كوريا الجنوبية انجاز اقتصادى وارتباك سياسى

نزيرة الأفندى

مجلة السياسة الدولية يوليو 2002 - العدد رقم 149


توافق إجراء الانتخابات المحلية والبلدية فى كوريا الجنوبية فى الثالث عشر من يونيو 2002، مع مباريات كأس العالم لكرة القدم والذى نجحت 'سيول' فى استضافته بالمشاركة مع 'طوكيو' بل ونجاحها فى تحقيق فوز رياضى لأول مرة منذ 48 عاما، وطرح الذات الكورية على الصعيد العالمى من خلال التقدم التكنولوجى والبث الإعلامى، وبما يتجاوز ما حققته فى عام 1988، عندما استضافت دورة الألعاب الأوليمبية.

إلا أن هذا التوافق الزمنى، تضمن 'مفارقة' على الصعيد السياسى فى ظل نتائج الانتخابات المحلية، والتى كانت بمثابة مؤشر يعتمد عليه لتوقعات الانتخابات الرئاسية المقرر عقدها فى شهر ديسمبر القادم، حيث أظهرت النتائج الفوز الواضح لمرشحى حزب المعارضة 'الحزب الوطنى' فى مواجهة مرشحى الحزب الحاكم وهو 'الألفية الديمقراطية' الذى كان يتزعمه الرئيس الحالى 'كيم داى جونج'، وتخلى عنه لعنصر الحياد فى الانتخابات القادمة، والتقليل من أثر قضايا الفساد التى تفجرت مؤخرا.

وثمة مجموعة من المفارقات فى هذا التوافق. فقد كان انعقاد المونديال شهادة جدارة دولية للاقتصاد الكورى دفعت به إلى جانب الاقتصاد اليابانى بل وتجاوزته. إلا أن المونديال أثر فى جزء منه - على نسبة توجه الناخبين للإدلاء بأصواتهم فى الانتخابات المحلية والبلدية. وقد كان الحزب الحاكم 'الألفية الديمقراطى' هو الخامس الأساسى نظرا لتركز أنصاره فى الفئات العمرية صغيرة السن وتحديدا الشباب.

وإذا كانت القدرات الاقتصادية هيأت استضافة 'المونديال'، إلا أن انهيار الشعار الذى رفعه حزب 'الألفية الديمقراطى' لمواجهة الفساد، نتيجة تصاعد قضايا الفساد التى تحوط الحزب وأسرة الرئيس 'كيم داى جونج' ومعاونيه، أدت إلى النتائج السلبية لأداء الحزب سياسيا.

يضاف إلى ما سبق المفارقة بين الأداء للاقتصاد الكلى الكورى، بينما الحياة السياسية والحزبية لازالت موزعة بين العصبيات والأقاليم والمقاطعات. إلى جانب المواقف التى اتخذها 'رجال الأعمال' قبل الانتخابات والداعية إلى دعم سياسة اقتصاد السوق واختيار المرشحين طبقا لها، بينما كانت سياسة الرئيس 'كيم داى جونج' الاقتصادية، هى الجسر الذى عبرت عليه الشركات الكورية العملاقة 'الشيبول' الأزمة المالية عام 1997، وأزمة ما بعد 11 سبتمبر 2001. وأخيرا المفارقة بين العولمة ممثلة فى 'المونديال' ونقله عالميا عبر التكنولوجيا الرقمية الكورية، وبين الانتقادات التى توجه الى سياسة 'كيم داى جونج' تجاه كوريا الشمالية والتى تعرف باسم 'شروق الشمس'. وهى انتقادات جمعت ما بين المعارضة ممثلة فى الحزب الوطنى وحزب 'الديمقراطيين التحرريين'، وبين الولايات المتحدة الأمريكية، وبذلك تكون كوريا الجنوبية قد حققت إنجازا اقتصاديا بينما هى فى حالة 'ارتباك سياسى' قاصر عن ملاحقة هذا الإنجاز.

ويتمثل الإنجاز الاقتصادى فى معدلات الأداء والمؤشرات المرتفعة لمعدل نمو الناتج المحلى الإجمالى، وكذلك فائض الميزان التجارى وميزان المعاملات الجارية واحتياطى النقد الأجنبى بعد اجتياز أزمة 1997، وتجاوزها كافة النمور الآسيوية الأخرى بل واليابان جارتها العملاقة. ودعم هذا الأداء بعد أزمة أحداث 11 سبتمبر 2001، على النقيض من جارتها الآسيويات ومعظم دول العالم، حيث ارتفع احتياطها من النقد الأجنبى إلى 102 مليار دولار بعد سداد الديون المستحقة لصندوق النقد الدولى والمقرضين الدوليين. كذلك تزايد تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية الى الضعف -24 مليار دولار قبل عام 1997، الى 52 مليار دولار عام 2001، واستعادة قوة العملة المحلية 'الوون' وازدهار القيمة الرأسمالية لبورصة 'سيول' بنسبة 48.5% بعد أحداث سبتمبر مما أدى إلى جذب المزيد من التعامل الأجنبى فى البورصة، بينما تعانى 'اليابان' مناستمرار الركود وانخفاض الاستهلاك المحلى مع تزايد العجز المالى مقارنة بالناتج الإجمالى المحلى.

ولكن الارتباك السياسى والذى ترجم فى نتائج الانتخابات المحلية والبلدية يعد جزء من حلقة مفرغة أكثر إتساعا ، حيث أن الآراء انقسمت إزاء سياسة المصالحة تجاه كوريا الشمالية. وكذلك إزاء سياسة 'سيول' تجاه كلا من 'اليابان' و 'الصين' وأيضا روسيا، فعلى الرغم من العائد الاقتصادى الذى يعود على كوريا الجنوبية من هذا الانفتاح، إلا أن أحزاب المعارضة تركز على ذكريات الحرب الباردة وفترات الاستعمار اليابانى السابقة، بالإضافة الى تأييد الموقف الأمريكى الذى وصف كوريا الشمالية بأنها إحدى دول محور الشر، الذى يضم أيضا كل من إيران والعراق. يضاف إلى ما سبق تزايد قضايا الفساد التى تلاحق الأحزاب جميعا بما فى ذلك حزب 'الألفية الديمقراطى' الذى رفع شعار محاربة الفساد