مؤتمر مدريد للدول المانحة وإعادة إعمار العراق

منتصر علم الدين

مجلة السياسة الدولة يناير 2004 - العدد رقم 155

علي مدار يومين جرت في العاصمة الأسبانية مدريد فعاليت مؤتمر الدول المانحة لإعادة إعمار العراق خلال الفترة‏23-24‏ أكتوبر‏2003,‏ وذلك بمشاركة نحو‏70‏ دولة و‏30‏ منظمة دولية وغير حكومية‏,‏ إلي جانب إجتماعات لحوالي‏300‏ من شركات القطاع الخاص من بينها‏134‏ شركة أوروبية و‏19‏ من الولايات المتحدة و‏25‏ من العراق‏.‏

وقد سعي المؤتمر إلي تحقيق هدفين‏:‏ الأول سياسي‏,‏ بغية خلق دعم سياسي وإضفاء نوع من التدويل علي الوجود الأمريكي في العراق‏.‏
والثاني اقتصادي‏,‏ باعتباره وسيلة من أجل تنفيذ خطط إعمار العراق وجمع المساهمات من الدول المشاركة في المؤتمر لإعادة بناء ما دمرته الحرب في العراق‏.‏

ويري العديد من المحللين أن المؤتمر قد نجح في تحقيق هدفيه‏,‏ السياسي وذلك من خلال مشاركة ما يزيد عن سبعين دولة بوفود رسمية فضلا عن‏30‏ منظمة دولية وغير حكومية علي قمتها الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي‏,‏ وتأكد هذا النجاح بمشاركة عدد من الدول التي عارضت الحرب الأمريكية علي العراق والوجود الأمريكي هناك مثل روسيا وفرنسا وألمانيا ورغم أنها لم تتعهد بمساهمات كبيرة لإعادة الإعمار‏,‏ إلا أن مجد مشاركتها ساهم في تحقيق الهدف السياسي للمؤتمر‏.‏

كما نجح المؤتمر في تحقيق الهدف الاقتصادي‏,‏ حيث وصل حجم المساهمات إلي‏33‏ مليار دولار لإعادة الإعمار‏,‏ وهو مبلغ تجاوز التوقعات عند الدعوة للمؤتمر والتي كانت تقف عند حاجز الخمسة مليار دولار‏,‏ وتوزعت هذه المساهمات كالتالي‏:‏ الولايات المتحدة‏20‏ مليار دولار‏-‏ اليابان‏1.5‏ مليار دولار منح و‏3.5‏ مليار دولار قروض منخفضة الفائدة‏-‏ البنك الدولي قروض ما بين‏3-5‏ مليار دولار خلال الخمس أعوام القادمة‏-‏ الدول العربية واقتصرت علي كلا من‏-‏ السعودية مليار دولار والكويت‏1.5‏ مليار دولار‏--‏ بريطانيا‏496‏ ملون دولار ليصل إجمالي مساهمتها خلال ثلاث سنوات‏911‏ مليون دولار‏-‏ أسبانيا‏300‏ مليون دولار حتي عام‏2007-‏ الأتحاد الأوروبي‏235‏ مليون دولار خلال العامين‏-2003-2004--‏ كوريا الجنوبية‏200‏ مليون دولار‏-‏ إيطاليا‏174‏ مليون دولار‏-‏ كندا‏150‏ مليون دولار‏-‏ ألمانيا‏100‏ مليون دولار‏.‏

هذا بجانب المساعدات الإنسانية والعينية المقدمة من جانب الدول الأخري مثل السويد‏-‏ فيتنام‏-‏ سيريلانكا وإيران والتي تعهدت بإرسال عشرات الآلاف من زوار الأماكن الدينية الشيعية المقدسة‏.‏

وإلي جانب تلك المساهمات التي تعهد بتقديمها الدول والمؤسسات تم الاتفاق خلال المؤتمر علي إنشاء صندوق تمويل لإعادة إعمار العراق يتم من خلاله الانفاق علي إعادة الإعمار حيث ستوضع فيه الأموال والمبالغ التي سيسددها المانحون الدوليون‏.‏
وتم الاتفاق علي أن يتألف الصندوق من‏'‏ مجلس المانحين‏'‏ ثم لجنة الإدارة‏,‏ ثم الهيئة المحلية لتنسيق المساعدات ثم المتلقون المحليون علي أن يدار الصندوق بواسطة البنك الدولي‏.‏

ورغم ذلك‏,‏ إلا أن البعض يري بأنه إذا كان المؤتمر قد نجح في تحقيق هدفه السياسي‏,‏ إلا أنه لم ينجح في تلبيه المطالب العراقية‏,‏ حيث يري الكثيرون أن حصيلة المساهمات في المؤتمر لم تتجاوز عمليا نصف ما هو مطلوب لإعادة الإعمار والتي وصلت طبقا للتقديرات الأمريكية ما بين‏50‏ إلي‏75‏ مليار دولار‏.‏

