السياسة اليابانية تجاه الشرق الأوسط عقب أحداث 11 سبتمبر وحرب الخليج الثانية

رضا محمد هلال

مجلة السياسة الدولية أكتوبر 2003 - العدد 154

أدت أحداث 11 سبتمبر وما تلاها من آثار وتداعيات على كافة الأصعدة ، الى تعزيز اهتمام اليابان بمنطقة الشرق الأوسط ، واحتلال هذه المنطقة الحيوية من العالم مكانة متقدمة على أجندة السياسة الخارجية اليابانية.ولعل من أبرز وأهم القضايا التى أولتها اليابان عناية خاصة فى المنطقة قضية الصراع العربى الاسرائيلى ، والمسألة العراقية .ومنذ انتهاء الحرب الباردة ، واليابان تتطلع لممارسة دور عالمى ، وقد قامت بوضع أجندة للتحرك على الساحة العالمية كقطب فاعل بجوار الولايات المتحدة الأمريكية.وتم التوصل الى هذه الأجندة بعد مناقشات ومداولات بين التيارات السياسية الرئيسية فى اليابان.وفى هذا السياق اتجهت اليابان الى تبنى أفكار وتوجهات التيار الواقعى فى سياستها الخارجية ، لاعتبارات تتعلق باهتمام أنصار هذا التيار بتحقيق الرغبة اليابانية فى ممارسة دور عالمى ، مع الحفاظ فى الوقت نفسه على علاقات اليابان الأمنية والاقتصادية مع الولايات المتحدة ، والتأكيد على التنسيق اليابانى الأمريكى فى القضايا ذات الطابع العالمى ، وفى الصراعات الاقليمية.

وقد مرت السياسة اليابانية تجاه الصراع العربى الاسرائيلى بعد الحرب الباردة بمرحلتين رئيسيتين ، أولاهما خلال حقبة التسعينات ، وركزت خلالها السياسة اليابانية جهودها على المشاركة بفعالية فى جهود تسوية هذا الصراع ، بما يعزز مكانتها فى النسق العالمى الجديد ، حيث تزايدت خلال هذه الفترة الاتصالات المتبادلة بين اليابان ومسئولى الشرق الأوسط بهدف السعى لتسوية الصراع العربى الاسرائيلى ، ولم يقتصر الاهتمام اليابانى كما كان سابقاً على الجانب الاقتصادى ، بل حرصت اليابان على الاهتمام بالقضايا السياسية والأمنية أيضاً.وكان مؤتمر مدريد فرصة لمشاركة اليابان ، حيث رأست مجموعة العمل الخاصة بالبيئة فى المفاوضات متعددة الأطراف ، كما ساهمت اليابان فى إنشاء بعض المؤسسات التى تستهدف تحقيق الاندماج الاقتصادى فى المنطقة ، مثل البنك الاقليمى للشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، ومؤسسة السياحة والسفر للشرق الأوسط والبحر المتوسط.

أما المرحلة الثانية للسياسة اليابانية فى الشرق الأوسط ، فبدأت ملامحها تظهر فى أعقاب اندلاع انتفاضة الأقصى فى 28 سبتمبر 2000 ، حيث برز الانحياز اليابانى للرؤيتين الأمريكية والاسرائيلية ، وتحميل الطرف الفلسطينى مسئولية استمرار أعمال العنف.كما اتجهت اليابان فى الفترة من سبتمبر 2000 الى سبتمبر 2001 ، الى تجميد دورها فى عملية السلام ، نتيجة لتوقف الادارة الأمريكية الجديدة برئاسة بوش الابن عن التعامل مع هذا الملف.غير أنه مع اندلاع أحداث 11 سبتمبر وخروج تفسيرات تربط بين هذه الأحداث واستمرار الصراع فى الشرق الأوسط ، بادرت اليابان بإحياء دورها فى عملية السلام ، وتعميق وجودها فى الشرق الأوسط ، مع التركيز على الجهود الدبلوماسية.ومن أبرز النجاحات التى حققتها اليابان فى مجال الصراع العربى الاسرائيلى ، عقد مؤتمر 'السلام وبناء الثقة بين الجانبين الفلسطينى والاسرائيلى:نحو تعايش مستقر ودائم' فى 19 ، 20 مايو 2003 فى طوكيو.وتمثلت أهداف المؤتمر فى محاولة إرساء أسس تنفيذ خارطة الطريق ، بما يحقق تعايش مشترك ومستقر بين الفلسطينيين والاسرائيليين ، وطرح مخاوف وتحفظات كل طرف تجاه الآخر ، والاتفاق على أساليب ووسائل التغلب عليها ، وتحديد حجم ودور ومسئوليات المجتمع الدولى.

أما فيما يتعلق بالسياسة اليابانية تجاه المسألة العراقية ، فقد ظلت علاقات اليابان بالعراق منذ الخمسينات وحتى أوائل الثمانينات قائمة على تبادل المصالح الاقتصادية ، خاصة مع بدء النهضة الاقتصادية الحديثة لليابان وحاجتها الملحة للنفط ، حيث ظل السوق اليابانى أحد الأسواق الرئيسية لنفط العراق.وخلال الحرب العراقية الايرانية ، تبنت اليابان موقف الحياد بين الطرفين.وعقب غزو العراق للكويت عام 1990 ، لم تتمكن اليابان من إرسال قوات عسكرية للمنطقة بسبب الأوضاع الدستورية والقانونية ، ولذلك اختارت دعم التحالف الدولى مالياً ، ووصلت قيمة الفاتورة التى دفعتها اليابان لهذا الغرض حوالى 13 مليار دولار.ومع ذلك فقد وجهت الولايات المتحدة ودول التحالف انتقادات حادة لليابان ، حول ضعف الدعم اليابانى لقوات التحالف ووصوله متأخراً ، ولذلك بدأت اليابان فى وضع أجندة للتحرك على الساحة العالمية ، باعتبارها قطباً عالمياً جديداً ، حيث قامت بتمرير قانون يسمح بمشاركة اليابان بقوات عسكرية فى عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ، كما قامت اليابان بتعزيز وجودها فى منطقة الشرق الأوسط عموماً ، وفى منطقة الخليج خصوصاً.وأكدت توافقها التام مع السياسة الأمريكية تجاه العراق ، وقامت اليابان ببذل العديد من الجهود الدبلوماسية لاقناع صدام بقبول قرارات الأمم المتحدة الخاصة بنزع أسلحة الدمار الشامل.

وعقب انتهاء العمليات العسكرية الأمريكية البريطانية فى العراق ، شكلت الحكومة اليابانية غرفة عمليات لمتابعة تطورات الموقف فى العراق ، وأقرت منح مساعدات عاجلة للاجئين العراقيين الفارين من القتال ، ومساعدة دول الجوار والدول المتضررة ، كما وافقت على المساعدة فى برامج إعمار العراق بعد توقف الحرب.وفى يوليو 2003 ، أقرت الحكومة اليابانبة مشروع قانون يسمح لها بإرسال ألف جندى لحفظ السلام فى العراق ، ومساعدة القوات الأمريكية فى تدمير ما قد تعثر عليه من أسلحة دمار شامل ، وقد حدث هذا التحول فى الموقف البابانى بإرسال قوات مسلحة للعراق دون انتظار صدور قرار من مجلس الأمن ، نتيجة الضغوط الأمريكية ، فضلاً عن رغبة اليابان فى لعب دور ملموس وعدم الاكتفاء بالوقوف فى صفوف المتفرجين ، كما فعلت فى حرب الخليج عام 1991

منقووول للفائدة .
AlexaLaw