المفاوضات حول المناطق المهمشة فى السودان:المسار الموازى لمبادرة الايجاد

هانىء رسلان

مجلة السياسة الدولية - إبريل 2003 - العدد رقم 152

شكلت قضية المناطق الثلاث المهمشة ، 'جبال النوبة ، وإيبى ، والنيل الأزرق' ، أحد محاور الخلاف البارزة فى مفاوضات تسوية الأزمة السودانية ، بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والحكومة السودانية.وقد تصاعدت هذه القضية مع بدء الإعداد للجولة الثالثة من مفاوضات ماشاكوس فى مطلع العام الحالى ، لتمثل أزمة حادة هددت بانهيار عملية التفاوض برمتها ، وخاصة مع الانحياز الواضح الذى أبدته سكرتارية الإيجاد الى جانب الحركة الشعبية ، وخاصة فيما يتعلق بمناقشة قضية المناطق المهمشة وموقعها فى المفاوضات ، حيث أن مبادرة الإيجاد تقتصر على قضية الجنوب فقط ، ولكن وفد الحكومة السودانية فوجىء فى بداية الجولة الثانية من مفاوضات ماشاكوس فى 1/9/2002 بأن سكرتارية الإيجاد قدمت أوراقاً تحمل مطالب الحركة الشعبية ببحث مستقبل المناطق الثلاث.

وفى المقابل رفضت الحكومة السودانية بحث هذه القضايا تحت مظلة الإيجاد ، وإن لم تعترض على مناقشتها فى مسار مستقل خارج مبادرة الإيجاد.وبناء على ذلك ، انصرفت الجولة الثانية من مفاوضات ماشاكوس الى التفاوض حول قضيتى تقسيم الثروة والسلطة وفقاً لما جاء فى الاتفاق الإطارى ، وانتهت هذه الجولة بتوقيع مذكرة تفاهم نصت على أن تبدأ مفاوضات الجولة الثالثة من النقطة التى توقفت عندها المفاوضات.إلا أن سكرتارية الإيجاد قررت ، بناء على طلب الحركة الشعبية تغيير موعد الجولة الثالثة للمفاوضات التى كان مقرراً لها 6/1/2003 الى 15/1/2003 وذلك فى مدينة 'كارن' بكينيا ، دون التشاور مع حكومة الخرطوم أو إطلاعها على مبررات التأجيل ، الأمر الذى دفع الحكومة السودانية الى رفض حضور هذه الجولة ، والتأكيد على أنها ستشارك فى المفاوضات فقط فى حالة استئنافها من النقطة التى توقفت عندها فى18/11/2002

وإزاء هذا الموقف من جانب الخرطوم ، طرحت سكرتارية الإيجاد حلاً وسطاً تمثل فى تحديد موعد 22/1/2003 لاستئناف الجولة الثالثة من المفاوضات فى إطار مبادرة الإيجاد من حيث توقفت ، على أن يتم تحويل مفاوضات 'كارن' الى ندوة للتباحث حول المناطق المهمشة ، وأن يشارك فى هذه الندوة ممثلين عن الحكومة بصفة غير رسمية ، وقد انعقدت الندوة بالفعل فى شكل ورشة عمل بحضور خبراء من النرويج وسويسرا وبريطانيا.

وتتمتع المناطق الثلاث 'ابيى ، وجبال النوبة ، والنيل الأزرق ، بأهمية خاصة ، حيث تمثل خطاً فاصلاً بين الشمال والجنوب يمتد من الغرب الى الشرق ، وهى لاتمثل فاصلاً جغرافياً ، بل هى فاصل عرقى وبشرى ، بما يجعلها مرشحة الى حد كبير لأن تكون منطقة تلاق وتمازج تربط الشمال بالجنوب ، إلا أن قلة الموارد فى هذه المنطقة فى ظل كثير من التراكمات السياسية ، جعلتها بمرور الوقت معزولة ومهمشة.وتحاول الحركة الشعبية السعى الى توظيف واقع المنطقة فى الصراع الدائر بينها وبين الحكومة.وقد أعلن جون قرنق أن هذه المناطق المهمشة ليست تابعة للجنوب جغرافياً ، وأن ارتباط الحركة الشعبية بها هو ارتباط سياسى ، ومع ذلك يصر على مناقشتها فى المفاوضات ، وأن يكون لها حق تقرير المصير مثل الجنوب ، بعد فترة انتقالية مقدارها ست سنوات ، تختار بعدها هذه المناطق الطريقة التى تحدد بها مستقبلها فى إطار السودان ، ويصر كذلك على أن تكون العلاقة بين الدين والدولة أحد القضايا الرئيسية للتفاوض بشأن مستقبل هذه المناطق ، وهو ما يعنى أن قرنق يريد تطبيق مبادىء اتفاق ماشاكوس الاطارى الموقع فى 20/7/2002 عليها ، وهو الأمر الذى ترفضه الحكومة السودانية بصورة مطلقة.وتهدف الحركة الشعبية الى جعل هذه المناطق مستقلة عن الشمال أو متمايزة عنه على الأقل ، وقد تعتبرها جسراً سياسياً تعبر به نحو الشمال.

