‏الثروات الروسية المهربة هي التي دعمت التنمية الغربية الضخمة منذ عام‏1992

بروفسور الكسي فاسيلييف
المستشرق الروسي والخبير العالمي في الشئون العربية والإسلامية والإفريقية
‏'‏الثروات الروسية المهربة هي التي دعمت التنمية الغربية الضخمة منذ عام‏1992'‏
‏'‏ البترول العراقي هو الجائزة التي حصلت عليها أمريكا‏'

‏

إعداد: سوسن حسين‏

مجلة السياسة الدولية يوليو 2003 - العدد رقم 153

‏*‏ بروفسور الكسي فاسيلييف المفكر الروسي الشهير والمشهود له دوليا بالخبرة الواسعة في شئون الشرق الأوسط وإفريقيا‏.‏ مستشار الخارجية الروسية وعضو لجنة العلاقات الخارجية‏.‏ يرأس منذ عام‏1992'‏ معهد الدراسات الإفريقية والعربية‏'‏ التابع لأكاديمية العلوم بموسكو الذي أسسه الاتحاد السوفيتي عام‏1959‏ لدراسة سياسات وثقافات عشرات الدول الصغيرة التي برزت علي الساحة الدولية بعد حصولها علي الاستقلال‏.‏ كما يرأس منذ عام‏1997'‏ مركز الدراسات الإقليمية والحضارية‏',‏ ويرأس أيضا تحرير مجلة‏'‏ آسيا وإفريقيا اليوم‏'‏ هذا الي جانب عضويته في عشرات اللجان السياسية والمنتديات الثقافية العالمية‏.‏


‏*‏ حصل فاسيلييف علي الماجستير في الدراسات الشرقية من معهد العلاقات الدولية بموسكو عام‏1962.‏ وحصل علي الدكتوراه من معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم بموسكو عام‏1967,‏ وكان موضوع رسالته‏'‏ الحركة الوهابية وأول دولة سعودية في الجزيرة العربية‏'.‏ كما حصل أيضا علي درجة دكتوراه الدولة من نفس المعهد عام‏1981‏ عن بحثه القيم‏'‏ التطور الاجتماعي والسياسي للسعودية من‏1945‏ الي‏1973'.‏ درس في جامعة القاهرة عامي‏60‏ و‏1961‏ وعمل مراسلا لجريدة برافدا في الشرق الأوسط أكثر من عشر سنوات‏.‏


‏*‏ شارك فاسيلييف كمستشار سياسي في قمة‏'‏ جورباتشوف‏-‏ بوش‏'‏ التي انعقدت في مالطة عام‏1989,‏ كما شارك في الوفد الروسي برئاسة رئيس الوزراء شيرنومردين الذي زار مصر ودول الخليج عام‏1992,‏ حضر العديد من المؤتمرات والندوات في مختلف بلدان العالم وقدم عشرات الدراسات والبحوث المتميزة حول القضايا العربية والإفريقية‏.‏ اهتم بدراسة الحضارة الإسلامية وله مؤلفات عديدة في هذا المجال تتناول جذور الدين الإسلامي وفلسفاته ومكانته في روسيا والدول الأوروبية وإمكانيات الحوار بينه وبين الديانات العظيمة الأخري‏.‏ وقد وسع فاسيلييف دائرة اهتماماته بعد انهيار الاتحاد السوفيتي لتشمل دول آسيا الوسطي والجمهوريات الإسلامية التي كانت تابعة للاتحاد السوفيتي‏.‏


‏*‏ ألف عشرات الكتب وكتب مئات الدراسات التي تناولت جميعها القضايا الواقعة في دائرة اهتماماته‏,‏ من أبرز مؤلفاته كتاب‏'‏ تاريخ السعودية‏''TheHistoryofSaudiArabia‏ س الذي يعتبر تغطية شاملة للتطور السياسي والاجتماعي لبنية المجتمع السعودي خلال‏250‏ عاما هي عمر هذا المجتمع‏.‏ وكتاب‏'‏ مصر والمصريين‏''EgyptandtheEgyptians‏ س الذي طبع بالعربية أيضا‏.‏ وكتاب‏'‏ السياسة الروسية في الشرق الأوسط‏:‏ من المسيحية إلي المادية‏''RussianPolicyintheMiddleEast,FromMessian ismtoPragmatism‏ س وكتاب‏'‏ آسيا الوسطي‏-‏ التغيرات السياسية والاقتصادية في عصر ما بعد الاتحاد السوفيتي‏''CentralAsia,PoliticalandEconomicChanges inthePostSovietEra‏ س والعديد من المؤلفات القيمة الأخري التي لا يتسع المكان لذكرها‏.‏ ومن الجدير بالذكر أن بروفسور الكس فاسيلييف يجيد اللغة العربية كأحد أبنائها الي جانب اللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية والتركية‏.‏


‏ من واقع خبرتكم في الشئون العربية‏..‏ ما هو تصورك لمستقبل المنطقة العربية بعد حرب العراق‏..‏ وما هي من وجهة نظرك السيناريوهات المختلفة المطروحة بالنسبة لهذا المستقبل؟


إن الحرب الأمريكية البريطانية ضد نظام صدام حسين واحتلال العراق يؤديان الي نتائج جوهرية وخطيرة بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط‏.‏ فقد دعمت الولايات المتحدة وإسرائيل هيمنتها الاستراتيجية الكاملة علي المنطقة وفرضتا سيطرتهما التامة عليها باستثناء إيران وهذه الدولة محاطة بالقوات الأمريكية المنتشرة جنوبا‏-‏ في الخليج‏-‏ وغربا‏-‏ العراق‏-‏ وشرقا‏-‏ أفغانستان‏-‏ وشمالا‏-‏ القواعد الأمريكية في آسيا الوسطي والقوقاز‏-‏ حيث أصبحت جورجيا وأذربيجان حليفتين لواشنطن‏.‏


