عن مقالة «جمال خاشقجى» الملغّمة - للأستاذ الدكتور سليمان عبدالمنعم

الأستاذ جمال خاشقجى صديق، وكاتب يجيد قراءة الأحداث والتطورات. هنا تعليق على ما كتبه فى صحيفة الحياة بتاريخ ١٦ ابريل الحالى عن قضية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية. أسجل ابتداء أننى وخلال خمس سنوات عملت فيها قريباً من النخبة السعودية لم ألمس سوى كل مشاعر الود الشخصى والتقدير لمكانة مصر والاعتراف بدورها. لهذا يبدو النقاش حول ترسيم الحدود البحرية بين الدولتين أمراً طبيعياً ومفيداً. يقول الكاتب كلاماً طيباً وعاقلاً مثل أن اتفاق ترسيم الحدود مع مصر هو من باب حسن الجيرة والحرص على علاقة ممتازة معها لأن الحدود الجيدة تصنع جيراناً جيدين. لكن المقالة تشى بنبرة «شوفينية» عالية. يشعر الأستاذ خاشقجى بالزهو الوطني، وهذا حقه، ولو كنت مكانه لغمرنى الشعور ذاته. لكن ما بدا غريباً هو قوله مثلاً إنه من الأفضل عودة الجزيرتين إلى السعودية التى تستطيع حماية مشروع الجسر المزمع إقامته بين الدولتين. بحكم انتمائى القومى العربى أنا سعيد بخلاصته فى شأن القدرات السعودية، لكنى كوطنى مصرى لا أفهم كيف وبناء على أية معايير استخلص عدم قدرة مصر على توفير مثل هذه الحماية ؟

لا يوضح الأستاذ خاشقجى الاعتبارات التى دعت المملكة الشقيقة خلال عقود طويلة إلى عدم التحمس أو الإقدام على ممارسة السيادة على صنافير وتيران. نتفهم بالطبع ظروف المملكة وراء تجاهل شأن الجزيرتين حتى قبل نشوب أية حروب مع إسرائيل تاركةً لمصر عبء الاضطلاع بهذه الحماية. فهذا الموقف السعودى كان يحقق مصلحة مصرية بقدر ماكان يحقق أيضاً مصلحة المملكة الشقيقة فى تفادى إقحام نفسها فى أعباء أو (تضحيات) عسكرية لم تكن مستعدة لها أو (راغبة فيها) آنذاك. يبدو الأستاذ خاشجقى واضحاً فى مواجهة السؤال الملغّم بحسب وصفه لماذا الآن وبعد ثلاثة أرباع القرن تفتح السعودية ملف جزيرتى تيران وصنافير؟ يجيب مباشرة أن «الرياض باتت هى القوة الأهم فى المنطقة وحان وقت تحمل مسؤوليتها فى تلك المنطقة الحسّاسة التى تتمتع فيها إسرائيل بقوة ونفوذ لا تستحقانه»! فهل يعنى ذلك أن الأستاذ خاشقجى يحتكم فى شأن الجزيرتين إلى معيار «القوة» بدلاً من معيار «الحق» ؟ وبصرف النظر عن مبالغته فى الاستهانة بالقوة العسكرية للدولة الصهيونية وهو محلل سياسى فإننا سعداء، ويجب أن نكون سعداء بالقدرات العسكرية للمملكة الشقيقة، فكل قوة عربية هى من منظور قومى، إضافة وعزة لقوة العرب جميعاً. لكن السؤال الذى لا يجب القفز عليه هنا حال التصديق على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية : هل تتيح هذه الاتفاقية فعلاً ومن منظور اتفاقية السلام المبرمة بين مصر وإسرائيل بتواجد عسكرى على جزيرتى تيران وصنافير سواء من جانب السعودية أو مصر ؟ نحن هنا فى الواقع ، الاثنان معاً، فى العجز شرقُ ! فالجزيرتان تدخلان ضمن ما يُعرف بالمنطقة ج التى لا يُسمح فيها إلا بتواجد شرطى محدود . وعلى أية حال فقد أعلنت المملكة الشقيقة منذ الآن قبولها بالالتزامات الدولية التى تفرضها اتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية، حينما يؤول لها أمر السيادة على الجزيرتين، وهذا بذاته موضوع يثير الكثير من التساؤلات والسيناريوهات المحتملة! وبما أن النقاش فى هذه الجزئية ينصب على مسألة القوة والنفوذ العسكرى فإن سعادتنا كان يمكن أن تكون أكثر لو أن مشروع القوة العربية المشتركة التى دعت إليه مصر قد وجد استجابة من الأشقاء العرب بعيداً عن أى حساسيات أو حسابات أخري. فهذا هو الطريق الوحيد لمواجهة مشاريع الهيمنة والاطماع الأجنبية فى بلاد العرب وثرواتهم. لكن كم من الزمن سنحتاج لإدراك هذه الحقيقة ؟ وكم بلد عربى آخر سيتفكك حتى نستوعب هذه البديهية فيما نحن نمارس شوفينيةً لم تزدنا إلا تنافراً وشكوكاً ؟ مسألة أخرى يثيرها الأستاذ جمال خاشقجى تتعلق بمضمون وتفاصيل الاتفاق هى الإمكانات المحتملة لكشوف نفط أو غاز فيقول « إن معرفتنا بأسلوب السعوديين فى التعاقد والتفاوض تشى بأنهم لا يتركون شاردة ولا واردة إلا ويحصيها الاتفاق. وقد حرصت المملكة على (اقتناص) اللحظات السياسية المناسبة لترسيم حدودها فكان لذلك (الدهاء) السعودى عوائده .. اقتناص ودهاء ؟!! كلمتان غير مناسبتين .فوراء كلمة (الاقتناص) إيحاء لا يخفى بأن الحالة التى تمر بها مصر كانت مناسبة لهذا الاقتناص ! هذا تشبيه خان قلم الأستاذ خاشجقى ولا أظن أنه يليق بالمملكة الشقيقة. على أية حال لا نوجه اللوم هنا للجانب السعودى الذى تصرف بما تمليه مصلحة الدولة السعودية، اللوم هنا يقع على الطرف الذى لم يطلعنا حتى الآن على مضمون وتفاصيل الاتفاق.

فى نهاية المطاف أتساءل فى دهشةٍ عن أى زمن هذا الذى نعيشه وهناك ١٢٠ مليون عربى فى مصر والسعودية يتنازعون جزيرة ترابط فيها قوات أجنبية متعددة الجنسيات ومحظور فيها أى تواجد عسكرى للدولة صاحبة السيادة على الجزيرة .. يحدث هذا فيما يلتقط رئيس الوزراء الاسرائيلى نيتانياهو على مرتفعات الجولان السورية المحتلة صورة تذكارية مع عصبة وزرائه معلناً فى غطرسة وعربدة أن هذه أرض إسرائيل إلى الأبد!!

قالوا.. العقل الشجاع هو القادر على مناقشة الفكرة دون أن يتقبلها.

المصدر: عالم القانون