دور المحامين في نشر الثقافة
د. حوراء موسى
استغل عدد من المحامين وسائل التواصل الاجتماعي في نشر الثقافة القانونية، إسهاماً منهم في الاستخدام الأمثل لتلك الوسائل التي جعلت العالم بين يديّ المستخدم ليتصفح تارة المنشورات السياسية وتارة الاقتصادية وتارة الطبية .. إلخ.
هذا وقد يقع المستخدم ذاته تحت طائلة المسائلة القانونية أياً كان نوعها مدنية أم جنائية أم إدارية جهلاً منه بأحكام القانون، الأمر الذي يجعل من قيام المحامين بنشر الثقافة القانونية أمر غاية في الأهمية.
فعلى سبيل المثال قد تكون هناك واقعة أثارت الرأي العام غضباً واستنكاراً، فيجد المحامي نفسه أمام سيل من الأسئلة حول مدى تجريم هذا السلوك، كما أنه يلاحظ قيام غير المختصين بالإفتاء القانوني الخاطئ من خلال إباحة أو تجريم سلوك ما أو إعطاؤه وصفه غير القانوني.
هنا يتمثل بل يتوجب على المحامي التدخل لتصحيح الأخطاء وإعطاء الوصف القانوني السليم للواقعة، والإشارة للنصوص القانونية التي تحكمها، وبيان مدى إمكانية المسائلة ونوعها خصوصاً ما إذا كانت جنائية، مع الاستدلال بأحكامٍ قضائية سابقة جرمت وقائع مماثلة.
إلا إن البعض انتقد دور المحامين في نشر الثقافة القانونية عبر وسائل التواصل الاجتماعي خاصة الجنائية منها مدعين بذلك شغفهم في التجريم، وتحديداً فيما يرون بأنه يدخل ضمن إطار الحريات الشخصية، وفي هذا الإطار أود أن أؤكد على أن المحامي في قضاياه كافة يمكنه أن يكون ممثلاً قانونياً عن أي من أطراف الدعوى مدعياً أم مدعى عليه دون أدنى إشكالية، وهذا أمر بديهي مستمد من مفهوم وطبيعة مهنة المحاماة، وأُفضِّل ألا أطيل في تلك الجزئية هنا كونها تحتاج إلى شيء من التفصيل الذي لا يسعه المقال.
وفي المقابل، ينبغي ألا يقوم المحامي بنشر ما يفيد إباحة السلوك الذي قد يشكل جريمة أو استسهالها، أو كيفية التنصل من المساءلة الجنائية، ذلك فإن دفاع المحامي عن المتهم يكون في قاعة المحكمة وليس عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وإلا فإنه سينسب إلى المحامي في هذه الحالة تحبيذ أو استحسان ارتكاب سلوكيات قد تشكل جرائم فعلاً، وهذا أمر يتنافى ومبادئ مهنة المحاماة، فما دام السلوك تدور حوله شبهة التجريم على أقل تقدير؛ حينها ينبغي على المحامي تحذير العامة من الوقوع في مغبة ذلك، من خلال الإشارة إلى النصوص القانونية التي تحكم الواقعة والأحكام القضائية السابقة الصادرة بشأن وقائع مماثلة.
لذا فإن دور المحامي في نشر الثقافة القانونية خصوصاً الجنائية ليس شغفاً بالتجريم بقدر ما هو تحذير وردع من قد تسول له نفسه ارتكاب سلوكيات قد توقِعهُ تحت طائلة المساءلة الجنائية.
كذلك قد يقوم المحامي بتناول بعض قضايا موكليه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي قد لا تشكل واحد في المئة من قضاياه، والملاحظ أن المحامي لا يتناول عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلا بعض القضايا الماسة بالمجتمع بشكل مباشر، والتي تشكل وقائع حقيقية لا من وحي الخيال، ناصحاً ومحذراً أفراد المجتمع من الوقوع فيها.
وينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار أن القضايا التي يتحدث عنها المحامي عبر وسائل التواصل الاجتماعي تتسم بالبساطة نوعاً ما بالنسبة لعموم قضاياه، كقضايا السب والقذف والاعتداء على الخصوصية والإيجارات وعقود العمل والحضانة والطلاق للضرر والتأمين على المركبات والشيكات وتعاطي المواد المخدرة وحماية المستهلك، في حين أن القارئ لن يجد محامٍ ينشر الوعي القانوني لعامة الناس غير المتخصصين بشأن عقود نقل التكنولوجيا على سبيل المثال وغيرها من الموضوعات القانونية الدسمة المتخصصة، والتي لا تمس عامة أفراد المجتمع مباشرة أو لا تثير اهتمامه على أقل تقدير.
وأخيراً ينبغي التأكيد على أن نشر الثقافة القانونية حق وواجب، فهو حق للأفراد وواجب على المحامي.
المصدر: عالم القانون