مقدونيا: غياب نموذج للتعايش بين القوميات في البلقان

د‏.‏ عماد جاد


مجلة السياسة الدولية يوليو 2001 العدد رقم 145

ما أن وضعت المواجهات العسكرية في يوجوسلافيا أوزارها‏,‏ وحقق ألبان كوسوفو ما يمكن اعتباره‏'‏ استقلال واقعي‏',‏ حتي تحرك الألبان في جنوب صربيا مراهنين علي تكرار نموذج كوسوفو‏,‏ وفي مرحلة تالية مباشرة تحرك فريق من ألبان مقدونيا وحملوا السلاح ضد الحكومة المركزية مطالبين بالحصول علي حقوق المواطنة الكاملة أو الانفصال والانضمام الي‏'‏ جمهورية كوسوفو المستقلة‏'.‏

وفي الوقت الذي تمكنت فيه القوات الدولية من المساعدة في محاصرة الحركة في جنوب صربيا عبر الإلغاء التدريجي للمنطقة العازلة منزوعة السلاح بين صربيا وإقليم كوسوفو‏,‏ فإن الوضع في غاية التعقيد علي الجانب المقدوني بسبب غياب أي سيطرة علي الحدود بين كوسوفو وشمال غرب مقدونيا‏,‏ فالحدود مفتوحة والتنقل عبر المنطقيتين أمرا في غاية السهولة‏,‏ ومن ثم تواصل الصراع وتواصلت المعارك الطاحنة في الشمال الغربي‏.‏ وبمرور الوقت بدا واضحا أن المعارك يمكن أن يطول امدها‏,‏ ويتسع نطاقها نظرا لتخندق المسلحين الألبان في مناطق جبلية وعرة بمدينة تيتوفو‏,‏ ثاني أكبر مدن مقدونيا بعد العاصمة سكوبي‏,‏ والتي تعد أحد أبرز تجمع المقدونيين من أصل ألباني‏,‏ أما اتساع النطاق فيأتي كمحصلة منطقية لإثارة النعرة العرقية‏,‏ فإذا كان المقدونيين من أصل ألباني يحملون السلاح‏,‏ فإن المقدونيين من أصل سلافي طالبوا الحكومة بتوزيع السلاح عليهم كي يشاركوا في عملية‏'‏ قمع التمرد المسلح‏',‏ وبالتالي فالقضية تجاوزت الحكومة لتشمل المجتمع وعلي أساس قومي يستند إلي العرق بالأساس‏.‏

وقد تبلورت بيئة إقليمية ودولية داعمة للحكومة المقدونية‏,‏ واستغلتها الأطراف التي لم تكن راضية عن حملة حلف شمالي الأطلنطي علي يوجوسلافيا بسبب ألبان كوسوفو‏,‏ في المبالغة في إدانة الجماعات الألبانية في البلقان‏,‏ وتطرفهم القومي وأنهم السبب الرئيسي لعدم الاستقرار في المنطقة‏,‏ علي النحو الذي يعني محاولة تحقيق قدر من المكاسب هذه المرة‏,‏ أو علي الأقل إفراغ تجربة كوسوفو مما حققته من مكاسب سياسية ومعنوية‏.‏

وبدا واضحا أن ما أقدم عليه فصيل من ألبان مقدونيا من حمل للسلاح ضد الحكومة المركزية‏,‏ وإن كان يجد سنده فيما يشكو منه الألبان من سياسات تمييزيه علي خلفية قومية‏,‏ لن يحقق ما سبق وحققه نفس التوجه في كوسوفو للعديد من الاعتبارات منها أولا أن مقدونيا ليست صربيا‏,‏ وثانيا فإن الدروس المستلخصة من تجربة كوسوفو كانت سلبية في العديدمن جوانبها من قبل الجهة التي قامت بالتدخل الدولي‏,‏ وثالثا بدا واضحا أن نجاح حركة ألبان مقدونيا ستمثل خطوة جادة علي طريق‏'‏ ألبانيا الكبري‏'‏ بما تمثله من تهديد خطير علي أمن منطقة البلقان ومن ثم الأمن الأوروبي‏.‏ ولكن كل ذلك لا يعني تبني الخيار المقابل أي ترك القوات الحكومية المقدونية تحسم الأمر عسكريا للعديد من الاعتبارات منها أولا أن هناك شكاوي حقيقية من جانب ألبان مقدونيا لابد من النظر فيها‏,‏ ومن ثانيا أن ثمن الحسم العسكري سيكون باهظا للغاية وسيترتب عليه سقوط عشرات الآلاف من المدنيين‏,‏ وثالثا أن الخيار العسكري لن يحقق الحسم النهائي للصراع‏,‏ بل سوف يعني كسب طرف ما لجولة في حرب طويلة تتحدد طبيعتها من كون الصراع يتغلغل في نفس البشر هناك وفي منطقة متخمة بالانقسامات والصراعات‏.‏

من هنا يبدو واضحا أن الاتجاه العام للموقفين الإقليمي والدولي هو العمل علي عدم نجاح تجربة التمرد العسكري من قبل ألبان مقدونيا‏,‏ وكبح جماح التوجه المقدوني نحو الحسم العسكري‏.‏ وما بين هذين الاعتبارين سوف يتواصل العمل الأوروبي‏/‏ الدولي لإدانة التمرد المسلح من قبل ألبان مقدونيا‏,‏ ومنع حكومة الأخيرة من الرهان علي الحسم العسكري‏,‏ ولا يمنع ذلك من فرض مزيد من الرقابة علي الحدود الكوسوفية المقدونية‏,‏ ومزيد من الضربات العسكرية للجماعات الإلبانية المسلحة‏,‏ وفي نفس الوقت الدفع في اتجاه إدخال تعديلات سياسية تلبي قدرا من المطالب الألبانية‏,‏ وإن تمت هذه التعديلات بوتيرة بطيئة حتي لا تبدو وكأنها جاءت تحت الضغط العسكري‏,‏ وحتي لا تكون النموذج في البلقان‏,‏ ولا تستفز أيضا الأغلبية السلافية فتتحرك علي نحو يفوق قدرة الحكومة علي الضبط‏.‏

منقووول للفائدة .
AlexaLaw