وفي نفس الوقت سيستمر عدم الاستقرار في المنطقة حيث سيعبر عن نفسه باندلاع صور جديدة من الإرهاب‏.‏


‏ ما هو رأيك فيما يتردد حول الدوافع الأمريكية الإسرائيلية للسيطرة الكاملة علي مقدرات هذه المنطقة؟


إن البترول العراقي هو الجائزة الاقتصادية والاستراتيجية للمنتصرين في هذه الحرب الأخيرة‏.‏ إن مخزون هذه المنطقة‏-17-18‏ بليون طن‏-‏ يأتي مباشرة بعد مخزون السعودية‏.‏ وقد تزامنت حرب العراق مع ظاهرتين متشابكتين للاقتصاد العالمي‏:‏ أولا النجاح الضخم الذي حققته الشركات التي تعمل في مجال المعلوماتية‏.‏


ثانيا‏:‏ تراجع معدل النمو الاقتصادي أو ركود الانتاج الذي حدث في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان أي المراكز الاقتصادية الأساسية في العالم هذا التراجع الذي واكبه انهيار الأسواق المالية‏.‏ ونجد أن دور قطاع الاقتصاد الحقيقي قد تدعم خاصة في مجال انتاج البترول والمواد الخام الأخري وهذا هو السبب في أن مشكلة السيطرة علي منطقة الخليج وقزوين بكل مواردها البترولية والهيدروكاربونية الضخمة قد احتلت مقدمة الأولويات مرة أخري‏.‏


‏ هل تري أنه من الممكن تدعيم وتفعيل العمل العربي للنهوض بالمنطقة كي تستطيع مواجهة هذه التحديات في ظل الأنظمة القائمة؟


الإجابة علي هذا السؤال ليست بسيطة‏.‏ ومن الواضح تماما أن الدول العربية يجب أن تبحث عن دوافع وحوافز داخلية من أجل تحقيق معدلات أسرع للتنمية وهذا أمر ممكن‏..‏ كما يتضح من أمثلة كوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان وماليزيا وفي الفترة الأخيرة فيتنام‏.‏ ومع ذلك من المستحيل أن تحدث هذه النهضة الاقتصادية السريعة بدون استثمارات أجنبية علي مستوي واسع‏.‏ كما أنه من الصعب للغاية التنبؤ أين ستحدث هذه النهضة‏.‏ وفي الواقع أن مصر لديها أفضل الفرص لذلك بفضل ثرواتها البشرية من أيدي عاملة ومثقفين وخبراء وفنيين‏.‏ ولكن من الصعب أيضا أن نؤكد أن ذلك سيحدث في المستقبل القريب‏.‏ وبالإضافة إلي كل هذه المتطلبات الأساسية يجب أن ينضج المجتمع سياسيا واجتماعيا‏.‏


‏ هل دعيت روسيا الي مائدة إعمار العراق وهل سيكون لها دور في عملية انقاذ التراث الثقافي العراقي؟

فيما يتعلق بروسيا نحن نري أن الولايات المتحدة وبريطانيا تتبعان منطقهما الخاص المعتاد‏:‏ أي المنتصر يحصل علي كل شيء‏.‏ وأنا لا أتصور أنهما سيعطيان قطعة كبيرة من الكعكة الي روسيا أو حتي إلي فرنسا‏,‏ أعني بذلك جزءا مهما من عقود إعمار الاقتصاد العراقي‏.‏ إن روسيا تحاول في الوقت الحالي إنقاذ ولو جزء من مصالحها في الاقتصاد العراقي‏.‏ فمثلا تسعي إلي الحصول علي اعتراف بالديون العراقية لروسيا وذلك طبقا لشروط نادي باريس التي تستلزم شطب جزء مهم من الاعتمادات العسكرية وتريد أيضا أن يتم الاعتراف دوليا بامتيازات شركات البترول الروسية‏.‏


إن الوقت مبكر جدا للتنبؤ بنجاح أو فشل هذه المحاولات‏.‏ وهذا سيعتمد علي موقف الحكومة العراقية من هذه المطالب وبلا شك ستكون حكومة موالية لأمريكا‏.‏


ما هو تقييمك الشخصي لخارطة الطريق؟


إن خارطة الطريق هي خطة لحل المشكلة الفلسطينية الإسرائيلية وروسيا توافق أساسا علي ما جاء في هذه الخطة هي والأعضاء الآخرون في اللجنة المسماة‏'‏ الرباعية‏':‏ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة‏.‏ ومع ذلك فمساحة التفاؤل في هذا الصدد ضيقة جدا‏.‏ فإسرائيل تحاول أن تفرض علي شريكها في التفاوض عشرات التحفظات وبالتالي تهدد فكرة الدولة الفلسطينية وتحول استقلالها الي وهم وتستمر في تمسكها بمواقفها بما في ذلك المستوطنات الإسرائيلية في الأرض المحتلة‏.‏ إن إسرائيل تتجاهل المطالب العربية المتعلقة بوضع القدس وعودة اللاجئين‏.‏ وتصر في نفس الوقت علي وقف أعمال العنف التي تقوم بها المقاومة الفلسطينية‏.‏ وإذا تحدثنا عن الجانب الفلسطيني سنجد أن الخطة ستنسف من جانب المنظمات الفلسطينية المتطرفة التي تطالب بحق الكفاح المسلح ليس فقط في الأراضي المحتلة وإنما في إسرائيل نفسها‏.‏ وليس من المتوقع أن تكف هذه المنظمات عن ممارسة أنشطتها ولن تستطيع حكومة وزعماء الحكم الذاتي الفلسطيني إقناعهم بالتخلي عن استراتيجيتهم الإرهابية‏.‏ هذا بالإضافة إلي أننا لو افترضنا توقف هذه الأعمال التي يصفها العرب بالاستشهادية فإن إسرائيل ستقوم فورا بتقديم مطالب جديدة مثل وضع حد للدعاية ضدها وتغيير المناهج الدراسية‏..‏ الخ‏.‏