وقد كشف هذا المؤتمر عن استمرار حالة الإنقسام في المجتمع الدولي إزاء الحرب الأمريكية علي العراق واستمرار الوجود الأمريكي هناك‏,‏ واتضح ذلك في مواقف الدول التي عارضت الحرب والوجود الأمريكي في العراق‏,‏ ففي الوقت الذي أعلنت فيه روسيا عن عدم تقديم أي منح للعراق وإن أبدت استعداد مؤسساتها للاستثمار في العراق‏,‏ رفضتا فرنسا تقديم أي مساهمات وأكدت علي أن البداية في إعمار العراق هي الاعتراف الكامل والتام بسيادة العراق‏,‏ في حين أكتفت ألمانيا بتعهدها بتقديم مبلغ مائة مليون دولار نصفها من حصة الاتحاد الأوروبي‏.‏

واتضح هذا الانقسام أيضا في انخفاض درجة تمثيل هذه الدول بوفودها في المؤتمر‏,‏ فقد شاركت فرنسا علي سبيل المثال بوفود برئاسة وزير التجارة بدلا من وزير خارجيتها‏.‏

والواقع أنه رغم نجاح المؤتمر في تحقيق أهدافه‏,‏ إلا أن هناك العديد من التحديات والمعوقات التي تقف عقبة أمام عملية الإعمار‏,‏ تتمثل هذه التحديات في‏:‏
‏1-‏ قضية الأمن‏:‏ يعتبر توافر الأمن الشرط الأساسي والضروري لبدء عملية إعادة الإعمار في العراق نظرا لأن حالة عدم الاستقرار الأمني ذات تأثير سلبي علي جهود إعادة الإعمار من ناحيتين‏:‏ أولاهما تعطيل عمليات تقديم المساعدات الإنسانية للعراقيين‏,‏ ثانيهما تعطيل البدء في مشروعات الإعمار خوفا من استمرار عمليات السلب والنهب الناجمة عن استمرار المقاومة‏.‏

‏2-‏ قضية الديون والتعويضات باعتبارهما من أهم الموضوعات ذات التأثير البالغ علي المستقبل الاقتصادي للعراق‏,‏ حيث تتراوح الديون وفق لبعض التقديرات بين‏95-120‏ مليار دولار‏,‏ في حين تقدر التعويضات المفروضة علي العراق كنتيجة لحرية علي العراق حوالي‏60‏ مليار دولار‏,‏ دفع العراق منها ما يقرب من‏35‏ مليار دولار ويتبقي‏25‏ مليار دولار علي العراق أن يدفعها‏.‏
ونظرا لتعقد وتشابك هذه القضية‏,‏ لم يتم إدراجها ضمن جدول أعمال المؤتمر واقتصر فقط علي المنح‏,‏ حيث رفضت العديد من الدول الدائنة للعراق التخلي عن ديونها للعراق‏.‏

وجدير بالذكر أن مجلس الأمن عند اتخاذه قرار برفع العقوبات عن العراق‏,‏ لم يشر إلي إلغاء الديون‏,‏ وإنما طالب من نادي باريس إعادة جدولة الديون العراقية‏,‏ مع تخفيضه للنسبة التي كانت تتحول من عائدات العراق إلي صندوق التعويضات‏,‏ حيث انخفضت من‏25%‏ إلي‏5%‏ فقط‏.‏

‏3-‏ قضية الاستقرار السياسي‏,‏ والذي يشكل البيئة الملائمة اللازمة لعمليات إعادة الإعمار‏,‏ ورغم التطور الذي شهده العراق في هذا الصدد بتشكيل مجلس الحكم الانتقالي‏,‏ إلا أن الأوضاع مازلت دون المستوي المطلوب لضمان الاستقرار السياسي خاصة وأن شرعية مجلس الحكم الانتقالي محل شك من كثيرين داخل العراق وخارجه‏,‏ واتضح ذلك داخليا من خلال المحاولات العديدة التي قامت بها عناصر المقاومة لاستهداف أفراد مجلس الحكم العراقي‏,‏ وخارجيا من خلال تأكيد العديد من الدول علي ضرورة تولي حكومة عراقية منتخبة شئون العراق كشرط من شروط المساهمة في إعادة الإعمار‏,‏ وقد عبر كلا من الموقف الفرنسي والسويدي عن ذلك بوضوح‏.‏

نخلص من ذلك إلي القول بأن نجاح جهود إعادة الإعمار في العراق مرهونة بتحولات البيئة العراقية ذاتها نحو مزيد من الأمن والاستقرار السياسي والمؤسسي‏,‏ مع ضرورة تخلي الإدارة الأمريكية عن قناعاتها الإنفراد بالشأن العراقي وافساح المجال نحو إشراك المجتمع الدولي ممثلا في الأمم المتحدة في إدارة العراق‏,‏ فضلا عن مدي إلزامية ما تعهدت به الدول في المؤتمر‏,‏ حتي لا تتكرر تجربة إعادة إعمار كلا من البوسنة وأفغانستان برغم التعهدات الدولية بالعمل علي إعادة إعمارهما‏,‏ إلا أن ذلك لم يتحقق بالشكل الذي يعطي قدرا من التفاؤل بشأن إمكانية تحول تعهدات الدول في مؤتمر مدريد إلي واقع عملي‏.‏

منقووول للفائدة .
AlexaLaw