بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

العدول المعفي من عقاب الشروع

إذا كان عدم حصول النتيجة مرجعه إلي الإرادة الحرة لشخص الجاني ومحض اختياره فإننا نكون بصدد "العدول الاختياري" المعفي من عقاب الشروع وقد رأي شارعنا إعفاء الجناة من العقاب علي ما شرعوا فيه من جرائم إذا هم توقفوا بإرادتهم الحرة عن مواصلة ما بدأوه من سلوك مجرم أو تدخلوا بإرادتهم هذه للحيلولة دون وقوع نتيجة هذا السلوك المحظورة ولو بعد تمامه 0

( شروط العدول المعفي )

يجب أن يتوافر شرطين:


الشرط الأول: أن يكون العدول اختياريا

ويكون كذلك إذا كان نابعا من إرادته الحرة غير متأثر في ذلك بأي عامل خارجي يحمله علي هذا العدول بصرف النظر عن باعثه في هذا العدول فسواء أن يكون باعث الجاني هو التوبة أو الندم أو خشية الله أو الخوف من العقاب أو العار الذي تجلبه المحاكمة له ولذريته أو غير ذلك وعدول الجاني لا يكون اختياريا ولا يفيده بالتبعية من الإعفاء من العقاب إذا كان مرجعه عوامل خارجية حملته علي عدم إتمام سلوكه أو حالت دون وقوع نتيجة كرها عنه 0


** يوجد بين الاختيار المحض للعدول وبين الاضطرار الملجئ له توجد حالات وسطية بينهما يكون العدول فيها مزيجا بين الاختيار والاضطرار ويتحقق ذلك في الأحوال التي تتدخل عوامل خارجية لا تعدم إرادة الجاني ولكنها تؤثر عليه بقدر أو بأخر وتجعله يعدل عن إتمام الجريمة فهل يعد الجاني في مثل هذه الأحوال قد عدل باختياره ويعفي من عقاب الشروع أم أن عدوله اضطراريا لا يفيده في هذا الخصوص وانقسم الفقه في ذلك إلي اتجاهات ثلاثة:


1- عدم الإعفاء من عقاب الشروع في هذه الأحوال

2- الإعفاء من العقاب

3- ترجيح العامل الأقوى في العدول وتقدير هذا الترجيح مسالة موضوعية يقدرها قاضي الموضوع بحسب ظروف كل حالة وعند تعذر ترجيح أي من العاملين اقوي أثرا في العدول يعتبر العدول اختياريا إعمالا لقاعدة تفسير الشك لمصلحة المتهم 0

ويميل أ0د/ نجاتي سند إلي الأخذ بالاتجاه الأخير لاتصافه بالاعتدال والموضوعية في حل هذا الموضوع وتماشيا مع اصل من أصول الفكر الجنائي وهو وجوب تفسير الشك لمصلحة المتهم باعتبار أن الأصل فيه هو البراءة 0




الشرط الثاني: أن يحدث العدول سابقا علي تمام الجريمة

إذا كان الجاني قد أدرك هذه المرحلة النهائية من مراحل الجريمة فلا يقبل منه عدولا في معني الإعفاء من العقاب , فهذا ليس عدولا معفيا من العقاب وإنما هو من قبيل "التوبة الايجابية" التي لا اثر لها, وان جاز للقاضي اعتبارها ظرفا قضائيا مخففا للعقاب 0

أما قبل إتمام الجريمة فان العدول المعفي من العقاب يكون متصورا ويكون متصورا بعد البدء في التنفيذ وقبل تمام الجريمة في صورة الجريمة الموقوفة عندما يتدخل الجاني بإرادته الحرة ولا يكمل ما يكون قد بدأه من سلوك مؤثم ويكون العدول كذلك مقصورا في صورة الجريمة الخائبة عندما يتم الجاني سلوكه ولكنه يتدخل ويبطل اثر هذا السلوك وعلي ذلك فانه يعتبر قد عدل عدولا معفيا من العقاب 0

إن توافر شرطا العدول الاختياري وان كان يعفي من العقاب علي الواقعة بوصفها شروعا في الجريمة , فان ذلك لا يمنع من مسائلة الجاني عن فعله بوصف جريمة أخري متي توافرت فيه عناصرها بطبيعة الحال 0

طبيعة العدول المعفي من العقاب

ذهب البعض إلي اعتبار العدول الاختياري سببا نافيا لصفة عدم المشروعية عن الواقعة لأنه بذلك يكون لازما لقيام الركن المادي في الشروع وهو "عدم ارادية تخلف النتيجة" وذهب البعض الأخر إلي اعتباره عذرا معفيا من العقاب أو مانعا من موانعه لأنه يطرأ لاحقا علي البدء في التنفيذ المكون للشروع أي بعد استحقاق المسئولية الجنائية عنه 0


ويميل أ0د/ نجاتي سند إلي الرأي الأخير نظرا لواقعية وعقلانية نتائجه وإذا نظرنا إلي العدول الاختياري باعتباره مانعا من العقاب أو عذرا معفيا منه لما لهذا الأخير من اثر شخصي لا يفيد إلا صاحبه 0