باختصار ستستمر الأوضاع كما هي‏..‏ إسرائيل ستواصل استعمارها للأراضي المحتلة ومستقبل الفلسطينيين سيظل غامضا‏.‏


إن أرييل شارون لديه فرصة ليكرر نفس الخطوة التاريخية التي أقدم عليها مناحم بيجين وأعاد سيناء المحتلة إلي مصر مقابل السلام‏.‏ ومع ذلك فالمشكلة الحالية أشد تعقيدا فشارون يتبع في سياسته منطق الجنرال العسكري ويفكر بأسلوب عام‏1948.‏ وبالتالي فمن غير المناسب أن نفكر في تكهنات متفائلة بشأن خارطة الطريق‏.‏


‏ من واقع دراساتك لمنطقة الجنوب وخاصة الدول الأفريقية‏..‏ هل تم شيء ملموس لمواجهة مأساة الفقر والجوع في هذه الدول غير اعلانات التعاطف والنوايا الطيبة‏.‏ علما بأن الإحصاءات تشير إلي أن حوالي‏850‏ مليونا من سكان هذه المناطق يتضورون جوعا وأن كل سبع دقائق يموت طفل دون العاشرة من الجوع‏,‏ ولماذا هذا التقاعس من جانب الدول المتقدمة وغياب الإرادة الجماعية لمواجهة هذه المأساة؟

إن مأساة الفقر والجوع لا يمكن التغلب عليها إلا من خلال جهود المجتمع العالمي كله وبالذات الدول المتقدمة والغنية‏.‏ وهذا هو مضمون البرنامج الذي وافقت عليه الدول الثماني الكبار والذي وضع خطة للتعاون مع الدول الأفريقية‏..‏ ومع ذلك فالأوضاع في الوقت الحالي مأسوية للغاية رغم الزيادات المرتقبة في المساعدات الرسمية لأفريقيا‏.‏

إن الوثيقة السياسية الرئيسية التي تتعامل مع هذه المشكلة هي‏'‏ إعلان الألفية‏'DeclarationoftheMillenium‏ الذي وافقت عليه الأمم المتحدة بالإجماع عام‏2000,‏ وقد صاغت هذه الوثيقة الأهداف الأساسية لبرنامج التنمية والقضاء علي الفقر وحددت موعد إنجاز هذه الأهداف عام‏2015‏ وسيتم تطبيق هذا البرنامج مباشرة في أفريقيا‏.‏
وأهداف البرنامج كالآتي‏:‏
‏*‏ تخفيض عدد الجوعي الي النصف‏.‏
‏*‏ تخفيض أعداد من لا يجدون مياها صالحة للشرب إلي النصف‏.‏
‏*‏ إدخال التعليم الإبتدائي وتحقيق المساواة بين الجنسين في الحق في التعليم‏.‏
‏*‏ تخفيض معدلات الوفيات بين الأمهات بنسبة‏75%.‏
‏*‏ تخفيض معدلات الوفيات بين الأطفال بنسبة الثلثين‏.‏
‏*‏ مكافحة أمراض الإيدز والملاريا والأمراض الخطيرة الأخري والحد من انتشارها

ولكي تتحقق هذه الأهداف تحتاج أفريقيا الي استثمارات ضخمة ولكنها غير فلكية‏.‏ وقد عين سكرتير عام الأمم المتحدة مجموعة من الخبراء من ذوي الكفاءات العالية برئاسة سيديللو رئيس المكسيك السابق في يونية‏2001.‏ وطبقا لتقديرات هذه المجموعة فإن مساعدات التنمية الحالية التي تبلغ‏50‏ بليون سنويا‏-‏ أدني حصة من الدخل العالمي خلال الثلاثين عاما الأخيرة‏-‏ لابد أن تتضاعف‏.‏

وقد جاءت النتائج التي توصل إليها خبراء البنك الدولي والتي نشرت في يناير‏2002‏ مطابقة لتقديرات المجموعة وبالتالي لكي يتم إنجاز الأهداف التي نص عليها‏'‏ إعلان الألفية‏'‏ فإن أفريقيا تحتاج إلي مساعدات إضافية تبلغ من‏40‏ إلي‏60‏ بليون دولار سنويا وهذا المستوي لم يتحقق بعد‏.‏

ورغم ذلك تعتبر أفريقيا أكبر متلق للمساعدات الخارجية الرسمية‏.‏ إن المساعدات الحقيقية التي تصب في أفريقيا الجنوبية من‏1970‏ إلي‏2000‏ تصل إلي‏300‏ بليون دولار‏-‏ بالسعر الحالي‏-‏ وهو ما يفوق المكونات المالية لخطة مارشال عدة مرات‏.‏ وفي معظم الدول الأفريقية تبلغ قيمة المساعدات الخارجية‏10%‏ من مجمل ناتجها الداخلي ومع ذلك لم تؤد إلي إسراع ملموس في التنمية الاقتصادية أو حتي إلي حل جزئي لمشكلة الفقر‏.‏ إن مسألة جدوي الإسهام المالي الخارجي في تنمية أفريقيا اقتصاديا قد أثيرت من قبل في الثمانينيات وهي الآن أكثر إلحاحا‏.‏

