نظرة عامة على الجانب التفاوضى فى القمة العالمية لمجتمع المعلومات

السفيرة نائلة جبر

مجلة السياسة الدولة يناير 2004 - العدد رقم 155

شكلت القمة العالمية لمجتمع المعلومات المنعقدة مؤخراً فى جنيف ، علامة بارزة فى مسيرة المؤتمرات العالمية للأمم المتحدة بصفة عامة ، وفى مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بصفة خاصة.فقد عقدت هذه القمة بعد فترة شهدت فيها العلاقات الدولية ضغوطاً مختلفة ، منها الانقسام الذى حدث فى الأمم المتحدة ، فيما يتعلق بالعمليات العسكرية فى العراق ، وكذلك التعثر الذى أصاب منظمة التجارة العالمية ، على ضوء نتائج مؤتمرها الوزارى الخامس فى كانكون ، ولهذا كانت القمة العالمية لمجتمع المعلومات ، الفرصة الأولى لقياس مدى استعداد المجتمع الدولى للتباحث بشأن قضايا فنية متعددة الأطراف.ومن جانب آخر ، فقد كانت القمة بمثابة أول تجمع عالمى على هذا المستوى يتعرض لتلك القضايا الفنية ، التى ظلت لفترة طويلة مقصورة على المنظمات الدولية المتخصصة. وتعد هذه القمة أيضاً هى الأولى من نوعها التى تعقد على مرحلتين ، ولم يكن ذلك مجرد ترتيب اجرائى فقط ، فقد ألقى بظلاله على المناقشات الموضوعية للمرحلة الأولى للقمة ، حيث كان هناك اتجاه عام بتأجيل القضايا الخلافية الصعبة التى لم يظهر توافق آراء واضح بشأنها ، الى المرحلة الثانية من القمة

كذلك فقد تميزت القمة بمشاركة واسعة للقطاع الخاص والمجتمع المدنى فى أعمالها التحضيرية ، على نحو فرض سياقاً جديداً ، كان على المفاوضين الحكوميين التعامل معه ، للاتفاق على وثيقتى القمة.ولعل من شهد الأيام الثلاثة التى عقدت خلالها القمة فى جنيف - 10ـ 12 ديسمبر 2003- قد لايدرك بصورة كاملة أبعاد تلك القمة ، فقد اقتصرت الأيام الثلاثة على خطب رؤساء الدول والحكومات ورؤساء الوفود ، وبعض الأنشطة الجانبية ، ثم الاعتماد السريع لوثيقتى القمة المتمثلتين فى اعلان المبادىء وخطة العمل.ولكن سبق ذلك الانعقاد الرسمى للقمة ، عملية تحضيرية تفاوضية طويلة وشاقة فى العديد من الأحيان ، فقد عقدت ثلاث دورات للجنة التحضيرية ، أوضحت مدى تعقد الموضوعات المطروحة ، والاختلاف الكبير فى المواقف بشأنها بين مجموعات الدول المختلفة.كما تضمنت العملية التحضيرية للقمة ، مؤتمرات اقليمية ، عقدت تحت رعاية اللجان الاقتصادية والاجتماعية الاقليمية للأمم المتحدة. عبرت عن الاهتمامات المشتركة لكل اقليم

وقد تعددت الموضوعات المطروحة على القمة وتشعبت مع تطور المفاوضات ، لتشمل موضوعات سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية أوسع من الموضوعات الفنية الضيقة التى كانت مطروحة فى الأصل ، ولعل أبرز مثال على ذلك هو الموضوعات السياسية المتمثلة أساساً فى مسائل حقوق الانسان والديمقراطية والحكم الرشيد ، والتى سعت الدول الغربية الى تغليبها فى نص الوثيقتين ، كذلك فقد اتسعت رقعة مناقشة الموضوعات الخاصة بالهوية الثقافية ، والتعددية اللغوية ، والاعلام والملكية الفكرية ، والتمويل والمساعدات الفنية.أما فيما يتعلق بالقضايا الفنية التى تدخل فى مجال الاتصالات والمعلومات مباشرة ، فقد كانت أبرز القضايا الخلافية بشأنها هى مسألة ادارة الانترنيت وتأمين شبكة الاتصالات والمعلومات ، وكيفية التعامل مع البريد الاليكترونى غير المرخص به

وفيما يتعلق بموقف مصر من القضايا المطروحة على القمة ، فلم تكن مشاركة مصر مجرد تواجد فى تلك الاجتماعات ، بل شملت المبادرة بتقديم العديد من المقترحات حول مختلف القضايا المطروحة ، وقد تمكنت مصر من المشاركة فى معظم مجموعات العمل التى شكلتها رئاسة القمة ، وبذلك استطاعت مصر متابعة معظم الأنشطة المتوازية ، وقد توجت مشاركة السيد الرئيس حسنى مبارك فى القمة ، الجهد التفاوضى المصرى ، وأكدت دور مصر الريادى ، وحرص قيادتها على مواكبة التطورات المتلاحقة فى عصر العولمة. وقد تواكب مع انعقاد هذه القمة ، عقد عدد من الأنشطة الجانبية ، كان أبرزها هو معرض تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات من أجل التنمية ، بالاضافة الى المنتدى العالمى الاليكترونى الاعلامى. وقد عكست هذه الأنشطة الجانبية التكامل بين الجانب الرسمى للقمة ، والذى أعطى التوجه الاستراتيجى من خلال الوثيقتين اللتين اعتمدتهما القمة ، وبين الجانب العملى الذى تقوم به الحكومات ، والقطاع الخاص ، والمنظمات الدولية ، وهو مايؤكد أهمية التوافق بين الجهد العملى والجهد الفكرى والسياسى

لقد حققت المرحلة الأولى للقمة قدراً ملموساً من النجاح ، فلم تكن مجرد قمة تكنولوجيا ، بل شمل جدول أعمالها قضايا وموضوعات تمس كافة نواحى الحياة ، من ثقافة ، وعلوم ، واقتصاد ، وسياسة.ولازالت هناك قضايا لم تحسم ، وتم تأجيلها للمرحلة الثانية فى تونس عام 2005. وأبرزها مسألة ادارة الانترنيت ، والتمويل ، فضلاً عن القضايا الجديدة التى سيتم طرحها ، وهو الأمر الذى يفرض على الدول النامية بصفة عامة ، والدول العربية ، وفى قلبها مصر ، مضاعفة الجهد للمشاركة والمساهمة فى جدول الأعمال بما يخدم قضاياها ومصالحها

منقووول للفائدة .
AlexaLaw