سياسة خطوط الانابيب والاستقرار في بحر قزوين

عبير ياسين

مجلة السياسة الدولية يناير 2003 - العدد 151

طرحت التطورات التي تشهدها منطقة اسيا الوسطي تجدد الحديث عن بحر قزوين واللعبة الكبري الجديدة خاصة حول خطوط أنابيب نقل النفط والغاز من دول قزوين الحبيسة إلي الخارج‏,‏ وهي القضية التي تمثل أحد المحاور الرئيسية للخلافات المثارة حول قزوين الذي يأتي علي الصعيد العالمي بعد منطقة الشرق الأوسط وقبل بحر الشمال من حيث الاحتياطات النفطية‏.‏

وترجع جذور الخلافات حول قزوين إلي بداية التسعينات مع تفكك الاتحاد السوفيتي وهو الأمر الذي أدي إلي زيادة عدد الدول المطلة علي بحر قزوين من دولتين هما الاتحاد السوفيتي وإيران إلي خمس دول هي‏:‏ روسيا وإيران وتركمنستان وأذربيجان وقازاقستان‏.‏ وفي حين ظلت إيران تطالب باستمرار الوضع القانوني لبحر قزوين وفقا للاتفاقات الموقعة مع الاتحاد السوفيتي خاصة معاهدة الصداقة لعام‏1921‏ والتي اعترفت بحدود الدولتين في قزوين‏,‏ أو وفقا لتوصيف البحر باعتباره بحر مغلق‏.‏ فان الدول الأخري خاصة أذربيجان وكازاخستان لم تقرا هذا الرأي باعتبار ان هذه المعاهدات وقعت في ظروف تاريخية مغايرة‏,‏ كما أنها تحرمهم من فوائد اقتصادية ضخمة وطالبتا بسريان قانون البحار علي بحر قزوين‏.‏

وترجع الآثار الحقيقية لاختلاف التصنيف القانوني لقزوين ما بين بحيرة أو بحر مغلق‏,‏ وبحر مفتوح إلي انه وفقا للاتجاه الأول فان كل دولة تحصل علي حصة متساوية من الموارد أي‏20%,‏ أما وفقا للاتجاه الثاني فان أذربيجان وقازاقستان تحصلان علي‏50%‏ من الموارد وتركمنستان علي‏20%‏ وإيران علي‏12%.‏ لذلك فان قضية الوضع القانوني تشكل بعد صراعي هام في المنطقة تؤثر علي حجم الأنصبة وما يرتبط بها من فرص تنموية تعد محور أساسي بالنسبة للدول المستقلة عن الاتحاد السوفيتي التي تري في هذه الموارد مصدر أساسي ان لم يكن وحيد للتنمية والتحديث‏,‏ وجذب الاهتمام الدولي وهو الأمر الذي يختلف عن حالة إيران التي يري المراقبين أنها لا تهتم بسرعة وضع إطار قانوني يسهل عملية الاكتشافات لان لديها مواردها الأخري في الخليج‏.‏

ومن جانب أخر فان الوضع القانوني لقزوين ارتبط وتداخل بحكم الطبيعة الحبيسة لدول آسيا الوسطي مع قضية أخري هامة وهي تلك المتعلقة بخطوط أنابيب نقل النفط والغاز من قزوين إلي الخارج‏.‏ حيث مثلت هذه المسألة أهمية اقتصادية تحركها اعتبارات سياسية وهو الأمر الذي ارتبط بأهمية منطقة آسيا الوسطي عموما وقزوين خصوصا كمنطقة جاذبة للاهتمام الإقليمي والدولي وساحة للتنافس علي النفوذ بين دول النفوذ التقليدي ممثلة في روسيا وإيران‏,‏ ودول تسعي للسيطرة علي النفوذ خاصة الولايات المتحدة مع سعيها إلي تقليص أو الإطاحة بنفوذ القوي الأخري خاصة ذات النفوذ التقليدي‏.‏

لذلك أصبحت‏'‏ سياسة خطوط الأنابيب‏'‏ بمثابة الوسيلة لممارسة الولايات المتحدة لدورها من خلال سيطرت الشركات الأمريكية في مجال التنقيب وتأثيرها في مجال خطوط الأنابيب‏.‏ واتبعت الولايات المتحدة في هذا الشأن سياسة لمد خطوط الأنابيب تقوم علي‏'‏ الاستبعاد والضم‏',‏ استبعاد دول النفوذ القديم خاصة إيران مع تقوية مواقف الدول المتحالفة معها خاصة تركيا‏.‏ وبالتالي يمكن ان نفسر اختيار مسارات لخطوط الأنابيب قد لا تكون هي الأفضل أو الأوفر اقتصاديا أو فنيا‏,‏ ولكنها الأجدي سياسيا لتحقيق الأهداف الأمريكية‏.‏

