تكلــفة الفســـاد فى روسيــا

مــى قــابيل


مجلة السياسة الدولية العدد رقم 143 - يناير 2001

تعتبر روسيا هى النموذج الواضح لتأثير الفساد على مكانة الدولة وقدراتها ، وكيف يمكن أن يساعد على تحول دولة عظمى كانت تنافس الولايات المتحدة على زعامة العالم لمدة نصف قرن ، الى دولة تكافح بصعوبة بالغة لتضمن بقاءها.لقد بدأت روسيا سياستها الاصلاحية فى عام 1992 متبنية مفهوم التحول السريع الذى اعتمد على تحرير الأسعار ، وتعديل النظام الضريبى ، وخصخصة الملكية العامة.كما بدأت فى التعاون مع المؤسسات المالية الدولية للحصول على المساعدات اللازمة للاصلاح.


لكن نتائج هذه السياسة كانت وخيمة ، حيث أدى التحول السريع أو ماسمى 'العلاج بالصدمات' الى تدهور الناتج المحلى وتزايد عجز الموازنة ونقص الاستثمارات كما شهدت عملية الخصخصة درجة عالية من الفساد ، حيث بيعت ممتلكات الدولة بأسعار زهيدة لفئة ضيقة من رجال الأعمال المرتبطين بالسلطة.كما تفشى الفساد فى الجهاز الادارى ، وأصبح الدخل غير المشروع من الضروريات بالنسبة للموظف.


وتأزم الوضع بوجود علاقة تشابك مصلحى بين الفساد والجريمة المنظمة فى روسيا ، فقد وجدت الجريمة المنظمة فى روسيا قبل عملية التحول ، لكنها نمت بحيث أصبح هناك إحتمال أن تصير روسيا دولة تسيطر عليها المافيا.وساهم فى تفاقم المشكلة عدة عوامل مثل تردى مستوى معيشة معظم فئات الشعب الروسى ، و استمرار مركزية الدولة رغم وجود اصلاح يفترض أنه ليبرالى ، بل أن حكم الرئيس الاسبق يلتسين قد تعاون مع جماعة الأثرياء الجدد ، الذين كونوا ثرواتهم من الفساد وهم المستفيدون الرئيسيون من استمراره ، واحتضنهم حتى اصبحوا مصدر تهديد للاقتصاد.


ولاشك أن جهود محاربة الفساد فى روسيا وكسر هذه الشبكة المعقدة ، تستلزم عدة أمور ، من بينها القيام باصلاح تشريعى وضريبى شامل ، والعمل على إعادة هيبة الدولة بصفتها الحامية لمصالح المواطنين ، وإعادة الهيبة لمفاهيم حكم القانون والمساواة بما يعيد الثقة للمواطن ، وتحسين الأحوال المعيشية ، مع خلق مؤسسات تسمح بمشاركة المواطنين فى قضايا الوطن، والتزام الحكومة بالشفافية وإتاحة المعلومات الكافية والدقيقة عن أحوال الاقتصاد الروسى