إن جزءا هاما وربما الجزء الأكبر من هذه المساعدات التي تتسلمها أفريقيا يعود إلي الدول المانحة بصورة أو بأخري أو يستخدم لمساندة الأنظمة والحكومات‏'‏ المطيعة‏'‏ مثل نظام موبوتو في زائير‏.‏ كما أن نظام توزيع المساعدات كان ولا يزال نظاما فاشلا وغير فعال‏.‏ ففي عام‏1997‏ تم انفاق‏4‏ بلايين دولار‏-‏ أي ربع قيمة المساعدات التي تتلقاها أفريقيا السوداء‏-‏ لدفع رواتب الخبراء الأجانب الذين بلغ عددهم حوالي‏100‏ ألف خبير وغالبا يعملون بالتوازي مع الوزارات المتخصصة‏.‏ وأغلب الظن أن هذه النفقات تزيد بكثير عن المبالغ المذكورة إذا أخذنا في اعتبارنا المكاتب والسيارات والشقق وتذاكر السفر في الإجازات والتأمينات والعلاج الطبي لهؤلاء الخبراء‏.‏ أما نفقات دعم الإصلاحات السياسية والاقتصادية فقد بلغت‏3.1‏ بليون دولار‏-‏ هذا لا يتضمن الديون المشطوبة‏-‏ وبقية المبالغ أنفقت علي المشروعات الاستثمارية وإصلاح العجز في الموازنة‏.‏

لنعود مرة أخري إلي الـ‏300‏ بليون دولار التي تلقتها أفريقيا الجنوبية كمساعدة رسمية‏.‏ ومن الطبيعي أن نسأل كم من هذه الأموال تم الاستيلاء عليها وخرجت من البلاد بشكل غير قانوني؟

إن الرئيس موبوتو استولي بمفرده علي من‏7‏ إلي‏9‏ بلايين دولار وقام بتهريبها إلي الخارج‏.‏ والدكتاتور النيجيري‏'‏ أباشا‏'‏ سرق‏5‏ بلايين دولار‏.‏ أموال بالغة الضخامة استولي عليها العديد من الرؤساء الدكتاتوريين وهربت الي الخارج‏.‏ هذا بالإضافة إلي الأفارقة الأثرياء الذين يقومون بتحويل جزء كبير من ثرواتهم الي الخارج‏-‏ حوالي‏40%-.‏ ولنتذكر أيضا تهريب الماس والمعادن النفيسة وجلود الحيوانات والأخشاب النادرة‏..‏ الخ‏.‏ ومن المحتمل جدا أن كل عمليات التهريب غير المشروعة هذه تفوق بكثير المساعدات التي تمنح لأفريقيا‏..‏ أفقر قارات العالم ليست فقيرة بل يمكن اعتبارها مانحة للدول المتقدمة‏.‏

‏ تحدثتم كثيرا وناقشتم طويلا أهمية دمقرطة العلاقات الدولية‏,‏ أي إقامة الديمقراطية الدولية‏..‏ هل تري هذا الأمر ممكنا بعد أحداث العراق؟

هناك اتجاهان متناقضان في العالم‏..‏ من ناحية تحاول القوة العظمي الوحيدة جاهدة فرض‏'‏ السلام الأمريكي‏'‏ علي العالم عن طريق تصرفات فردية‏.‏ ومن ناحية أخري هذا الجهد الجماعي الذي يقوم به المجتمع الدولي من أجل التنمية يمكن أن يوصف بأنه يهدف إلي دمقرطة العلاقات الدولية‏.‏ في الوقت الراهن الاتجاه الأول هو السائد‏..‏ ومع ذلك هذه الحقيقة تثير وستثير ردود فعل تتناسب مع خطورتها‏.‏

إن النظام الكوني الذي وضعته الولايات المتحدة نظام غير مستقر ومن الواضح أنه لن يعرف الاستقرار علي الإطلاق لأنه يفتقر إلي التوازن الذاتي والقدرة علي تطوير نفسه‏,‏ بل أنه يفترض مسبقا الفوضي وعدم التوازن‏.‏ إن أخطر نتائج هذه التطورات يتضمن سعي عدد متزايد من الدول غير النووية الي امتلاك أسلحة نووية مما يؤدي إلي تدعيم الإرهاب وإشعال الحروب الجديدة‏.‏

إن موارد الولايات المتحدة الضخمة وقوتها الاقتصادية والعسكرية ليست باقية أبد الدهر وسياسة واشنطن تثير المشاعر العدائية ضدها وضد القيم التي تسعي الولايات المتحدة الي نشرها بالقوة في معظم دول العالم‏.‏

‏ هل يمكن إقامة نظام ديمقراطي في دولة متخلفة؟

في الواقع لا يمكن أن تقوم ديمقراطية في دول متخلفة لأن الديمقراطية هي نمط وتعبير سياسي عن وجود مجتمع مدني يفترض إلي جانب عناصر أخري مستوي معينا من التنمية الاقتصادية وبغير ذلك من المستحيل إقامة نظام ديمقراطي‏.‏ والأكثر من هذا أن تجربة التنمية الاقتصادية السريعة في دول مثل كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة وفيتنام توضح أن هذا النمو الاقتصادي السريع إنما يعود إلي السياسة المستنيرة للنظم الفاشستية المعتدلة التي تحكم هذه الدول‏.‏ ولم تستطع دولة متخلفة أن تحقق أي نجاحات اقتصادية عن طريق لعب دور الديمقراطية‏.‏ لابد أولا من تحقيق مستوي معين من الازدهار الاقتصادي وبعدها تطبق المباديء الديمقراطية خطوة خطوة وبشكل يتناسب مع تقاليد وتاريخ وحضارة وثقافة الشعوب‏.‏

