حوار الحضارات على أجندة العلاقات الدولية

د. وليد محمود عبدالناصر

مجلة السياسة الدولية - العدد رقم 147 - يناير 2002

شهدت السنوات الأخيرة طرح العديد من المبادرات المعنية بحوار الحضارات على المستويين الدولى والاقليمى ، ولاسيما فى أعقاب قيام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 4 نوفمبر 1998 باصدار قرارها رقم -22- باعلان عام 2001 عاماً للحوار بين الحضارات ، وقد أعتبر هذا الاعلان أبلغ رد على دعاة الصراع والصدام بين الحضارات والادعاء بتفوق حضارة على أخرى.ومنذ تبنى القرار رقم -22- لسنة 1998 بواسطة الجمعية العامة ، قام السكرتير العام للأمم المتحدة بتقديم تقارير سنوية ربطت بين مفاهيم التعددية والتنوع بشكل عضوى مع حوار الحضارات ، واعتبرت أى رفض لتلك المفاهيم سبباً للعديد من الصراعات والحروب فى عالمنا المعاصر ، بما فى ذلك ما سببته الأحقاد العنصرية والعرقية والتعصب الدينى.كما تبنت الجمعية العامة سنوياً مشروع قرار بشأن عام حوار الحضارات والاعداد له والأنشطة المتصلة به.ويلاحظ التزايد المطرد فى عدد الدول التى تبنت مشروعات القرارات منذ عام 1998.وركزت هذه القرارات على دعوة الحكومات لتدرج فى المناهج الدراسية ببلادها ما من شأنه احترام التعدد الحضارى والثقافى واللغوى وتدريس انجازات الحضارات الأخرى بما يدعم جهود الفهم والاعتراف المتبادل بين الحضارات.

وقد اتسم النقاش العام حول موضوع الحوار بين الحضارات فى الجمعية العامة للأمم المتحدة بشكل عام خلال الفترة من 1998 الى 2001 ، بالاجماع على ايجابية التنوع الثقافى كعامل إثراء لتقدم البشرية ، وضرورة تفعيل الحوار بين الحضارات ، خاصة فى ضوء الهجمات ضد الولايات المتحدة فى 11 سبتمبر 2001 ، والتأكيد على إدانة الارهاب ومواجهته عبر تدعيم الحوار ونبذ الصراع أو الصاق تهمة الارهاب بحضارة معينة بعينها مثل الحضارة الاسلامية ، وإبراز أهمية الدور المحورى للأمم المتحدة فى حوار الحضارات ، وربط الحوار بمبادىء ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادىء حقوق الانسان ودعت الوفود الى احترام المعتقدات الدينية للشعوب واحترام الكرامة الانسانية ومبادىء العدالة ، وتحدثت عدة وفود ـ بما فيها وفود غير اسلامية ـ دفاعاً عن الاسلام كدين سلام وتسامح وأمان وداعية للحوار بين الحضارات والتفاعل والتقارب بين الشعوب فى ضوء عالمية الاسلام ورفضه للتطرف والانغلاق على الذات أو العداء تجاه الحضارات الأخرى.

وقد لعبت المجموعة العربية دوراً بارزاً خلال مناقشات موضوع حوار الحضارات داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة ، حيث أكدت إيمان الدول العربية بحوار الحضارات ونبذها للصراع بين الحضارات.وعقب اعتداءات 11 سبتمبر 2001 أقر وزراء خارجية الدول العربية المبادرة التى طرحها أمين عام الجامعة العربية لاقامة تجمع فكرى عربى ، لبلورة صيغة عملية ومحددة تشمل سبل مواجهة الحملة ضد العرب والمسلمين ، وتصحيح مصادر الخلل الفكرى والثقافى داخل العالم العربى وصورة العرب والمسلمين فى الخارج.

وقد أعدت الأمانة العامة للجامعة العربية ورقة عمل تضمنت برنامج عمل يشرح تاريخ وإسهام الحضارة الاسلامية فى الحضارة الانسانية ، وتصحيح المفاهيم المغلوطة عن العرب والمسلمين من خلال حملات لصالح العرب فى الدول الغربية.

