السوسيولوجيا السياسية لأزمة البترول

خالد عبد العظيم

مجلة السياسة الدولية العدد رقم 143 - يناير 2001

ينبنى المدخل السوسيولوجى على أنه لا يمكن تفسير الأزمة البترولية الراهنة بالاستناد فقط الى تحليل العلاقة بين السعر والعرض والطلب. فالاكتفاء بهذا التفسير بواسطة قانون العرض والطلب يعكس خللا استيمولوجيا معرفيا عميقا لأنه يحاول تفسير أزمة دولية فى القرن الحادى والعشرين بنسق معرفى مغلق تم بناؤه سلفا لتناسب مع معطيات البيئة الدولية للقرن التاسع عشر إن المدخل السوسيولوجى هو محاولة لتطوير نسق تفسير الأزمة الدولية بحيث يكون هذا النسق مفتوحا أى يأخذ فى اعتباره تطورات البيئة الدولية وبالتطبيق على الأزمة البترولية محل الدراسة فإنه بالنسبة للسلع الاستراتيجية كالبترول لم يعد السعى فى القرن الحادى والعشرين دالة فقط للعرض والطلب وإنما كذلك دالة لمتغيرات جديدة أنتجتها بيئة دولية مغايرة وتميل الى التعقد والتداخل .


أما عن هذا المتغير الجديد الذى يمكن أن يؤثر على سعر السلعة الاستراتيجية فهو ماعبرت عنه المدرسة الفرنسية فى سوسيولوجيا العلاقات الدولية بمصطلحL espace public وترجمة المصطلح بالانجليزيةThe Public Space والمقصود بهذا المصطلح مساحة التأثير غير الحكومى غير الرسمى وهى مساحة تأثير تصنعها الميديا وتنظيمات المجتمع المدنى التى لم تعد محلية وإنما أصبحت عابرة القومية وخاصة بعد استقرار الاتحاد الأوروبى وفتح الحدود لحركة العمالة ورؤوس الأموال .
والذى حدث فى أزمة البترول العالمية أن منظمة أوبك قامت بالفعل ثلاث مرات خلال الربع الثالث من عام 2000 بزيادة المعروض من إنتاجها ومع ذلك لم ينخفض السعر بل واصل الارتفاع .وهذا مؤداه أن قانون العرض والطلب قد تشوش أو تعطل أثره . وهذا التشوش أو التعطل لهذا القانون الاقتصادى المستقر كان بسبب انطلاق موجات اعتراضية واسعة النطاق لسائقى الشاحنات فى أوروبا والذين قاموا بشكل تضامنى بمحاصرة جميع مصافى تكرير البترول فى أوروبا احتجاجا على الضرائب الحكومية العالية المفروضة على أسعار الوقود والبنزين والتى تؤدى الى رفع سعر المنتجات البترولية .


وأدى هذا الحصار الجماعى التضامنى لمصافى البترول الى عدة نتائج سلبية :


وقف التكرير بالمصافى ، منع الموزعين المحليين من نقل البترول المكرر المتوافر بالمصافى وتوصيله الى محطات البنزين ، تدافع المستهلكين على محطات البنزين للتموين بأعداد هائلة .
وبذلك قد أدت هذه الموجات الاعتراضية التى اكتسحت اوروبا بأكملها الى إخلال كامل بدورة تكرير البترول هذا من جانب . من جانب آخر أدى التدافع الهائل للمستهلكين على المحطات الى إفراع الصهاريج بشكل مفاجئ وغير طبيعى ما ساهم فى آن تفاقمت الأزمة أكثر وأكثر .
لذا فأى زيادة فى المعروض من جانب الأوبك فقدت قدرتها على التأثير فى السعى لأن النفط الخام يحتاج الى مدة تتراوح بين 45 يوما وثلاثة شهور ليتم تكريره وتوزيعه على المنافذ. ولكن الذى حدث هو أن دورة التكرير والتوزيع قد اختلت تماما وبالتالى أصبحت الزيادة فى المعروض عديمة الأثر لأن هذا المعروض هو النفط الخام أما المستهلك فلا يتعامل إلا مع النفط المكرر .


فالتأير غير الحكومى المتمثل فى تضامن سائقى الشاحنات الأوروبية فى حصارهم لمصافى البترول اعتراضا على السياسات الضريبية لحكوماتهم، هذا التأثير قد أنتج آثار سوسيولوجية من الاتساع بحيث عطلت أو أبطلت ولو مؤقتا الأثر الاقتصادى الذى كان منتظرا من زيادة المعروض الخام من جانب الأوبك .


وقد أظهرت الأزمة البترولية ان مساحة التأثير غير الحكومى غير الرسمى لم تعد فى حقيقة الأمر مجرد ما كان ي عرف بالرأى العام وإنما مساحة التأثير تجاوزت الرأى أو القول إلى إمكانيات حشد فعل مدنى عام عابر القومية يمارس سلطة قسرية ضد الدولة -بمحاصرة سلمية لبعض مرافقها الحيوية كالمصافى- ولكن الدولة تعجز عن الرد بشكل فعال لأن هذه السلطة القسرية التى مارستها تنظيمات المجتمع المدنى الأورربى لم يكن فيها ما يتعارض مباشرة مع الكود العقابى القائم إذ ليس هناك أى تخريب للممتلكات أو أى مساس بسلامة او حياة الأفراد .
ولاشك أن مساحة التأثير غير الحكومى غير الرسمى هى المتغير الجديد الذى سوف يلعب دورا حاسما فى معادلة سعى السلعة الاستراتيجية المجتمعية فى عصر العولمة

منقوووول للفائدة .
AlexaLaw