وفى إطار سياسة قرنق تجاه هذه المناطق المهمشة ، انعقد مؤتمر 'كادوا' التشاورى لأبناء جبال النوبة فى الفترة من 12 الى 15 فبراير 2003 ، وتمثلت أهم مقررات المؤتمر فى تفويض الحركة الشعبية لتحرير السودان تفويضاً تاماً لطرح قضية جبال النوبة كجزء لا يتجزأ من الحركة الشعبية لتحرير السودان ، وهو ما أعطى قرنق ورقة تفاوضية يستطيع أن يناور بها فى المفاوضات. وقد اتخذ المؤتمر طابعاً عنصرياً ، حيث اقتصر على أبناء جبال النوبة الذين ينتمون الى العرق النوبى دون غيرهم من أبناء وسكان هذه الجبال ، والذين ينتمون الى أعراق شتى.

وقد قام قرنق بعقد مؤتمر مشابه لمؤتمر 'كادوا' فى ولاية النيل الأزرق ، وأعلن من هناك تسميته للمنطقة باسم 'اقليم الفونج' وهو إحياء لمملكة قديمة فى تاريخ السودان. وقد كرر المؤتمر تفويض قرنق للتحدث باسم منطقة 'الانقسنا' والمطالبة بإسمها بنفس المطالب التى أعلنها مؤتمر 'كادوا' لمنطقة جبال النوبة.وفى 4 مارس 2003 ، تم عقد الجلسة الأولى للمفاوضات حول المناطق الثلاث بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية ، وذلك فى مسار منفصل عن مبادرة الإيجاد التى تدور حول مظلتها المفاوضات الخاصة بالجنوب ، وقد شاركت الحكومة بوفدين فى المباحثات ، الوفد الأول تفاوضى ، والوفد الثانى تشاورى ويضم أهل المناطق الثلاث ، وقد بدأت المفاوضات دون الإتفاق حول الأجندة الخاصة بها ، مما أدى الى اتساع هوة الخلافات بين الجانبين ، حيث أصرت الحركة الشعبية على إدراج قضايا تقرير المصير وعلاقة الدين بالدولة فى المحادثات ، فى حين رأت الحكومة أن البندين المتقدمين جزء من مبادرة الإيجاد التى لاينبغى تعميمها على مفاوضات المناطق الثلاث ، واقترحت الحكومة أن يتم التفاوض عبر ثلاث لجان مستقلة ، بحيث تكون لكل منطقة لجنة منفصلة ، فى حين أصرت الحركة الشعبية على دمج المفاوضات فى لجنة واحدة ، كما رفضت الحكومة حضور مراقبين من أوغندة وإريتريا ، باعتبار أن حضورهم فى المسار الرئيسى الخاص باتفاق ماشاكوس ، يرجع بالأساس الى عضويتهم فى منظمة الإيجاد الزراعية الرسمية ، أما مفاوضات المناطق الثلاث فلا يحق لهم الحضور فيها ، باعتبار أن هذه المفاوضات مختلفة وتتم وفقاً لمرجعية منفصلة تحت رعاية كينيا.

وقد انطلقت المفاوضات فى النهاية ، بعد موافقة الطرفين على اقتراح كينى بحصر التفاوض على أبناء المناطق الثلاث فى الحكومة والحركة ، عبر ثلاث لجان لمناقشة قضايا المنطقة ، وأن تتكون الأجندة فى كل لجنة من ثلاث نقاط رئيسية لبحث جذور المشكلة فى كل منطقة ، وتحديد طبيعة هذه المشكلة ، ومناقشة الحلول المقترحة من كل طرف ، وقد انتهت الجولة الأولى من هذا المسار التفاوضى المتعلق بالمناطق الثلاث بإحراز تقدم ملحوظ فيما يتعلق بلجنتى جبال النوبة ، والنيل الأزرق ، فى حيبن تعثرت لجنة 'ابيى' حيث لم يتم التفاوض بشأنها بسبب الخلاف حول حدود المنطقة، ففى حين اعتبرت الحركة الشعبية أن الحدود تقتصر على مدينة 'ابيى' وما حولها لتشمل بالأساس قبيلة 'الدينكا نقوك' ، فقد رأت الحكومة السودانية أن المنطقة من الناحية التاريخية تتجاوز بكثير هذا التوصيف ، وتشمل قبائل أخرى.

منقووول للفائدة .
AlexaLaw