قانون حركة المرور الجديد 2010 (مسخ مشوه) و(وجه قبيح)

قانون حركة المرور 2010م ذلك المسخ المشوه
تسلمت أمس الأول نسخة من قانون حركة المرور سنة 2010م، ولم أطلع على نصوصه إلا قبل كتابة هذا المقال بدقائق معدوة، وليتني لم أطلع على ما حواه القانون من إضطراب مخل وصياغة ركيكة وتكرار ممل ومتعارض بين المواضع المختلفة التي ورد فيها التكرار. ولقد أسفت أشد الأسف للوضع القانون المتردي الذي صرنا إليه في السودان من حيث الصياغة والحكمة التشريعية التي إفتقدها المشرع عندنا في السودان. فلا صياغة سلسة منضبطة تعينك على فهم وإستيعاب النصوص، ولا مراعاة لاساسيات التشريعات وما تقتضيه من ضرورة إستصحاب المسلمات والأعراف الدولية، ولا عناية بتصور إمكانية تطبيق التشريع من الناحية العملية.
لكن أكثر ما أحزنني من تدهور الوضع التشريعي في السودان، هو تلك البدعة القبيحة التي إستنها المشرع وإبتدعها في التشريع الجديد. فقد ورد بالمادة 3 (تفسير) أن الوزير، يقصد به وزير الداخلية (حتى هنا لاغرابة فالأمر طبيعي). وقد نص التشريع في المادة 1/65 على أن تنظر دعاوى المرور امام محاكم المرور المختصة وتفصل المحكمة في النزاع كاملاً بشقيه المدني والجنائي في مواجهة جميع أطرافه(وهنا ايضاً لا غرابة).
لكن لننظر إلى المادتين 63 و67 من القانون. فقد نصت المادة 63 على أنه: "كل من يرتكب مخالفة لأحكام هذا القانون أو اللوائح الصادرة بموجبه، يعاقب بالجزاءات التي تحددها لائحة التسويات الفورية !!" والسؤال الذي يجب أن يثار هنا .. ماهي لائحة التسويات الفورية ؟ ومن الذي يصدرها ؟
هذه المسائل أجابت عليها المادة 67 من القانون حيث جاء فيها: " 1/ يصدر الوزير، بالتشاور مع وزيري العدل والمالية والإقتصاد الوطني لائحة التسويات وتكون ملزمة لمستويات الحكم المختلفة.
2/ تحصل وتورد التسويات الفورية وفقاً لما تحدده اللوائح" !!
وهناك تساؤل آخر يقفز من بين مضمون النص .. ماهي هذه اللوائح ومن الذي يصدرها ؟
أجابت عن ذلك المادة 70/1 حيث جاء فيها: "يجوز للوزير بالتشاور مع الجهات المختصة، إصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ أحكام هذا القانون".
سأقف عند هذه النصوص للتعليق عليها، على أن تكون هناك عودة أخرى للتعليق على بقية المآخذ العديدة التى شابت القانون.
لا خلاف أن الوزير (اي وزير الداخلية) واحداً من أفراد السلطة التنفيذية، وأن المحاكم من السلطة القضائية، والبديهي أن السلطة التنفيذية تنفذ أحكام وأوامر السلطة القضائية (فهذا هو الوضع الطبيعي) لكن التشريع المبتدع، قلب هذه الأساسيات رأساً على عقب، فجعل الالسلطة القضائية منفذاً لأوامر السلطة التنفيذية !!
لأن التسويات الفورية (أو كما سميت) من أوامر وزير الداخلية الذي يتشاور فيها مع وزيري العدل والمالية!!
وبذلك فإن على المحاكم أن تنفذ رغبات السلطة التنفيذية على نحو ما جاء بالنص (...... بالتشاور مع وزيري العدل والمالية والإقتصاد الوطني لائحة التسويات وتكون ملزمة لمستويات الحكم المختلفة.)
وبالرغم من أن النص أشار إلى أن اللوائح ملزمة لمستويات الحكم المحلي، إلا أن ذلك يعني أن تلك المستويات من الحكم لا تستطيع تعديل اللائحة، وبالتالي يجب على المحاكم الواقعة في إقليمها الجغرافي أن (تنصاع) لتطبق هذه اللوائح على كل من يرتكب مخالفة وذلك بمقتضى المادة 63 "كل من يرتكب مخالفة لأحكام هذا القانون أو اللوائح الصادرة بموجبه، يعاقب بالجزاءات التي تحددها لائحة التسويات الفورية !!"

كان من الأولى أن تترك مسألة تحديد عقوبات المخالفات (كغرامة) للتشريع نفسه على أن يكون النص عليها كعقوبة غرامة يترك أمر تقديرها للمحكمة التي نظرت الواقعة محل النظر وبالتالي تكون لها مكنة تقدير العقوبة وملائمتها للجرم أو المخالفة المنسوبة للشخص الذي يحاكم أمامها، وهو الأمر البديهي والطبيعي، لا أن يكون تقدير العقوبة من جانب السلطة التنفيذية وبأمر منها، لأن ذلك تعد على سلطة القضاء وتدخل قبيح وشنيع في مهامه وطعن في إستقلاليته.
أضف إلى ذلك أن المحاكم منوط بها الفصل في الخصومات، لا السعي للوصول إلى تسويات !! فمنذ متى كان القضاء (بيت جودية أو راكوبة كما يقول أهل دارفور ؟؟)
إن على المحاكم أن تفصل في النزاع بحيادية وتجرد، لتصل في نهاية المطاف إلى أحد أمرين لا ثالث لهما، فإما أنها وصلت إلى قناعة بعدم وجود ما يؤدي إلى الإدانة فتشطب الدعوى أو تقرر البراءة، أو أنها وصلت إلى ضرورة الإدانة وعليها وقتئذ أن توقع العقوبة وفق تقديرها، لا أن توقع تسوية وفق هوى الوزير الداخلية ووزير العدل والمالية.
هنيئاً لمشرعنا بهذا المسخ الذي يشبه فكره الخاوي وضعفه القبيح.
ربما أعود للتعليق على بقية النصوص على النحو الذي أشرت إليه في بداية المقال، وربما لا أعود، فإن كانت الأخيرة، فإنني أعزي السبب مقدماً إلى عدم قدرتي على إحترام المشرع (على نحو ما يفترض) وشعوري برغبة عارمة في التقيؤ من تعفن الأفكار والنوايا التي صاحبت مولد التشريع (الذي ولد ميتاً في نظري).
وكفى.

منقووول للفائدة
.aiman_200020