ليبرالية الحرب‏-‏ النظرية السياسية الليبرالية ومشكلة العنف

[‏ الخطاب حول العراق نموذجا‏]‏
أحمد فاروق


مجلة السياسة الدولية يناير 2003 - العدد 151


في إجابته علي سؤال لمحرري مجلة‏'دير شبيجل‏'‏ الاسبوعية الالمانية في ابريل عام‏1992‏ عن من هم الاعداء الجدد للديمقراطية الليبرالية الغربية‏-‏ قال الفيلسوف الليبرالي الانجليزي السير كارل ريموند
karl Raymand Pappu[1902-1994]
أن الواجب علي الغرب هو أن يكون السلام اليوم يحيا فيه اناس مثل صدام حسين وأمثاله من الدكتاتوريين‏'.‏ ولا يجب علي الغرب ان يفزع من أن الحرب هي ماسيقود الي السلام فهي حرب لا يمكن تجنبها في الظروف الحالية‏'‏إنه أمر مؤسف ولكننا مضطرون لفعل ذلك إذا أردنا أن ننقذ عالمنا‏.‏ فالقرار هنا ذو دلالة حاسمة‏' وعندما سئل الفيلسوف‏:‏ هل يجب علي الولايات المتحدة الامريكية أن تتحرك ضد صدام متي ظهر لها إنه يصنع القنابل الذرية وأسلحة الدمار الشامل؟ أجاب بوير قائلا‏:‏ ليس فقط صدام، يجب أن يكون هناك في مثل هذه الحالات شكل من العمل الجماعي للعالم المتحضر‏.‏ لا معني للوقوف في مثل هذه الظروف موقفا سلميا يجب أن نشن الحرب من أجل تحقيق السلام ولكن في أقل صورة ممكنه بطبيعة الحال‏.‏ ومادامت المسألة مسألة عنف فيجب منع استخدام هذه القنابل بالعنف‏.‏

كما قال أيضا يجب أن تبدل آوربا قصاري جهدها في الاشتراك بفاعليه مع الولايات المتحدة الأمريكية لان ذلك ضرورة ومنطق الموقف التاريخي الحالي‏,‏ فالمسألة ليست أمرا تافها ولكنها مسألة تخص بقاء البشرية‏'.‏

وننسق إجابات كارل بوير حول هذا الموضوع مع رؤيته لمشكلة الحرب في التاريخ بشكل عام‏.‏ فهو يري أن معظم الحروب في العصور الحديثة كان دافعها الخوف من العدوانية‏,‏ فعلي سبيل المثال‏,‏ كان الخوف من ان يحتر هتلر القنبلة الهيدروجينية هو الذي أدي بالآخرين الي صناعتها‏,‏ فالخوف المتبادل من العدوانية‏,‏ يؤدي الي سباق تسلح ومن ثم ال يالحرب‏,‏ وربما الي‏'‏ حرب وقائية‏'‏ كما أشار برتراند رسل‏,‏ عدو الحرب والعدوانية‏.‏

وأي قارئ لن يفوته ان يلحظ التشابه المدهش بين هذه الخطوط العريضة التي شدد عليها بوير‏:'‏ إنقاذ عالمنا‏','‏ شن الحرب من أجل تحقيق السلام‏',‏ منع استخدام أسلحة الدمار الشامل بالعنف‏:,'‏ الحرب الوقائية‏'‏ و‏'‏المسالة التي تخص بقاء البشرية‏,‏ مع موقف الرئيس الامريكي جورج بوش‏,‏ ونظريته عن‏'‏ محور الشر‏'‏ التي تنظر علي الخطاب السياسي والعسكري والثقافي الامريكي عن العراق منذ‏20‏ سبتمبر‏2001‏ وحتي وقتنا هذا‏.‏

فالرئيس الامريكي بوش‏,‏ وهو رئيس أكبر دولة ديمقراطية ليبرالية في العالم يزعم أن توفر اسلحة دمار شامل جديدة لم يعد يسمح بالاسترخاء أو انتظار الهجوم أولا‏,‏ بل يتطلب خوض‏'‏ حرب وقائية‏'‏ متي تطلب الأمر من اجل الدفاع عن‏'‏ حرياتنا‏'‏ ثم تطورت الفكرة لديه الي حرب يقودها إئتلاف قوي من الأمم المتحضرة‏'‏ حفاظا علي السلام والأمن ضد الدول‏'‏ المارقة‏'‏ والتي لا يحكمها أي مبدأ أفاقي‏.‏

