المصالحة الصومالية‏:‏ تحديات إعادة البناء

د‏.‏ السيد عوض عثمان

مجلة السياسة الدولية يناير 2003 - العدد 151

يمثل مؤتمر المصالحة الوطنية الصومالية‏,‏ بمدينة‏'‏ الدوريت‏'‏ الكينية بارقة أمل في وجود نهاية للنفق المظلم الذي دخله هذا البلد منذ يناير‏ 1991.‏ وتميز المؤتمر‏,‏ المنعقد في الفترة ما بين ‏15-27‏ أكتوبر ‏2002,‏ بحضور رؤساء بعض الدول الأفريقية‏,‏ والعديد من وزراء خارجيتها‏,‏ وممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية والسفير الأمريكي بكينيا‏,‏ بالاضافة إلي نحو‏450‏ مندوبا يمثلون أطراف النزاع الصومالي‏.‏ كما تراجع أربعة من زعماء الفصائل الصومالية الرئيسية بعد الجلسة الافتتاحية عن قرارهم بمقاطعة المؤتمر‏,‏ وشاركوا بالفعل في أعماله اعتبارا من‏17‏ أكتوبر‏2002.‏ وقد إنعقد هذا المؤتمر في ظل معطيات جديدة علي المستوي المحلي والاقليمي والدولي لها تأثير خاص علي اعطائه أهمية غير مسبوقة‏.‏ ومن هذه المعطيات ظهور حكومة وطنية انتقالية في الصومال ورئيس مؤقت للبلاد‏,‏ مع استعادة الصومال لمكانته‏'‏ كدولة‏'‏ علي الأقل في المحافل الدولية والاقليمية‏.‏ وقد وجهت هذه الحكومة بتحديات جديدة وخطيرة بسبب التداعيات الدولية للحرب الأمريكية علي الارهاب‏,‏ منها التهديدات الأمريكية بتوجيه ضربة عسكرية قاصمة للصومال للحيلولة دون فرار مقاتلي القاعدة إليه‏,‏ وفرض حالة مراقبة دائمة وحصار بحري من قوات فرنسية وألمانية وبريطانية عليه‏.‏ وتتهم الولايات المتحدة الصومال برعاية منظمات ارهابية مثل‏'‏ الاتحاد الإسلامي‏'.‏ وبهذا الخصوص إصدر الرئيس الأمريكي جورج بوش قرارا في نوفمبر‏2001‏ بتجميد شركة‏'‏ البركات‏'‏ للتحويلات المالية والاتصالات‏-‏ الانترنت‏-‏ وهي أكبر مؤسسة للتحويلات في الصومال‏,‏ وادرجتها علي قائمة المؤسسات والشركات التي يشتبه في قيامها بتمويل تنظيم القاعدة‏.‏ وقد أدي إغلاق هذه الشركة إلي قطع خدمة الانترنت عن جميع البلاد وتسبب في مشاكل جسيمة من ناحية التحويلات المالية للصوماليين في الخارج إلي أهلهم وذويهم‏.‏ وقد أستغلت فصائل متعددة هذه الاجواء لتحقيق أغراض سياسية‏,‏ ومن بينها فصائل المعارضة المسلحة المناوئة للحكومة الانتقالية‏,‏ بدعم أثيوبي مباشر‏,‏ وطرحت نفسها علي غرار تحالف الشمال في أفغانستان‏,‏ كبديل للحكومة الصومالية التي تعتقد أثيوبيا أن‏'‏ الاتحاد الإسلامي‏'‏ هو القوة الرئيسية وراءها‏.‏ ما زعم عدد من أمراء الحرب في الصومال أن أعداد كبيرة من عناصر شبكة القاعدة وصل إلي الصومال في يناير‏2002.‏