‏ ولكن الولايات المتحدة تتصور أنها تستطيع أن تفرض النموذج الأمريكي علي العالم‏..‏ فهل يمكن لحضارة متسيدة أن تفرض قيمها وأفكارها علي بقية الحضارات وهل نحن نشهد اليوم انتصارا لفكرة صراع الحضارات بدلا من الحوار فيما بينها؟

إن ما نشهده اليوم من تطورات لا يشكل انتشارا للثقافة الغربية الأصيلة من فكر وفن وأدب أو انتشارا للإنجازات الرائعة للحضارة الأمريكية‏.‏ إن ما نشهده الآن هو انتشار الأشكال التجارية لهذه الحضارة وأرخص أنواع استعراضات العمل وأحط أنواع الأدب والفن الإباحي‏.‏ وكل هذا يثير ردود فعل غاضبة لدي الحضارات الأخري الإسلامية والكونفوشية والهندية وغيرها من الحضارات العظيمة‏..‏ لذلك لا يمكن فرض القيم الغربية علي حضارات أخري دون تطويعها لتقاليد هذه الحضارات‏.‏

وعلي أي حال فإن نظرية احتمال اندلاع صراعات بين الحضارات ليست سوي دعابة بحتة ومبالغة يتسم بها نوع معين من الصحافة‏.‏ إن حرب العراق قد أدت إلي انشقاق المجتمع الغربي الي مؤيدين ومعارضين للحرب والموقف في العالم الإسلامي مشابه‏.‏ ففي كثير من الأحيان يحارب المتطرفون الإسلاميون ليس فقط ضد الحضارة الغربية وإنما أيضا ضد حكوماتهم ويتهمونها بأنها غير إسلامية‏.‏

من الطبيعي أن يكون هناك آراء متناقضة حول هذا الموضوع ولكن المؤكد هو أن الحوار بين الحضارات هو الطريق للخروج من المأزق الذي خلقته السياسة الأمريكية الأحادية‏.‏

‏ جري الحديث طويلا حول النظام العالمي الجديد‏..‏ هل السيادة الأمريكية المطلقة علي العالم‏,‏ هذه السياسة الأحادية كما تقول هي النظام العالمي الجديد الذي طالما انتظره العالم بعد انتهاء الحرب الباردة؟

طبعا السيادة الأمريكية المطلقة ليست هي ما يصبو إليه العالم بعد انتهاء الحرب الباردة‏.‏ وبالرغم من التفوق الاقتصادي والعسكري والمعلوماتي للولايات المتحدة فإن القوي المنافسة لها تكتسب قوة‏.‏ وربما تواجه واشنطن منافسة شرسة من جانب أوروبا خاصة إذا ضمت إليها الصين واستمرت هذه الأخيرة في تقدمها ونموها السريع بنفس المعدلات الحالية وربما أيضا الهند في مرحلة لاحقة‏.‏ ونحن نأمل أن تتغلب روسيا علي الأزمة وتصبح إحدي مكونات عالم متعدد الأقطاب‏.‏

‏ في رأيك هل ستتمكن الأمم المتحدة من استعادة هيبتها ودورها السياسي مرة أخري وهل كان للتناقض السافر بين منظماتها المختلفة أثر في فقدان المنظمة الدولية مصداقيتها خاصة في دول الجنوب‏-‏ أي التناقض بين المنظمات التي تسعي إلي نشر العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان وتلك التي تدعو إلي عولمة الاقتصاد وسحق الدول الفقيرة‏-‏؟

حقيقة أن قوة المنظمة ووزنها السياسي قد ضعف كثيرا‏..‏ ولكن هل هناك بديل لها؟ طبيعي أن ترغب الولايات المتحدة في تحويلها إلي إدارة من إدارات الحكومة الأمريكية‏..‏ ولكن المجتمع الدولي بحاجة إلي الأمم المتحدة‏..‏

أما فيما يتعلق بالمنظمات ومواقفها المتناقضة فيوجد إلي جانب المنظمات التي أنشأتها الحكومات‏30‏ ألف منظمة أهلية دولية في العالم وجميعها تساند الأمم المتحدة وتعارض العولمة في صورتها الراهنة‏.‏ إن العولمة هي تطور حتمي ولكنها في شكلها الحالي تفيد فقط الدول المتقدمة علي حساب مصالح معظم البشر‏.‏ وطبيعي أن الشركات العالمية التي تستفيد من هذه الأوضاع تهتم بتدعيم الاتجاهات الحالية للعولمة‏.‏

ولكن هذه الأوضاع ستؤدي إن آجلا أو عاجلا إلي مشكلات اجتماعية وسياسية وبيئية لذلك سيكون من الممكن إصلاح الأمم المتحدة وتدعيم سلطتها‏..‏ دعيني أكرر أنه لا يوجد بديل لها‏.‏

‏ ننتقل الآن إلي الحديث عن الشئون الروسية‏..‏ روسيا الاتحادية متهمة بغياب أو شبه غياب دورها القوي علي الساحة الدولية‏..‏ ما هو تعليقك؟