هذا وقد برزت هذه القضايا بشكل واضح بعد أحداث‏11‏ سبتمبر وذلك علي مرحلتين ففي البداية ومع تكثيف الوجود الأمريكي في المنطقة والقواعد العسكرية التي أنشئت تم أثارت الحديث عن الوضع القانوني باعتبار ان الوقت مهيأ لحلها بما يتلاءم مع رؤية الدول المستقلة حديثا كما تم تصوره إلا ان هذا لم يحدث وفشل اجتماع قادة الدول الخمس الذي عقد في العاصمة التركمانية في أبريل‏2002‏ في التوصل لاتفاق‏,‏ بل والأكثر من هذا تم تفسير هذا الفشل انه حركة عكسية لموازنة الوجود الأمريكي في المنطقة قامت بها إيران وروسيا‏.‏ وجاء التحرك الثاني علي صعيد وضع سياسة خطوط الأنابيب موضع التطبيق الواضح حيث تم الاتفاق علي الإسراع بإنهاء طريق نقل الغاز من تركمنستان إلي باكستان مرورا بأفغانستان مع توسيع الخطط بعد ذلك لإنشاء خط لنقل النفط أيضا‏.‏ كما تم بدء أعمال الإنشاء في مشروع خط أنابيب باكو‏-‏ جيهان المار من أذربيجان إلي تركيا عبر جورجيا وبحضور وزير الطاقة الأمريكي ورؤساء الدول الثلاثة‏,‏ وهو الأمر الذي حدث تزامنا مع إنشاء قاعدة قارزياني الأمريكية في تبليسي عاصمة جورجيا‏.‏

ومع ما مثلته هذه التحركات من زحزحة للنفوذ الروسي والإيراني لصالح النفوذ الأمريكي والتركي‏.‏ فأنها مثلت أيضا تعبير عن سياسة خطوط الأنابيب فخط باكو‏-‏ جيهان تعبير واضح عن سيطرة الاعتبارات السياسية علي الاعتبارات الاقتصادية فتنفيذ الخط لم يكن ليتم لو ترك لحسابات الجدوي الاقتصادية خاصة مع الشكوك التي تحيط به حول كفاية ما يتدفق عبر الخطوط من بترول ومدي كفايته لسد تكاليفه‏,‏ إلا انه يمكن تفسيره في ضوء سياسة الاستبعاد والضم‏.‏

وهذه السياسة من شأنها ان تؤثر علي موازين القوي والاستقرار في المنطقة من قزوين لآسيا الوسطي وبالتالي علي منطقة آسيا عموما كجزء من تحركات أخري تعيد تشكيل مصادر القوي والنفوذ في العالم وفي آسيا بشكل خاص‏.‏ ومما يدعم من هذا مواقف الدول الأطراف ورؤاها المختلفة للمصلحة والأهداف ففي حين تؤيد الدول المستقلة حديثا الوجود الغربي عامة والأمريكي خاصة للاستفادة من رؤوس الأموال والخبرات الأجنبية خاصة في مجالات الاستكشاف والاستخراج والنقل‏,‏ وتؤكد علي ضرورة إقرار وضع قانوني جديد‏.‏ نجد ان إيران ترفض الوجود الأجنبي خاصة الأمريكي في المنطقة‏,‏ وتطالب بالحفاظ علي الوضع القانوني الحالي‏,‏ هذا في حين ان تركمنستان وروسيا تتحركان بحذر بناء علي حسابات تركمنستان الخاصة بطول حدودها المشتركة كع إيران‏,‏ وحسابات روسيا الخاصة بعدم فقد مكانتها التقليدية والحفاظ علي ما يمكن منها وهو ما دفعها إلي إعادة النظر في مواقفها من العديد من القضايا المثارة حتي لا يؤدي الأمر إلي استبعادها من ميزان القوي القائم‏.‏ أما إيران فتبدو كأكبر المتضررين خاصة علي ضوء تحرك الدول الاخري لعقد اتفاقات ثنائية حول التنقيب والحدود دون الاهتمام بالمعارضة الإيرانية‏

منقووول للفائدة .
AlexaLaw