وفي رأيي أن هذا التطابق عن آراء الرئيس بوش والمفكر كارل بوير يمكن ان نطلق عليه‏'‏ ليبرالية الحرب‏'‏ فالديمقراطية الليبرالية الغربية تصدر في معالجتها لمشكلة الحرب بشكل عام والعراق بشكل خاص عن تصور أساسي للعنف والحرب ينبع م المكونات الاساسية للديمقراطية الغربية ومن أصول نشأتها‏.‏

ويمكن من خلال استخدام فكرة الحرب الوقائية أو الحرب لضرورة من أجل تحقيق‏'‏ في الفكر السياسي الليبرالي المعاصر مناقشة مدي صلاحية النظرية السياسية الليبرالية كأداة لفهم التطورات الاجتماعية لعصرنا‏.‏ فقد أدي انهيار النظم الاشتراكية الي اعطاء دفعة جديدة للنظرية الليبرالية‏,‏ والبحث عن طريقه للتغير الاجتماعي يعالج مشكلة التخلف الحضاري بأسلوب ديمقراطي‏.‏ وإذا أدخلنا عنصر الحرب في موضوع نظرية عمل الديمقراطية الليبرالية فيجب أن نسال‏.‏ الي أي حد تستطيع المجتمعات والدول الديمقراطية الليبرالية أن تكون مسالمه ؟ وعن طريق الأخذ في الاعتبار عوامل أخري‏,‏ مثل القومية والدين والعلمانية‏,‏ يمكننا إعادة النظر في نظرية الديمقراطية واعادة تقييمها‏.‏ ويتفق المفكرون الكلاسيكيون الليبراليون بشكل عام ان الطريق الي اقامة السلم الحقيقي هو ايجاد نظام دولي ليربط كثيرا من الدول بعضها ببعض‏,‏ فالتعاون المنظم بين الدو لهو السلم الحقيقي‏.‏ والطريق الي تحقيق هذا النظام يمر عبر التجارة الحرة‏,‏ وبمشاركة المواطنين في السياسة‏,‏ حكم القانون‏,‏ الاتفاقات والمعاهدات كوسيلة لصياغة العلاقات بين الدول‏.‏ وكما استبعدت أعمال التنكيل العلني والتعذيب من الاجراءات العقائية القانونية‏,‏ كذلك أصبح يتوجب منع الحرب وجميع اشكال العنف ضد البشر والأشياء في المجتمع العصري‏,‏ أي المجتمع المدني‏-‏ المتمدن‏.‏

ولكن المشكلات التي صاحبت عمليات الحداثة فعليا وضعت الليبراليين في مأزق بين متطلبات السوق الاقتصادية من ناحية والديمقراطية من ناحية أخري‏,‏ فوجدوا أن الانظمه الديمقراطية قد تؤدي الي نتائج منافية للمساواة اذا لم يضيفوا الي نظريتهم أنواعا أخري من الحقوق لتكون بمثابة أوراق تحذير في يد الافراد تمكنهم من الوقوف ضد القرارات التي تصدر لاغراض خاصة‏,‏ علي الرغم من أنه صادرة بالطريق العادي من السلطات العامة والتي لا سبيل الي تحديها‏.‏

ويعطينا ماحدث في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس مثال جيد علي ذلك‏,‏ أن التأكيد من قبل الحزب الديمقراطي علي الاقتصاد في الدعاية الانتخابية كان مجرد وسيلة للتوصل بإخضاع القضايا الأخري للاقتصاد أو إخفائها‏.‏ وهذا مما يدفع الديمقراطيين للإعتقاد بأن برنامج الرئيس بوش المتعلق‏'‏ بمذهب بوش‏'‏ والحرب علي الارهاب والحروب الوقائية مجرد محاولة لحل بعض هذه المشكلات دون التعرض لها بجدية وهو أيضا محاولة للعمل كما لو أن هناك إجماعا حولها قبل التأكد بصفة عامة من أن هذا الاجماع قد ظهر الي حيز الوجود الفعلي‏.‏

إن تحليل الليبرالية لوضع الحداثة قائم علي أسلوب معين في التحيل لنوع معين من الحداثة له بدايات نوعية مما يجعلنا نتساءل الا تعتبر الليبرالية كبديل للفاشية والشيوعية ظاهرة محلية وحديثة ؟ والا يمكن لأساليب جديدة من التحليل أن ناتي فيما بعد بنوع جديد من الحداثة ومن الديمقراطية ؟

منقووول للفائدة .
AlexaLaw