هذا حقيقي إلي حد ما‏..‏ فروسيا تشارك في الشئون الدولية بشكل أقل من الاتحاد السوفيتي وهذا طبيعي‏..‏ فالاتحاد السوفيتي كان المنافس الكوني للولايات المتحدة في مجال الاستراتيجية العسكرية والمجال السياسي والأيديولوجيي‏..‏ رغم أن هذا ينطبق بصورة أقل علي المجال الاقتصادي أما الآن ولكي تحل روسيا مشاكلها يجب أن تركز علي نفسها وأن تكون سياستها الخارجية أداة لحل هذه المشاكل لذلك فإن روسيا تهتم بتعاونها مع الولايات المتحدة حتي ولو كان هذا التعاون علي أساس أنها الشريك الأصغر‏.‏ نحن نستطيع ويجب أن نساعد في محاربة الإرهاب الدولي وتجارة المخدرات وانتشار أسلحة الدمار الخ‏.‏ وفي نفس الوقت تطالب روسيا بتطبيق أسس ومباديء القانون الدولي وتطالب بعلاقات دولية يحكمها القانون وبتدعيم دور الأمم المتحدة كتجسيد للنظام والقانون الدولي‏.‏ وهذا هو أساس خلافاتها مع الولايات المتحدة التي تريد أن تكون فوق القانون الدولي وتقدم منفردة باتخاذ خطوات وقائية متجاهلة الأمم المتحدة‏.‏ وفي هذا المجال تبتعد روسيا عن الولايات المتحدة‏.‏ ولكن هؤلاء الذين يشعرون بالحنين الي زمن الحرب الباردة‏-‏ وأعني هنا بعض دول الشرق الأوسط التي استفادت من المنافسة الأمريكية الروسية‏-‏ هؤلاء يجب أن يفهموا أن الموقف الآن مختلف تماما‏.‏ إن روسيا يمكن أن تقيم علاقات تعاون مع العديد من الدول ويمكن أن تلعب دور الوسيط الشريف في الشرق الأوسط ولكن شريطة ألا يؤدي ذلك إلي مواجهة مع الولايات المتحدة‏.‏

هل توجد ديمقراطية حقيقية في روسيا‏,‏ وهل صحيح أن الشعب الروسي لم يتعود الحرية أو التفاعل مع الأحداث وتكوين رأي خاص به وينفذ الأوامر فقط‏..‏ وبالتالي تظل السياسة الروسية مجرد تعبير عن فكر واتجاهات النخبة الحاكمة؟

طبيعي أن روسيا تخطو أولي خطواتها علي طريق الديمقراطية التي لن تكون صورة طبق الأصل من الديمقراطية الغربية‏,‏ ولكنها تشترك معها في بعض ملامحها الأساسية‏.‏ دعيني أكرر لك الفكرة التي سبق أن أكدتها في كثير من أعمالي‏:‏ إن الديمقراطية هي النتاج السياسي للمجتمع المدني ولا يمكن تطبيقها بموجب قرار أو أكثر‏.‏ والمجتمع المدني يقوم علي أساس طبقة متوسطة قوية وتقاليد وثقافة سياسية محددة تعترف بحقوق المواطنين وواجباتهم‏.‏ ومن هذا المنطلق نجد أن التقاليد الديمقراطية في روسيا ضعيفة فعلا‏,‏ ولكن من السذاجة أن نعتبر الشعب الروسي مطيع دائما وينفذ الأوامر‏.‏ إن ما يميز روسيا عبر تاريخها الطويل هو مزيج من الطاعة والتمرد الثوري‏.‏ أما فيما يتعلق بسياسة النخبة فأنا علي اقتناع تام بأنها ظاهرة عالمية أن تصاغ السياسة بيد جزء من النخبة‏.‏ ففي الديمقراطيات الغربية المتقدمة يتم فرض وجهة نظر النخبة علي المواطنين من خلال أجهزة الإعلام ويصبح معني الحرية هو حق انتخاب أحد المرشحين اللذين يمثلان جناحين من أجنحة النخبة أو حرية اختيار صنف من عشرات أصناف البيرة مثلا‏..‏ وبعض الناس يعتبرون أن هذا هو منتهي الحرية والديمقراطية‏.‏

‏ هل أنت مؤمن بهذا التغيير الذي حدث في روسيا من النقيض إلي النقيض‏,‏ علما بأن هناك بعض القيادات قد غيرت جلدها خلال شهر واحد؟

إن عددا كبيرا من النخبة السياسية الروسية الحالية ينحدر من أصول شيوعية‏.‏ وهذه حقيقة‏..‏ ومع ذلك تم استبدالهم تدريجيا لجيل جديد ليس له آية جذور شيوعية‏.‏ أما بالنسبة لنفاق بعض الساسة فأنا أفهم سؤالك وأتفق معك وأنا أعلم أن يلتسين عندما كان سكرتيرا للحزب في منطقة سفرد لوتسك قام بتنظيم حملات دعائية الحادية ودمر الكنائس بل إن يلتسين هو الذي قام بحرق المنزل حيث نفذ حكم الإعدام في آخر إمبراطور روسي وعائلته المكونة من أربع فتيات وصبي لم يبلغ سن الشباب‏,‏ وبعد أن أصبح هو الرئيس الروسي بدأ يزور الكنائس علنا‏,‏ ويمسك في يده شمعة مضاءة‏.‏ وليس هذا هو المثال الوحيد فرؤساء الجمهوريات الإسلامية الذين كانوا بالأمس يبشرون بالإلحاد والإخلاص للأخ الروسي الأكبر‏,‏ يستعرضون اليوم صلواتهم في المساجد ويؤدون فريضة الحج ويخلصون للقومية ويقدمون أنفسهم كمناضلين من أجل التحرر مما يسمونه الإمبريالية الروسية‏.‏

