حول العولمة و الأمن و الفداء

محمد سيد أحمد

مجلة السياسة الدولية يوليو 2002 - العدد رقم 149

طرحت العولمة بصورتها الراهنة مفاهيم جديدة عن سيادة الدولة ، والأمن ، والقيم.فلم تعد سيادة الدولة مطلقة فى عصر العولمة ، وإنما برز مستوى يعلو الدولة ، ممثلاً فى الاحتكارات الكبرى والشركات متعددة الجنسيات ، ومستويات دون الدولة ، ممثلة فى المنظمات غير الحكومية وشبكات الارهاب والجريمة المنظمة وخلافه.ففى عصر ماقبل العولمة كان مفهوم الأمن هو بالأساس أمن الدولة.أما فى ظل العولمة ، فتتعدد المرجعيات مع تعدد مستويات ونوعيات السلطة ، وقد لاتتطابق قيم الدولة مع قيم الشركات متعددة الجنسيات ، بما تملكه هذه الأخيرة من صلاحيات تتجاوز سلطة الدولة.ومن المؤكد أن قيم الدولة تختلف عن القيم التى تحكم شبكات الارهاب والجريمة المنظمة ، وهذا بدوره يطرح مشكلة أمنية تتعلق بكيفية ضمان الأمن فى مجتمع تتعدد وربما تتناقض فيه المرجعيات والقيم.

ولاشك أن المجتمعات الديمقراطية تقوم على التعددية ، وفى ظل التعددية تتعدد الرؤى وتختلف ، ولكنها تظل داخل إطار شرعية نظام الدولة ، غير أن العولمة تطرح معادلة جديدة للشرعية ، ليست هى بالضرورة التى تتقيد بها الدولة.فقد أصبحت الصلاحيات المطلقة للدولة هى تصور مجرد أكثر منه تصور واقعى.وهذا بدوره طرح مفهوماً جديداً للأمن يفترض نوعاً من الاعتماد المتبادل ، وأصبح كل عنف يمارس فى التعاملات الدولية عنف غير شرعى.

وفى هذا السياق فإن العمليات الفدائية التى يقوم بها الفلسطينيون ضد اسرائيل أصبحت تندرج فى إطار العنف غير المشروع أو ما يسمى بالارهاب.وقد استغلت اسرائيل فرصة أن بعض هذه العمليات تنفذ ضد مدنيين ، لكى توجه ضربات مقابلة بالغة القسوة للفلسطينيين ، ضحاياها من الأبرياء.ولاشك أن اسرائيل تستطيع قلب الحقائق رأساً على عقب أمام الرأى العام العالمى ، وإظهار ممارساتها الوحشية ضد الفلسطينيين على أنها عنف مشروع باعتباره عملاً يستهدف الدفاع عن النفس.

إن العولمة ، على الأقل فى صيغتها الراهنة ، قد شجعت التطرف على حساب الاعتدال والعنف واللجوء للقوة على حساب التسويات السياسية السلمية للخلافات ، ولهذا فشلت فى توفير عنصر الأمن ،الذى يتطلب لتحقيقه إحداث تغيير جذرى فى النظام الدولى القائم

منقووول للفائدة .
AlexaLaw