن يتكيف بها الزائر لقبر السيد عبد القادر الجيلاني يقول فيه:
"أول ما يجب على الزائر: أن يتوضأ وضوءا سابغا ثم يصلي ركعتين بخشوع واستحضار، ثم يتوجه إلى تلك الكعبة المشرفة، وبعد السلام على صاحب الضريح المعظم يقول:
يا صاحب الثقلين أغثني وأمدني بقضاء حاجتي وتفريج كربتي أغثني يا محيي الدين عبد القادر.. أغثني يا ولي عبد القادر أغثني يا سلطان عبد القادر.. أغثني يا بادشاه عبد القادر أغثني يا خوجة عبد القادر).
(يا حضرة الغوث الصمداني يا سيدي عبد القادر الجيلاني، عبدك ومريدك مظلوم عاجز محتاج إليك في جميع الأمور في الدين والدنيا والآخرة).
هذا ما كتبه إلي ذلك الكاتب.. ويعلم الله أني ما أتممت قراءة رسالته حتى دارت بي الأرض الفضاء وأظلمت الدنيا في عيني فما أبصر مما حولي شيئا حزنا وأسفا على ما آلت إليه حالة الإسلام بين أقوام أنكروه بعدما عرفوه ووضعوه بعدما رفعوه وذهبوا به مذاهب لا يعرفها ولا شأن له بها.
أي عين يجمل بها أن تستبقي في محاجرها قطرة واحدة من الدمع فلا تريقها أمام هذا المنظر المؤثر المحزن، منظر أولئك المسلمين وهم ركع سجد على أعتاب قبر ربما كان بينهم من هو خير من ساكنه في حياته، فأحرى أن يكون ذلك بعد مماته!
أي قلب يستطيع أن يستقر بين جنبي صاحبه ساعة واحدة فلا يطير جزعا حينما يرى المسلمين أصحاب دين التوحيد أكثر من المشركين إشراكا بالله وأوسعهم دائرة في تعدد الآلهة وكثرة المعبودات.
هذه صورة من صور نفوس المسلمين في عصر التوحيد، أما اليوم وقد داخل عقيدتهم ما داخلها من الشرك الباطن تارة والظاهر تارة أخرى فقد ذلت رقابهم وخفقت رؤوسهم وضرعت نفوسهم وأموالهم ومواطنهم وديارهم فأصبحوا من الخاسرين.
والله لن يسترجع المسلمون سالف مجدهم، ولن يبلغوا ما يريدون لأنفسهم من سعادة الحياة وهناءتها إلا إذا استرجعوا قبل ذلك ما أضاعوه من عقيدة التوحيد، وأن طلوع الشمس من مغربها وانصباب ماء النهر في منبعه أقرب من رجوع الإسلام إلى سالف مجده ما دام المسلمون يقفون بين يدي الجيلاني كما يقفون بين يدي الله، ويقولون للأول كما يقولون للثاني: "أنت المتصرف في الكائنات، وأنت سيد الأرضين والسموات".
إن الله أغير على نفسه من أن يسعد أقواما يزدرونه ويحتقرونه ويتخذونه وراءهم ظهريا، فإذا نزلت بهم جائحة أو ألمت بهم ملمة، ذكروا الحجر قبل أن يذكروه، ونادوا الجذع قبل أن ينادوه.
فهل تعلمون أن السلف الصالخ كانوا يجصصون قبرا أو يتوسلون بضريح؟ وهل تعلمون أن واحداً منهم وقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر أحد من أصحابه وآل بيته يسأله قضاء حاجة أو تفريج همّ؟
وهل تعلمون أن الرفاعي والدسوقي والجيلاني والبدوي أكرم عند الله وأعظم وسيلة إليه من الأنبياء والمرسلين والصحابة والتابعين؟
وهل تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما نهى عن إقامة الصور والتماثيل نهى عنها عبثا ولعبا؟ أم مخافة أن تعيد للمسلمين جاهليتهم الأولى؟ وأي فرق بين الصور والتماثيل وبين الأضرحة والقبور ما دام كل منها يجر إلى الشرك ويفسد عقيدة التوحيد؟" ا.هـ.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداَ عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فإن مما انتشر بين الناس وذاع، دعاء غير الله –سبحانه وتعالى- فيما لا يقدر عليه إلا الله –عز وجل- في قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، وشفاء الأمراض، ورزق الأولاد، وهذا لا شك أنه محرم في دين الإسلام، بل هو من دين الجاهلية ومن الشرك بالله –عز وجل-.
والدليل على بطلان ذلك من عشرة أوجه:
الوجه الأول: أن الله –عز وجل- نهى عن دعاء غيره، فقال لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم: (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ) [يونس: 106]. وقال عز وجل: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ، وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) [الأحقاف: 5-6]. وقال تعالى: (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً) [الجن: 18]. والآيات في هذا المعنى كثيرة.