وهذه المرحلة الانتقالية هي مرحلة حتمية في جميع الدول‏.‏ إن شخصية الكثير من الزعماء تتسم بشيء من النفاق‏.‏

‏ إن سقوط الاتحاد السوفيتي كان هو السبب الحقيقي في تغيير السياسة الأمريكية‏,‏ ولم تكن أحداث‏11‏ سبتمبر سوي المبرر القوي للإسراع بفرض هذه السياسة الأمريكية الجديدة‏.‏ هل هناك أمل في نهضة روسية جديدة تحاصر الغول الأمريكي وتحدث توازن القوي المنشود؟

دعيني أؤكد لك أن نهضة روسية سريعة وتغيرا في ميزان القوي الدولي غير وارد في الوقت الحالي وغير موجود علي قائمة اليوم‏.‏ إن روسيا ضعيفة جدا‏..‏ وحتي لو استطاعت أن تحقق أهدافا في اتجاه التقدم مثل مضاعفة ناتجها القومي خلال عشر سنوات‏,‏ فلن تصبح قوة اقتصادية كبري‏.‏ أما فيما يتعلق بأحداث‏11‏ سبتمبر‏,‏ فأنا مقتنع تماما بأن هذه الأحداث قد استغلت كمبرر لإضفاء الشرعية علي تصرفات الولايات المتحدة التي تهدف إلي فرض النموذج الأمريكي أو السلام الأمريكي‏PaxAmericana‏ علي العالم كله‏.‏

‏ لقد تفشي الفساد بصورة خطيرة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي‏..‏ فهل كان هذا الاستنزاف الهائل لثروات البلا د هو تخريب متعمد؟

في جميع دول العالم‏..‏ مثلا في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق وفي أوروبا الشرقية وفي دول أمريكا اللاتينية‏..‏ الخ‏.‏ نجد أن المرحلة الانتقالية تتسم دائما بازدهار الفساد‏..‏ ومن المؤسف أن هذا الوضع قد أصبح حقيقة في روسيا خلال الإثني عشر عاما الماضية‏.‏ فقد تم ضخ ثروات هائلة إلي خارج البلاد وفقدت روسيا طبقا لتقديراتنا من‏250‏ إلي‏300‏ بليون دولار خلال هذه الفترة‏,‏ وهذا في رأيي نوع جديد من التكفير الذي تدفعه روسيا ثمنا لهزيمتها في الحرب الباردة‏.‏

‏ لقد قدم الغرب مساعدات ضخمة لروسيا من أجل الإصلاح الاقتصادي‏..‏ ماذا كان مصير هذه المساعدات وهل أنفقت فعلا في العمليات الإصلاحية؟

أنا أرفض بشكل قاطع تعبير‏'‏ مساعدات ضخمة‏'‏ من الغرب لروسيا‏.‏ لقد حصلت روسيا علي قروض من بعض المنظمات الدولية والدول الخارجية وهي تقوم بسدادها كاملة‏.‏ وكما هو الحال في أفريقيا والدول العربية فإن هذه القروض تستخدم في دفع رواتب الخبراء‏-‏ وهم في معظم الأحيان شخصيات جاهلة تعطي نصائح خاطئة‏-‏ وفي شراء البضائع من الدول المانحة بأثمان باهظة وفي ترويض جزء من النخبة السياسية الروسية بحيث تصبح معتقداتها وسلوكها منحازا للغرب‏.‏ لذلك غير صحيح علي الإطلاق أن روسيا حصلت علي مساعدات اقتصادية من الغرب بل علي العكس أن روسيا في الحقيقة هي التي مولت الدول الغربية بمعني أن التنمية الاقتصادية الضخمة التي حدثت في الحقبة الأخيرة قامت في جزء منها علي الثروات الروسية الضخمة التي هربت إلي هذه الدول وليس العكس‏.‏

‏ هل أنت مع الرأي القائل بأن معالجة روسيا لمشكلة الشيشان كانت معالجة غير ذكية‏..‏ وكان من الممكن التعامل مع المشكلة بأسلوب الترغيب لا الترهيب وبطريقة جاذبة لا طاردة؟

أنا أعتقد أن سياسة المراكز الروسية في الشيشان لم تكن سياسة حكيمة‏.‏ بالتأكيد أن هذه المشكلة كان لا بد أن تحل حلا سياسيا‏.‏ إن الشيشان قد أصبحت جرح روسيا الذي ينزف ومع ذلك دعينا ننظر إلي الجانب الآخر من القضية‏.‏ إن سياسة روسيا كانت سياسة سخيفة بلا شك فقد استخدمت القوة بلا سبب وفي مناسبات عديدة‏.‏ كما أن بعض الدوائر كدست ثروات هائلة من حرب الشيشان وكان همها الأول هو إراقة الدماء مؤكدة ذلك المثل الروسي الذي يقول‏'‏ الحرب هي الأم الحبيبة لبعض الناس‏'.‏ ولكن عندما استقلت الشيشان بعد الحرب الأولي لم يعمل زعماؤها علي بناء الدولة بل قاموا بدلا عن ذلك بتأليف فرق من اللصوص وقطاع الطرق‏..‏ وكانت مهمة هذه الفرق كالآتي‏:1-‏ الاستيلاء علي المبالغ التي خصصتها السلطات الروسية لدفع رواتب المدرسين والأطباء ومعاشات كبار السن‏.2-‏ سرقة البترول الذي يضخ عبر الشيشان‏.3-‏ تجارة الرقيق‏:‏ فقد قام الشيشانيون باختطاف‏1500‏ شخص للحصول علي الفدية‏,‏ وكانوا يقتلون الرهائن في حالة عدم الدفع‏.‏ وأخيرا قامت القوات المسلحة الشيشانية بالهجوم علي جيرانها من الجمهوريات الإسلامية التابعة للاتحاد الروسي‏.‏

