محنة الديمقراطية في ساحل العاج

خالد حنفي علي

مجلة السياسة الدولية يناير 2003 - العدد 151

يمثل انقلاب التاسع من سبتمبر‏2002‏ في دولة ساحل العاج تعبيرا جديدا من العاجيين عن أزمة الاندماج الوطني التي تعتري بلادهم منذ استقلالها عن الاستعمار الفرنسي في عام‏1960.‏
وقد نجح الرئيس هوفييه بوانييه في احتواء هذه الأزمة لأكثر من ثلاثة عقود بأدوات منها استيعاب المطالب القبلية والدينية والإقليمية‏,‏ زعامته الكارزمية وتحييد الجيش تنمية اقتصادية‏,‏ كذلك بوجود الحزب الواحد كبوتقة تلتف حولهاالبني الاجتماعية المتصارعة في البلاد‏.‏

لكن الرؤساء الذين أعقبوا بوانييه تجاهلوا أزمة الاندماج الوطني بل أنهم عمقوها بسياسات خاطئة فرقت بين المواطنين‏.‏ وعلي سبيل المثال استخدام سلاح الجنسية لاستعباد المعادضين السياسيين حيث تم تعديل المواصفات التي تتوافر في رئيس الجمهورية ليشترط أن يكون المرشح من أب أيفواري وأم أيفوارية‏..‏ وهو أمر صعب في دولة مثل ساحل العاج تمتد فيها قبائل من دول الجوار ومن ثم اختلطت أنسابهم‏.‏ وقد وجدت البني القبلية التي تربو علي الستين متنفسا في التحول الديمقراطي لتعبر عن مطالبها التي غضت الحكومات الطرف عنها‏,‏ فلأول مرة في تاريخ ساحل العاج انقلاب عسكري في ديسمبر‏1999‏ أطاح بحكم الرئيس كونان بيديه الذي خلف بوانييه في السلطة‏.‏ ولم يدم الانقلاب الذي قاده الجنرال روبرت جي أكثر من عشرة أشهر‏,‏ فقد أطيح به في انتفاضة شعبية في أكتوبر‏2000‏ وتم تنصيب لوران غباغبو زعيم الجبهة الشعبية الأيفوارية رئيسا للبلاد‏.‏

ولم تهدأ الأمور بعودة الحكم المدني حيث جرت مع مطلع عام‏2001‏ محاولة انقلاب علي الرئيس غباغبو أعقبها محاولة ثانية في‏19‏ سبتمبر‏2002.‏

ورغم أن المحاولة الثانية لم تنجح إلا أنها قسمت البلاد الي جزءين شمال يسيطر عليه المسلمون وجنوب مسيحي وانتقل الصراع بين الجانبين الي تصفية حسابات قديمة راح ضحيتها مئات المواطنين وقتل الرئيس السابق روبرت جي وأسرته ومقربيه ووزير الداخلية القوي والشخص الثاني في الحزب الحاكم‏'‏ أميل بوكا‏'‏ بل أن غرب البلاد خرج منه هو الآخر مع نهاية شهر نوفمبر‏2002‏ حركات تمرد تقاوم سلطة غباغبو‏.‏

في ظل هذا المشهد الدراماتيكي العنيف ساد الغموض مواقف الأطراف الدولية وخاصة فرنسا التي اكتفت بلعب دور المتفرج الصامت الذي ينتظر الفائز في المعركة ليويده‏.‏ ورعت بالاشتراك مع منظمة ايكوس في غرب أفريقيا اتفاقا لاطلاق النار بين حركة التمرد والحكومة‏.‏
ورغم أن الطرفين اتفقا علي مسودة تنص علي تلبية الحكومة لبعض المطالب الشمالية إلا أن هذه المسودة لم تجد أي تطبيق‏,‏ ومن ثم فشلت المفاوضات خاصة وأن التمرد أصر علي استقالة غباغبو فيما يصر الأخير علي نزع أسلحة المتمردين‏.

منقووول للفائدة .
AlexaLaw