الوجه الثاني: أن الله –عز وجل- أمر بدعائه وحده دون ما سواه. فقال: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60]. وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186].
وقال تعالى:: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل: 62] أي: هل هناك مع الله أحداً يستطيع ذلك سواه؟!! الجواب: لا، بل هو المتفرد وحده بذلك.
وقال تعالى: (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) [الأعراف: 29].
وقال تعالى: (هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [غافر: 65].
وقال تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ، وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف: 55-56].
وروى الترمذي بإسناد جيد من حديث قيس بن الحجاج عن حنش الصنعاني عن ابن عباس قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا غلام إني معلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف". قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
* * *
الوجه الثالث: أن الله –عز وجل- قد بيّن في كتابه العظيم أن من دعا غيره –تعالى- فقد وقع في الكفر والشرك بالله –عز وجل- فقال تعالى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) [المؤمنون: 117]، فمن فعل ذلك فهو من الكافرين كما في الآية الكريمة.
وقال تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ، وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) [الأحقاف: 5-6]، فبين –عز وجل- أنه لا أحد أظلم ممن دعا غير الله.
وقال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) [الجن: 20]، أي: لا أشرك به في دعاء غيره من المخلوقين.
* * *
الوجه الرابع: أن الله –عز وجل- بين أن الخلق مهما بلغوا من المكانة عنده، فهم لا يقدرون على شيء، إلا ما أقدرهم عليه، وأنهم فقراء إليه، وأنهم بشر مثلهم ويعتريهم ما يعتري البشر، فيأكلون ويشربون ويمرضون ويموتون.
فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر: 15]، وقال تعالى عن موسى عليه السلام: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [القصص: 42].
وقال تعالى عن إبراهيم –عليه السلام-: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) [الشعراء: 80].
وحكى عن عيسى –عليه السلام- وأمه أنهما كانا يأكلان الطعام، فقال: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [المائدة: 75]. وقال: (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) [المائدة: 17]، وقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ) [الفرقان: 20].
وقال عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر: 30]، وقال: (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) [الكهف: 23-24]، وقال: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) [الكهف: 110].
بل أخبر تعالى أن بعض الأنبياء قد قتله قومه، فقال: (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) [البقرة:87].
فالذي نصل إليه: أن الدعاء لا يكون إلا له –سبحانه وتعالى-؛ لأنه هو الرب القادر على كل شيء، والمتفرد بذلك دون من سواه من الخلق.
قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [الأعراف: 194]، وقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) [الحج: 73]، وقال: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً) [الفرقان: 65].
* * *
الوجه الخامس: أن الله –عز وجل- أخبر أن الأنبياء والرسل الكرام –عليهم الصلاة والسلام- والصالحين من عباده، بل والملائكة، أنهم لا يدعون غير الله –عز وجل- في جميع أمورهم ومختلف أحوالهم، فالواجب اتباعهم والاقتداء بهم.
