الأزمة النووية الكورية ولعبة الكراسى الموسيقية

نزيرة الأفندى

مجلة السياسة الدولية أكتوبر 2003 - العدد 154

شهدت العاصمة الصينية بكين فى السابع والعشرين من أغسطس الماضى انعقاد جولة المحادثات الخاصة بالأزمة النووية لكوريا الشمالية ، وذلك بحضور الأطراف الست الرئيسية المعنية بها ، وهى كوريا الشمالية ، وكوريا الجنوبية ، والولايات المتحدة ، واليابان ، والصين ، وروسيا.ورغم أن انعقاد هذه الجولة قد جدد الآمال فى إمكانية حل الأزمة النووية لكوريا الشمالية ، بعد أن عارضت الأخيرة انعقاد مثل هذه المفاوضات لسنوات طويلة ، إلا أن رصد تطورات الأحداث والواقع الفعلى ، يشير الى أن 'لعبة الكراسى الموسيقية' قد ازدادت سخونة بين بيونج يانج وواشنطن ، وأن آثار وانعكاسات هذه اللعبة لاتنحصر فى إطار العلاقات الأمريكية مع شبه الجزيرة الكورية ، ولكنها تمتد ، لتشمل مسرحاً مترامياً ، يشمل ثلاث قارات تقع على خريطتها الدول الست المشاركة فى المحادثات الدبلوماسية حول الأزمة النووية الكورية الشمالية.

وقد تركزت المنطلقات الأساسية التى حددت موقف كوريا الشمالية فى ادارتها لأزمة برنامجها النووى فى مواجهة الولايات المتحدة ، على تطورات الأزمة العراقية ، حيث تراوح موقف بيونج يانج بين التشدد المطلق ، الى المهادنة النسبية ، ثم الى المراوغة العملية ، ثم العودة مرة أخرى الى التشدد والتنديد بخضوع الوكالة الدولية للطاقة الذرية للولايات المتحدة ، من أجل تنفيذ سياستها العدوانية تجاه حكومة بيونج يانج ، حيث كانت الوكالة قد أصدرت قراراً بتخلى بيونج يانج عن برنامجها النووى والموافقة على استئناف المفتشين الدوليين لمهامهم فى كوريا الشمالية ، وهو القرار الذى اعتبرته بيونج يانج عديم الأهمية ، وصادر من جهة غير ذات صفة ، نظراً لانسحاب بيونج يانج من المعاهدة الدولية للحد من انتشار الأسلحة النووية.

ولاشك أن الاطار الاقليمى ، ممثلاً فى دول الجوار فى شمال شرق آسيا ، يمثل عاملاً مساعداً فى دعم موقف كوريا الشمالية ، ولو بصورة غير مباشرة ، فالتهديدات والتحذيرات المتتالية التى تصدر عن طوكيو وسول ، فيما يتعلق برفع مستوى تسليحها ودرجة استعدادها العسكرى ، وكذلك التوبيخات التى تصدر بين الحين والحين من بكين أو موسكو ، واصرار الجميع على حل الأزمة بالطرق الدبلوماسية ، أعطى بيونج يانج مزيداً من القوة والدعم لاستخدام المناورة مع الولايات المتحدة الأمريكية ، واستغلال الانقسام الحادث داخل الادارة الأمريكية بين التشدد والمرونة إزاء التعامل مع بيونج يانج ، خاصة مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأمريكية ، فضلاً عن تزايد التحديات العسكرية التى تواجه الولايات المتحدة الأمريكية فى العراق والشرق الأوسط ، بصورة يبدو معها أن الولايات المتحدة الأمريكية هى الطرف الأضعف ، الذى يميل أكثر نحو المهادنة مع بيونج يانج ، فى الوقت الذى تراوح فيه موقف بيونج يانج بين المهادنة ، مروراً بالمراوغة ، ثم التشدد .فقد عرضت بيونج يانج إزالة ونزع التسهيلات النووية ، مقابل معاهدة عدم اعتداء من جانب واشنطن ، مع توفير احتياجاتها من الطاقة ، ورفع الحصار والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها ، وأعلنت استعدادها والتزامها بالاستمرار فى المفاوضات حول برنامجها النووى ولكن مع صدور قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية بضرورة تخلى بينج يانج عن برنامجها النووى والموافقة على استئناف المفتشين الدوليين لمهامهم ، جاء البيان الرسمى الصادر عن وكالة الأنباء الكورية الشمالية ، متضمناً المزيد من التشدد فى مواجهة الوكالة الدولية للطاقة الذرية والولايات المتحدة.

وهذه المؤشرات توضح أن سياسة النفس الطويل فى 'لعبة الكراسى الموسيقية أقرب الى بيونج يانج منها الى ادارة بوش.وأن هذه اللعبة لم تقتصر على العلاقات الثنائية بين بيونج يانج والولايات المتحدة الأمريكية ، بل أن الأزمة النووية الكورية كانت أحد العوامل الرئيسية المؤثرة فى الصراعات الحزبية والسياسية فى القارة الآسيوية ، فقد لعبت هذه الأزمة دوراً أساسياً فى الفوز الذى حققه رئيس الوزراءاليابانى 'جونيشيرو كويزومى' فى انتخابات زعامة الحزب الليبرالى الديمقراطى ، كما أن ذات الأزمة مسئولة عن المأزق الذى يتعرض له الرئيس الكورى 'روه مو هيون'والذى أدى الى حدوث انقسام فى حزب الألفية الديمقراطى الحاكم بعد مرور عدة أشهر فقط على توليه رئاسة كوريا الجنوبية.وبالطبع فإن فوز رئيس الوزراء اليابانى لا ينفصل عن المواقف التى اتخذها تجاه بيونج يانج ، سواء بزيارته التاريخية لها واجتماعه مع الرئيس الكورى الشمالى 'كيم جونج ايل' أو التلويح بالقدرات العسكرية اليابانية الرادعة والاتجاه لتطوير شبكة الصواريخ الدفاعية واطلاق الأقمار الصناعية لمواجهة احتمالات التهديد من جانب صواريخ كوريا الشمالية ، وهكذا كانت سياسة العصا والجزرة أحد أسباب الفوز الكاسح لرئيس الوزراء اليابانى .وفى المقابل فإن تنازع الرئيس الكورى الجنوبى بين الرغبة فى الحفاظ على الحليف السياسى والعسكرى الدائم 'الولايات المتحدة' ، والمحافظة على الخيط الرفيع الذى يربطه بكوريا الشمالية رغم تصاعد الأزمة ، جعل سياسته ومواقفه عرضة للانتقاد اللاذع

منقووول للفائدة .
AlexaLaw