الاحتشاد البحري من تركيا واليونان في محاولة لجلب الحرية إلى غزة، ليس هدفاً مقصوراً على توصيل المعونات؛ لأن المعونات لغزة جزء من احتياجاتها المادية، وقد اتجهت مصر مشكورة إلى تسديد هذا الجانب، ولكن يبدو أنها تراجعت، تحت الضغوط، عن مجرد استقبال الأسطول في العريش، وتفريغ حمولته إلى غزة، على أساس أن هدف الحملة المعنوي والسياسي قد تحقق بلفت النظر إلى إصرار "إسرائيل" دون أدنى حق قانوني أو مسوغ أخلاقي على إبادة سكان غزة أمام العالم كله، بعد أن فشلت المحرقة في كسر إرادة البقاء والاختيار لديهم.
والحق أن العالم العربي والعالم كله يفرق بين رفع الحصار وبين كسر الحصار. فالحصار جريمة لا شك، كما أنه غير مسبوق، ولا يقع فقط على الحدود وإغلاقها وإحكامها، ولكنه يقع على النفوس، برسالة واضحة مفادها أن "إسرائيل" عازمة على إبادة غزة، ما دام البحر لم يستجب لرجاء بيريز بابتلاعها، ولعله يبتلع بقية الفلسطينيين حتى تخلو فلسطين كلها لليهود. فرفع الحصار يتم بضغط دولي لم يوجد حتى الآن، وعربي لا يتصور بسبب حالة الدهشة أو التواطؤ، إذن يتم بقرار إسرائيلي. وما دامت "إسرائيل" قد تذرعت بأن حصارها الخانق لغزة هدفه إسقاط حماس، فقد ضربت عند بعض العرب على الوتر الحساس، فلم يميزوا هم أيضاً بين أن الخلاف مع حماس أمر قد يكون مفهوماً، وبين المشاركة في إبادة سكان غزة لمجرد أن "إسرائيل" قررت ذلك. وترتب على ذلك أن المطالبة برفع الحظر صار جبراً للخاطر، ونصا عربيا مريحا، يكذبه السلوك إزاء الحصار، اللهم إلا من قلوب شعبية رحيمة تسهم في محاولات تخفيف آثار الحصار، وليس في كسره.
ولا شك أن حصار غزة بحراً وجواً وبراً من ناحية مصر و"إسرائيل" جريمة مركبة تشترك فيها مصر و"إسرائيل"، مهما حسنت نوايا مصر، وصدقت شروحها؛ لأن النتيجة النهائية هي إهلاك سكان غزة، حتى لو صرفنا النظر عن الجانب القانوني الواضح في هذه الجريمة النكراء.
ولكن اللافت للنظر هو أن محاولات تخفيف آثار الحصار أحياناً ذراً للرماد في العيون مع استمرار توفر إرادة التعاون في المخطط الإسرائيلي، والتي اقترنت دائماً بأن للمعبر وضعا دوليا يجب عدم المساس به، وهو قول يمثل فضيحة قانونية، وعذراً أقبح من ذنبِ إهلاك غزة.
إن تصور أن تعلن مصر أو غيرها عن دعمها لمحاولات كسر الحصار أصبح مستحيلاً؛ لأنه إذا كان البيان والإعلان والمطالبة برفع الحصار يبقى القرار بلا سند قانوني في يد "إسرائيل"، بل ويضفي على حصارها شرعية القبول مع رجاء العدول عن القرار، فإن مساندة جهود كسر الحصار سواء برا عن طريق مصر وهو تحدٍّ لمصر وإدانة لموقفها، أو عن طريق الجو، وهي مخاطرة غير مضمونة العواقب بسبب تجرد "إسرائيل" من كل القيم الأخلاقية، أو عن طريق البحر الذي لا تملك "إسرائيل" فيه صوب غزة أي سند لمنع السفن، إنما يعد بلا جدال تحدياً لـ"إسرائيل"، ولا أظن أنه في الوضع الراهن تقوى على رفع البصر لمجرد الرجاء، ناهيك عن الشجاعة بالتحدي ودعم سفن كسر الحصار الآثم.
وإذا كان البعض يرى مبالغة فيما أرى، فإني أتحدى أن تعلق دولة واحدة على سفن كسر الحصار، وقد انزوت أخبارها في زاوية ضيقة في صحف مصر القومية، وكأن هذه السفن ترتكب جرماً يتطلب التستر عليه خوفاً من انكشاف الفضيحة. ومن باب أولى لا يتصور أحد مهما كان حالماً أن يصرح الأمين العام، فارس العرب، كما قال عنه المغفور له الملك حسين ذات يوم، بشيء يساند هذه السفن وهي تخوض حرباً حقيقية، هي امتداد للمقاومة من نوع آخر. فالمقاومة الفلسطينية تستهدف العدوان والاحتلال والغصب، أما مقاومة الحصار بإرادة العمل على كسره فهي تستهدف إسقاط عمل إجرامي أحجم المجتمع الدولي والعالم العربي عن القيام به.
وأخيراً فإن مقاومة الغير للحصار والعمل على كسره لا يمكن أن يتم بنجاح وسط صمت عربي مذهل، فهل العرب راغبون حقاً في إزالة الحصار سواء بقرار رفعه من جانب "إسرائيل"، أو بفعل كسره رغماً عنها، أم هم عاجزون عن تحمل تبعات قرار مساندة محاولات كسر الحصار، أم أنهم فعلاً متواطئون حتى تسقط حماس، ثم تسقط كل فلسطين، فلا يكون العرب بحاجة إلى مواجهة "إسرائيل" وتحمل الإحراج مع واشنطن، خاصة وأن "إسرائيل" تتهم واشنطن في مسلسل الخداع الجديد، بأنها تواطأت مع مصر والعرب ضد "إسرائيل" في مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار، أفلا يكون حرياً بالعرب أن يردوا هذا الجميل النووي بأن يطلقوا يد "إسرائيل" في غزة، والسكوت عن صد محاولات كسر حصارها حتى تضم غزة إلى بقية فلسطين أرض الأجداد، كما قال نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في خريف 2009.
إن الجامعة العربية على الأقل مطالبة بالكشف إما عن مساندة كسر الحصار عن طريق غيرها ولو نظرياً، وإبراء للذمة، أو أن يظل صمتها تواطؤا على إبادة غزة، والوقت لا ينتظر.

السفير د. عبدالله الأشعل

الثلاثاء, 01 حزيران 2010

موضوع فى قمة الروعة

جزآك الله خ ـيرا

مشكوررررررررررررررررررررررررررر علي الموضوع الرائع

موضوع في قمة الروعه