فقال –تعالى- عن نبيه يونس –عليه السلام- لما كان في بطن الحوت: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء: 87-88].
وقال عن زكريا: (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء: 89-90].
وقال تعالى عن نبيه أيوب إذ دعاه، فقال: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) [الأنبياء: 83-84].
وقال تعالى: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ، رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [غافر: 7-8].
وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر: "اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد" فأخذ أبو بكر بيده، فقال: حسبك، فخرج وهو يقول: "سيهزم الجمع ويولون الدبر".
قال الحافظ في "الفتح": وعند الطبراني بإسناد حسن عن ابن مسعود قال: ما سمعنا مناشداً ينشد ضالة أشد مناشدة من محمد لربه يوم بدر: "اللهم إني أنشدك ما وعدتني".
* * *
الوجه السادس: أن الكون وما فيه كله لله تعالى وبيده وتحت تصرفه وتدبيره، إذن هو الذي يجب أن يدعى وحده؛ لأن الملك ملكه والخلق خلقه، والأمر أمره.
قال تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى) [طه: 5-6]، وقال تعالى: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الحديد: 4]، وقال تعالى: (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) [فاطر: 14]، وقال تعالى: (اللَّهُ الصَّمَدُ) [الإخلاص: 2]. والصمد: هو الذي تصمد إليه الخلائق في طلب حاجاتها.
* * *
الوجه السابع: أن الله تعالى ذكر عن أنبياءه ورسله الكرام –عليهم الصلاة والسلام- أنهم قد سألوا الله تعالى في بعض أمورهم فلم يستجب لهم، ولم يتحقق لهم مرادهم، كما قال تعالى عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) [القصص: 56]، وقال أيضاً: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) [التوبة: 80]، وقال: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) [التوبة: 113].
وقال عن إبراهيم –عليه السلام-: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ) [التوبة: 114]. ومعلوم أن الله تعالى لم يستجب لإبراهيم في هذا.
وقال عن نوح: (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ، قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ، قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [هود: 45-47].
فكيف وهذه حالهم يُدعون من دون الله تعالى؟!
وانظر أيضاً إلى ما حصل يوم أحد، لما قاتل المسلمون بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم المشركين وأرادوا النصر عليهم، فلم يتم ذلك، مع ما بذلوه من الأسباب، وقد أنزل الله –عز وجل- آيات كثيرة في سورة آل عمران فيها تربية وتوجيه للمسلمين، بسبب ما حصل منهم.
وانظر أيضاً إلى ما حصل من علي بن أبي طالب رضي الله عنه في معركة صفين، حاول أن ينتصر على الطرف المقابل وبذل وسعه، فلم يتم له هذا المراد.
وهذا علي بن أبي طالب وابنه الحسين رضي الله عنهما لم يستطيعا أن يدفعا عن نفسيهما ولا عن أهل بيتهما ولا أن يردوا قدر الله السابق فيهم؛ فأين عقول هؤلاء الذين يدعون علياً والحسين من دون الله عز وجل.
فأين هؤلاء الذين يدعون علياً والحسين من دون الله –عز وجل-؟ لم يستطيعوا أن يدفعوا عن أنفسهم أو يردوا قدر الله السابق فيهم وعن أهل بيتهم.
وهذا أمر معلوم بالعقل لا يستطيع أحد من الناس أن ينفك عنه، وأمر مشاهد محسوس لا يمكن دفعه، وقد كان علي والحسين –رضي الله عنهما- يلجئون إلى ربهم في حالات الشدة ويدعونه، فعلى من يزعم محبتهم أن يسلك سبيلهم ويتبع طريقتهم.
وقد وصل الأمر ببعض الناس أنه في بيت الله الحرام وعند الكعبة، عندما أراد أن يقوم قال: يا علي؟! فسمعه بعض أهل العلم، فقال له: لو كنت في بيت أحد من الناس واحتجت إلى حاجة من البيت، هل تذهب إلى جار صاحب البيت أو تسأل صاحب البيت نفسه، فما كان منه إلا أن قال: أسأل صاحب البيت نفسه، فانظر بارك الله فيك أنه لم يستطع دفع ذلك، بل اعترف بالحق.