كل هذا أدي إلي حرب الشيشان الثانية واحتلالها من جانب القوات الروسية‏.‏ وقد أخذت هذه الحرب شكل حرب العصابات بسبب الأعمال الإرهابية التي تقوم بها العصابات الشيشانية‏.‏ ومازالت المشكلة بعيدة عن الحل‏.‏ ومن الخطأ تشبيه الشيشان بفلسطين‏.‏ ففي فلسطين استولي اليهود علي أرض عربية أما في الشيشان فقد استولي الشيشانيون علي أرض روسية‏.‏ ولا توجد وحدة حكم ذاتي في أوروبا تتمتع بمثل ما تتمتع به الشيشان من حقوق‏.‏

‏ لقد عبرت روسيا منذ فترة عن رغبتها في الانضمام إلي الاتحاد الأوروبي‏..‏ هل سيستطيع اقتصادها تلبية شروط هذا الانضمام؟

علي حد علمي فإن روسيا لن تنضم إلي الاتحاد الأوروبي في المستقبل القريب‏.‏ إنها تنوي تنسيق الجهود مع دول أخري من دول الكومنولث الروسي حتي يمكنها الانضمام إلي منظمة التجارة العالمية‏.‏ أما الشق الثاني من هذا السؤال فمتخصص جدا ويحتاج إلي جدل طويل ودراسات مستفيضة‏.‏

‏ كيف أثرت العولمة علي روسيا وما هي سلبياتها وإيجابياتها بالنسبة للنظام والشعب الروسي؟

إن العولمة أثرت حقيقة علي روسيا‏.‏ للأسف روسيا لم تكن قد وجدت مكانها بعد في عالم العولمة‏,‏ فكل صادراتها إلي الخارج عبارة عن مواد خام أو مصنعة جزئيا مثل البترول والغاز والمعادن والأخشاب‏..‏ الخ‏.‏ حقا إن تصدير الآلات والمنتجات ذات التقنية العالية ينمو سريعا ولكنه يظل غير كاف‏.‏ كما أن عمليات الإصلاح قد أثر تأثيرا سيئا علي حياة الجزء الأكبر من الشعب الروسي‏.‏ وعلي الرغم من النجاح الذي حققته التنمية الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة إلا أن العديد من المشاكل لا تجد حلا‏.‏

‏ حدثنا عن وضع روسيا في الشرق الأوسط وعلاقاتها بدول هذه المنطقة وخاصة مصر وكيف يمكن تنمية وتدعيم هذه العلاقات؟

يبدو لي أن هذه هي إحدي الحالات النادرة حيث لا يوجد تناقض بين المصالح العربية والمصالح الروسية سواء المصالح الحالية أو المستقبلية‏,‏ فكل طرف يهتم بالتعاون مع الطرف الآخر‏.‏ إن روسيا تستطيع أن تقدم مستويات عالية ومتوسطة من التكنولوجيا إلي الدول العربية‏,‏ وهذه الأخيرة تستطيع بدورها تصدير منتجاتها الاستهلاكية التقليدية والحديثة إلي روسيا‏.‏ بالإضافة إلي أن معدلات الثقة في روسيا قد ارتفعت كثيرا خلال العامين الأخيرين وربما تصبح عنصرا جاذبا للاستثمار من قبل الدول العربية الثرية‏.‏

إن التعاون في كل هذه المجالات يتطلب جهودا ثنائية‏.‏ وأعتقد أن الدول العربية يمكنها فعل الكثير لتدعيم هذه العلاقات‏.‏ فمثلا إسرائيل تقوم بإنشاء جامعات ومراكز بحوث ومراكز لدراسة التاريخ والثقافة اليهودية وتعليم العبرية‏..‏ الخ في كثير من المدن الروسية‏.‏ والعرب لا يفعلون شيئا في هذا الصدد‏.‏

وأعتقد أنه قد آن الأوان حاليا لإقامة معهد في موسكو علي غرار معهد‏'‏ العالم العربي‏'‏ في باريس وتكون مهمته إجراء البحوث المتعلقة بالعالم العربي لمخاطبة النخبة الروسية والرأي العام الروسي‏.‏ ويمكن أن تتوافر بالمعهد مكتبة تضم قاعات للقراءة حيث يستطيع المثقفون الروس الإطلاع علي كتب وصحف الدول العربية وأيضا قاعة سينما لعرض الأفلام العربية ويمكن أيضا تنظيم معارض وحفلات إلي جانب دار للنشر تقوم بطبع روائع الفلسفة والأدب العربي الكلاسيكي والحديث ويمكن أن تعطي أيضا دروس في اللغة العربية‏.‏

إن مثل هذه المؤسسة ستكون معبرا بين الثقافتين العربية والروسية‏.‏ وأداة هامة للتفاهم المشترك‏.‏ وفي البداية يمكن أن تبدأ هذه المؤسسة عملها من خلال معهد الدراسات الأفريقية الموجود في موسكو الذي يتناول مشكلات كل من دول جنوب وشمال الصحراء في أفريقيا وذلك سيقوم بتسهيل المرحلة الأولي لعمل مماثل لذلك الذي يقوم به معهد‏'‏ دراسات العالم العربي‏'‏ في باريس‏.‏ ويمكن أن ترأس هذا المعهد شخصيتان مرموقتان من روسيا والعالم العربي شريطة أن يكونا من ذوي الخبرة والكفاءة سواء في مجال العمل العام أو الأكاديمي‏.

منقووول للفائدة .
AlexaLaw