التنسيق والتعاون العربى تجاه الشراكة الأوربية

المتوسطية:دراسة تحليلية مقارنة

د.مصطفى عبدالله أبوهاشم خشيم

مجلة السياسة الدولية ابريل 2002 - العدد رقم 148


يعتبر التنسيق والتعاون على المستويين العالمى والإقليمى سمة مميزة للعالم منذ النصف الأخير من القرن العشرين ، وخاصة بعد بروز منظمات دولية ، وأخرى إقليمية مثل الجامعة العربية والاتحاد الأوربى ، تؤكد على أهمية التنسيق والتعاون بين أعضائها فى العديد من المجالات.وتنخرط الدول العربية فى عملية تنسيق وتعاون فى مجالات مختلفة ، من بينها التنسيق والتعاون تجاه الشراكة الأوربية المتوسطية.وإن كانت الدراسة المقارنة توضح بجلاء أن التنسيق والتعاون العربى لم يصل بعد إلى مستوى نظيره الأوربى ، وهذا يرجع لوجود تنسيق وتعاون ثنائى بين كل دولة عربية على حدة والاتحاد الأوربى ككل.

وبينما يقوم الاتحاد الأأوربى بتنسيق جهوده فى إطار مؤسسات النظام الاقليمى الأوربى ، لاسيما المفوضية الأوربية ، يلاحظ أن الدول العربية لايقتصر تنسيقها وتعاونها على المستوى الاقليمى فى إطار الجامعة العربية ، ولكنها تمتد لتشمل المستوى الثنائى والاقليمى الفرعى.ويمكن ملاحظة ضعف التنسيق والتعاون العربى ـ العربى ، إما من خلال عدم استجابة الجانب الأوربى للعديد من المطالب العربية ذات الطابع السياسى والاقتصادى ، أو من خلال انخراط الدول العربية المتوسطية فى علاقات ثنائية مع الاتحاد الأوربى فى إطار ما يعرف بإتفاقيات الشراكة.

ويمكن إرجاع ارتفاع مستوى التنسيق والتعاون بين الدول الأوربية فى إطار الاتحاد الأوربى مقارنة بما هو عليه الحال فى إطار الدول العربية ، بعدة أسباب أهمها عدم تقدم الدول العربية باقتراح أو مشروع متكامل عن الشراكة الأوربية المتوسطية ، سواء فى مراحلها الأولى أو الحالية ، حيث لم تكن المواقف العربية تعكس سوى ردود أفعال تجاه المبادرات الأوربية.كذلك فقد كان الموقف العربى هو الأضعف دائماً فى الشراكة الأوربية المتوسطية ، وبالتالى يلاحظ مثلاً أن مستوى استجابة الدول العربية للمطالب الأوربية يزيد عن مستوى الاستجابة الأوربية للمطالب العربية.

وقد انخرطت الدول العربية فى علاقات ثنائية غير متوازنة مع الاتحاد الأوربى من خلال اتفاقيات الشراكة وتحولت الاقتصاديات العربية الى نظام السوق الذى يؤكد على المبادىء الرأسمالية واللبرالية ، وفى المقابل يلاحظ عدم استجابة الإتحاد الأوربى للمطالب العربية بشأن مشاركة وانضمام بقية الدول العربية ، وخاصة المتوسطية منها للشراكة الأوربية المتوسطية.

كذلك فقد كان يتم عقد اجتماعات الشراكة الأوربية المتوسطية ، سواء على مستوى وزراء الخارجية أو الخبراء ، فى عواصم ومدن أوربية وليست عربية.ولم تحظ المدن العربية إلا بالقليل من اجتماعات الخبراء الأوربيين والمتوسطيين.الأمر الذى يزيد من التأثير الأوربى على مسار عملية برشلونة.وتوضح الاحصاءات أن 91% من اجتماعات خبراء الشراكة الأوربية المتوسطية عقدت بمدن أوربية ، وحتى اذا ما تم استثناء مدن أوربية متوسطية مثل فاليتا وقبرص واسطنبول ، فإن النسبة تصل الى 75% ، وكانت أعلى المدن التى عقدت بها الاجتماعات هى بروكسيل -25%- فاليتا -7و10% - ، لاهاى -4و5%- ، أما المدن الايطالية فقد وصل نصيبها من اجتماعات الخبراء الى 3و14% وهذا المعدل يضعها فى الترتيب الثانى بعد بروكسيل.

وبالرغم من تدنى مستوى معدل اجتماعات الخبراء العرب الأوربيين بالمدن العربية -9و8%- فإن الاحصاءات تشير الى أن الدول التى توجد بها هذه المدن ترتبط بعلاقات مع اسرائيل ، فالحرص على حضور خبراء كل الدول الأوربية المتوسطية ، جعل عملية اختيار المدن التى ستتم فيها الاجتماعات تتسم بالدقة ، وبالتالى تم اختيار مدن مثل القاهرة ومراكش.

ولاشك أن تحقيق المصلحة العربية المشتركة فى إطار عملية برشلونة لايكتمل إلا بانضمام جميع الدول العربية الى الشراكة الأوربية المتوسطية ، حيث أن تعامل الدول الأوربية مع عملية برشلونة كمجموعة اقليمية واحدة يبرر بدون شك تعامل الدول العربية مع الشراكة كتنظيم اقليمى واحد ، ومن هنا يجب العمل على انضمام ليبيا وموريتانيا والأمانة العامة للجامعة العربية الى الشراكة الأوربية المتوسطية ، وتخويل الأمانة العامة لجامعة الدول العربية مهمة تنسيق جهود مواقف الدول العربية تجاه عملية الشراكة الأوربية المتوسطية ، مع ضرورة التأكيد على تطبيق مبادىء إعلان برشلونة لعام 1995 ، خاصة ما يتعلق منها بإيجاد حل سلمى عادل وشامل للصراع العربى الاسرائيلى والقضية الفلسطينية