ولذا قال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً) [الإسراء: 57].
وأضرب مثلاً آخر يعقله كل الناس: لو أن رجلاً أغناه الله –عز وجل- وأعطاه من الأموال الشيء الكثير وله أولاد، وكان دائماً يقول لأولاده: إذا احتجتم إلى شيء من المال أو الطعام أو الكساء فأخبروني، فكان هؤلاء الأولاد لا يطلبون منه، بل يذهبون إلى الجيران ويسألونهم، فهل فعلهم موافق للعقل؟! أو من السفه المنافي للعقل، وهذا فيما يتعلق بالخلق فكيف بالله –عز وجل- الذي له المثل الأعلى.
فعلى العبد أن يتجه إلى ربه الذي هو خالقه وسيده ومولاه في قضاء حاجاته وتفريج كرباته.
وقد يحتج بعض الناس بمعجزات الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام- في دعاءهم من دون الله، وأن موسى –عليه السلام- مثلاً كان يضرب الحجر فيخرج منه الماء، وأن عيسى كان يحي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص.
فأقول جواباً عن ذلك:
أولاً: أن هذه المعجزات إنما هي من الله، قال تعالى: (قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ) [آل عمران: 49].
فعلى العبد أن يسأل الله الذي أعطى هذه المعجزات لهم.
ثانياً: أن هؤلاء الأنبياء –عليهم السلام- كانوا يسألون الله –عز وجل- كما تقدم في الآيات، فعليك يا أيها المرء أن تقتدي بهم، فهم القدوة والأسوة الحسنة.
ثالثاً: أن الأدلة السابقة واضحة في الدلالة على المنع من ذلك، بل حتى فيما يقدر عليه الإنسان الأولى بالمرء أن يبدأ بسؤال الله –عز وجل- أولاً.
وقد حكي عن أبي جعفر محمد الباقر –رحمه الله تعالى- أنه قال: من عرضت له حاجة إلى مخلوق، فليبداً بالله –عز وجل- .2
* * *
الوجه الثامن: أن الله –عز وجل- كما أمر عباده أن يدعوه وحده ونهى عن دعاء غيره، فهو يحب من عباده أن يدعوه ويستغيثوا به ويلجئوا إليه في جميع أمورهم ومختلف شؤونهم، فالدعاء عبادة محبوبة لله تعالى فالذي يدعو ربه تعالى يفعل شيئاً محبوباً له مقرّباً لديه، ودليل ذلك: الحديث القدسي، وهو حديث عظيم، قال –عليه الصلاة والسلام-: "ينزل ربنا في كل ليلة إلى سماء الدنيا، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟".
وقد جاء هذا الحديث عن جمع من الصحابة، وهو مخرج في الصحيحين والسنن والمسانيد، وهو حديث صحيح متواتر، وللدارقطني جزء في طرق هذا الحديث ورواياته.
فانظر إلى هذا الكرم الإلهي، يدعو عباده لكي يسألوه ويدعوه، وذلك في كل ليلة، وهو غني عنهم، فعلى العبد أن يغتنم هذا الكرم العظيم من قبل الرب –عز وجل- فيُكثر من دعائه، وسوف يجد انشراحاً في قلبه وراحة في نفسه، وزيادة في إيمانه.
قال تعالى: (وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) [النساء: 32].
وقد أخرج مسلم من حديث أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه –عز وجل- أنه قال: "يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا، يا عبادي، كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي، كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي، كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم".
وفي "سنن ابن ماجه" من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يسأل الله يغضب عليه" وقد قوّى هذا الحديث بعض أهل العلم، والحديث فيه ضعف، ولكن نصوص الكتاب والسنة تشهد لمعناه، فالذي لا يسأل الله تعالى مطلقاً ولا في شيء من أموره، لا شك أن الله تعالى يغضب عليه، لأنه لم يتخذ الله رباً وإلهاً، والدعاء: منه ما هو واجب مثل سؤال الله الهداية، لقوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) [الفاتحة: 6] وسؤال الله المغفرة، ومثل الدعاء بين السجدتين.
وقد نظم بعضهم هذا المعنى فقال:
الرب يغضب إن تركت سؤاله
وبني آدم حين يُسأل يغضب

