النيابة العامة .. خصم شريف

المحامية حوراء موسى
تعد النيابة العامة الأمينة على الدعوى العمومية، وهي الوحيدة التي يحق لها تحريك الدعوى الجزائية أمام القضاء عن الجرائم أياً كان نوعها، وتجمع النيابة العامة بين سلطتي التحقيق والاتهام بصفتها ممثلة المجتمع، فهي الجهة التي أناط بها المشرع اتخاذ الإجراءات اللازمة بواسطة أحد أعضائها، ومن يخولهم بالتحقيق في الجرائم واتخاذ الإجراءات ذات الصلة كالمعاينة والتفتيش وضبط الأشياء المتعلقة بالجريمة ورد الأشياء المضبوطة والتصرف فيها وسماع الشهود وندب الخبراء والاستجواب والمواجهة، والتكليف بالحضور واستصدار أوامر القبض والإحضار والحبس الاحتياطي والإفراج المؤقت والتصرف في التهمة والدعوى.
وأيضاً يكون للنيابة العامة الحق في تقديم مرافعتها أمام المحكمة والمطالبة بتطبيق أشد العقوبات على المتهم، والاعتراض على بعض الأسئلة الموجهة من محامي المتهم، وذلك بصفتها طرفاً في الدعوى وخصماً للمتهم كونها تمثل المجني عليه باعتباره أحد ركائز المجتمع.
كل ما سبق هو الدور السائد والمعروف للنيابة العامة، والذي اشتُهرت به على مرّ تاريخها، إلا أن هناك دوراً للنيابة العامة في الدعاوى الجزائية قلّما تم التطرق له بسبب الفكرة المشاعة عنها وهي أنها خصم للمتهم، ألا وهو دورها في الطعن لمصلحة المتهم أو المطالبة ببراءته من التهمة التي هي نفسها قامت بإسنادها إليه.
إن النيابة العامة في حقيقة الأمر تلعب دوراً أساسياً للمحافظة على النظام العام في الدولة وتدافع عنه وتحميه، ومن ركائز هذا النظام العام أن الأصل في الإنسان البراءة، ومتى حركت النيابة العامة الدعوى الجزائية ضد المتهم وأحالته للمحكمة المختصة، فمن حقها في المقابل أن تطالب ببراءته متى ظهرت أدلة قوية تستدعي ذلك، وليس في موقفها هذا تناقضاً، إذ كما أشرنا أن النيابة العامة ما هي إلا ممثلة للمجتمع، ودورها في الدعوى الجزائية إنما تقوم به بصفتها خصماً شريفاً فيها، فلا تفجر في الخصومة كبقية الأطراف في الدعاوى الأخرى، ولا تستمر على باطلٍ تكشّف لها أمره أثناء المحاكمة، وكمبدأ فإنه لا يجوز للنيابة العامة أن تترك الدعوى الجزائية، إلا أنه لا يوجد في المقابل ما يمنعها من التراجع عن موقفها بإدانة المتهم والمطالبة مجدداً ببراءته، ويبقى حينها للمحكمة أن تصدر قرارها وفقاً لما تطمئن إليه.
كذلك يكون للنيابة العامة الطعن لمصلحة المتهم كونها تمثل الصالح العام وتسعى إلى تحقيق موجبات القانون للمحافظة على الضمانات التي فرضها لمصلحة المتهم متى تبين لها وجود خطأ أو بطلان في الإجراءات، رغبة منها في أن تُبنى الأحكام على إجراءاتٍ صحيحة غير مشوبة.
نعم، هذا الدور الذي قد تمارسه النيابة العامة إنما تمارسه ليس باعتبارها مجرد خصم فقط، إنما هي خصم شريف في الدعوى الجزائية، فمتى تبين لها بعد الإحالة أدلة قوية على براءة المتهم فلها أن تطلب من المحكمة أن تقضي ببراءته دون أن تنتظر من المتهم أو من ينوب عنه المطالبة بذلك، كما لها أن تطعن لمصلحته أيضاً، وذلك من منطلقات أنها ممثلة المجتمع والأمينة على الدعوى العمومية.
المصدر: عالم القانون