وبالرغم من حالة العداء والاتهامات المتبادلة بين الحكومة الانتقالية الصومالية وأثيوبيا‏,‏ إلا أن علاقات البلدين مستقرة وقوية في الصومال‏,‏ تستطيع أن تمنع فصائل المعارضة المسلمة الاثيوبية من استغلال الأراضي الصومالية ضد حكومة أديس أبابا‏,‏ وتحقق ظروف تسمح لاثيوبيا باستغلال الموانيء الصومالية في حركة التصدير والاستيراد الاثيوبية‏,‏ خاصة مع إعلان موانيء إريتريا أمامها‏.‏ كما أدي تدهور الأحوال الداخلية في الصومال‏,‏ والضعف الذي أصاب معظم فصائل المعارضة المسلمة نتيجة لنقص التسليح والهزائم العسكرية وغيرها إلي ظهور قدر جديد من المرونة والاستعداد من جانبها لمحاولة الوصول إلي حل جديد‏.‏

وفي ظل كل هذه الظروف‏,‏ فقد ظهرت حركة دولية دافعة لإنقاذ الصومال ومنعة من التحول إلي بؤرة للارهاب‏.‏ فجدد مجلس الأمن الدولي إلتزامه بإيجاد تسوية شاملة ودائمة للوضع في الصومال بما يتفق ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة‏,‏ وتصميمه علي ايجاد نظام صارم لمراقبة حظر تدفق الأسلحة إلي الصومال ومن جانبها‏,‏ تراجعت الولايات المتحدة عن قرارها بعدم تأييد الحكومة الصومالية الانتقالية‏,‏ وعن طرح مشروع الدويلات في الصومال‏.‏ وأعرب الاتحاد الأوروبي عن التزامه بالمصالحة الوطنية في الصومال ودعم مقررات قمة‏'‏ الايجاد‏'.‏

وفي ضوء كل هذه الظروف‏,‏ فقد انتهت الجلسة الختامية للمرحلة الأولي من مؤتمر المصالحة الصومالية في‏27‏ أكتوبر‏2002‏ إلي التوقيع والتراضي بين أطراف المعضلة الصومالية علي عدد من الثوابت الأساسية الهامة والتفاهمات منها‏:‏

‏-‏ ضرورة إنشاء هياكل فيدرالية في الصومال‏,‏ واقرار مبدأ اللا مركزية‏,‏ واعتماد ميثاق يحقق أوسع تمثيل وحماية لكل المواطنين والجماعات الصومالية‏,‏ بالاضافة إلي وقف الأعمال العدائية اعتبارا من‏27‏ أكتوبر‏2002;‏ ضمان وتأمين وصول الامدادات والمساعدات الانسانية للشعب الصومالي وضمان أمن وسلامة موظفي الأمم المتحدة والمنظمات الغير حكومية العاملة في هذا المجال‏;‏ الإعلان المشترك عن مكافحة كافة صور وأشكال الارهاب‏,‏ والتعاون مع المجتمع الدولي لهذا الغرض طبقا لقرار الأمم المتحدة رقم‏1373‏ لسنة‏2002‏ والحيلولة دون استخدام الأراضي الصومالية كقواعد للأنشطة الارهابية‏!‏ دعوة الايجاد والاتحاد الافريقي والمجتمع الدولة لمساندة ومتابعة تنفيذ الاتفاق‏.‏

كما تم الاتفاق علي مزيد من المفاوضات وتشكيل لجنة فنية لوضع جدول أعمال المحادثات التالية‏,‏ وأخري لصوغ الدستور وثالثة لبرنامج نزع السلاح‏.‏ وقد بدأت مرحلة المفاوضات الثانية في ديسمبر‏2002,‏ ويشترك فيها خبراء مرشحين من قبل الأطراف المانحة والبنك الدولي‏,‏ كخبراء في المجالات الدستورية والاقتصادية‏.‏ وتم الاتفاق علي إنشاء لجنة استشارية صومالية لمعاونة لجنة التفاوض بالاضافة إلي اللجنة الفنية‏.

منقووول للفائدة .
AlexaLaw