اتفاق بوروندى وتداعياته على البحيرات العظمى

خالد حنفى على


مجلة السياسة الدولة يناير 2004 - العدد رقم 155

يعتبر اتفاق تقاسم السلطة الذى وقعته حكومة بوروندى فى منتصف نوفمبر 2003 مع أكبر حركة تمرد عسكرى فى البلاد ، وهى جبهة الدفاع عن الديمقراطية ، بمثابة خطوة كبيرة لانهاء عشر سنوات من الحرب الأهلية بين الهوتو والتوتسى ، راح ضحيتها أكثر من 300 ألف شخص.ورغم أن حركة التمرد الأخرى ، قوات التحرير الوطنى ، رفضت التوقيع على الاتفاق ، إلا أن الاتجاه العام فى البلاد نحو السلام ، وكذلك فى منطقة البحيرات العظمى لانهاء الصراعات بالمنطقة ، سيدفعها للانخراط فى عملية السلام ، والمشاركة فى السلطة فى نهاية المطاف ، خاصة وأن الاتفاق تم توقيعه خلال قمة افريقية فى تنزانيا بحضور رؤساء أوغندة والكونغو الديمقراطية وموزمبيق وأثيوبيا ونائب رئيس جنوب أفريقيا

وقد تطورت استراتيجيات ادارة الصراع فى بوروندى من محاولة التوتسى قمع الهوتو وترحيلهم ، الى مرحلة الاتفاق على تقسيم السلطة وضمان تمثيل نسبى لجماعات الهوتو فى مؤسسات السلطة السياسية والعسكرية ، وذلك عبر ثلاث مراحل ، المرحلة الأولى من 1962 الى 1987 ، وفيها سيطر التوتسى على الحكم بعد الاستقلال ، بقيادة الملك بيتسا ، وحاول الهوتو منع ذلك ، بانقلابات عسكرية ، الا أنهم فشلوا ، ورغم ذلك فقد تم خلع الملك على يد ابنه 'نتارى الخامس' ، الذى نصب نفسه ملكاً للبلاد فى يوليو 1966.وقام نتارى بتعيين قائد للجيش من التوتسى هو مايكامبيرو فى منصب رئاسة الوزراء ، وحاول هذا الأخير تصفية عرقية الهوتو من الجيش ، وهو ما عارضه الملك ، خوفاً من تدهور أوضاع البلاد ، الأمر الذى دفع رئيس الوزراء مايكامبيرو للقيام بانقلاب عسكرى فى نوفمبر 1969 ، أطاح من خلاله بالنظام الملكى الذى كان قائماً فى البلاد ، وتم اعلان الجمهورية الأولى

وحاول الهوتو مجدداً مواجهة هذه الهيمنة بانقلاب عسكرى فى عام 1969 ، ثم بثورة شاملة فى عام 1972 ، إلا أنهم فشلوا أيضاً وأعقب ذلك مذابح ضدهم ، راح ضحيتها 100 ألف شخص معظمهم من الهوتو.ومع فشل النهج القمعى لمايكامبيرو فى ادارة البلاد ، تمت الاطاحة به هو الآخر فى انقلاب بقيادة العقيد جان بابتيستا باجازا فى عام 1976 ، وهو توتسى معتدل ، استطاع وقف المذابح ضد الهوتو ، وأقر دستور جديد للبلاد عام 1981 ، أعقب ذلك بعام واحد انتخاب المجلس الوطنى 'البرلمان' .لكن علاقات باجازا والكنيسة الكاثوليكية شهدت تدهوراً فى هذه الفترة ، حيث اتهم الأول الثانية بتحريض الهوتو على الاستيلاء على السلطة ، وفى المقابل قيد باجازا الحريات الدينية ، مما أدى لسخط وعدم رضى فى صفوف الجيش ، وهو ما دفع أحد قادة التوتسى ، وهو بيير بويوييا للقيام بانقلاب عسكرى فى سبتمبر 1987.وقد اتسمت هذه المرحلة باستخدام التوتسى استراتيجية القمع والاقصاء والتهميش لانهاء الصراع مع الهوتو ، ومحاولة تصفية وجودهم داخل البلاد ، وهو مادفع ميليشيات الهوتو الى شن معارك ضد الحكومة وسقط آلاف الضحايا فى مذابح متبادلة

