فرنسيون وأفارقة..أو اللقاء مع الآخر

د.عبدالحميد الضهاجى


مجلة السياسة الدولية - إبريل 2003 - العدد رقم 152

على مدى التاريخ الطويل للعلاقات الفرنسية الأفريقية ، استمر الاعتقاد الفرنسى السائد بأن المجتمعات الأفريقية تتسم بالفوضى والتوحش والافتقار الى المعايير الأخلاقية التى تتحكم فى التنظيم الاجتماعى.ولم يكن هذا الموقف الفرنسى فريداً أو منعزلاً ، بل كان جزءاً من موقف الغرب بأكمله.والتجربة الفرنسية فى مستعمراتها الأفريقية واحدة من جملة تجارب الأمم الأوربية التى أنشأت هى الأخرى إمبراطوريات إستعمارية ومارست الرق. وقد ساهم فى تكريس هذا الفهم عدد من العوامل ، أهمها الروايات التى خلفها الرواد والرحالة والمستكشفون ، بالإضافة الى الكتابات الإثنوغرافية والتاريخية التى دونها العسكر.

لقد كان المتصور أن يؤدى توسيع الصلات الأوربية عموماً ، والفرنسية على وجه الخصوص مع أفريقيا الغربية ، الى ازدياد المعرفة بالمنطقة.وهى معرفة إن كانت فى معظمها جغرافية الطابع ، فإنها لم تخل مع ذلك من العناصر الخاصة بالشعوب وثقافتها ، فانصب الاهتمام على فحص ما تراكم فى ذهنية المدنية الغربية من صور ومواقف ومطابقة صحته على أرضية الواقع ، ومعاينة العادات والتقاليد والأعراف والأنظمة والطقوس الدينية والاجتماعية ، والوقوف خاصة على الصفات الجسمانية التى تميز الفرنسى عن الافريقى.

وقد أعادت هذه التجربة اجترار الصور القديمة والأحكام السابقة المتوارثة عن القرون الماضية ، واستمرت النظرة الفرنسية الى الأفريقى على أنه كسول وشهوانى ومتوحش، وتكتسب هذه الصور فى فكر 'الأبيض' أهمية خاصة لأنها ستصبح نموذجاً للصور اللاحقة ، وكلما زاد اكتشاف الاختلاف الثقافى والاجتماعى والسياسى ، كلما زاد التعبير عن الاستصغار والاحتقار حدة.

لقد قام الاستعمار الفرنسى فى أفريقيا جنوب الصحراء على أيديولوجية تؤمن بتفوق '***** الأبيض' ونبوغه الفكرى والعلمى ، ونجاحاته العسكرية ، وقدرته على تطويع الطبيعة فى أفريقيا وتنمية مقدراتها ، لكنها تمحو فى المقابل من سجل المنطقة كل إبداع مشهود أو آثار رفيعة.وبصفة عامة ، فإن المواقف الفرنسية تجاه الشعوب غير الأوربية عموماً ، والافريقية على وجه الخصوص ، تأثرت بتيار مدرستين أثارت طروحاتهما فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر الكثير من الجدل.المدرسة الأولى تطورية ،تربط التطور الحادث فى ثقافات وحضارات الشعوب بتأثيرات البيئة والمحيط.أما المدرسة الثانية ، فهى عنصرية ، وترى أن العرق هو الذى يحدد تطور الشعوب ، وتعتمد فى تفسير نظريتها ، ليس على الأيكولوجيا كما هو الشأن بالنسبة للمدرسة الأولى ، وإنما على البيولوجيا.وقد لاقى هذا التيار الأخير نجاحاً ، لاسيما وأنه أحاط أعماله بإثباتات علمية ، مفادها أن '***** المنحط' يتميز بلون بشرته ، وحجم وشكل جمجمته ، وأخيراً بضعف مكوناته الثقافية.ومن هذا المنظور إتضح أنه لا يمكن المساواة بين ***** الأبيض والجنس الأسود ، وأن أفريقيا جنوب الصحراء مازالت فى مستوى دونى ومنحط.

وخدمة للأيديولوجية الاستعمارية دائماً ، خضعت الصفات الجسمانية للأفارقة لهذه النظرة الضيقة ، وقيست للأسف بالمعيار الجمالى المعمول به فى أوربا ، فاقترنت فى صورة كاريكاتيرية ، المميزات الجسمانية للأفريقى بفكرة الإنحطاط.وأصبح اللون الأسود فى استعارات الأدبيات الفرنسية تعبيراً عن كل ما يوحى بأنه سلبى وخطير.وقد كشفت تطورات الحربين العالميتين الأولى والثانية وما تلاهما ، ما بذل من جهود مكثفة من جانب الأفارقة لمحاربة هذه الأحكام الضيقة وإثبات الكيان التاريخى المميز للقارة الافريقية ، وإعادة كتابة التاريخ الذى كتب ضدهم بأيدى غيرهم

منقووول للفائدة .
AlexaLaw