الشراكة الأوروبية المتوسطة وحوار الثقافات

سامية بيبرس

مجلة السياسة الدولة يناير 2004 - العدد رقم 155

تتمثل أهمية‏'‏ عملية برشلونة‏'‏ وما تمخض عنها من إرساء شراكة أوروبية متوسطة في كونها عمل أوروبي فريد من نوعه عكس بالأساس حجم الإسهام الذي يمكن للجانب الأوروبي تقديمه فيما يتعلق بتحقيق الاستقرار في منطقة المتوسط علي وجه العموم وما يتعلق بدعم عملية السلام في الشرق الأوسط علي وجه الخصوص والتخفيف من حدة الهيمنة الأمريكية في إدارة عملية السلام في المنطقة وتوفير الحد الأدني من الديناميكية المطلوبة للعلاقات العربية الإسرائيلية خاصة في ظل ظروف توقف أو جمود المفاوضات الثنائية‏.‏

والواقع أن مسيرة الشركة الأورو متوسطية قد واجهت العديد من التحديات والعقبات لعل أبرزها تصاعد الأعمال العسكرية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية ومن ثم تعثر عملية التسوية السياسية أيضا هناك الاحتلال الأمريكي للعراق واستمرار بقاء القوات الأمريكية في الأراضي العراقية‏.‏ ومن بين التحديات التي واجهتها مسيرة الشراكة أيضا محاولة الولايات المتحدة محاصرة الدور الأوروبي وإبقائه في الحيز الضيق وعدم قيام الاتحاد الأوروبي بتبني سياسة خارجية وأمنية موحدة إزاء منطقة البحر المتوسط‏.‏ ومن ضمن التحديات أيضا أن خبرة المفاوضات التي أفضت إلي توقيع اتفاقيات للشراكة الثنائية بين الاتحاد الأوروبي والعديد من الدول المتوسطية قد أثبتت أن الجانب الأوروبي يسعي إلي تشديد في فرض شروطه والتعسف في تعظيم مكاسبه‏.‏ من ناحية أخري فقد لوحظ اهتمام الجانب الأوروبي بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان وتعزيز دور المجتمع المدني والتركيز علي هذه القضايا علي حساب مجالات أخري مثل التعليم ونقل التكنولوجيا والشباب والحوار بين الثقافات والأديان‏.‏

وفي إطار الجهود المبذولة لتنشيط التعاون الأورو‏-‏ متوسطي عقد بمدينة نابولي بإيطاليا الاجتماع الوزاري السادس لدول الشراكة الأورو‏-‏ متوسطية في الفترة من‏2-3‏ ديسمبر‏2003.‏ وقد تناولت القرارات الصادرة عن مؤتمر نابولي العديد من القضايا السياسية والأمنية لعل أبرزها عملية السلام في الشرق الأوسط وقضية العراق‏.‏ وقد احتلت العديد من القضايا البرلمانية والثقافية والاقتصادية موقع الصدارة علي أجندة اجتماعات دول الشراكة في نابولي حيث أقر المؤتمر إنشاء الجمعية البرلمانية الأورو متوسطية والمؤسسة الأورو‏-‏ متوسطية لدعم الحوار بين الثقافات والحضارات إلا أن المؤتمر لم يحسم مسألة تحويل خطة الاستثمار والشراكة الأورو‏-‏ متوسطية المعروفة باسم‏'‏ فيمب‏'‏ والتابعة لبنك الاستثمار الأوروبي إلي بنك مستقل‏.‏

وفيما يتعلق بموضوع حوار الثقافات والذي أضحي يحتل أهمية كبري علي أجندة الشراكة الأورو‏-‏ متوسطية نجد أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر‏2001‏ التي وقعت في كل من نيويورك وواشنطن قد أثارت وعيا متزايدا داخل الاتحاد الأوروبي ومؤسساته المختلفة بضرورة استبعاد أطروحة‏'‏ صدام الحضارات‏'‏ والبدء فعليا في إتباع سياسة نشطة ومثمرة في مجال الحوار بين الثقافات والحضارات‏.‏

وفي هذا الإطار نظمت الإدارة العامة للثقافة والتعليم بالمفوضية الأوروبية بالتعاون مع برنامج‏'‏ جان مونيه‏'‏ التابع لمركز الدراسات الأوروبية المتقدمة بفلورانس مؤتمرا في بروكسل في الفترة من‏20-22‏ مارس‏2002‏ لمناقشة وإعلان الخطوط العريضة للمبادرة الجديدة للاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالحوار بين الثقافات والحضارات ولقد تم بلورة هذه المبادرة فيما يسمي بـ‏'‏ برنامج العمل للحوار بين الثقافات والحضارات‏'‏ الذي تضمن المبادئ الأساسية التي يمكن أن يرتكز عليها الحوار وأهداف الحوار كما طرح برنامج العمل فكرة إنشاء مؤسسة أورو متوسطية لتنشيط الحوار بين الثقافات والحضارات‏.‏ وقد تم إقرار برنامج العمل من جانب وزراء خارجية دول الشراكة خلال المؤتمر الذي عقد في فالنسيا في الفترة من‏20-23‏ أبريل‏2002.‏

وخلال المؤتمر الوزاري لدول الشراكة الذي عقد بتاريخ‏26‏ و‏27‏ مايو‏2003‏ في كريت باليونان قامت اللجنة الأوروبية برصد مبلغ‏-‏ مليون يورو‏-‏ بصورة مبدئية لتمويل إقامة المؤسسة الأورو متوسطية لحوار الثقافات والحضارات والتي أعلن رسميا عن إنشائها خلال المؤتمر الوزاري الذي عقد مؤخرا في نابولي بإيطاليا في‏2‏ و‏3‏ ديسمبر‏2003.‏

وفي ضوء التحديات والعقبات التي واجهت مسيرة الشراكة الأورو متوسطية علي كافة الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية وفي ظل المعطيات الحالية وبصفة خاصة ما يتعلق بانضمام الدول الأوروبية العشر الجديدة للاتحاد في أوائل عام‏2004‏ تلك الدول التي ستجيء بأجندتها الخاصة مما قد يؤثر بصورة أو بأخري علي أولويات الاتحاد الأوروبي فإنه قد أضحي من الضروري إعطاء المزيد من العناية بتفعيل عملية برشلونة بكافة محاورها حتي تقترب تدريجيا من أهدافها المنشودة‏.‏

منقووول للفائدة .
AlexaLaw