أما المرحلة الثانية فتمتد من 1987 الى 1996 ، حيث شهدت السنوات الأولى من حكم بويوييا ، مقتل الآلاف من الهوتو ، خاصة فى عام 1988 ، إلا أنه أعلن عن رغبته فى انهاء الصراع العرقى فى بلاده ، واشراك الهوتو فى السلطة ، فأقرت البلاد دستوراً ديمقراطياً جديداً فى مارس 1992 ، ثم جرت أول انتخابات رئاسية فى يونيو 1993 ، فاز فيها زعيم الجبهة من أجل الديمقراطية 'ملشيور نداداى ، وهو من الهوتو ، ليصبح بذلك رئيساً لبوروندى ، فى سابقة هى الأولى التى يتسلم فيها الهوتو رأس السلطة فى تاريخ البلاد.إلا أن الرئيس النتخب تم اغتياله من قبل متطرفين توتسى فى أكتوبر من العام نفسه ، أعقب ذلك نشوب حرب أهلية موسعة ، خلفت ورائها حوالى 50 ألف قتيل من الجانبين

وشهدت الحياة السياسية فى هذه الفترة استقطاباً سياسياً ، حيث تجمعت أحزاب الهوتو ضمن 'جبهة فروديبو' ، وفى المقابل انتظمت معظم أحزاب التوتسى فى حزب 'الأوبرونا' ، واتفق أغلبية البرلمان آنذاك على اختيار 'سبريان نتارياميرا' كرئيس للبلاد ، لكنه قتل فى حادث طائرة عام 1994 مع رئيس رواندا.وفى الوقت نفسه بدأ ثوار الهوتو يستعدون للانقضاض على السلطة فى بوجمبورا ، مدعومين باللاجئين الهوتو الذين تجمعوا فى منطقة شرق الكونغو ، لكن عدم قدرتهم على الانتصار على التوتسى ، دفعهم الى المفاوضات التى انتهت باتفاق فى 10 سبتمبر 1994.نص الاتفاق على تقاسم السلطة ، بحيث يكون الرئيس من الهوتو ، ورئيس الوزراء من التوتسى ، وتقسم باقى المناصب مناصفة.وأصبح سيلفستر نتيبانتونجانيا من الهوتو رئيسا للبلاد ، وتم تعيين رئيس للوزراء من التوتسى

أما المرحلة الثالثة فتبدأ منذ عودة بويوييا مرة أخرى الى السلطة بانقلاب عسكرى فى مايو 1996 ، حيث جمد الدستور، وحل البرلمان ، وأوقف نشاط الأحزاب السياسية ، ونشطت فى هذه الفترة الجهود الاقليمية والدولية لانهاء الصراع ، وتزامن ذلك مع رغبة الرئيس بويوييا فى التوصل لتسوية سلمية تنهى الصراع فى بوروندى ، وهو ما أمكن التوصل اليه فى أغسطس عام 2000 فى مؤتمر أروشا بتنزانيا ، حيث تم التوصل الى اتفاق جزئى ، نص على فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات ، لتقاسم السلطة بين الهوتو والتوتسى.وفى أبريل 2003 أوفى بويوييا بتعهداته وفقاً لاتفاق أروشا وسلم السلطة لنائبه الذى ينتمى الى الهوتو وهو 'دومتيان ندايزييه'

وهكذا نجحت استراتيجية اقتسام السلطة بشكل جزئى فى وقف الصراع بين الطرفين ، ولكن مازالت هناك عدد من العراقيل أمام عملية السلام ، تتعلق برفض بعض القوى لاتفاق أروشا ، فضلا عن طبيعة تقسيم السلطة التى أقرها مؤتمر أروشا ، والتى يعتبرها البعض غير عادلة.ورغم ذلك فإن اتفاق السلام الأخير فى بوروندى سيكون له العديد من الآثار الايجابية ، خاصة فيما يتعلق بتعزيز التوجهات السلمية الجديدة لانهاء الصراعات فى منطقة البحيرات العظمى بين التوتسى والأقليات الأخرى ، بما يتيح لدول المنطقة التفرغ لعمليات التنمية وحل مشكلات اللاجئين.ومن جانب آخر ، فإن الاتفاق يدعم اتفاقات السلام التى وقعها الرئيس الكونغولى جوزيف كابيلا خلال العام الجارى والماضى مع أطراف الصراع فى الكونغو ، كما يدعم الاصلاحات السياسية التى أقدم عليها الرئيس الرواندى بول كاجامى 'التوتسى' منذ توليه السلطة فى عام 2000.وبالاضافة الى ذلك ، فإن اتفاق السلام فى بوروندى يطرح أملاً لامكانية عودة اللاجئين الهوتو والتوتسى فى تنزانيا الذين بلغوا نحو نصف مليون شخص ، كما يطرح أيضاً علاقات أكثر هدوءاً بين الحكومتين البوروندية والتنزانية ، خاصة وأن التوتسى أثناء الحكم كانوا يتهمون التنزانيين بمساعدة المتمردين الهوتو على عبور الحدود لتنفيذ هجماتهم داخل بوروندى

منقووول للفائدة .
AlexaLaw