وقال بعضهم:
أبا هانئ لا تسأل الناس والتمس
بكفيك فضل الله والله أوسع

ولو تسأل الناس التراب لأوشكوا
إذا قلت هاتوا أن يملوا ويمنعوا

* * *
الوجه التاسع: كما أن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة دلت على منع سؤال غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، ففطرة الإنسان دلت على ذلك؛ لأن الله –عز وجل- فطر العباد على التوجه إليه ودعاءه في وقت الشدة وحلول المصيبة، وهذا في كل الناس حتى الكافر منهم، كما ذكر الله –تعالى- عن المشركين، فقال: (حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [يونس: 22].
وقال عنهم: (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُوراً) [الإسراء: 67].
بل حتى الحيوانات مفطورة على التوجه إلى ربها وفاطرها، قال تعالى عن هدهد سليمان –عليه السلام-: (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ، إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ، وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ) [النمل: 22-24].
فانظر كيف أنكر هذا الحيوان الطائر على هؤلاء الذين توجهوا لغير الله؛ لأن ذلك فطرة فطر الله –عز وجل- عليها جميع الخلق، إنسهم وجنهم وناطقهم وأعجمهم.
* * *
الوجه العاشر: كما أن الشرع والفطرة قد دلا على ذلك، فكذلك العقل كما تقدم، فالإنسان بعقله يعلم أن هؤلاء المدعوين مثله في الخلق والبشرية، فكيف يستغيث بهم من دون الله ويلتجئ إليهم ويسألهم الشفاء والرزق، وهم مثله؟
قال تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) [الكهف: 110]، وقال تعالى: (قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [إبراهيم: 11]، وتقدم في الآية: (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ) [الأعراف: 194].
حتى فيما يقدر عليه العباد ويكون في وسعهم القيام به ينبغي سؤال الله تعالى، وقطع الالتفات إلى الخلق، لكن نجد –مع الأسف- أن بعض الناس إذا أصيب بمرض مثلاً ذهب إلى من برقيه، بينما كان ينبغي عليه أن يرقي نفسه ابتداء، وما من أحد من المسلمين –بحمد الله- إلا يستطيع أن يقرأ على نفسه بالفاتحة وآية الكرسي والمعوذات، ونحو ذلك من السور والآيات.
ولا يخفى أن الإنسان عندما يرقي نفسه بنفسه، لا شك أنه سوف يجتهد بالرقية، وتكون قراءاته بحضور قلب وتعلق بالله –عز وجل-، وهي أحرى بالإجابة، فكم من شخص رقى نفسه فشفاه الله –عز وجل-.
ومن ذلك أيضاً: أن بعض الناس إذا احتاج إلى وظيفة، أخذ يبحث عن واسطة، ولا يلجأ إلى ربه أولاً في أن ييسر له هذه الوظيفة، وأذكر هنا قصة واقعية سمعتها من إذاعة القرآن الكريم، وهي: أن شخصاً أراد وظيفة ما، فذهب إلى أصحاب الشأن، فلم يلتفتوا إليه، فضاق به الأمر، فذهب إلى أحد أهل العلم يريد شفاعته، فأرشده إلى اللجوء إلى الله –عز وجل-، فأخذ بنصيحته، فقام قبل الفجر، فأخذ يصلي ويدعو الله –عز وجل-، ثم بعد ذلك ذهب إلى من كان قد ذهب إليهم فيما سبق في طلب الوظيفة، فتيسرت له هذه الوظيفة، حتى قال له أحد المسؤولين الذين قد ذهب إليه في المرة الأولى ولم يلتفت إليه، قال له: أين أنت؟
بل أنك تجد بعض الناس حتى في الدعاء لنفسه يطلب من الناس أن يدعوا له، وربنا يقول: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر: 60] وقال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186].
