الموقف العـربى من المسـألة السودانيـة

محمد أبوالفضل

مجلة السياسة الدولية - إبريل 2003 - العدد رقم 152

يحظى الشأن السودانى باهتمام عربى واضح ، باعتبار أن السودان أحد المحاور الهامة للأمن القومى العربى ، وقد ظهر هذا الاهتمام العربى سواء من خلال السلوك الجماعى للدول العربية فى إطار الجامعة العربية ، أو من خلال سياسات الدول العربية كل على حدة.وفيما يتعلق بالمستوى الأول ، فقد مر بمرحلتين ، الأولى اتسمت بالاهتمام الواضح بمشكلة جنوب السودان والتأكيد على ضرورة الحفاظ على وحدة البلاد وسلامتها الإقليمية ، دون تقديم مبادرات حقيقية ، والاكتفاء بالنداءات التى تحث القوى المختلفة على تشجيع المبادرة المصرية الليبية ، التى اعتبرتها الجامعة أساساً لإيجاد حل سلمى شامل لقضية السودان.

وقد عبر عن ذلك السيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية خلال زيارته للخرطوم فى 29 يونيو 2001 ، والتى التقى خلالها الرئيس عمر البشير وممثلى مختلف الأطراف الاقليمية والدولية.حيث أكد بوضوح موقف الجامعة الرافض لخيار 'تقرير المصير' لسكان السودان فى الجنوب ، باعتبار أن حق تقرير المصير المعترف به قانوناً هو حق للشعب السودانى كله وليس لجزء منه.وعلى هذا المنوال جرت غالبية التفاعلات العربية مع السودان ، وسيطر على الخطاب السياسى شعور وجدانى كبير وثقة 'غير مبررة' بأن مشكلة جنوب السودان يمكن تسويتها ضمن وحدة البلاد.

أما المرحلة الثانية ، فقد جاءت بعد زيادة الاهتمام الدولى بالشأن السودانى ، وبداية التغلغل الأمريكى والغربى فى السودان.ولهذا قررت قمة بيروت فى مارس 2002 إدراج الشأن السودانى كموضوع رئيسى للاهتمام العربى ، على نحو يعكس إدراك القادة العرب لمخاطر التدخل الغربى فى السودان.وعقب تقديم المبعوث الأمريكى 'جون دانفورث' تقريره للرئيس الأمريكى جورج بوش فى أبريل 2002 ، التقى السيد عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية بالصادق المهدى زعيم حزب الأمة السودانى ، ومحمد عثمان الميرغنى زعيم الحزب الاتحادى الديمقراطى ، بهدف تشجيع المصالحة الوطنية وتوضيح مخاطر التدخل الغربى فى السودان ، مؤكداً على المسئولية العربية الجماعية لمساندة السودان.

وعقب توقيع بروتوكول ما شاكوس ، حرص الأمين العام للجامعة العربية على لقاء النائب الأول للرئيس السودانى على عثمان طه ، للتباحث حول كيفية العمل على ضمان وحدة البلاد وسلامة الأراضى السودانية.وتم التأكيد على أهمية الدور العربى لتأكيد خيار الوحدة ، وأهمية مشاركة الجامعة العربية فى الآليات التى أنشأها الاتفاق لمراقبة تنفيذه.وقد طالب الأمين العام بضرورة تفعيل صندوق تنمية جنوب السودان ، الذى أنشأته القمة العربية فى مارس 2002 ببيروت ليقوم بمشروعات تنموية محددة.كما قام السيد عمرو موسى فى نوفمبر 2002 باختيار السيدة نادية مكرم عبيد ممثلاً للأمين العام لجامعة الدول العربية بشأن السودان ، لتقوم بمتابعة هذا الملف بجوانبه المختلفة.

وقد عقدت الجامعة العربية فى 19 ديسمبر 2002 اجتماعاً بالقاهرة لتنمية جنوب السودان تم خلاله التأكيد على تكاتف الجهود العربية لدفع التنمية فى جنوب السودان ، واقترح أمين عام الجامعة أن يتم تحويل صندوق إعمار جنوب السودان التابع للجامعة العربية الى هيئة عربية لتنمية وإعمار جنوب السودان ، واعتبار هذه الهيئة جهة مسئولة عن التنسيق بين الدول العربية ومختلف الصناديق والهيئات الراغبة فى إقامة مشروعات فى جنوب السودان.

وتنفيذاً لقرارات مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة العربية وعلى المستوى الوزارى ، عقدت اللجنة الوزارية الخاصة بالسودان اجتماعاً فى الخرطوم فى 14 يناير 2003 برئاسة أمين عام الجامعة العربية ومشاركة ثلاثة عشر وزيراً ، وتم التأكيد على الإرادة السياسية للدول العربية لدعم وحدة أراضى السودان والحفاظ على سيادته وسلامته الاقليمية ، والتضامن معه فى مواجهة كل ما يهدد أمنه واستقراره.ودعا الاجتماع كل الدول ، وخاصة الولايات المتحدة والمنظمات المعنية بعملية السلام فى السودان ، أن يتسم دورها بالإيجابية والحيدة والشفافية.كما أكد الاجتماع أهمية تفعيل المبادرة المصرية الليبية ، وناشد الأمين العام كل القوى السياسية السودانية لوقف الحرب وإقامة السلام ، وطالب الدول العربية بالتحرك لدعم الجهود السودانية فى هذا المجال.