ومن جانبها شكلت منظمة المؤتمر الاسلامى فريق خبراء حكوميين ، قام بوضع برنامج تنفيذى ، أكد على وحدة البشر ومسئوليتهم المشتركة عن إعمار الأرض وإشاعة العدل والسلام فيها ودور كافة الشعوب والحكومات فى نشر روح التفاعل والتواصل والترويج لثقافة الحوار والتسامح ، باعتبار ذلك البديل الوحيد للمواجهة والصراع وثقافة الانفراد واستبعاد الآخرين.ودعا برنامج العمل الى عقد لقاءات بين المتخصصين فى الحكومات والمنظمات المختلفة لاشاعة الايمان الحقيقى بالتعددية والعمل على اكتشاف ما هو مشترك بين الثقافات المختلفة ، دون المساس بالخصوصية ، واجراء حوار واسع حول قضايا العدل الاجتماعى ومكافحة الظلم.

وفى إطار إعدادها لقمة الفرانكوفونية التى كان مقرراً لها أكتوبر 2001 ثم تأجلت الى أكتوبر 2002 نتيجة أحداث سبتمبر ، صاغت الدول أعضاء منظمة الفرانكوفونية الدولية مشروع اعلان وبرنامج عمل ركز بشكل كامل على حوار الحضارات والثقافات ، مؤكداً على قيم التسامح والمساواة بين الحضارات ، والتعاون عبر عملية إثراء متبادل فيما بين الثقافات ، وتضمن مشروع البيان وبرنامج العمل مقترحات متعددة لتفعيل حوار الحضارات من خلال برامج التعليم ، وترجمة الأعمال الابداعية ، وتشكيل مرصد للحوار الثقافى ، وتمويل أنشطة ثقافية متعددة.

وقد قامت الفاتيكان بعدة مبادرات لتفعيل الحوار بين الأديان والثقافات ، وقام البابا يوحنا بولس الثانى بتوجيه رسالة الى المجمع البابوى للحوار بين الأديان أكد فيها أن أحداث 11 سبتمبر وما تلاها تعكس صدام الأديان والذى يناقض جوهر الأديان التى تدعو جميعها الى التسامح وتغليب روح المصالحة.وقد عقدت عدة ندوات ومؤتمرات خاصة بالحوار المسيحى الاسلامى ، تعرضت فى جانب كبير من مناقشاتها لقضية حوار الأديان والثقافات ، ودعت الى ضرورة الاهتمام بالتعاون بين الثقافات والأديان من أجل إشاعة روح التسامح.

ولاشك أن أحداث سبتمبر طرحت تحدياً حقيقياً وجاداً أمام كافة المبادرات الخاصة بحوار الحضارات لاثبات مصداقيتها وتأثيرها المتعدد الأبعاد ، سواء على دوائر صنع القرار أو وسائل الاعلام أو المراكز الأكاديمية والبحثية أو جمعيات رجال الأعمال أو منظمات المجتمع المدنى من طلاب ونساء وشباب ونقابات عمالية ومهنية ، فهذا التأثير وتلك المصداقية هما المعيار والحكم على صلة هذه المبادرات بالواقع المعاش والقدرة على احداث تغيير ايجابى فى مناهج التفكير والسلوك والتعامل مع الآخر وتصويره بشكل بناء والتفاعل معه بديلاً عن الانعزال عنه أو التصرف من منطلق أن هذا الآخر هو العدو أو الخطر أو التهديد ، وبدون تجاهل مرجعية قيم العدل والانصاف والمساواة والاحترام المتبادل ، وعدم الادعاء باحتكار الحقيقة.

ويلاحظ أن هناك تداخل بين مفاهيم حوار الحضارات والثقافات والأديان وهذا أمرطبيعى لأن الدين مكون هام من مكونات أى ثقافة أو حضارة ، كما تجدر الاشارة الى الدور الريادى للعالم الاسلامى فى طرح موضوع حوار الحضارات على الصعيد الدولى ومن خلال المنظمات الدولية والاقليمية ، وهذا أمر غير مستغرب فى ضوء حرص الدول الاسلامية على إظهار الصورة الحقيقية للاسلام كدين وحضارة تسامح ودعوة للتعايش فى سلام مع الآخرين

منقوووول للفائدة .
AlexaLaw