وقد جاء عن بعض السلف –وهو أصبغ بن زيد الوراق- أنه قال: مكثت أنا ومن عندي ثلاثاً لم نطعم طعاماً، فخرجت إلي ابنتي الصغيرة، فقالت: يا أبت الجوع، فتركتها وأتيت الميضأة فتوضأت للصلاة وصليت ركعتين، ومددت يدي لأدعو فأنسيت ما كنت أحسنه في الدعاء، فقلت: اللهم إن كنت حرمتني الرزق فلا تحرمني الدعاء، فألهمت أن قلت: اللهم خشعت الأصوات لك، وضلت الأحلام فيك، وضاقت الأشياء دونك، وهرب كل شيء منك إليك، وتوكل كل مؤمن عليك، فأنت الرفيع في جلالك، وأنت البهي في جمالك، وأنت العلي في قدرك، يا من هو في علوه دان، وفي دنوه عال، وفي سلطانه قوي، صل على محمد وعلى آله محمد، وافتح علي منك رزقاً، لا تجعل علي فيه منة، ولا لك علي فيه في الآخرة تبعة، برحمتك يا أرحم الراحمين، ثم انصرفت إلى البيت، فإذا ابنتي الكبيرة قد قامت إلي وقالت: يا أبي قد جاء الساعة عمي بهذه الصرة من الدراهم، بجمل عليه دقيق، وجمل عليه من كل شيء في السوق، وقال: أقرؤوا أخي السلام، وقولوا له: إذا احتجت إلى شيء فادع بهذا الدعاء: تأتك حاجتك.
قال أصبغ: والله ما كان لي أخ قط، ولا أعرف من كان هذا القائل، ولكن الله على كل شيء قدير! والحمد لله رب العالمين؟! .3
قلت: وموضع العبرة في هذه القصة: أن هذا الرجل توجه إلى ربه، وصلى ركعتين، ومد يديه إليه، فجاءه الفرج سريعاً من قبل ربه عز وجل.
وهذه قصة ذكرها أبو محمد ابن حزم، وقعت لأبيه، وكان وزيراً لأحد الملوك في بلاد الأندلس، وهو المنصور بن أبي عامر، وهي قصة ثابتة، فقد قال ابن حزم: أخبرني هشام بن محمد عن أبي، أنه كان بين يدي المنصور أبي عامر محمد بن أبي عامر في بعض مجالسه العامة، فرفعت إليه رقعة استعطاف لأم رجل مسجون، كان ابن أبي عامر حنق عليه بجرم استعظمه، فلما قرأها اشتد غضبه، وقال: ذكرتني والله به، وأخذ القلم يوقع، وأراد أن يكتب: يُصلب، فكتب: يُطلق، ورمى الكتابة إلى الوزير، فأخذ أبوك القلم، وتناول رقعة، وجعل يكتب بمقتضى التوقيع إلى صاحب الشرط، فقال له ابن أبي عامر: ما هذا الذي تكتب؟ قال: بإطلاق فلان، فحرد وقال: من أمر بهذا؟ فناوله التوقيع، فلما رآه وقال: وهمت، ثم خط على ما كتب وأراد أن يكتب: يُصلب، فكتب: يُطلق، فأخذ والدك الرقعة، فلما رأى التوقيع: تمادى على ما بدأ به من الأمر بإطلاقه، ونظر إليه المنصور متمادياً على الكتاب! فقال: ما تكتب؟ قال: بإطلاق الرجل، فغضب غضباً أشد من الأول، وقال: من أمر بهذا؟ فناوله الرقعة، فرأى خطه، فخط على ما كتب، وأراد أن يكتب: يُصلب، فكتب: يطلق، فأخذ والدك الكتاب، فنظر ما وقع به، ثم تمادى فيما كان بدأ به، فقال له: ماذا تكتب؟ قال: بإطلاق الرجل وهذا الخطاب كان ثالثاً بذلك، فلما رآه عجب، وقال: نعم يطلق على رغمي، فمن أراد الله إطلاقه لا أقدر أنا على صنعه، أو كما قال .4
فانظر إلى هذا الملك أراد أن يكتب يُصلب فلم يمكنه الله عز وجل في ذلك مع حرصه في فعل ذلك ثلاثة وهو لا يستطيع أن يكتب ذلك ذات الأحرف الأربعة ففي جميعها يكتب يطلق بدل يصلب حتى انتبه في المرة الأخيرة فأمر بإخراجه وقال من أراد الله إطلاقه لا أقدر على صنعه. وصدق الله تعالى: (أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ)، ولعل أم هذا الرجل توجهت إلى الله عز وجل بالدعاء بإطلاق ولدها فاستجاب لها.
قال أبو العباس أحمد بن عبد الحليم: "وأصل سؤال الخلق الحاجات الدنيوية التي لا يجب عليهم فعلها، ليس واجباً على السائل ولا مستحباً، بل المأمور به سؤال الله تعالى والرغبة إليه والتوكل عليه، وسؤال الخلق في الأصل محرم، لكنه أبيح للضرورة، وتركه توكلاً على الله أفضل، قال تعالى: ((فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ، وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) [الشرح: 7-8]، أي: ارغب إلى الله لا إلى غيره" .5
وبالله التوفيق
أملاه
الشيخ/ عبد الله بن عبد الرحمن السعد



1- إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان 1/ 194- 195.
2- كتاب "المستغيثين بالله" لابن بشكوال ص(68
3- كتاب "المستغيثين" لابن بشكوال ص(63).
4- الإمام ابن حزم ص(80) للظاهري.
5- "مجموع الفتاوى" (1/ 181).

التوقيع
توقيع العضو : حنفى الاوبهة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور المستقبل
عضو فضي

عضو فضي

الجنس : ذكر

تاريخ التسجيل : 18/11/2010

عدد المساهمات : 896

نقاط : 6663

%إحترامك للقوانين 100

العمر : 28



البرهان في وجوب اللجوء إلى الواحد الديان Empty
مُساهمةموضوع: رد: البرهان في وجوب اللجوء إلى الواحد الديان   البرهان في وجوب اللجوء إلى الواحد الديان I_icon_minitime25/11/2010, 10:03

خيارات المساهمة


بارك الله فيك على المجهود العظيم

التوقيع
توقيع العضو : نور المستقبل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://learned.yoo7.com/index.htm
 

البرهان في وجوب اللجوء إلى الواحد الديان

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

.:: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ::.


      هام جداً: قوانين المساهمة في المواضيع. انقر هنا للمعاينة     
odessarab الكلمات الدلالية
odessarab رابط الموضوع
AlexaLaw bbcode BBCode
odessarab HTML HTML كود الموضوع
صلاحيات هذا المنتدى:

لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
عالم القانون :: منتدى AlexaLaw الإسلامي العام :: القسم الإسلامي العام-
انتقل الى:  
الإسلامي العام | عالم القانون | عالم الكتاب و الثقافة العامه | التجاره و المال و الأعمال | البرامج و تكنولوجيا المعلومات | تطوير المواقع و المدونات | الترفيهي و الإداري العام

Powered by AlexaLaw.com ® Phpbb Version 2
Copyright © 2010
.:: جميع الحقوق محفوظه لمنتدى عالم القانون © ::.

.::جميع ما ينشر في المنتدى لا يعبر بالضرورة عن رأي القائمين عليه و إنما يعبر عن وجهة نظر كاتبه في حدود الديمقراطيه و حرية الرأي في التعبير ::.