حرب أكتوبر والفكر العسكرى والاستراتيجى المعاصر

لواء دكتور محمود خليل

مجلة السياسة الدولية أكتوبر 2003 - العدد 154


رغم مرور ثلاثين عاماً على حرب أكتوبر ، فمازال الاهتمام يتزايد من جانب المعاهد العسكرية ومراكز الدراسات الاستراتيجية بالجوانب العسكرية والاقتصادية والسياسية للأحداث التى سبقت هذه الحرب ، وبالحرب نفسها ، وما أعقبها من آثار.فقد شكلت هذه الحرب نقطة تحول فى تاريخ الفكر الاستراتيجى المعاصر ، وكانت سبباً فى إعادة تقييم الاستراتيجيات العربية والدولية ، وكذلك التكتيكات العسكرية فى كثير من دول العالم.وكانت استراتيجية حرب أكتوبر استراتيجية مصرية خالصة ، عكست تفوقاً واضحاً للفكر العسكرى المصرى ، وقدرة على قراءة الأوضاع والتخطيط لها بجدية.وقد أخذت هذه الاستراتيجية فى الاعتبار دروس هزيمة 1967 ، واعتمدت على الاعداد الجيد للجندى المقاتل ذهنياً وجسمانياً ومعنوياً مما أهله لاستخدام معداته بكفاءة نادرة.

وكان لحرب أكتوبر دورها الواضح فى هدم نظرية الأمن الاسرائيلىالقائمة على الردع النفسى والاحتفاظ بالحدود الآمنة على خط القناة ، ولذلك جاء أسلوب البدء باستخدام القوات المسلحة كتحدى عملى لأسلوب الردع النفسى ، كما كان الهجوم الشامل ، وليس مجرد حرب استنزاف ، يعنى هدم أسلوب الردع المادى ، وذلك عن طريق اختراق وتدمير الخطوط الدفاعية الحصينة ، فضلاً عن استخدام المناورة والخداع التكتيكى بذكاء.

وقد كان لحرب أكتوبر دور بارز فى إدخال نظريات جديدة فى الفكر العسكرى والاستراتيجى على الصعيد العالمى ، ومن أهمها نظرية السيادة النيرانية ، فنجاح القوات المسلحة فى اقتحام قناة السويس وتحقيق المفاجأة والالتحام فى معارك متداخلة مع العدو ، أدى الى خلق استراتيجية السيادة النيرانية والاصابة عن بعد ، وإطالة أمد الأسلحة ، وتقليل الخسائر فى الأفراد بدرجة كبيرة.كما أدى نجاح القوات المصرية فى تحقيق المفاجأة بمستوياتها المختلفة ، الى تفعيل منظومة المعلومات وربطها بمنظومة القيادة والسيطرة الآلية.

وأدى نجاح الدفاع الجوى المصرى فى إنشاء حائط الصواريخ الى إحداث تغيير فى نمط توجيه الضربات الجوية ، والتوسع فى استخدام وسائل الاعاقة الاليكترونية ، وتحديد الأهداف بواسطة الأقمار الصناعية ، وقد نجحت القوات المصرية فى إخفاء عملية التعبئة والحشد للحرب ، وهو ما ساعد فى استخدام قوات الانتشار السريع المتمثلة فى الفرق المحمولة جواً لمواجهة المواقف سريعة التطور.

كذلك فإن حرب أكتوبر كان لها تأثيرات واضحة فى الاستراتيجية العسكرية العسكرية العالمية ، وظهور نظم التسليح الحديثة ، وهو ما ظهر بوضوح فى الحروب الحديثة ، وخاصة الحرب الأمريكية الأخيرة على العراق.فقد كانت المفاجأة أحد أبعاد حرب أكتوبر ، وقد أثبتت الخبرات المعاصرة أنه لايزال فى الامكان تحقيق المفاجأة على جميع المستويات.وفى الحرب الأخيرة على العراق حرصت الولايات المتحدة على تحقيق المفاجأة من خلال أسلوب 'الصدمة والترويع' واستخدام تقنيات عسكرية متطورة.كما أثبتت حرب أكتوبر خطأ الاعتماد على خطوط الدفاع الثابتة ، حيث كان اقتحام خط بارليف درس واضح ، أدى الى دراسة الاعتماد بشكل أساسى على الدفاعات المتحركة.واتضح هذا بصورة كبيرة فى الحرب على العراق.كما أثبتت حرب أكتوبر تعاظم دور السلاح الفردى فى مواجهة أسلوب الحرب الحديثة ، ورسخت مفهوم الحرب وأهميتها لمساندة المجهود البرى والبحرى والجوى فى الاستطلاع ، وهو الأمر الذى انعكس فى حث الجهود لمداومة ابتكار أساليب متقدمة للاعاقة والخداع اللاسلكى والاليكترونى ، وتوفير الأساليب لحماية وتأمين الأنشطة الاليكترونية الصديقة فى مواجهة النشاط الاليكترونى المعادى.

ومن جانب آخر ، فقد أدت حرب أكتوبر الى تطوير نظم توجيه النيران على الأهداف وقيادتها بواسطة الأقمار الصناعية ، بحيث أصبحت تتجمع هذه النظم فى مجموعة واحدة هى منظومة الضربة الجوية.كذلك فقد قدمت حرب أكتوبر خبرة كبيرة فيما يسمى بحرب المدن ، حيث نجحت المقاومة الشعبية فى مدينة السويس فى ايقاف تقدم القوات الاسرائيلية ، وكبدتها خسائر باهظة.وفى الحرب العراقية الأخيرة لم تنجح القيادة العراقية فى إدارة حرب المدن ، وعملت القوات الأمريكية على إجبار القوات العراقية على التحرك خارج المدن للاشتباك معها.
وهكذا فإن حرب أكتوبر حققت نجاحاً وانجازاً أبهر العالم أجمع ، وطرحت استراتيجيات جديدة لجميع أفرع القوات المسلحة ، بدأت جميع مراكز الدراسات الاستراتيجية والعسكرية على مستوى العالم فى دراستها بدقة متناهية ، ومازالت هذه الحرب ، تعطى الكثير من الدروس المستفادة فى الحروب المعاصرة وتطلق الفكر الاستراتيجى والعسكرى لتطوير فنون الحرب والاستراتيجية

منقووول للفائدة .
AlexaLaw