وعلى هذا المنوال من الاهتمام بالشأن السودانى ، توالت تحركات الجامعة العربية ، حيث اجتمع فى 17 فبراير 2003 فى مقر الأمانة العامة ممثلو الدول والمنظمات والمجالس الوزارية المتخصصة والاتحادات العربية النوعية تنفيذا لقرار مجلس الجامعة على المستوى الوزارى رقم 6222 بتاريخ 5سبتمبر 2002 ، وقدمت الحكومة السودانية تقريرها عن الجهود والاتصالات الجارية لتسويق المشروعات الاستثمارية والخدمية ومشروعات البنية الأساسية فى كل من دولة الكويت والإمارات.وقدمت صناديق الاستثمار العربية تعهدات محددة عن المشروعات التنموية المزمع إقامتها فىجنوب السودان .وقدم المديرون العامون للمنظمات العربية المتخصصة وممثلو المجالس الوزارية المتخصصة تقارير عن برامجهم المقبلة فى جنوب السودان.وقدر المشاركون بصفة خاصة التعهدات التى قدمتها الصناديق والمصارف العربية ، مثل الصندوق العربى للإنماء الاقتصادى والاجتماعى ، والصندوق الكويتى للتنمية الاقتصادية العربية ، والصندوق السعودى للتنمية ، وصندوق أبوظبى للتنمية ، والهيئة العربية للإستثمار ، والبنك الإسلامى للتنمية ، وكذلك المنظمات والمجالس الوزارية العربية المتخصصة.وكان يقف وراء هذا النشاط المكثف ، رغبة فى عدم ترك السودان لمواجهة مصيره بعيداً عن الدائرة العربية.

وكمحاولة لوضع خريطة للمشروعات فى جنوب السودان تمهيداً لإنشائها بواسطة الصناديق العربية والمنظمات الأهلية العربية ، استضافت الخرطوم يومى 7 ، 8 مارس 2003 مؤتمر المنظمات العربية غير الحكومية بمشاركة 50 منظمة طوعية عربية ، وتم خلال المؤتمر التأكيد على أهمية الدور العربى فى دعم النهوض بجنوب السودان ، وأكد المشاركون أن غياب الدور العربى فى مشكلة جنوب السودان سابقاً أدى إلى سيطرة المنظمات الغربية على جنوب السودان.

وإذا كانت التحركات السابقة تشير بوضوح الى الاهتمام المكثف من جانب الجامعة العربية بالشأن السودانى ، فإن الفترة الأخيرة شهدت اهتماماً متزايدا من بعض الدول العربية بالمسألة السودانية ، وتمثل ذلك فى اتجاهين ، أولهما دبلوماسى ، حيث تزايدت اللقاءات والزيارات مع عدد كبير من المسئولين فى الحكومة السودانية ، والثانى اقتصادى ، حيث تم تنشيط بعض الاتفاقيات الاقتصادية السابقة وتوقيع عدد آخر منها.وفى هذا السياق تجدر الإشارة الى تحركات كل من مصر والسعودية تجاه الساحة السودانية ، وقد كانت أبرز مظاهر الدعم المصرى الأخير للحكومة السودانية متمثلة فى الدور الرئيسى الذى تلعبه القاهرة لتأييد خطوات الجامعة العربية عبر أمينها العام المصرى عمرو موسى ومندوبته المصرية نادية مكرم عبيد.

كما أن الزيارة الهامة التى قام بها وفد مصرى رفيع المستوى فى يناير المضى للسودان بمناسبة أعياد الاستقلال ، أكدت على اتجاه دعم الخرطوم المباشر لقطع الطريق على شبح الانفصال ، وخلال هذه الزيارة تم الاتفاق على إحياء مشروعات التكامل بين البلدين وتنشيط مجلس رجال الأعمال المصرى السودانى.كما صدر بيان مشترك أكد اتفاق الجانبين على ضرورة تنسيق المواقف بشأن بعض القضايا العربية المصيرية مثل القضية الفلسطينية والأزمة العراقية.

وعلى المستوى السعودى ، نشطت العلاقات بين البلدين فى الآونة الأخيرة ، وإزدهرت حركة الإتصالات السياسية والدبلوماسية على أصعدة مختلفة ، بما أمكن معه إزالة الجفوة التى شابت علاقات البلدين منذ عام 1990 بسبب موقف الخرطوم من أزمة الخليج .وكان أبرز مظاهر تطوير العلاقات بين البلدين ، توقيع السعودية والسودان فى 29 ديسمبر 2002 الاتفاقية الاطارية للتعاون المشترك فى المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارية بين البلدين.وأكدت الاتفاقية رغبة البلدين فى تدعيم الروابط المشتركة والتعاون فى كافة المجالات من أجل تحقيق الرخاء لشعبى البلدين.

ورغم تصاعد الاهتمام العربى فى الآونة الأخيرة بالشأن السودانى ، وزيادة التحركات الهادفة الى تأكيد التضامن العربى مع وحدة السودان وإستقلال أراضيه ، فإن الموقف العربى من السودان مازال محكوماً بتوازنات دقيقة ومعادلات عميقة ، ساهمت بدرجة كبيرة فى تعثر الجهود العربية من أجل تسوية الأزمة السودانية بالطرق السلمية.

منقووول للفائدة .
AlexaLaw