تطوير الجهود القانونية الدولية لمكافحة الارهاب

د.عبدالله الأشعل

مجلة السياسة الدولية يوليو 2002 - العدد رقم 149

تعددت جهود مكافحة الارهاب على المستوى الدولى ، ولاسيما مع ادراك الأمم المتحدة والمنظمات المختلفة لخطورة الظاهرة الارهابية ، حيث قدمت معالجات ركزت على كل عمل إرهابى على حدة.وقد بدأت حركة تقنين الجريمة الارهابية باتفاقية طوكيو عام 1963 ، والخاصة بالجرائم التى ترتكب على متن الطائرات ومعها اتفاقية لاهاى لعام 1970 ، واتفاقية مونتريال لعام 1971 والبروتوكول الملحق بها ، فضلاً عن اتفاقية نيويورك بشأن حماية الشخصيات العامة الدولية والمبرمة عام 1973 ، وكذلك اتفاقية منع اختطاف واحتجاز الرهائن فى عام 1979 ، واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ، وخاصة ما يتعلق منها بالقرصنة البحرية والمبرمة عام 1983 ، ويمكن أن نضيف اليها جرائم إبادة ***** فى اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948.

وتجدر الاشارة الى الطابع النسبى للظاهرة الارهابية ، والذى عبر عن نفسه فى ازدواجية المعايير وهو ما أشارت اليه اللجنة الخاصة لمكافحة الارهاب الدولى منذ عام 1979 ، وأدانه الفقه الدولى.ويلاحظ أن المشرع الدولى كان يبادر الى معالجة الأشكال المستحدثة من الارهاب فى اتفاقات مستقلة ، وهى بالاضافة الى ماسبق ، الاتفاقية المبرمة فى فيينا عام 1980 بشأن الحماية المادية للمواد النووية ، والبروتوكول الخاص بمكافحة أعمال العنف غير المشروعة فى المطارات التى تؤدى خدمة دولية والموقع عام 1988 ، واتفاقية مونتريال لعام 1991 ، والخاصة بوضع علامات على المتفجرات البلاستيكية بغرض كشفها ، ونضيف الى ذلك اتفاقيتين هامتين أبرمتا فى إطار الجمعية العامة للأمم المتحدة ، أولاهما أبرمت عام 1997 وتتعلق بمكافحة الهجمات الارهابية بالقنابل ، والاتفاقية الثانية أبرمت عام 1999 بشأن مكافحة عمليات تمويل الارهاب.هذا بالاضافة الى عدد من الاتفاقات المبرمة على المستوى الاقليمى لمكافحة الارهاب.

ويلاحظ على الوثائق القانونية السابق الاشارة اليها ، والمتعلقة بمكافحة الارهاب ، أنها كانت دائماً مدفوعة ببعض الدول الكبرى التى تعانى من هذه الظواهر، كما اتسمت المعالجة القانونية للظواهر الارهابية بالتعويل كثيراً على التعاون الدولى ، بسبب تعدد حلقات العمل الارهابى.غير أن التعاون الدولى فى مجال مكافحة الارهاب لم يكن حاسماً ، تارة بسبب نسبية الظاهرة الارهابية ، وتارة أخرى بسبب التركز الاقليمى للظاهرة.وقد عكست المعالجات الاقليمية للظاهرة الارهابية مجموعة القيم والمفاهيم الخاصة بكل اقليم ، وحرصت منظمات العالم الثالث ، وخصوصاً فى العالمين العربى والاسلامى ، على النص فى قراراتها والاتفاقيات المتعلقة بمكافحة الارهاب فيها ، على ضرورة التمييز بين الأعمال الارهابية وأعمال المقاومة التى تعد حقاً مشروعاً للشعوب ضد الاستعمار والاحتلال والحكم العنصرى ، فى حين تتمسك أوربا وكذلك الاتفاقات العالمية بضرورة نبذ الارهاب أيا كان دافعه أو هدفه أو شكله.

وقد أدت أحداث 11 سبتمبر 2001الى حدوث تحول جذرى فى جهود مكافحة الارهاب على المستوى الدولى ، حيث شهدت هذه الجهود اسهاماً مكثفاً من جانب مجلس الأمن لمساندة الحملة العسكرية الأمريكية ، واستخدام واشنطن للمجلس بسهولة لاحكام رقابتها على الدول ، فى حين اتسمت مرحلة ما قبل سبتمبر 2001 باسهام محدود من جانب مجلس الأمن ، مقابل اسهام مكثف للجمعية العامة والمعاهدات الدولية المناهضة لكافة صور الارهاب.كما أصبحت القرارات المتعلقة بمكافحة الارهاب بعد 11 سبتمبر تحظى بحساسية خاصة وتنفيذ جبرى ، حتى دون ان تعرف الدول ما هو العمل الارهابى الذى تستهدفه ، الأمر الذى أحاط جهود مكافحة الارهاب بشكوك عميقة.
ورغم اقتناع الدول بضرورة مكافحة الارهاب ، إلا أنها تنفذ قرارات مجلس الأمن خوفاً من الارهاب الأمريكى ، وليس اقتناعاً بعدالتها أو جدواها.وقد أذهلت واشنطن العالم العربى الذى ساند حملتها فى أفغانستان ، عندما تنكرت لحق الشعب الفلسطينى فى المقاومة واعتبرته ارهاباً ، فى حين ساندت أعمال الابادة الاسرائيلية باعتبارها دفاعاً شرعياً عن النفس.

والسؤال المطروح هو.. هل نجحت الجهود القانونية الدولية فى القضاء على الارهاب؟ والاجابة أنها نجحت فى دفع الأعمال الارهابية نحو الانحسار ، لكن ذلك ليس دليلاً على اقتلاع الارهاب ، لأن الارهاب شبح لايمكن الامساك به ، حيث لايوجد تعريف موضوعى متفق عليه له ، كما أن واشنطن تستخدم دعاوى الارهاب لخدمة مصالح اسرائيل والتغاضى عن الحقوق الفلسطينية. وقد ارتبط مصطلح الارهاب فى المدرك الأمريكى والغربى عموماً بالعالم العربى ، الأمر الذى عبرت عنه بوضوح قرارات مجلس الأمن حول لوكيربى والسودان.
واذا كان للارهاب أسبابه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية داخل الدول العربية والاسلامية ، فإن تغاضى الغرب عن تصرفات الحكومات الصديقة والتمييز الواضح بين العرب واسرائيل ومساندة الأخيرة بالقوة الباطشة سوف يفرز طبقة جديدة من الارهابيين.وفى ضوء ما تقدم ، فإن المنهج القانونى لن يجدى وحده فى مقاومة الارهاب ، ولابد من انتهاج سياسات للتنمية والتطور الديمقراطى ، واشاعة روح العدالة والقانون فى العلاقات الدولية.

منقووول للفائدة .
AlexaLaw