العولمـــة والوحــدة الافريقيـة

السفير أحمد حجاج
الأمين العام للجمعية الافريقية

مجلة السياسة الدولية أكتوبر 2003 - العدد 154

حظيت ظاهرة العولمة وتأثيراتها الحالية والمستقبلية ، باهتمام الكثير من حكومات الدول المتقدمة والنامية ، فى حين لم تنتبه دول أفريقيا لظاهرة العولمة بالدرجة الكافية ، على الرغم من أن دول القارة هم أكثر المعرضين لمخاطر وتداعيات العولمة ، بسبب هشاشة اقتصاداتها ، التى لا تستطيع أن تصمد أمام تحديات العولمة.وقد فطن بعض القادة الأفارقة الى أن أفضل سبيل لمواجهة العولمة وآثارها المحتملة على القارة هو تفعيل التعاون الاقتصادى واقامة تكتلات اقتصادية قوية.والحقيقة أن افريقيا لها تجارب عديدة فى هذا المجال فى فترة ما بعد الاستقلال ، فقد كان هناك على سبيل المثال ، تجربة ناجحة تمثلت فى 'اتحاد شرق أفريقيا' الذى ضم كينيا ، وتنزانيا ، وأوغندا ، وكانت تجربة جيدة بكل المقاييس ، حيث كان للاتحاد عملة واحدة ، ولم تكن هناك قيود جمركية على حرية انتقال السلع والخدمات ورؤوس الأموال ، بل كان هناك بنك مركزى موحد ، ومؤسسات للسكك الحديدية والطرق...الخ.

ولكن هذه التجربة فشلت ، نتيجة لزيادة التنافس السياسى بين قادة هذه الدول ، واختلاف توجهاتها الايديولوجية ، فبينما اعتنقت كينيا النظام الراسمالى ، فقد تبنت تنزانيا ـ تحت حكم نيريرى ـ التوجه الاشتراكى ، وسيطرة القطاع العام على الاقتصاد.وقد أدى فشل هذه التجربة الى عدم تحمس الدول الافريقية لتطبيق تجارب مماثلة على المستوى القارى ، بالرغم من أن فترة السبعينات والثمانينات شهدت اتفاقات عديدة لانشاء تجمعات اقتصادية فى مختلف أنحاء القارة ، ابتداء من 'اتفاقية عمل لاجوس' ، التى أقرتها القمة الافريقية ، وكانت تهدف الى خلق سوق افريقية بحلول عام 2000 ، إضافة الى تجمع 'الايكواس' فى غرب افريقيا ، و'الايكاس' فى وسط القارة ، واتفاقية التجارة التفضيلية ، التى تحولت الى 'الكوميسا' فيما بعد وضمت دول شرق وجنوب افريقيا أساساً ، واتفاقية S A D K جماعة التنمية للجنوب الافريقى.وداخل هذه التجمعات تم إنشاء تجمعات صغيرة لا حصر لها ، ولكنها عانت من عدم التزام الدول الأعضاء فيها بتقديم الدعم اللازم ، وبالتالى عانت هذه التجمعات من نقص التمويل ، فضلاً عن عدم تطبيق الدول الأعضاء للقرارات الخاصة بخفض الرسوم وحرية انتقال العمالة .

والتجربة القائمة حالياً فى أفريقيا ، والتى يجب أن تتضافر الجهود لانجاحها هى اتفاقية 'أبوجا' المنشئة للجماعة الاقتصادية الافريقية ، التى حاولت أن تتفادى المشكلات والمعوقات التى مرت بها التجارب السابقة.وحتى تستفيد افريقيا من العولمة ، لابد أن يتم تحرير التجارة بين دولها ، وأن تزيد كل دولة استثماراتها فى القوى البشرية .أى الانفاق على التعليم والبحوث والصحة.كما يجب على افريقيا أن تطالب بالغاء جزء كبير من ديونها ، التى أصبحت بالفعل العائق الرئيسى أمام نمو اقتصاداتها ، وتطالب أيضاً بتعديل نظم وأداء المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية ، التى نشأت فى البداية لكى تكون فى خدمة الدول النامية أساساً ، ولكنها تحولت الى أداة للهيمنة والسيطرة لصالح الدول الكبرى.ومن الأمور التى يجب تعديلها ، وضع شروط جديدة للاقتراض من المؤسسات الدولية ، وتعديل نظم التصويت داخل هذه المؤسسات لمنع سيطرة الدول المتقدمة على حساب الدول الافريقية والنامية.

وقد اتفق قادة الاتحاد الافريقى الجديد على وضع برنامج مفصل لمواجهة ظاهرة العولمة وآثارها على القارة الافريقية ، وقدم هذا البرنامج فى مراحل مختلفة منذ اعداده فى صورته المبدئية منذ خمس سنوات ، الى أن تم التوصل الى الصيغة النهائية له فى أكتوبر 2001 فى أبوجا عاصمة نيجيريا ، وأطلق عليه اسم 'المشاركة الجديدة للتنمية الافريقية' ، باعتبار أن البرنامج يجب أن يكون افريقياً فى جوهره..وقد أكد الرؤساء خلال اجتماعاتهم على أن عدم قدرة افريقيا جزئياً على السيطرة على عملية العولمة ، يرجع الى العوائق التى تقف فى وجه النمو والتنمية ، فى صورة تدفقات رؤوس الأموال وشروط التجارة المجحفة.وفى نفس الوقت يجب الاعتراف بأن القيادات السياسية والاقتصادية فى الكثير من الدول الافريقية تتحمل جانباً من المسئولية ، حيث فشلت فى الادارة الجيدة للموارد ، ولم تستطع خلق البيئة المواتية لجذب مزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية.

منقووول للفائدة .
AlexaLaw